الجبهة السلفية وخيانة الشرعية


أحمد لاشين
الحوار المتمدن - العدد: 4644 - 2014 / 11 / 26 - 16:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

الجبهة السلفية ـ ذلك الكيان الوهمي ـ تدعو إلى رفع المصاحف في الميادين يوم 28 نوفمبر،كبداية لما أسموه ثوره (إسلامية)، ونهاية حكم العسكر،في مشهد يذكرنا بأحداث الفتنة الكبرى التي مرت على التاريخ الإسلامي،حينما قرر معاوية بن أبي سفيان،وعمرو بن العاص أن يرفعا المصاحف على أسنة الرماح،في دعوة لتحكيم كتاب الله ،أمام جيش علي بن أي طالب أثناء معركة صفين.مجرد حيلة سياسية اُستخدم فيها الدين ، والتي انتهت بمزيد من الدماء والقتل والانقسام.فالجبهة السلفية لم تجد من التاريخ الإسلامي بأكلمه إلا أعلى مشاهد الفتنة لتستعين به في ثورتها المدعاة، وكأنها دعوة صريحة للفتنة وليس للثورة .

ولا أدري عن أي ثورة يتحدث السلفيون!،فتاريخهم يشهد عليهم طوال السنوات السابقة التي تلت ثورة يناير. تاريخ واضح من الخيانات المتكررة ليس فقط لمفهوم الثورة من الأساس،ولكن لدماء أريقت ووطن كان على شفى الانهيار.أتذكر جيداً أحداث محمد محمود الأولى (نوفمبر 2011)،والتي يحتجون بها الأن بوصفهم من المشاركين فيها ـ كما يدعون ـ حينما قرر حازم صلاح أبو إسماعيل ، أن يظهر في ميدان التحرير،ليدعو وسط أنصاره من الـ "بودي جارد" الإسلامي،إلى الاعتصام في وسط الميدان،بينما أحداث الدم كانت في محمد محمود أمام وزارة الداخلية،هناك حيث الفتنة الحقة.ثم اختفى أبو إسماعيل ولم يظهر ثانية،بل ودعى إلى الانسحاب من الميدان والشارع.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد،من خيانات متكررة لذلك الفصيل من السلفيين،لكل فكرة ضد مصالحهم الخاصة ،والخاصة جداً،لدرجة أنهم قرروا خيانة أنفسهم بأنفسهم ، ولنا في أحداث العباسية (مايو 2012) المثل الأوضح،حيث قرر بعضهم الاعتصام أمام وزراة الدفاع،وقد انضم لهم بقايا الكيانات الإرهابية،أمثال "محمد الظواهري" ومن شابهه، في محاولة للضغط على المجلس العسكري،لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة في ذلك التوقيت. ومن ضمنهم أنصار أبو إسماعيل، الذين اتخذوا بعد ذلك العديد من الأسماء، مثل "حركة أحرار" وغيرها،وصولاً إلى "الجبهة السلفية" الآن، وما هي إلا أسماء سميتموها. المهم انتهت أحداث العباسية بفض الاعتصام بالقوة الجبرية،ومزيد من الدماء، ولتكتمل دائرة الفتنة .وبالمناسبة "أبو إسماعيل" لم يحضر الاعتصام الذي دعى إليه هو شخصياً، ثم دعى الجميع إلى فضه والانصراف.

تاريخ طويل من الخيانات المشروعة قام بها التيار السلفي بمختلف تياراته الحركية والدعوية،لم تبدأ بثورة يناير،ولن تنتهي برفع المصاحف على رؤوس الأشهاد كما يدعون.والتي قد تنتهي بمزيد من الدماء،وانسحاب الجبهة السلفية إلى الجحور للمرة الأخيرة.لكن يظل مكمن الخطورة الحقة،في سفور دعوتهم الآن،فهذه هي المرة الأولى التي يدعو فيها التيار السلفي،إلى ثورة إسلامية، بكل ما يحمله هذا المصطلح من فجاجة تشي بموقفهم الذي لا يحترم دولة ولا شعباً،وكأننا أمام الثورة الإسلامية في طهران،أو خلافة أبي بكر الداعشي،أو كأننا مجتمع كافر لا يعرف ديناً ولا رباً.فالدولة التي احتوت السلفيين على مدار عقود طويلة، سوف تعاني الآن من فجورهم وتغولهم.
فالحقيقة أننا لن نستطيع أن نفصل بين التيارات السلفية المختلفة،ولن نهتم كثيراً بالصراعات الفكرية وحالات التكفير المتبادلة بين جماعاتهم وأحزابهم.فالتجربة أثبتت أن التيار السلفي يختلف في الوسيلة ولكن يتوحد في الهدف،وهو السيطرة على المجتمع،وتحقيق حلم الدولة الإسلامية السلفية،كان ذلك بالدم،أو بامتلاك المنابر،أو بالتحالف مع السلطان،أو بالكذب والخيانة حتى لأنفسهم. وخاصة ونحن أمام خطاب أزهري هزيل،لا يسمن ولا يغني، بل والأخطر سيطرة الفكر السلفي حبيس علبة التاريخ على منصات الأزهر. ومحاولة الدولة احتكار الخطاب الديني بدون أدوات حقيقية.كل ذلك قد يمنح لهؤلاء الكثير من الميزات على مستوى الشارع البسيط مع الوقت،فبعد زوال نظام الأخوان،سيحاول السلفيون أن يقدموا أنفسهم كبديل ديني وسياسي أمام المجتمع،إن ظلت الدولة على غيابها،وانشغالها بالحلول الأمنية منفردة ،والتي قد تساهم في تعقيد الأمور أكثر مما يذهب خيالنا،فالسلفيون الذين يدافعون الأن عن شرعية الأخوان الزائفة،هم أنفسهم من باعوا شرعية الثورة والمجتمع ككل طوال الفترة الماضية،فهم أشد خطراً لو تعلمون.