أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم المطير - قرائن الفن الروائي خارج الزمان والمكان















المزيد.....

قرائن الفن الروائي خارج الزمان والمكان


جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 3348 - 2011 / 4 / 27 - 23:00
المحور: الادب والفن
    


قرائن الفن الروائي خارج الزمان والمكان
جاسم المطير
هدية جميلة وصلتني من الصديق الدكتور عزيز الشيباني، الذي أقام منذ حوالي ربع قرن في الولايات المتحدة الأمريكية ليمارس الطب في إحدى مستشفياتها بعد مغادرته العراق اضطرارا ، إثر مشاركته خلال ثمانينات القرن الماضي في المقاومة المسلحة في كردستان العراق أيام تصاعد معارضة الشعب العراقي لنظام الدكتاتورية. أهداني كتابا جميلا عشت معه أسبوعين في قراءة هادئة متواصلة لمشاهدة أداء من اداءات الكتابة الروائية النسائية الجديدة. وجدت نفسي بعد قراءة الصفحات القليلة الأولى أن مزيجا من المتعة والرضا يدفعني للقراءة وتدوين بعض الملاحظات مذعنا لرغبة النظرة النقدية لرواية عنوانها (حلم غريب لسيدة الوهم الجميل) أصدرتها (دار التكوين السورية للنشر والتوزيع) عام 2008 .. اسم المؤلفة (أروى كاسو) لم تدون سيرتها الذاتية لا على الغلاف الأخير ولا في الصفحة الداخلية الأخيرة، لكنني سرعان ما عرفت أنها زوجة الدكتور المناضل الشيباني ذات جنسية سورية. عرفت أيضا أن لها رواية أخرى صدرت أخيرا، ربما يدفعني الفضول لقراءتها ، أيضا.
حرفية الإصدار الروائي تفرض ضرورة تقديم سيرة المؤلفة الذاتية كي يجد القارئ نفسه متلائما ، متكيفا ، مع واقع تأليف هذه الرواية وتأثير شخصية الراوية وتكوينها الثقافي والتجريبي في مرئيات أحداث السرد وخلق صورها وتطورها وعلاقاتها بإدراك حساسية العلاقة، بين تجارب الكاتبة وتكوين روايتها ، كي تساعد القارئ على التخلص من ضغط الاستنتاج والعشوائية في التعرف على ظروف موهبة فن الكاتبة والطبيعة الحية للسيرة القلمية التي أنتجت لوحات الامتثال لذهنية السرد المتتابع خلال تراكم مادة الرواية وتناقضاتها وصراعات أبطالها الراغبين في تنبيه المجتمع إلى ناحية اجتماعية محدودة أو رحبة استهدفها الكاتب الروائي نفسه.
أحيت الكاتبة أروى كاسو في روايتها احد أهم عناصر الأدب الرومانسي المتعلق بالاتجاه العاطفي من خلال اختراعها قالبا فنيا روائيا بخطاب علني متصل ، ليس مباشرا، بناحية من النواحي الاجتماعية اعتمد على دراما – رومانتيكية ذات (خصوصية فردية) سرعان ما تحولت مع تتابع فصولها إلى (خصوصية عائلية) ظلت مستقلة بصورها وخيالاتها عن العمومية الاجتماعية .
تميز الخطاب الروائي للكاتبة أروى كاسو بعلانيته في إيضاح قيم الخيال المبتدع ، بصورة حسية أو لا حسية ، حين اعتمدت في إتقان تخيل وجود شخصية المناضل الثوري ارنستو جيفارا بصورة معلم في مدرسة ابنتها الصغيرة ، ثم انتقال تلك الصورة إلى امتدادات أخرى تشغلها. من نزعة الكتابة وما بين سطورها أدركت أن كاتبة الرواية تقيم خارج وطنها سوريا، تحديدا أنها تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية .
عقود أربعة قد مضت منذ اغتيال جيفارا. تعرفتْ عليه بطلة رواية (حلم غريب لسيدة الوهم الجميل) من خلال أحاديث البعض عنه وعن حركة اليسار العالمية ونضالها ضد الأنظمة الفاسدة في كل مكان من العالم. كان جيفارا ،بعد اغتياله، مجرد رسم تخطيطي بالقلم الأسود ، موضوعا أمامها، يعبر عن وجه رجل وسيم وخصلات شعر منسابة وبيرية سوداء فيها نجمة خماسية.
كانت بطلة الرواية مهمومة بمعرفة صاحب الصورة من رسامها نفسه.
سألته:
- من يكون صاحب هذا الوجه الجميل..؟
أجاب الرسام بما يشبه الاعتزاز :
- انه تشي جيفارا..
سألت :
- من يكون تشي جيفارا..؟
قال الرسام بتواضع شاب يقابل فتاة تنقصها المعرفة:
- انه ثائر عظيم ضد الطغيان..
قالت:
- ماذا تقصد بالطغيان..؟
قال الرسام
- طغيان طبقة الأغنياء على الفقراء.
تغلبت مصطلحات جديدة على روح وعشق امرأة تنتمي إلى طبقة وسطى متجهة نحو الرفاهة البورجوازية بصعود عمل زوجها ، بينما تكونت عندها نظرة جديدة إلى عالم انبعث منه لديها خيال الثائر الوسيم جيفارا، متحولة إلى كون ٍ أكثر رونقاً في نظرها الجديد ، المنبثق من القديم ، حين شاهدتْ، ذات يوم ، جيفارا نفسه في المدرسة التي تتردد عليها لإيصال ابنتها إليها بسيارتها، كل يوم، فصار في اعماق روحها نوع من التبجيل المقترن بنوع من الحب غير الخالي من الخوف ، خاصة وأنها امرأة متزوجة تحب زوجها أعمق الحب.
هذا العامل الأساسي صنع حلما غريبا ووهما شديد الإغراء أمام عينيها بعد أن صار موقفا يوميا في حياتها لا يمكن تجاهله ولا الهروب منه، إذ لا يمكن التخلص من الذهاب إلى المدرسة، كما لا يمكن الكف عن الحديث بشأن جيفارا مع نفسها. بل صار الحلم يعتمل في صدرها ، ليلا ونهارا، كما استحوذ الوهم عليها استحواذا تاما، اوجد عندها شكلا من أشكال الابتهاج بتأثير جيفارا على البشرية جعلها دائمة التفكير عن قدرة هذا الوهم في النفاذ في أفكار الناس وحياة الأشخاص.
ثمة أفكار وأحداث كثيرة تعاقبت بعد الفصل الثاني في الرواية . بعضها كان واقعيا ، وبعضها كان خياليا. كان السرد ينهض في كل فصل من فصول الرواية نهوضا عظيما مندمجا مع الخيال مرة، مناقضا إياه في مرة أخرى، ومنفصلا عنه في مرة ثالثة. لكنني وجدتُ الكاتبة قد أغفلت تجسيم أهم عنصرين من عناصر السرد الروائي وتأطيره، اعني الزمان والمكان. بينما حتى في السرد الرومانسي يحتاج الفن الروائي، أول ما يحتاج، أن تكون هناك صلة بحواس الخيال بالزمان والمكان، للتعرف على ما يجري في هذه الدنيا بتوليد مرئيات الخيال في عقل إنسانها المعاصر. سواء كانت الرواية خيالية أو واقعية أو مزيجا منهما فأن الحوادث تحتاج إلى تحديد مكانها المفترض، ولو تلميحا ، وتحديد زمانها المحاكي ، ولو تأشيرا، كي يتحول (الخيال الرومانتيكي العام) كما هو في سرد أروى كاسو إلى ( خيال واقعي) ، كما أرادته في مادة عملها ، المتباين في جميع الفصول، التي أرادت منها أن لا تكون مجرد مشاعر فطرية حين تحولت مشاعر بطلة الرواية إلى حكايا في علاقتها مع صديقاتها، بل حتى مع زوجها .
إن فقدان الزمان والمكان في رواية (حلم غريب لسيدة الوهم الجميل) اضعف ، أمام القارئ، إمكانية تصوير نموذج إنسانة معاصرة تبلورت لديها فضيلة التأثر بماضي مناضل عالمي اسمه جيفارا منحها بعض خصائص، قليلة أو كثيرة، مضيفا شيئا ، قليلا أو كثيرا، إلى منشئها التكويني الأول.
في الغالب أن رواية ً بلا مكان لا تثير المشاعر العميقة، كما أنها تعجز عن جر القارئ إلى التفاعل مع جغرافية المكان أو مع طبيعة المكان أو مع صفات المكان أو مع أهل المكان ، كما يكون نماذجها عاجزا عن تصوير عادات وتقاليد أهل الرواية في زمانها، بل تبدو فيها جميع الأحداث والمظاهر كأنها عرضية، عابرة ، تفقد رومانتيكيتها إن كانت الرواية رومانتيكية وتفقد واقعيتها إن كانت واقعية. مكان الرواية هو مرآتها الكاشفة.
أما زمان الرواية فهو في الحقيقة العامل المساعد الأول للخروج بالقارئ من نطاق ٍ (ضيق) محدود إلى نطاق (أوسع) . انه يضع القارئ داخل إطار الصورة التجسيمية لأحداث ووقائع المكان الروائي. كما أن الزمان الروائي لا يعني بالضرورة (الزمان التسجيلي) المحدد للحدث الروائي بقدر ما يكون زمانا يقرب دلالات الأحداث إلى ذهن القارئ لتوليد نوع ٍ من أنواع الفهم الرمزي للأحداث ليكون مجنحا قادرا على الطيران في فضاء السرد الروائي والانطلاق في استيعاب ألوان المسموعات والمرئيات السردية. إن زمان الرواية ومكانها هما أقوى وسائل الإيحاء لشد العلاقة بين القارئ والرواية، مثلما هما أكثر العناصر قدرة على توثيق علاقة الكاتب مع قرائه من خلال الحدث الذي يصبح بعيونهم له صوت وأنفاس في صدورهم.
امتلكت أروى كاسو مقدرة ذاتية خاصة في روايتها على كسر الجمود، إلى حد ما، في حركة القارئ المتابع لأحداث روايتها المتجردة من خواص المكان والزمان، بسبب وجود العقلية النقدية لدى بطلة الرواية رغم إضفاء الطابع الارستقراطي على حياتها بما يتفق مع روح أسرتها البورجوازية، بما عبرت عنه بألوان الإيحاءات النفسية الداعية إلى تحرير الحب والعشق من أوزانه التقليدية ليتطابق مع تنوع المشاعر وخلجاتها المتعمقة بالصور الناتجة عن اختلاط الشعور باللاشعور عند الإحساس الواهم بوجود رمز ثوري عالمي – جيفارا - يعيش بدون حدود في بنية قصيدتها اليومية السيكولوجية . استخدمتْ المؤلفة طريقة خلاقة غير معهودة في تحويل فكرة صغيرة في سردها إلى شعور كبير لدى القارئ العارف بدور جيفارا ومصرعه. استخدمتْ لغة ليست مباشرة لترضية القارئ بالانفعال مع الأحلام الوهمية لبطلة قصتها. كانت مفردتها السردية الظليلة بالمفردة الشعرية أداة ً من أدوات مساعدة القارئ على عدم خوض السباحة في نهر الغموض عن سحر الوهم والتخيل المشع من البطلة نحو الإحساس الواهم بوجود جيفارا أمامها ، وجودا ذهنياً.
ختاما أقول أن رواية (حلم غريب لسيدة الوهم الجميل) كانت ضوءا قرّب لي وللقراء عموما ، صفات متباعدة عن زماننا الحالي، لوّحت ، بدقة ، أن الشعور لا يزول في حالة الحلم الغريب وان الإحساس الصادق لا ينقبض في حالة الوهم الجميل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بصرة لاهاي في 29 – 3 – 2011



#جاسم_المطير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن المادة الخامسة في مسودة قانون الأحزاب الجديد
- الريس حسني يبكي من آلام بواسير الكرسي..!
- يا زيباري وعباوي بولوا على مؤتمر القمة العربي..!
- كلابٌ تنبح ولا تعض لا تخيف الفاسدين..!
- تحذير إلى الكباريه السياسي في المنطقة الخضراء..!
- المتظاهرون في يوم التحدي يلعنون قاسم عطا..!
- اللواء قاسم عطا عدو الحرية ..!
- ليس في تصريحات علي الدباغ ثقافة إنسانية ..!
- نظرة في توثيق صحافة البصرة
- نوري المالكي يتاجر بالقضية مع بشار الأسد..!
- أجراس كوكب حمزة وأشتي دقت قلوبنا في غربتنا
- عن الجاهل المتعاقل مستشار نوري المالكي..
- متى يتحرك آلهة القضاء العراقي لمعاقبة الفاسدين..؟
- الصحفيون ليسوا شحاذين يا نقابة الصحفيين
- درجة الإحساس بالمسئولية عن خطورة اعتماد حكومة المالكي على أس ...
- اقتراحي إلى رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي..!
- حين يحرن الحمار الأبيض يستفحل الطغيان الأسود..!
- تخدير الرأي العام صار هدفاً شائعاً في أقوال المسئولين
- تأملات أولية في حركة الفنان فاضل نعمة داخل تكنولوجيا فن الكَ ...
- عن أصالة المفاجأة والاستهلال في مجموعة أحمد محمد أمين القصصي ...


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم المطير - قرائن الفن الروائي خارج الزمان والمكان