أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرزاق السويراوي - قصة قصيرة :إنثيالات















المزيد.....

قصة قصيرة :إنثيالات


عبد الرزاق السويراوي

الحوار المتمدن-العدد: 3336 - 2011 / 4 / 14 - 20:18
المحور: الادب والفن
    


بخطوات أقرب للتثاقل , سار بمحاذاة الرصيف الذي ينتهي به , بعد إسْتدارة حادة , عند بوابة كبيرة , ليجد نفسه , وهو يستعين بعكازه ,داخل القاعة الرئيسية للمتحف , ولحظة دخوله , لم يفطن لتلك الألواح الزجاجية الكبيرة , وقد قطّّعتْ اوصال القاعة , محيلة إيّاها الى اربعة أجنحة متساوية ,ولعلّه لم يتنبّه إليها بالمرّة ,لولا تلك الحزم الضوئية المنعكسة على الزجاج, فبانت كحبّات عنب ملتمعة , تنبعث من السقف , حيث توزّعتْ جملة من المصابيح المتوهجة بشدة .
" إذنْ " فكّر وهو يجيل النظر بالقطع الأثرية المعروضة والمحاطة بألواح زجاجية من جميع جهاتها ... " إذنْ ... كل الموجودات , على ما يبدو , يكفّنها الزجاج , بما في ذلك , نحن زوّار المتحف أيضاً " .
راودته هذه الفكرة المراوغة ,وربما ساعد في إسْتحْضارها لديه ,انّه شاهد جميع المعروضات , موضوعة داخل أشكال هندسية متعددة من الزجاج .
راح يلتهم المكان ببصره , فيما توسّط بجسده النحيل , فضاء الجناح الأول , وكان واضحا , عدم إنشداده بمحتويات هذا الجناح , فلم يرقْ له البقاء وقتاً اكثر,لذا قرّر الإنتقال الى الجناح الثاني . العديد من الزوار إنتشروا داخل اجنحة المتحف . سار بتمهّل واضح , كمن يخشى أن تكون الأرضية مفروشة بالزجاج . وقبيل أنْ يبتلعه فضاء الجناح الثاني , وجد بصره منشدّاً وبقوة , بإتجاه فسحة الجناح الثالث , لذا لم تحدْ نظراته عن مستطيل زجاجي , ضمّ تمثالاً يقارب الحجم الطبيعي لحصان من الفخار , يرتكز بقائمتيه الخلفيتين , على قاعدة مستطيلة بينما سبحتْ قائمتاه الأماميتان في الفراغ, وثمة فارس بملامح شرقية واضحة , كان يعتلي صهوته وهو ممسك بزمامه . رغبةٌ جامحةٌ بدأتْ تتنامى في وجدانه وتدفع به للدنو أكثر فأكثر من التمثال, مما جعله لا يتوقف في هذا الجناح كثيرا ,فإجتازه ليختار له في الجناح الثالث , مكاناً إعتقد بأنه يوفرالزاوية الأنسب للنظر عبرها للتمثال . شرع يتفرس بوجه الفارس وإسْتشْعرَ بأنّ ملامحه ليست غريبة عليه , لا بلْ أنّ هاجساً ما , ألحّ عليه فجعله لا يقوى على إستبعاد إنشداده بالفارس دون القبول بفكرة مشاهدته له سابقا ولمرّات عدّة .... " أيْه أيها الفارس , كم أتمنى أنْ لا أكون واهما في تصوري بأنّي عرفتك سابقاً " . ردّدَ هذه العبارة , غير أنه وفي لحظة إرتداد مباغتة وشديدة من الذهول كأنه إستفاق منْ إغفاءة تخلّلها كابوس ثقيل ,, أشاح بوجهه عن التمثال وأرسل رشقة من النظرات المتسائلة نحو وجوه الزوار , فشاهدهم منشغلين بمشاهدة المعروضات , وكان واضحاً , انه فعل ذلك بدافع رغبة الإستطلاع لمعرفة ما إذا كانت عبارته الاخيرة للفارس , سمعها الآخرون أمْ انها مجرد همس مع النفس وليس اكثر من ذلك . ولعدم تلمّسه أيّ ردّ فعل على وجوه الزوار بما يوحي له سماعهم الحوار , إسْتنْتج بأنه إنقاد وراء وهم من صنع خياله ... همس لنفسه " لا داعي لمثل هذا القلق , طالما ان الجميع منشغلون بالنظر لقطع الآثار " . عاود النظر مرة اخرى للفارس , فأذهلته المفاجأة , حين شاهد وبوضوح , إبتسامة إنطبعتْ على شفتيه , أكثر من ذلك , لاحظ وبالتزامن مع الإبتسامة , أن وجه الفارس أصبح قبالته تماما , فشعر بإرتياح لا يخلو من غموض , لكنه لم يدم طويلاً , فعقب نظرة متفحصة , تأكد له , أنّ هذه الإبتسامة رغم حلاوتها, لم تستطع إخفاء ما يقبع خلفها من حزن دفين , هذا الإستنتاج عكّر مزاجه حتماً , ولكن لم يمنعه من معاودة التحديق ليشمل هذه المرة , جسد الفارس بأكمله , فوقف على إكتشاف آخر , ربما فاته قبل هذه اللحظة , فرأس الفارس , وحسبما تراءى له الآن , كان خليطاً من صورتين تداخلتا ببعضهما ... شمسٌ وسنبلة قمح بدتْ مكتنزة الحبّات , وثمة ما يجمع بين ملامح هاتين الصورتين , وبما يشبه التموّجات المسْترسلة والتي تعكس بمهارة , أشعة شمس وشعيرات لسنبلة قمح . وإزاء هذا التداخل المثير , ما بين حدّيْ الصورتين وإندماجهما معاً , بما جعله يعترف مع نفسه , بعجزه عن الوقوف على نقاط الإندماج بينهما, ولكي يتخلّص من عجزه عن الوقوف على براعة هذا التداخل في ملامح هاتين الصورتين , ردّ أسباب هذا العجز , لبراعة قدرات الفنان التي ضمّها عمله " عجيبٌ أمر هؤلاء الزوار , كيف يتغافلون عن رؤية البراعة المتجسدة في هذا التمثال ؟؟ ولكن ما شأني بهم ,أليس كذلك يا صاحبي ؟ قل لي : هل انت من هناك ؟؟ من تلك المدن البــ ....فما الذي جاء بك الى هذه البلاد البعيدة ؟ وكيف تسنّى لك قطع كل هذه المسافات الشاسعة على ظهر جوادك , وأنت كما أرى لا تحمل أيّة مؤونة لك ولا لجوادك ؟ " .
" أمّا المؤونة يا صاحبي , فقد سرقها مَنْ جاء بي إلى هنا , وأمام أنظار الجميع !! غير أني ألفت نظرك , وإنْ شئت انبّهك , بأنّ الذين جاءوا بي الى هنا , هم أنفسهم مَنْ تسبّبَ في دفعك الى المجئ هنا في هذه الديار " .
من جديد داهمه القلق , واعتقد بما يقترب من الجزم , أنّ الحوار الذي دار هذه المرة , بينه وبين الفارس , لابد انّ الجميع سمعوه , أو على الأقل منْ كان قريباً منه. لذا صوّبَ نظراته حيرى , نحو وجوه القريبين منه , علّه يعثر على ما يؤيّد ظنّه , فلم يلحظْ في وجه أحد منهم شيئاً منْ ذلك ... هكذا قرأ الوجوه , ولم يطلْ إسْتسْلامه لهاجس القلق طويلاً , فسرعان ما إنْتشلته من شروده , حركات من الفارس , حينما أمسك بزمام جواده , فأخذ يراقبها , وخمّنَ بأنّه بصدد الدخول في حالة تأهّب للإنطلاق من قبضة الطوق الزجاجي المطبق عليه ومن ثمّ الأنتقال للمرحلة التالية . الجواد هو الآخر إستجاب لهذا الإستعداد بأنْ أطلق صهيلاً عالياً ومتواصلاً , جعل المكان يرتجّ بأجمعه .... " ألسْتَ غريباً مثلي ؟ إذنْ هلمّ معي لأردفك خلفي , فثمة منْ ينتظر هناك يا صاحبي " . رغم وثوقه بأنّه ما أعتلى يوماً ظهر أيّ جواد من قبل , لكن شعورا طغى عليه جعله يعتقد أنّ بمقدوره , القفز على ظهر الجواد دون صعوبة أو حتى إستعانة من أحد , وما عليه الآن إلاّ المباشرة بذلك .... ولكن باغته صوت تصاحبه موسيقى هادئة , بدأ يأتي عبر مكبرات للصوت يجهل مكانها , لكنها أعلنتْ عن أسفها لإنتهاء الوقت المقرر للعرض ويتوجب على الزوار المغادرة . إذْ ذاك , وهو يهمّ بمغادرة القاعة , لم يتأكد على وجه اليقين , مما شاهده من نقطتين مضيئتين كحبّتي لؤلؤ لاحتْ على عيني الفارس , أو بقربهما , أهي دموع أمْ أنّها إلتماعات ضوء أنعكست مصادفة على اللوح الزجاجي الذي يحيط بالتمثال , هذا ما لمْ يتأكدْ منه تماما لكنه همّ بالمغادرة .
بغداد



#عبد_الرزاق_السويراوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهروبُ منْكِ إليكِ
- الحكّام العرب : والعقد النفسية
- ياقوتة في تاجِكِ
- العراق وديمقراطية البوسترات
- على صهْوةِ فيْنوس
- توسّل
- هواجس للتوحّدِ
- درع الجزيرة في البحرين : هل هو تحركٌ مذهبي أمْ ماذا ؟؟
- عشقكِ رئة الكون
- هموم عراقية
- سلاطينُ القمامة
- ضبابية الموقف الأمريكي تجاه الأوضاع المصرية
- شيطان الكرسي
- مجزرة عنيفة أمام أنظار حسني مبارك
- إقتتال عنيف بين أبناء مصر : فما أنت صانع أيها الرئيس مبارك ؟ ...
- مبارك يصبّ الزيتَ ثانية على النار
- غياب النخب في الإنتفاضات الشعبية في العالم العربي
- ما بين صدام ومبارك : ما أشبه اليوم بالبارحة
- همس ٌ
- تراتيل


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرزاق السويراوي - قصة قصيرة :إنثيالات