|
دكتور بشارة.. يا للأسف!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3331 - 2011 / 4 / 9 - 16:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعضٌ من أسباب أزمة الثورة في عالم الاستبداد العربي، أي في البلاد العربية كافة، أكانت من "الجيم" أم من "الميم"، يعود إلى "المثقَّف الثوري (الديمقراطي أو القومي أو اليساري) العربي"؛ فإنَّ كثيراً من "المثقَّفين الثوريين العرب"، أو مِمَّن يَصِفون أنفسهم (في تسامٍ عن الصفة دون القومية) بـ "المفكِّرين العرب"، يمارِسون ما يشبه السِّحْر والشعوذة في تمييزهم (الذي تَحْمِلهم عليه مصلحة شخصية) دكتاتورية من دكتاتورية في العالم العربي، فالفَرْق في الدرجة (بين الحُكَّام العرب) من اللون نفسه يغدو، من هذه الطريق التي تشبه طريق السِّحْر والشعوذة، فَرْقاً في النوع؛ وكأنَّهم لا يختلفون في خطابهم عن الخطاب الحكومي، الذي فيه يسعى هذا الدكتاتور العربي أو ذاك إلى إقناع شعبه، ونفسه، بأنَّه يختلف عن سائر أشقِّائه اختلافاً يجعله بمنأى عن غضب الشعب وثورته.. "إنَّ مصر ليست تونس"!
و"إنَّ سورية ليست مصر أو تونس"؛ أمَّا "مُكْتَشِف" هذا "الفَرْق النوعي" فهو (يا للأسف!) الدكتور عزمي بشارة، الذي يُلقِّب نفسه بلقب "المفكِّر العربي".
"الجزيرة"، والتي تستحق لقب اللسان الإعلامي (والسياسي) للشعوب العربية وثوراتها، واظَبَت على استضافته، فتحدَّث (لجمهورها العربي الغفير) كثيراً (مُحْسِناً الحديث كثيراً) عن ثورتي تونس ومصر؛ ولمَّا ثار الشعب السوري على الدكتاتورية نفسها (من حيث النوع) افتقده الجمهور افتقاد البدر في الليلة الظلماء؛ وانتظرتُ على أحرٍّ من الجمر عودته إلى الظهور لأعْرِف ماذا عساه أنْ يقول؛ فظهر، وتحدَّث، ويا لَيْتَهُ لم يظهر، ولم يتحدَّث.
سورية (وللتَّمويه، أو تلبيس الحقائق بالباطل، قال أيضاً "المشرق العربي") ليست مصر أو تونس؛ فـ "الثورة (الشعبية الديمقراطية التي تطيح نظام الحكم الأُوتوقراطي)" هناك جائزة، ممكنة، وضرورية؛ أمَّا في سورية (وسائر المشرق العربي) فلا طريق إلى التغيير (الذي ينشده الشعب) إلاَّ "الإصلاح"، الذي من أجله يمكن أنْ ينزل الشعب إلى الشوارع، فيَنْزِل الدكتور الشاب بشار الأسد عند إرادة الشعب، متحوِّلاً من دكتاتور إلى قائد يقود شعبه في طريق "الإصلاح السياسي والديمقراطي.." الآمِن، فسبحان العلي القدير الذي أراه الحقَّ حقَّاً، ورَزَقَهُ اتِّباعه، وجعله "المُصْلِح (الديمقراطي) الأكبر" بين عشية وضحاها!
الدكتور بشارة أسَّس له ما يشبه "الجناح اليساري" في قصر الدكتور بشار، فانتقد "انتقاداً أُسَرِيَّاً" الحاكم السوري، قائلاً إنَّ خطابه الأخير كان دون سقف التوقُّع (الشعبي) وخلا مِمَّا يمكن أن يلبِّي حاجة الشعب السوري إلى إصلاح "أكثر" و"أسرع"، فثمَّة أمور وقضايا لا تَحْتَمِل التأجيل والتسويف، وينبغي للرئيس بتَّها وحسمها فوراً.
وفي كلمة حقٍّ يُراد بها باطل، شرح "المُفكِّر العربي" الأسباب والحيثيات التي حَمَلَتْهُ على تمييز مصر (وتونس) من سورية (وسائر المشرق العربي) وعلى اتِّخاذ الفَرْق (الحقيقي) بين الشعبين، أو المجتمعين، سبباً لقوله بالفرق بين نظامي الحكم، وبالفرق، من ثمَّ، بين طريقي التغيير، فـ "مصر مبارك" تتغيَّر بـ "الثورة"، و"سورية الأسد" بـ "الإصلاح"!
مصر هي مجتمع متَّحِد مندمج، المواطَنة فيه واضحة جلية، تضرب جذورها عميقاً في كل مصري، شعوراً وتفكيراً وإرادةً وسلوكاً؛ ومصر حظيت بجيش عرَّف مصلحتها بما جعلها مختلفة تماماً عن مصلحة، ومصالح، نظام حكم مبارك، وعَرَف كيف يقف من ثورة شعبها، ومن رئيسها حسني مبارك، مواقف سمحت للتغيير السياسي الديمقراطي بأنْ يكون، ويظل، آمناً، لا نار فيه، ولا حديد، ولا دخان، ولا دماء؛ أمَّا سورية (وسائر دول المشرق العربي) فالتغيير السياسي الديمقراطي فيها من طريقٍ كالطريق المصرية، أو التونسية، أي من طريق "الثورة"، يمكن أنْ يُفْسَد بعصبية الجماعات دون القومية، كالطوائف الدينية والقبائل والعشائر، فيَخْرُج عن سِكَّته، مُوقِعاً المجتمع، أو الشعب، في صراعٍ يشبه حرب داحس والغبراء، أو حرب البسوس.
إنَّه (وفي هذه الكلمة، كلمة الحقِّ التي يُراد بها باطل) يخاطب شعب سورية قائلاً: إيَّاكم والثورة، إيَّاكم والسير في الطريق المصرية أو التونسية، واتَّخِذوا من "الإصلاح (الآمِن)"، ومن "الحوار الإصلاحي" بينكم وبين الرئيس، طريقاً إلى "التغيير السياسي الديمقراطي"، فهذا التغيير المتأتي من هذه الطريق، ولو لم يأتِ بثمارٍ كالتي تشتهون، يظلُّ خيراً وأبقى، وينجيكم من عذاب أليم، هو عذاب احترابكم أو اقتتالكم (القَبَليُّ، بمعنييه الحقيقي والمجازي) إنْ سِرْتُم في طريق "الثورة"، وسعيتم في إطاحة نظام حكم بشار الأسد، فإنَّ في سعيكم هذا ما قد يتسبَّب بـ "صوملة" مجتمعكم؛ وليس من خيار واقعي وسليم لديكم إلاَّ خيار "الإصلاح"، الذي به تُتَرْجِمون إيمانكم بأنَّ بشار "صالح للإصلاح"، لإصلاح نفسه، ولإصلاح أحوالكم من ثمَّ!
لقد تحدَّث الدكتور بشارة (يا للأسف!) بما جَعَل حديثه صالحاً لنشر "الخوف" و"الوهم" في آن؛ فهو، أوَّلاً، خَوَّف السوريين من عاقبة الثورة (على الدكتاتورية) وهي "الصوملة"، وأشباهها؛ ثمَّ أوهمهم أنَّ الدكتاتور يمكن أن يغدو مٌصْلِحاً سياسياً ديمقراطياً، إنْ جادله شعبه بالتي هي أحسن، وإنْ اقْتَنَع شعبه بأنَّ "القناعة كنز لا يفنى"، فيكتفي بـ "الممكن" من "الإصلاح الفوقي"، فيكفي نفسه شرَّ "الثورة حتى الصوملة".
إنَّني أخشى على الشعب السوري الشقيق (وعلى سائر شعوبنا في المشرق العربي) من أنْ يُفْسَد حراكه السياسي الديمقراطي بهذه أو تلك من العصبيات التافهة الحقيرة المُعْمية للأبصار والبصائر، والتي من طريقها نصبح أعداء ألداء لأنفسنا، وحقوقنا ومصالحنا الحقيقية لا الوهمية، فنرى الشقيق (أو الصديق) عدوُّاً، والعدو صديقاً (لا بل شقيقاً).
لكنَّ هذه الخشية (التي لها ما يبرِّرها واقعياً) يجب ألاَّ تُتَّخَذ ذريعة ضدَّ "التغيير من طريق الثورة"، ولبثِّ وهم "الإصلاح من طريق المصالحة بين الشعب والدكتاتورية"؛ ولو أراد الدكتور بشارة أنْ يتصالح مع الحقيقة الموضوعية لقال إنَّ التغيير السياسي الديمقراطي الذي ينشده الشعب السوري، ويحتاج إليه، يَسْتَلْزِم ما هو أكبر وأعظم من "الثورة"؛ فإذا كانت مصر، التي بـ "الثورة" أطاحت حكم حسني مبارك، تحتاج الآن إلى "ثورة تلد ثورة"، وصولاً إلى إطاحة "نظام حكم" حسني مبارك، فكيف سورية، التي لا يمكن فهم نظام الحكم فيها إلاَّ على أنَّه (ولو في بعضٍ من أوجهه، وخواصه الجوهرية) القبيلة، أو القبلية، بعينها؟!
الدكتور بشارة يأتي بـ "الوهم"؛ لكنَّ الدكتور بشار نفسه يأتي بما يقوِّض هذا الوهم، فإنَّ "الحقائق" التي تكشفها "أفعاله" لا تسمح لـ "الموضوعيين" من "المُفكِّرين الثوريين العرب" إلاَّ بالتوصُّل إلى استنتاج مؤدَّاه أنَّ أصغر جرعة من "دواء الإصلاح" يتناولها يمكن أنْ تُوْدي بحياته؛ ولن يتناولها لكونه يَعْرِف العاقبة خيراً من الدكتور بشارة.
للشعب في مصر (وتونس) قال الدكتور بشارة "إلى الأمام سِرْ"؛ أمَّا للشعب في سورية فقال وكأنَّه يتودَّد إلى الدكتور بشار "إلى الخلف دُرْ"!
وللدكتور بشارة أقول ما قاله فولتير لكل حُرٍّ من أهل الفكر والقلم "قد يُرْغِمكَ الأقوياء على ألاَّ تقول كل ما أنتَ مُقْتَنِع بأهمية وضرورة قوله؛ لكن لا قوَّة في الأرض ينبغي لها أنْ تُرْغِمكَ على قول ما أنتَ غير مُقْتَنِع بقوله"؛ فَلِمَ لم تَقِ نفسكَ بهذا الموقف الذي يشبه "أضعف الإيمان"؟!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-الإصلاح- في سورية بين الوهم والحقيقة!
-
الأهمية الثورية ل -الاعتصام-!
-
-الدِّين- و-الثورة- في ميزان -الوسطية-
-
تقرير -فيلكا إسرائيل-.. كيف يجب أنْ يُفْهَم؟
-
التِّيه العربي إذ شرع ينتهي!
-
سؤالٌ صالح جعلناه فاسداً!
-
الطريقة العربية في الحُكْم!
-
خطاب السقوط!
-
.. إلاَّ سورية!
-
كيف تكون -قذَّافياً- مستتراً
-
مواقف -ثورية- لمصلحة القذافي!
-
العبور الثوري من -الواقع الافتراضي- إلى -الواقع الحقيقي-!
-
مخاطر ما يحدث في البحرين
-
إشكالية التدخُّل العسكري الدولي
-
إنسان جديد خلقته الثورة!
-
شياطين في هيئة شيوخ السلاطين!
-
أين انتفاضة الفلسطينيين؟!
-
والقَلَمِ وما يَسْطُرُون
-
ما الذي يريده الشعب حقَّاً؟
-
من وحي اعتصام -الرأي- الأردنية!
المزيد.....
-
السعودية.. فيديو ضرب ورفع سكين على رجل مُسن أمام باب مسجد يش
...
-
هل دمر القصف الأمريكي منشأة فوردو بشكل كامل؟ رئيس استخبارات
...
-
CIA تكشف امتلاكها أدلة وسط ضجة مدى فداحة الأضرار بمنشآت إيرا
...
-
قائد الجيش الإسرائيلي يكشف عن -تحرك بري في عمق إيران-، وطهرا
...
-
فوضى استخباراتية أميركية.. هل يتكرر سيناريو -العراق 2003- ؟
...
-
قبل شن ضربة قطر.. ترامب يشعل تفاعلا بكشف اتصال إيراني وما قا
...
-
ترامب يشيد بالضربات الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية
...
-
ترامب ينتقد محاكمة نتانياهو ويصفها بـ-الاضطهاد- ويشيد بدوره
...
-
تقرير: إسرائيل توقف إدخال المساعدات لغزة انتظارا لخطة الجيش
...
-
البيت الأبيض: يورانيوم إيران المخصب -تحت الأنقاض-
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|