أحمد لاشين في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: ضرورة الدولة المدنية في ظل غياب الوعي الاجتماعي وسطوع تيارات الإسلام السياسي


أحمد لاشين
الحوار المتمدن - العدد: 3359 - 2011 / 5 / 8 - 12:36
المحور: مقابلات و حوارات     

 أجرى الحوار: حميد كشكولي
من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا – 50 - سيكون مع الأستاذ أحمد لاشين حول: ضرورة الدولة المدنية في ظل غياب الوعي الاجتماعي وسطوع تيارات الإسلام السياسي .


1ـ أرى أن الدعوة لتطبيق الشريعة تعتبر نقيضا للتعددية الدينية والسياسية والثقافية في المجتمع ، وغبنا لحقوق الأقليات غير المسلمة فهل ترون ذلك مع مراعاة أن جل الدساتير في البلدان العربية والاسلامية مثلا تنص على أن دين الدولة الرسمي هو الاسلام و أن الشريعة الاسلامية هي المصدر الأساس للتشريع؟

إضافة هذا المادة في معظم الدساتير العربية،يرجع في أغلبية للصراع السياسي الذي تم في ظرف تاريخي معين ،مثل ما حدث في مصر ودستور 1971،حيث اضطر النظام السياسي للرئيس السادات أن يعدل من تلك صياغة تلك المادة،بهدف الاستقواء بالأخوان المسلمين والتيار الديني،أمام مراكز القوى السياسية المتبقية من العهد الناصري.وبالتالي أصبحنا في مأزق حقيقي أمام قدسية الدين ،وأطماع الحركات الدينية المدعومة سياسياً آنذاك.وهذا يختلف بشكل ما،عن الدعوة لتطبيق الشريعة في الحالة الراهنة،فالدعوة الآن تهدف السيطرة على الهرم السياسي بواسطة الدين أو قدسيته ومقداسته،والمشكلة الحقة تكمن أن الدين بالنسبة لهؤلاء لا يتعدى وجهة نظر تم تقديسها ،أي مجرد أراء فقهية تحولت مع التقادم والإلحاح إلى شريعة ثابتة غير قابلة للنقاش أو التغير.وبالتالي سينسحب ذلك مباشرة على الوضع الاجتماعي،بحيث سيتحول المجتمع إلى سادة إسلاميين وأقليات دينية مختلفة ومكفرة بطبيعة الحال من قبل التيارات الدينية.فإشكالية تطبيق الشريعة لا تتمثل في الشريعة في حد ذاتها،وإنما في الأراء الفقهية والشخصية التي تحولت إلى شريعة،مع عدم وجود ضامن أو ضمان حقيقي ثابت يكفل الحرية والعدالة والمساواة لدى تطبيق الشريعة الفقهية الإسلامية لكل فئات المجتمع وعناصره وأقلياته.


2- شعار " الاسلام صالح لكل زمان ومكان" الذي يرفعه الاسلاميون دوما، ويقفزون على التطور الهائل الذي احرزته البشرية طوال مئات السنين منذ نزول النص القرآني ، ويحشرون الدين في معترك السياسي اليومي ، بصراعاته وتناقضاته ثم يرفضون توجيه النقد لمضامينه ونصوصه ، يراد تطبيقها في حياة الناس ، فكيف يستقيم هذا ؟
 

شعار الإسلام صالح لكل زمان ومكان،محاولة من الإسلاميين أن يصبغوا رؤيتهم للدين بحداثة وتجديد،غير متسق مع الطبيعة الدينية في حد ذاتها.فالهدف من الدين كما الهدف من كل الأفكار الإصلاحية،تهذيب المجتمع وتغييره في عهد ظهور هذا الدين أو الفكرة،وبالتالي حقق نجاحه في وقته لاحتياج المجتمعات لهذا التغير،وبالتالي من الممكن أن يكون الإسلام صالح لكل زمان ومكان،في بعده الأخلاقي والاجتماعي،وليس في تطبيقاته السياسية والاجتماعية بشكل عام،فلقد تمكنت البشرية بعد ذلك عن طريق التجربة والخطأ أن تتوصل إلى نظم سياسية أكثر اتساقاً مع متطلبات العصر،فالفكر الإسلامي أثبت فشله حال تطبيقه سياسياً على مدار العصور التي حُكم فيها باسم الدين،حتى في العصر الحديث،ولنا في المملكة السعودية وإيران المثل الأعلى في هذا الشأن،حيث تحول الإسلام من مبدأ أخلاقي وإصلاحي،إلى وسيلة للقمع والكبت.كما أن النص القرآني إذا تم اعتماده كنص مفتوح وليس خطاباً موجهاً في ظرف تاريخي ولغوي معين،حمال أوجه،وصالح للتأويل،والمشكلة الحقة تكمن في فهم كل جماعة سياسية دينية للنص حسب العصر والهوى والأهداف السياسية والاجتماعية،فهو مصدر للتأويل،وبالتالي يظهر التناقض البين للجماعات السياسية حال محاولة نقد النص،أو نقد التأويل المنسحب على النص وبالتالي ممارسته في الحياة الاجتماعية بشكل عام.فتنكشف الأبعاد الدوغمائية التي ينطلق منها فكر الجماعات الدينية...مما ينذر باستحالة التغير أو التطوير إذا تم تطبيق رؤيتهم للدين في الحكم السياسي.


3- شهدنا في العراق ومصر اعتداءات همجية على مواطنينا من أتباع الديانات غير المسلمة وخاصة المسيحيين ، ما هي اسباب ذلك ، ولماذا تكون بنات وأبناء الأقليات أولى الضحايا دوما وعبر التاريخ عند نشوب الأزمات السياسية والاقتصادية في البلدان المسلمة؟

الإجابة على هذا السؤال تتجاوز الفكر الديني،أو فكرة الأغلبية المسلمة والأقلية الغير مسلمة،إلى بنية المجتمعات الشرقية في حد ذاتها،والتي لا تقبل بوجود أي آخر،غير المعتاد والمعروف،فالإشكالية تنسحب كذلك على الأقليات العرقية كما في العراق وإيران وسوريا وتركيا،وغيرها من البلاد التي تحتوي على نسبة سكانية من الأقليات،فرغم أننا مجتمعات تدعي المثالية الدينية أو الأخلاقية،ولكن ما زلنا نتمحور في مفهوم الذات والآخر،وهذا الآخر إما يكون دينياً أو عرقياً لا فرق،وذلك يعود إلى فكرة أهم،وهي أننا مجتمعات مازالت تفتقد إلى معاناة دموية تقضي على الأخضر واليابس كما حدث في العصور الوسطى في أوروبا ،بحيث ندرك بعدها أننا لن نحيا إلا بقبول الآخر،فكل ما يحدث الآن لا يخرج عن كونه مناوشات اجتماعية وليست حروب طائفية كاملة.ولكن الأخطر يأتي عندما تنسحب تلك السمة الاجتماعية في فهمنا للدين أو تأويلنا للنصوص الدينية،بحيث نسقط عليها من عنصريتنا وذاتيتنا ،وبهذا تتحول العنصرية إلى كيان مقدس لا يقبل التغير،فكأننا قدسنا بنيتنا الاجتماعية،فيصبح من البديهي بعد ذلك أن تظهر فتاوى تحرم السلام على جاري المسيحي أو الشيعي أو السني ،أو تكفر الأكراد السنة في إيران،أو الأقباط المسيحين في مصر،أو الجماعات الشيعية في العراق.فالقضية مبناها اجتماعي ثم انسحب دينياً.
وعند ظهور أي خلل سياسي أو اقتصادي،تتجلى الطبيعة العنصرية العنيفة،الكامنة في داخل العقل الجمعي للمجتمعات،والتي لم تمر بأي ظرف تاريخي قاس يغير منها.وتصبح الأقلية مضطهدة، وأكثر تعرضاً للأذى،فالمسوغ النفسي والاجتماعي موجود منذ البداية ولكنه كامن في العمق ويظهر وقت الضغط.


4- يعبر الاسلاميون في عملهم السياسي عن وعي حاد بأهمية استثمار المقدس الديني و توظيفه في المعارك الاجتماعية المختلفة وخاصة في المعركة السياسية من أجل السلطة ، وربما نحجت الحركة الاسلامية و خاصة الشيعية بهذا التسييس الواسع للاسلام في اعادة بعث اسباب قوته واشعاعه في العالم المعاصر، ولكنهم بذلك خرجوا بالمسلمين من عهد الأمة والجماعة إلى الانقسام السياسي والنفسي . كيف تنظرون لهذه الظاهرة؟

من وجهة نظري،أرى أن فكرة الأمة والجماعة لم تحقق من الأساس،بمعنى أنه لا توجد مرحلة تاريخية مرت عل الأمة الإسلامية كانت متسقة التكوين الفكرية،متوحدة على فكرة واحدة،ولنا نماذج عديدة بداية بحروب الردة،والفتنة الكبرى،وما تسببت فيه من معارك علي بن أبي طالب،ثم مقتله إلى معركة كربلاء ومقتل الحسين،كل تلك الأحداث قبل مرور ما يقل عن خمسين عاماً من وفاة الرسول.ثم انقسام وتقسيم الأمة إلى خلفاء وحكام وأمراء وصراعات سياسية.كل ذلك يدل على أن فكرة الوحدة كانت مستبعدة طوال الوقت،وإنما هي فرق وطوائف تتصارع على وهم الحقيقة وتجبر المختلف بالقوة.
ولكن مع التراكم التاريخي تم تثبيت نماذج مقدسة لكل فرقة أو مذهب،وترسخت تلك النماذج في العقلية الجمعية لمتعبي الفرق والطوائف،مثل نموذج الصحابة لدى السنة،والأئمة لدى الشيعة،بحيث تحولت حياتهم إلى نموذج العصر الذهبي المراد إحياءه على مدار التجارب السياسية التي مرت بها الفرق الدينية.وإذا اعتبرنا الشيعة نموذجاً،خاصة بعد نجاح دولتهم في العصر الحديث،المتمثلة في إيران،سنلاحظ أن الخطاب السياسي الشيعي قد وجد بين التجربة السياسية الحديثة والشخصيات التاريخية التي نالت بعدها المقدس الأسطوري مع التراكم،مثل شخصية الحسين وعلي ،ومناصريهم وأعوانهم.فخرج التاريخ من أصله السياسي ليدخل في نطاق ديني مقدس،مع الوضع في الاعتبار ترسخ فكرة المظلومية الشيعية في العقل السياسي.وهنا تكمن الخطورة الحقيقية،فالخطاب السياسي للجماعات الإسلامية،تتوفر فيه عناصر تضليل كاملة بداية من تقديس الشخصيات التاريخية،نهاية بالتأويل والفهم المغرض للدين ولنصوصه،وبالتالي وفي ظل حالة انعدام الثقافة المجتمعية،يسهل تضليل المجموع واستغلاله تحت سقف المقدس التاريخي والديني.


5 ـ هل الدعم السياسي والمادي الذي تتلقاه بعض التيارات الحركية الإسلامية،من قبل بعض الأنظمة السياسية سيؤثر سلباً على علاقة تلك التيارات بالنظم الحاكمة في المجتمع،وسيمنحها عنصر توفق يجعلها متجاوزة لمفهوم الدولة ككل،وبالتالي شبه استقلال عن المجتمع مما يسهل سيطرتهم عليه؟

من وجهة نظري..أن تيارات الإسلام السياسي بشكل عام،رغم ما تبديه أحياناً من تصريحات تؤيد التوجهات الوطنية،أو تدعيم لمفهوم الانتماء الداخلي في إطار الوطن الواحد.إلا أنها في حقيقة الأمر تتجاوز بانتمائها الحدود الجغرافية إلى مصالح أيديولوجية وسياسية أبعد،وبالتالي من الصعب تحديد الهوية الحقيقية للتيارات الدينية السياسية،وإن كانت الحقيقة التاريخية تؤكد علاقات مثل تلك التيارات بدول وأنظمة سياسية،لها منظومتها الفكرية المختلفة عن طبيعة المجتمعات التي تعيش وتتعايش فيها الجماعات الإسلامية.مثل العلاقات الوثيقة بين التيار السلفي والمملكة السعودية تبني الفكر الوهابي بكل تشدده بما يتعارض الحالة الدينية المصرية في المجتمع والدولة على سبيل المثال.وكذلك العلاقات التأسيسية بين جماعة الأخوان المسلمين والنظام الحاكم في إيران،بحيث مثلت الحكومة الإسلامية الإيرانية تجسيد لحلم وطموح الأخوان منذ البدايات،بل أن الرحلات السياسية كانت مستمرة وما زالت خاصة بعد الحرية التي نالها الأخوان بعد أحداث الثورة المصرية...وبالتالي ومن البديهي أن تتعامل التيارات الدينية الآن من واقع الاستغلال السياسي والمجتمعي بحيث تتجاوز السياق الاجتماعي الداخلي إلى حالة من الولاء السياسي والفكري لمن هو خارج القطر الوطني،بما يمنحهم استقلال نسبي عن الدولة ،خاصة في ظل حالة غياب الدولة بأغلب مؤسستها التي تعاني منها مجتمعات ما بعد الثورة..مما يحقق ميزة وقتية للتيارات الدينية قد يحسنون استغلالها في المرحلة الراهنة،وبالتالي سيؤثر ذلك بالسلب على مفهوم الدولة المدنية أو دولة القانون،خاصة ونحن أمام مجتمعات كانت تعاني من تخلف ثقافي،وترى في رموز الجماعات الإسلامية الخلاص المنتظر.......والحل النهائي الذي أراه مناسباً هو تفعيل الدولة الثقافي الحر في إطار تدعمه الدولة والجمعيات الأهلية من جانب أخر،والخروج من حالة الاستغلال السياسي التي يمارسها مختلف التيارات ليست فقط الدينية ولكن السياسية والليبرالية كذلك،فالجميع يفكر في العمل السياسي دون قاعدة شعبية تدعم هذا العمل،تلك القاعدة المتوفرة بقوة للجماعات الدينية على اختلافها.