أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نبيل هلال هلال - القطة تعض والنار تحرق- أو الاسترهاب بالمقدس














المزيد.....

القطة تعض والنار تحرق- أو الاسترهاب بالمقدس


نبيل هلال هلال

الحوار المتمدن-العدد: 3327 - 2011 / 4 / 5 - 02:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إن الاسترهاب بالقدسية والتقديس يشل العقل شللا تاما ، فيمسك هذا العقل عن الانتقاد والتفكير ، ويفسح المجال للأفكار غير المعقولة والمعتقدات الزائفة غير المنطقية التى لا سند لها سوى التوارث نقلا عن الآباء الأولين ، وينفسح الطريق أمامها فتتسلل إلى الضمير والكيان دون رقيب يتفحص الباطل أو بصر يكشف التحايل والمخادعة. فالتعامل بين طرفين يزعم أحدهما أنه مقدس بذاته ، أو أنه يتمتع بقدرات قدسية ، يقتضي بالضرورة هزيمة عقل الطرف الآخر وإقصائه ، وللطرف المقدس أن يغتال منطق الطرف الآخر. وهذه القدسية ، أو الاعتقاد بها ، هو الذي يجعل العاقل يسجد لوثن ، ويتعبد لصنم , ويتوسل لبقرة ، بل ويجعله على استعداد لبذل النفس من أجل معتقده ، وليس الحديث عن كفار قريش بخفى ، إذ حاربوا المسلمين ببسالة , وماتوا في سبيل شركهم. وهذه القدسية الوهمية هي التى تجعل الصوفى يقول بحلول الله فى مخلوقاته حتى الحيوانات , وهى القدسية التى يزرعها الشيخ الصوفى فى عقول مريديه ، فيتوهمون أنه فعلا يتلقى علْما لدُنيَّا مباشرة من الله وأنه يطير فى الهواء ويسير فوق الماء . وهى القدسية التى استرهب بها فقهاء الشيعة أتباعهم فصدَّقوا أن مقام الأئمة فوق مقام الأنبياء ,وأنهم يرجعون بعد موتهم . والاسترهاب بالقدسية والتقديس يفعل مفعول المخدر الذي يغيِّب المريض عن وعيه , فيعمل فيه مبضع الطبيب جرحا وتقطيعا, فيقطع لحمه ويخيط أنسجة جسمه دون أن يشعر أو يعترض . ذلك بالضبط عين ما يفعله الاسترهاب بالتقديس : قدسية شخص أو فكرة أو طائفة أو رأي , فيتم إعطاب العقل , فلا يفكر أو ينكر أو يقيِّم أو يعترض , ويصبح كالبوابة المفتوحة التي يدلف منها أي داخل دون التحقق من هويته , فتنساب الأفكار الغريبة والآراء الشاذة التي ما كان لها أن تمر لولا الاسترهاب بالقدسية والتقديس.
وما يُغرس فى وجدان الطفل الذى لم يمتلك بعدُ أدوات المنطق والنقد والفهم , يظل مؤثرا فيه حتى الممات . وإلا فما بال اليابانى المعاصر الذى يصنع الكمبيوتر ويجري البحوث الذرية , ومع ذلك لا يزال يقدس الإمبراطور اعتقادا منه أنه من نسل الآلهة . أو ما بال المصرى القديم الذى صنع حضارة قامت على التقدم العلمى فى الهندسة والطب والفلك ولم يستنكف من عبادة الحيوانات من قطط وكلاب وخنافس . إنه الموروث الدينى الذى يكتسبه الإنسان صغيرا فيترسخ فى وجدانه وتتوارثه الأجيال عن طريق التربية والعرف والتقاليد والتعليم . وربما جاء من يثبت أن هذا الموروث الدينى يترسخ فى الجينات التى تورّث سائر الخصائص البدنية والنفسية , بالضبط كما نتوارث الخوف من الزواحف من أجدادنا الذين عاشوا فى الكهوف منذ ألوف السنين .
وقليل هم من يفكرون بعقولهم فى الدين الذى يعتنقون , وإنما الأمر للعاطفة والعادة والإرث الذى ورثه المرء منذ كان طفلا يتعرف على العالم لأول مرة عن طريق والديه ومن يربونه , فيلقّنونه الأمور البديهية التى يتقبلها دون تفكير, مثل أن النار تحرق , والماء يُغرق , والقطة تعض , نتعلم تلك الأشياء منذ الصغرحتى قبل أن تتفتح عقولنا ومداركنا , وإنما نتلقى تلك المعارف مباشرة من الأهل والمربين ثم نختزنها فى الذاكرة الحافظة وتؤثر بعد ذلك فى سلوكياتنا دون أن نفكر فيها , ويتلقى الناس جميعا معارفهم الدينية الأولى بنفس الطريقة , وينشأ الناس على دين آبائهم على هذا النحو.
وبعد أن تترسخ هذه الأفكار تكتسب قداسة لا تلبث أن تتحول الى تعصب يُلتمس له البراهين لبيان صواب هذه الأفكار وبطلان غيرها , وحيثما اشتد التعصب اشتد الاختلاف , ونادرا ما يكون سبب التعصب هو قوة الإيمان . ولا يقتصر السقوط فى براثن التعصب أو اختلاف الرؤى على هذا النحو على الدهماء وعامة الناس , بل قد تجد من" العلماء " من تعمى بصائرهم فلا يرون الحقائق على وجهها إما لقصور أو ابتغاء مصلحة , فليس كل الفقهاء بالذين يتنزهون عن الغرض دائما .
ومن الناس من يكون دقيق التمييز , ومنهم الغبي وأعمى القلب وذلك من أسباب اختلافهم في الآراء والمذاهب , فباختلاف إدراكاتهم تختلف معتقداتهم . ويعز على المرء التسليم ببطلان ما يؤمن به من أفكار , ويتعذر عليه التبرؤ من آرائه التي اعتنقها طوال سنوات طويلة هي عمره , وإلا كان معنى ذلك الاعتراف بخطئه وجهله طوال تلك السنوات , وهو ما لا يقدم عليه المرء ولا يحبه . لذا قد تستمر المجادلة واللجج ليس بسبب غموض الأفكار المتجادَل بشأنها وإنما بسبب مواقف المتجادلين وتمسكهم بوجهات نظرهم للأسباب المذكورة .
ولا يقتصر أثر البيئة على إجبار العقل على مهادنة الأفكار غير المعقولة وقبولها دونما رفض , بل المدهش حقا أنه يتعدى ذلك إلى التأثير فى العقل ذاته من حيث إمكان تغيير نسبة ذكائه .



#نبيل_هلال_هلال (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقائص العقل العربي
- فشل نظامنا التعليمي هو الحارس الأمين لخيبتنا
- لا يجوز طباعة القرآن بآلة الطباعة ,لأن المطبعة صنعها الكفار
- إن بطشي أشد من بطش الله –هل ترضى أن يحكمك مَن هذا عقله؟
- اضحك مع الصوفية , فشرُّ البلية ما يُضحك :
- لماذا نخشى الدولة الدينية وحكم المشايخ -أو الإسلام الذي فارق ...
- في الدولة الدينية يكون الناس هم الحمير التي يمتطيها ولى النع ...
- الكهنة كالدابة الحَرُون التي تقف حين يُطلَب جريُها – أو هل ن ...
- حريتك لا تجاوز حقك في المفاضلة بين الفول أو الكشري
- الملوك المستبدون يزنون بالأمة كلها نساء ورجالا
- ما رأي الله تعالى في حدود العلاقة بين الحاكم والمحكوم:
- كانت المسافة بين الحاكم والمحكوم كالمسافة بين راعي المواشي و ...
- -لص بغداد الظريف-أشهر حرامي في القرن الرابع الهجري كان أشرف ...
- الحاكم الظالم كراكب الأسد يهابه الناس وهو لما يركب أهيب-المق ...
- ماذا لو حاكَم النبيُ محمد (ص) نظامَ مبارك . أو حد الحرابة بي ...
- تعالوا إلى متاع الخونة : أو بين أبي بكر الصديق وزين العابدين ...
- الطغيان الشرقي بين الكواكبي وبلفور وأرسطو (المقال الثاني من ...
- العبيد يحكمون الأحرار: هل تراثنا هو تراث العبيد؟ (حديث في عد ...
- أيها الجبان ..أنعمنا عليك بحرية النباح , لكن تذكر ..إياك أن ...
- ما أشبه الليلة بالبارحة


المزيد.....




- في انتظار نهاية العالم.. السيرة الدينية لسفير أميركا في إسرا ...
- أحلى قناة لطفلك.. تردد قناة طيور الجنة الجديد على النايل سات ...
- معارك -آخر الزمان-: كيف تؤثر العقائد الدينية في المواجهة بين ...
- سياسي يهودي من حزب مانديلا: بريطانيا مسؤولة عن فوضى الشرق ال ...
- ماما جابت بيبي.. استقبال تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل ...
- الاحتلال يواصل إغلاق المسجد الأقصى وكنيسة القيامة لليوم السا ...
- سياسي يهودي من حزب مانديلا: شعب إيران لا يستحق الهجوم عليه م ...
- -في تهديد مباشر-.. ترامب: المرشد الأعلى الإيراني -هدف سهل- و ...
- ماما جابت بيبي.. استقبال تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل ...
- ترامب: المرشد الأعلى هدف سهل.. نعلم أين يتواجد


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نبيل هلال هلال - القطة تعض والنار تحرق- أو الاسترهاب بالمقدس