أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - طريق المواطن الأردني















المزيد.....

طريق المواطن الأردني


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3341 - 2011 / 4 / 19 - 16:35
المحور: كتابات ساخرة
    


اليوم جاءتني فاتورة الماء التي دفعتُ قيمتها في الشهر الماضي والشهر الذي قبله, وبصراحة ضحكتُ جدا ولم أغضب لأنني وقتها وأنا أتسلم الفاتورة من الجابي شعرتُ فعلاً وكأنني أتسلّم وسام الاستحقاق الملكي من الدرجة الأولى على صبري وشجاعتي وأنا أدفع بالفاتورة دون أن أعترض فهذه لوحدها شجاعة ليست بعدها شجاعة وشعرتُ بأنني في وطني الأردن فلا يمكن أن تجد بلدا إلا الأردن يفعل بمواطنيه هكذا أفعال مشينة فلا يمكن أن يدفع المواطن في أي دولة أخرى نفس فاتورة المياه أكثر من مرة, وكيف سأتخيل نفسي مواطناً أردنيا دون أن أدفع فاتورة المياه أكثر من مرة؟ وكيف سأتخيل نفسي مواطنا أردنيا دون أن أجد في جيبي ثمن كيلو الخبز؟ وكيف سأشعرُ بأنني مواطن أُردني ودون أن يتضرر أينما ذهب!!.. لا يمكن أن أتصور نفسي في بلدي أو في وطني دون أن أشعر أنني هلكان ومتعب ومجبر على لعق ملح الأرض , ولا يمكن أن أتصور نفسي أنني في طريقي إلى النهاية دون أن تكون النهاية مؤلمة ومحزنة وآسفة , منذ البداية كان عليّ أن أدفع فاتورة المياه عشرة أضعاف قيمتها الحالية وذلك لكي أبقى متيقناً بأن جابي الشركة لن يدق باب داري مرة أخرى وكان لازما عليّ أن أسأل الشركة هذا السؤال (انتوا أكم مره بدكم لياني أدفع نفس الفاتورة؟) , كان عليّ أو كان قدري يُحتّمُ عليّ أن أسلك منحدرات صعبة لأتأكد أنني فعلاً في بلدي ,وكانت لا بد من أن تواجهنا المتاعب وتقاومني سرعة الريح وتردني للوراء خطوتين كلما تقدمت خطوة واحدة, كان عليّ قبل كل شيء من الاستمرار على التأكد أنني في بلدي حين أرجع في كل يوم خطوتين أو 100 خطوة للوراء, فهذا هو الأردن العظيم وهذا هو الوطن العظيم الذي يتفنن في تعذيب المواطن الأردني , كنت في بلدي طوال عمري وفي طريقي أرجع إلى الوراء وكان الناس يمرون من جنبي وهم يتقدمون إلى الأمام لذلك كلما شاهدت بلدا يتقدم كلَ يوم خطوة للأمام فورا أعرف بأن ذلك البلد بلداً غريباً عني وليس بلدي بل هو حلمي في أن أعيش ولو على أرصفته متشردا فهذا أهون مليون مرة من إحساسي اليومي بأنني مواطن أردني محروم من أبسط قواعد المواطنة الحقيقية ويدفع نفس قيمة الفاتورة أكثر من 3 مرات متكررات.

وفي طريقي منذ البداية كان كل شيء طويل جدا وكبير جدا وبلا فائدة أي كما كانت تقول جدتي حمده أم علي رحمها ألله (بعض الناس طولهم طول السنه بلا حسنه) وكذلك المعاملات في بلدي الأردن طويلة طول السنه بلا حسنه , وأي إجراء يتم بشكل طويل ومطول وكما يقولون (احبال الدوله طويله) ولم تكن الطريق مناسبة لحجمي ولم يكن الوطن مناسبا لحجمي الفكري والفلسفي والعاطفي فهذا البلد الأردن لا يتناسب مع أبسط الأشياء التي أحلم بها ولو حاولت أن أمد رجلي على الخارطة لَما وسعنني الأراضي الأردنية كل شيء يبعث على الاشمئزاز,الشوارع الطويلة والمتسخة والتي لا يوجد فيها مكانا للوقوف والروتين الطويل والممل,وكذلك منظري المحزن الطويل الأسف وأنا أقف على باب الدار وأتسلم بفاتورة المياه التي أدفعها نفسها كل شهر ,وطول الطريق وكثرة التحديالت الصعبة كانت مخلوقة لرجل مثلي مكتوب عليه أن يسلك كل تلك المنحدرات وأن ينزلق كل تلك المنزلقات الخطرة وذلك لكي يشعر أو لكي أشعر بأنني فعلا في بلدي الأردن, كانت الطريق التي أسير فيها طويلة جدا وصعبة جدا وكانت كأنها رحلة شاقة إن السير في الأردن يعطيني انطباعا أنني أسير في حمام مقطوع من المياه, كان من واجبي أن أواجه قطاع الطرق وأن أحافظ على وجودهم وذلك حتى أبقى أشعر بأنني أردني الجنسية فتخيلوا الأردن بدون البلطجية والكذابين والأفاكين الذين يحكموننا كيف سيكون شكل الأردن لو غابوا عن شوارعه ومدنه ومؤسساته فتخيلوا معي شكل الأردن بدون عمالة وافدة تأكل حق الأردني, وتخيلوا معي شكل الأردن بدون مفسدين, من المؤكد أن البلد لن يكون حلوا وجميلا فبدون المرتشين والكذابين والنصابين والبلطجية والزعران والشبيحة لا يمكن أن يكون الأردن جميلا ولو قمنا بإخراج كل هؤلاء من الأردن فلن يكون شكل البلد سياحيا أبدا, وكان من واجبي أن أواجه الزعران والشبّيحة والبلطجية, كانت طريقي طويلة جدا بحجم شعاع الشمس, وكانت الطريق المكتوبة على عيوني وعلى جبيني مخيفة ومرعبة,وكانت الإجراءات طويلة في كل مكان أذهب إليه ففي كل دائرة حكومية أذهب إليها لا بد وأن أعود لأراجع فيها أكثر من 100 مرة لكي تتيسر أموري وكل دائرة حكومية أدخلُ إليها لا بد وأن أصعد وأنزل من طابق إلى طابق 100مرة ولا بد أن أسير من عمارة إلى عمارة 100مرة ولا بد أن أدخل وأخرج من مكتب إلى مكتب 100مرة و ذلك لكي أحافظ على لياقتي البدنية وفي النهاية يطلبون من المواطن السكوت والمحافظة على الهدوء, وفي كل مرة أنهي فيها أي معاملة حكومية أشعر وكأنني كنت مسجونا وقد جاءني الإفراج أو العفو العام,وكان قدري هو طريقي,وكان طريقي هو أن أبقى أردنيا, وكان رجائي هو الطريق الذي أسلكه, وطريقي طويلٌ جدا وطريقي صعبٌ جدا وطريقي فيه مطبات وحفر متعددة, كانت الطريق الطويلة كلها حُفر وكلها شوك وحجارة ومنعطفات مجنونة ,ولم أشاهد في طريقي إلا أناس سيئون جدا وأشباحاً مخيفة ومرعبة , وشاهدتُ أناسا طيبين ولكنهم كانوا قِلةً قليلة جدا.. كان كل شيء طويل بما في ذلك أفلام الرعب التي شاهدتها وعاصرتها في طريقي, وكنت أجد حبال الحكومة في كل مكان أذهبُ إليه ,وكل القصص التي حدثت معي كانت طويلة ليس لها أول وليس لها آخر, وكان للناس الذين أشاهدهم أنياب كبيرة مثل أنياب القطط وكان الكل يريد افتراسي والكل يريدُ خنقي, وفي نهاية كل يوم كنت أعتصر -وما زلت -ألما على فراشي, ووجهي يتقلب على سرير طويل, كل شيء طويل ومخيف , فقد كانت الخيوط أمامي طويلة, وكنت وما زلت أكتئبُ جدا حين أتذكر بأن الطريق ما زال طويلا وأطول مما أتوقع وبأن الحياة مع هذا العالم هي عبارة عن قصة صراع طويلة بين الخير وبين الشر وسأمضي عمرا طويلا حتى أشهد نهاية المعركة وهي إلى صالحي وإلى جانبي, إن القصة طويلة والحكاية طويلة والمأساة أطول.

وكل حكاية أحكيها يجب أن تكون طويلة وكل قصة حب أو عشق أصادفها يجب أن تكون محزنة ومؤلمة وتراجيدية بكل ما تحمله كلمة التراجيديا من معنى وفوق ذلك كله تكون النهاية طويلة والنزيف الدموي والعاطفي طويلا,والليالي التي أصادفها هي ليالي طويلة, كان طريقي عبارة عن شبحٍ طويلٍ وكان هنالك ليلا ومظلماً وطويلا وكان في مخيلتي خيالا طويلا وكان إلى جانبي ظلا طويلا وكان كل شيء طويل جدا , الليل كان طويلا,ودائما أتذكر رواية (الرجل صاحب الظل الطويل) والنهارُ كان حزينا, وشهور الصيف كانت طويلة, وليالي الشتاء كانت أطول من ليالي الصيف, وكانت القصة التي رويتها طويلة, وكان الأمدُ طويلا وكانت الناحية الشرقية طويلة وكانت الناحية الغربية من بيتي مُعتمة جدا, وكانت الأشجار طويلة, وكانت الحكاية طويلة وكان كل شيء أصادفه مرسوما بالطول حتى الوجوه التي صادفتها في طريقي وقابلتها كانت مستطيلة الشكل وطويلة وكانت المسافة ما بين الأرض وما بين السماء طويلة, وكانت الغيوم طويلة وكانت أعمدة الدخان طويلة, وكانت سحابات الغمام والألم والحزن طويلة, وكانت الأعاصير تحملني معها طويلا وكنت أسهر سهرا طويلا وكنت أنتظر انتظارا طويلا حتى نشرات الأخبار التي سمعتها كانت مملة لأنها كانت طويلة, وكانت الأغاني طويلة والإيقاعات والنوتات والمعزوفات الموسيقية كانت أيضا طويلة , وكان كل شيء طويل وبلا فائدة وكان وما زال الألم يحتضنني أياما وأياما وشهورا وسنين طويلة, وكان كل شيء في داخلي طويلا وكان الأمل الذي فقدته طويلا وكان شهر العسل الذي ما زلت أحلم به طويلا وطويلاً وطويل وموعده أيضا طويلٌ جدا , وكانت مرثية الحزن طويلة وكانت العصارة على خدي طويلة وكان الجرح وما زال طويلا وكانت أيامي وأيام شقائي في الطريق طويلة, وكانت المسافات تتباعد طويلا وكانت طريقي تأخذ منحنى آخر بعيدا وطويلا وكانت الطريق بالاتجاه الآخر مزدحمة وطويلة وكانت المسافة التي قطعتها طويلة وكانت وما زالت المسافة المتبقية طويلة جدا وحين اكتشفت كل ذلك وقفت في منتصف الطريق باكيا فلا أنا قادرا على قطع المسافة المتبقية لأنها طويلة ولا أنا قادر على العودة إلى نقطة البداية ولا أنا قادر على التوقف في منتصف الطريق ولا أنا قادر على الجلوس في الطريق الطويل, كنتُ كمخلوق ابتلع السكين فلا أنا قادر على إتمام عملية البلع ولا أنا قادرٌ على إخراجها من حلقي, أي أنني لم أستطع التقدم للنهاية أو العودة إلى نقطة البداية.

إن طريق الآلام قد تعودنا عليه, ونحن أو أنا لا أستطيع أن أسلك طريقا سهلا بدون منحدرات, ولا أستطيع أن أسير في طريق كله نور بدون أن يكون الطريق من أوله إلى آخره ظلام في ظلام, وأنا لا أستطيع التعايش مع الأناس الطيبين جدا, لأنني اعتدت طوال الطريق أن أتعايش مع الأشرار, وأنا لا أستطيع أن أسلك الدرب أو الطريق القصير, الطريق التي اعتدتُ عليها هي الطريق الطويلة, والطريق التي اخترتها هي الطريق الطويلة, وأنا لا أستطيع أن أتخيل الطريق في بلادي دون عملاء السوء ودون القُطاع الذين يقطعونها, وأنا لا أستطيع أن أتخيل وطني بدون وجود الأشرار به يملئونه في كل الدروب وفي كل البيوت بيتاً بيتا وشارع شارع وحاره حاره وزنقه زنقه, أنا إذا سرتُ في طريق سهلة أشعر بأنني لستُ في بلادي,وإذا عشت يوما مفرحا أشعر بأنني لستُ في الأردن وإذا صادفت بالصدفة إنسانا طيبا أشعر أنني لست في بلادي, وإذا واجهت مثقفا حقيقيا أشعر فعلا أنني لست في بلادي, إني حتى أبقى أشعرُ أنني في الأردن يجب أن أسلك الطريق الخطأ والطويل والخطر, وحتى أبقى اشعر أنني في وطني الأردن يجب دائما أن أشاهد الحُفر في طريقي وفي الشوارع كلها ويجب عليّ كل يوم أن أواجه الإعلام السيئ والناس السيئون والأشرار هكذا أشعر بأنني أسير بالاتجاه الأصح وهكذا أشعر أنني أعيش في بلدي وفي وطني الذي أدفع به الفاتورة أكثر من مرة.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحاكم والشعب والإله
- فوائد الصُحف الأردنية
- الثرثار1
- الثقافة تضطهدنا
- أخي الطيب
- كلي آلام
- الإنسان الآلي
- أنا الأردني الأصل
- روحي
- من سيطمع بالبنت الأردنية؟
- السوالف عن الناس الطفرانه
- هرمنا
- عسكر وحراميه
- اتجاهات
- من يوميات مثقف أردني4
- ماذا أعبد؟
- البنت مش عيب
- كلمة إلى ابنتي وفاء البتول
- وأخيرا جاءت وفاء سلطان
- الأوراق المتسخة


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - طريق المواطن الأردني