للبيت رب يحميه..الكعكة المصرية!!


أحمد لاشين
الحوار المتمدن - العدد: 3339 - 2011 / 4 / 17 - 09:59
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان     

للبيت رب يحميه...عبارة تذكرها لنا كتب التاريخ منسوبة لحدث جلل يراه المؤرخون من إرهاصات النبوة المحمدية،عبارة أثارت دهشة أبرهة الحبشي،حينما سمعها من عبد المطلب الذي كان كل همه آنذاك بعض الغنم المسلوب من قبل جيش الحبشي،زعيم قريش لم يعطي بالاً للبيت الحرام،الذي ينتظر مصير النهاية بواسطة الفيل،فللبيت رب أثبت عملياً كما ورد في كتابات المؤرخين أنه مسؤول عنه...وبعيداً عن الحكاية وتأريخها وتفسيرها الديني،إلا أن رمزيتها تنصب مباشرة على الحالة المصرية الآن.
ففي أثناء نقاشي مع أستاذي الذي اعتز بصداقته وحكمته،على أحد مقاهي المحروسة،ولا أدري متى كانت محروسة وممن!!،فدائماً تلك المحروسة تعاني من الحارس الذي ينهبها،فحاميها حراميها كما يذكر المثل المصري،اعتبر أستاذي أن ما تمر به مصر الآن من مطالب فئوية،وطائفية،تشبه ما قاله عبد المطلب لأبرهة، ولكن الاختلاف الوحيد أن مصر ليست البيت الحرام،ولن تهبط علينا النجدة من السماء،فالجميع همه على الغنم أو الغنيمة ،آكل العيش إن صح التعبير،ولن يلتفت أحدنا إلى مصر التي ستنهار قريباً بسبب أطماع أهلها،ومطالبهم التي لا تنتهي.
فذلك المجتمع الذي عاش الفساد والإفساد لعقود طويلة لن يتمكن من التخلص منه في أيام معدودات،فالفساد بنية تفكير وحياة،وليس مجرد حالة انتهت بسقوط النظام ومحاكمة رموزه،فالأصح أن نمثل جميعاً للمحاكمة حتى من نصبوا أنفسهم قضاة،عليهم أن يصطفوا معنا في انتظار الخلاص.فالجميع مذنب يا سادة ولن أستثني أحداً،الصامتون منا والمنتظرون،الثائرون والمستغلون،فالكل تواطأ ضد هذا الوطن لسنوات،وما زال ينتظر أن يبيض له البيضة الذهبية في صبيحة كل يوم تغنيه وتسمنه من جوع،فعلينا أن ننتظر أن تنشق السماء لترمينا بحجارة من سجيل،لنفنى ثم نبعث من جديد في أرض لا نليق بها.
فمن المؤكد أن المدرسين الذين كفوا عن التدريس ،وأبدلوه بدروس منزلية ،لضيق سعة اليد،لن يتخلصوا من هذا الداء،حتى وإن أمطرتهم الحكومة بفيض عطاياها التي لا تملكها.وأستاذة الجامعات الذين قرروا منذ عقود أن تنحصر أدوارهم الأكاديمية والتعليمية في قاعات المحاضرات التي باتت أشبه بمسارح هزلية،يمارس فيها الجميع عقده أحياناً وفساده كثيراً،وأجيال جامعية رحلت عنن عالمنا لتلتحق بخدمة آبار النفط،وتعود إلينا محملة بإحباط السنين،وإرهاق التنازلات التي لن تنتهي.ليس من المنطقي أن تطالب الآن بحقها في كعكة الوطن ،وتتمنى على المجلس العسكري أن يهبها حفنة من أموال وأن يعزل ويولي حسب ميولهم وأطماعهم أحياناً،دون أن يفكر أحدهم في تغير قوانين النظام السابق التي قننت الفساد،وجعلت منه طبيعة مصرية.فالنخبة المثقفة لا تؤتمن على مصير هذا البلد ،لجيل بأكمله على الأقل.
واستكمالاً لدائرة العبث،يخرج علينا يومياً حفنة من المثقفين المهزومين أو المستغلين الباحثين عن دور جديد في مأساة وطنية جديدة،ليعرضوا علينا ألاعيبهم الاستعراضية ،ليصفق لهم الجماهير،ويعطونهم مما أعطاهم الله،فيبيتوا ليلتهم في أوهام العظمة والانتصار.
الجميع يبحث عن غنمه يا سادة،وعلى رأسها التيارات السياسية التي تعاني من حمى تأسيس الأحزاب بدون أي قاعدة شعبية تحتاج إلى حزب يعبر عنها أو يمثلها،إنها مجرد أحزاب من ورق،تسعى إلى أن تملك كل أوراق اللعب .ثم تأتي مهزلة الجماعات الدينية،التي قررت أن تستولي على قطيع الغنم بأكمله،فاختزلت المحروسة إلى شعارات ترفع في المساجد وخطب الجمعة،وقسمت الدين إلى تدين سلفي يحاسب الشارع،وأخواني يسيطر على القمة السياسية،وبين هذا وذلك،يظهر الصوفية في مشهد من يحمي الدين الشعبي،وكذلك الشيعة ورغبتهم في تشكيل أحزاب أو جمعيات دينية تعبر عنهم منفصلين عن بقية المجتمع.وفي نهاية المشهد يقف الأقباط كرد فعل على كل ما يحدث،ينتظرون تسامح السلفية،ورضا الأخوان،وتوافق الصوفية،وتدعيم الحكومة،وفي النهاية عصا المجلس العسكري،دون تحريك ساكن.فالغنم لابد أن يُعاد توزيعه حسب مراكز القوى الجديدة،بعد الاستيلاء على القطيع من قوى النظام القديم.
ولكي تكتمل القطعة الأخيرة من لعبة البازل،تقرر الكتلة السلبية وهي أغلبية هذا الشعب المنهوب سياسياً واقتصادياً وثقافياً،أن يعود لممارسة دوره الذي يتقنه،ويُقسّم نفسه بنفسه خلف كل طابور،في صمت يليق بصمت الحملان أثناء ذبحها،فيذهب البعض ليعلي شأن الدين خلف الجماعات الدينية،والآخر يطلب الكفاف فيوافق صاغراً على مقدرات حكومية وعسكرية،وآخر يمارس انتقاماته التاريخية من أفراد ،بشكل لا واعي أو واعي.وتتبقى جماعة أخيرة تمارس دور المتفرج وهو الدور الأشهر على الساحة المصرية.
الثورة يا سادة إن صحت،لا تبحث عن بعض الغنم ،والمكاسب الوقتية السريعة التأثير والزوال،فالثورة إن لم تُغير في نمط التفكير المجتمعي،وطبيعته الأخلاقية الراسخة،فلا طائل من ورائها ،بل والأفضل أن نجردها من هذا اللقب من الأساس.علينا أن نواجه أنفسنا بشجاعة أن قمة طموحنا لا يتعدى بعض الغنم،وسأكون أشد قسوة وأعلن أننا لا نستحقه.فلنبتهل جميعاً أن يحمي الله بيتنا الأكبر،وإن لم يستجب فلن يكون لمصرنا سوانا،ونحن على هذه الحالة من الانهيار وانتظار غنائم وغنم المعركة.