أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جهاد علاونه - كلي آلام














المزيد.....

كلي آلام


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3336 - 2011 / 4 / 14 - 09:31
المحور: حقوق الانسان
    


أشعر دائما باللغة العبرية الفصحى بأنني (يوسف الحزين) هكذا ترجمه الفراعنة إلى (يوزر سيف) أي الحزين, أو المتألم دائماً, وأنا كوني شرقي سرياني فإنني ما زلتُ أحتفظ بنفس الصفات التي جعلت من يوسف حزيناً ومن المسيح فاديا للعالم كله ليخلصه من نفس الآلام التي كان يتألم لها يوزرسيف.

وحدي أتألم وأنا أعيش في هذا العالم الذي ستنتهي ولايته قريباً, وحدي أجوع وأتألم ولا أحد يجوع معي ولا أحد يتألم لآلامي, ووحدي أشعر بالألم ولا أحد يشعر بوخز الضمير مثلما أشعرُ به أنا,وكثيرا ما تراودني بعض الأفكار المسئولة والتي تقول لي بأنني أتحمل مسئولية هذا العالم وكأنني أمٌ تتألم على آلام أبنائها رغم أنني كثيرا ما أشعر بأنني إنسان عادي إذا ما تمت عملية قياسي بالآخرين, لذلك أشعر بعد كل عملية مقارنة بيني وبينكم بأنني عبارة عن مخلوق لا راح ولا إجا أو أنني إنسان بسيط جدا في تكوينه وفي تركيبه , وكثيرا ما أحاول التخلص من هذا الإحساس مرارا وتكرارا فأقول : متى ستنتهي ولايتي على هذا العالم؟ ومتى سيموت الإحساسُ في داخلي؟ ومتى سيتيقظ الإنسان اللامبالي وأللا مسئول في داخلي ,أنا كلي مسئولية وأتحملُ كثيرا من الأوجاع التي لا تعنيني في شيء إذا ما قستُ تصرفاتي بالحكمة وبالمنطق, أما إذا قست آلامي بمستوى ما بداخلي من عنفوان ومن أحاسيس ومن مشاعري فإنني أشعرُ بأنني أستطيع أن أعطي هذا العالم كله أحاسيس من عندي وعواطف من عندي دون أن ينقص ذلك العطاء من تشنجاتي الكثيرة شيئاً, فأنا أشعر أن بداخلي نفساً طويلا للحزن ونفسا طويلا لتحمل الآلام والأحزان , وأنا لا أصلح بأن أكون مخدرا لهذا العالم أو أفيونا لهذا العالم أو شرابا سحريا ينسي العالم وينسيني ألمي فكل ما بداخلي عبارة عن وعي وعن مسئولية وعن اهتمام وعن صحو, فمتى سأتخلص من نفسي, إن نفسي تتعبني جدا وأريد التخلص من ذاتي, ووجهي يتعبني جدا وأريد التخلص منه لأنه لا ينفع للتقلب وللتغير بعدة أشكالٍ وأشكالٍ وألوان, وأريد التخلص من عيوني التي تشاهد كل شيء ولا تستطيع أن تغض الطرف أو أن تنام دون أن ترسلي لي برسالة أنني المسئول الأول والأخير عن هذا العالم, ولكن لماذا لا يتحمل أصحاب القرار مسئولياتهم الحقيقية ؟ ولماذا يتحمل المسئولية والقرارات إنسان مثلي لم يصدر بحياته أمرا أو لم يكتب بحياته وطوال عمره قرارا سريا أو سياسياً, إن يدي اليمين تتعبني جدا حين أتذكر أنني قمت بواسطتها بطباعة وبكتابة عدة مقالات وهي تتعبني حقا حين أتذكر بأن شخصا ما يقرأ لي ويتألم بسببي وبسبب جوعي وعطشي وتعبي, حتى الذين يشعرون بما أشعر به أتألم لهم لأنني أعرف مقدار الألم وما يبعثه الألم في النفس من ضغينة, وأذني تؤلمني وكل شيء في جسمي يؤلمني وأينما أضع إصبع يدي أشعر بالألم ففوق الصدر ألم وتحت الصدر ألم وفي جيوبي ألم وفي بناطيلي وقمصاني ألم وفي كل عضو في جسمي ألم فضيع وكلي على بعضي محاولة فاسدة لفهم العالم بدون ألم, فأنا لا أستطيع أن أفقه أي شيء مما يدور حولي من أحداث دون أن أتألم, ولا أستطيع أن أشاهد امرأة تمشي في الطريق دون أن أتألم عليها أو دون أن أتألم لأجلها, أنا شخص مدمن جدا على الألم وفي كل يوم أتألمُ أكثر من مليون مرة, فأعصابي تؤلمني والدعايات السياسية والفنية والتجارية تؤلمني بقدر ما أشعر فيها من كذبٍ علينا وعلى الناس البسطاء, ومنظر الرجال والنساء والأطفال وهم يمشون في الأسواق يؤلمني جدا , وكل شيء في حياتي وكل ما يلقاني في طريقي مؤلم جدا وكل شيء يبعثُ على الألم ولا أشعر بالسرور أبدا وأشتهي في يوم من الأيام أن أشاهد برنامجا ثقافيا دون أن أشعر بسببه بالألم وأتمنى أن أشعر بالسعادة وبالسرور المؤقت إذا شاهدت برامج ثقافية, حياتي تبعث على الألم وطريقة تناولي للطعام مؤلمة وطريقة أكلي وشربي مؤلمة, الألم ينتشر في كل أنحاء جسدي الألم يقتلني والألم يجبرني على البكاء الدائم وعلى قلة النوم في الليل الطويل.

وألمي المتواصل هو هوايتي,وألمي المتوارث عن أسلافي هو سر تحنيط صورتي المؤلمة, وطبيعة موقفي من الفلسفة وكثرة محاولاتي الفاشلة لتغيير صورتي تجعلني دائما قلقا أتألم وليس من الغريب على شخصٍ مثلي أن يتألم لأي مشهد يراه حتى وإن كان المشهد مفرحا لغيري من الناس, فأنا أتألم لمنظر طفل وبيده طائرة ورقية وأتألم لمنظر شخص يمشي في الشارع حتى دون أن أعرف أنه يعاني أو يتألم, وكل الذين أتألم بسببهم وأتألم من أجلهم أشعرُ بأنهم يفرحون جدا لآلامي وهنا تقع الغرابة نفسها وهي أنهم لا يعلمون بأنهم هُم وحياتهم هي سبب آلامي وإذا رأيتهم يضحكون ويمرحون ويلعبون ,أيضاً أعود للتألم عليهم من جديد, وأنا إنسان حساس جدا أتحسس من أشعة الشمس وأتحسس من نفسي وأتحسس من أي شيء تلمسه يدي وأتحسسُ من أي منظر تشاهده عيني فأبكي عليه في أعماق نفسي الوجدانية وأتألم عليه ألما شديدا, والآن أشعر بالألم وهو في داخلي حين يعتريني الحزن على هذا العالم الذي فقد عقله وفقد مصداقيته, أنا أتألم لأي شيء ولأي منظر ولأي صوت تسمعه أذناي, حياتي كلها آلام, وطريقي كلها آلام, ومسيري كله قد سرته على درب الآلام الحزينة, ونمت كثيراً وأنا أتألم حتى في أحلامي لا تفارقني آلامي, وأوجاعي كثيرة وكل ما أشاهده يوجع ضميري ويوجع قلبي.

والآن أما آن لهذا الإنسان أن يضحك قليلاً؟ أو ما آن لهذا المخلوق المتألم دائماً أن يفرح قليلاً؟, وأنتم, أما آن لكم أن تسعدوني قليلاً؟ أما آن لكم أن تتصرفوا تصرفات تسعدني أو تجعلني أطير في الهواء من من كثرة السعادة, أما آن لكم أن تطيروا بي فرحا وسرورا إلى عالم كله سعادة, لقد مللتُ من إحساسي بآلامكم وأنتم من لا يحس بها, فكيف بي أشعر بالحزن عليكم وبالشفقة عليكم وأنتم لا تحزنون على أنفسكم, تباً لهذا العالم الذي لا يشعر ولا حتى بنفسه, تباً لهذا الوقت الذي صرنا فيه نتألم على غيرنا وغيرنا لا يتألم على آلامنا ولا حتى على نفسه, متى ستكفون عن إشعاري بالألم؟



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسان الآلي
- أنا الأردني الأصل
- روحي
- من سيطمع بالبنت الأردنية؟
- السوالف عن الناس الطفرانه
- هرمنا
- عسكر وحراميه
- اتجاهات
- من يوميات مثقف أردني4
- ماذا أعبد؟
- البنت مش عيب
- كلمة إلى ابنتي وفاء البتول
- وأخيرا جاءت وفاء سلطان
- الأوراق المتسخة
- أنا مجرد رقم
- أعداء الأردن
- ممن يتعلم الأطفال الكذب!
- المرأة تستعمل لسانها للحوار والرجل يستعمل يده للحوار
- الريموت كنترول
- مظاهرة تأييد في لواء الطيبه


المزيد.....




- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...
- حماس: لا نريد الاحتفاظ بما لدينا من الأسرى الإسرائيليين
- أمير عبد اللهيان: لتكف واشنطن عن دعم جرائم الحرب التي يرتكبه ...
- حماس: الضغوط الأميركية لإطلاق سراح الأسرى لا قيمة لها
- الاحتلال يعقد اجتماعا لمواجهة احتمال صدور مذكرات اعتقال لعدد ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جهاد علاونه - كلي آلام