أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رويدة سالم - خلعتُكَ يا وطني















المزيد.....

خلعتُكَ يا وطني


رويدة سالم

الحوار المتمدن-العدد: 3311 - 2011 / 3 / 20 - 05:12
المحور: الادب والفن
    



شَربَتْ هواء النهر العظيم الهائج كأفكارها حد الثمالة. داست على جراح الوجع وهي تتسلل إلى أحضانه. لم يثنها الصقيع عن معانقة الأمواج الصاخبة فضم جسدها الدافئ الحنون بشبق العاشق. عانقها بهيام ووجد فَسَرَتْ في أوصاله لذة وتَوْق للتماهي. ذكّره الوصل بمجد القرابين الخوالي . صبايا يذبْنَ بهاء وصفاء فيفيضُ خيراً ويغمر الأرض نماء .
فتَّشَ في ذاكرتها عن صفاء زمن الطُهر فتكسّرت أمواجه على جدارن اليأس والإحباط وتناثر دمعه على الصخر الأملس متوجعاً بائساً .
هنا يرقد أنيس الحب وهناك تتوارى هُدى الهادئة الحالمة وعلى حدود الذاكرة يتهالك سليم منتحباً... وفي وسط الصورة تختنق أحلام شباب تائه في تنور الصراع الدامي الذي يمزّق الوطن ويخنق الأحلام ويقتل الأمل.
بحث فوق شطآنه عن ترانيم الكُهّان وغناء عذارى المعبد المقدّس فلم يجد سوى ترجيعاً لصدى لحن ذاوٍ في أعماق العروس التي تزفُّ نفسها إليه :
- إني اخترتك يا وطني حباً وطواعيةً... إني اخترتُكَ يا وطني سراً وعلانيةً... إني اخترتك يا وطني فليتنكر لي زمني...
بحثَ عن ألحان الفرح والأمل فلم يتناهى إلي سمعه إلا بكاءٌ مكتوم تردَّدَ بقسوة في كل أرجاءه ولمع في السماء المُثقلة بشظايا بلور مكسور لذاكرةٍ مُنهكة منثور على أجساد مزَّقتها الفرقة والتعصب..
لا يعلم من حطَّم الأحلام على جدران الوطن بعد أن أزهر الربيع في القلوب البريئة الحالمة ، ولا متى تحوَّل وطن الأحلام في قلب عروسه وعلى الوجوه الباهتة المستسلمة التي تمر على حدود حنقه وترنو إليه ببلاهة إلى عاهر يبيع طُهر صباياه وأحلام الأطفال .
احتضن النهر العظيم الجسد الفتي الذي قدَّم بسخاء صوراً بألوان الطيف لوجعه. رأى من بينها جراح سليم الدامية الذي كتب بالدم على الجدران "صامدون هنا أبدا" ورسم وجه الحرية وحمل وليده العليل عاليا وغنى للمستقبل :
- ستشفى يا حبيبي فالبلاد تولد من جديد والوطن سيكون رحباً حنوناً مُتَرفّقاً ..
صاحب مجموعة النزل الخمس نجوم في الساحل الغربي فرض نصف راتب وساعات عمل إضافي دون مقابل فالبلاد تعاني مخاضاً صعباً و ما على المتخاذلين إلا لعق غبار الشوارع فآلاف العاطلين تنتظر فرصة بناء الوطن وإنقاذه من بركة الفوضى الآسنة.
غزى السرطان الجسد الصغير الملقى على بساط في صحن الدار ينتظر الدواء . يرنو لي باسماً ويقول :
- لا تتأخر بابا فلم أعُد قادراً على الانتظار.
يتكسر أمل الوالد على جدران صمّاء من الصوان بين أيدي مرابين وبرجوازيين
قذرين وشركات عمالة واستنزاف للإنسانية فكم من الثورات تنقصنا لتحقيق كرامة البشر !!! ؟.
لعن سليم الثورة والثوار . لعن صموده في الشوارع الباردة ليال طوال . ركل كل الوجوه المرسومة على الجدران ومسح بالدمع الشعارات الكاذبة التي بعثت أملاً خادعاً دون أن يدرك أن أنفاس طفله الأخيرة تنساب معانقة وجه أم نائحة ثكْلى ، في حين يبتسم الوطن لكل السارقين ويُغازل بعشق عملاءَ خَوَنة اغتصبوا الكراسي وشرعوا ينظرون ويرقصون كثعالب على كل وتر .. يقتلون الأمل ويجهضون الطُهر . كما داسوا أحلام الأب المفجوع سرقوا حياة "هُدى". وجه "هدى" الحالمة لطيف و وديع ،،. أنثى كانت في دفاتره المتهرئة وفي عقل متحجر لا يرحم . لا تشفع عنده ثقافة ولا عقل . حرمها حق الحلم المباح في كل الشرائع الإنسانية و فرصة التطلّع للمستقبل بنظرةٍ واثقةٍ حرّة .
أضاع طُهرها قبل أن تكتمل طفولتها على جدران الوعود المخملية حين أهدتها شرائعه لشيخ القبيلة ، حارس الشريعة الذي امتهن عقلها وداستها نعال سباياه . من سيُعيد هدى الوديعة ومن سيتذكرها ؟
شيدت قصورا على الشطآن وغنَّت للسماء الصافية . لعبت هناك عند أطراف الموج وحلمَتْ وأخفت أسرارها البريئة في ثناياه . أخبرت النوارس أنها ستكون طبيبة تُشفي الجراح .
لم يتحقق الحلم فقد رحلت قبل أن تُدرك أنها تذوي كزهر ربيعي داسته أقدام صبيانية عابثة. قتلها الوطن الغبي قبل أن تعي أنها تُقتَل . حبسها في ركن مظلم بانتظار زوج .
تكسرت الروح الطاهرة على الجدران المغلقة الكئيبة ، غرقت في ركوعٍ لا ينتهي إلاّ ليبدأ من جديد . صوتها الخاضع لا يزال يتردد في عقل "منى" المنهَك:
- كفاك تعنّتاً يا مُنى. ففي وطني آلاف الأوطان . وطني أنا عقيدة . إنها أماني وهويتي وخلاصي
ما أبشع أن يتحول المعبُد لوطن والتعصب لوطن والفقر لوطن في جسد الوطن العليل .
خرجَت هُدى للتظاهر ذات جمعة . لكنها لم تَعُد . أينفع البكاء بعد أن جفَّت المآقي !! ؟ دفعتها منى للخروج لكن الوطن عجز عن حماية طهر الأبرياء في عقر داره .
اختفت هدى ولم تظهر . هل قُتلت أو أن خاطفيها شوهوها فلم يتعرّف عليها أحد بين الهائمين على غير هُدىً في الشوارع المكتظّة ألماً وأحلاماً مشروخة وهواناً ..
أم أنها كما تُردد الست ثُرية بابتسامةٍ ماكرة فرَّت من القهر لحضن عشيقٍ مجهول في وطنٍ يُحرَّم الحب و يُمنَع العشق فيه ؟؟. وطن من وراء أبوابه المواربة يخرج أطفال شوارع بلا هوية ولا أحلام . أطفال دُنست براءتهم قبل المخاض وأُنتُهِكَت حرمة طُهرِهِم قبل الفِطام وقُتِلوا يوم عانقتهم شمس الحرية. يتاجر بهم الشيخ والحاكم وتُجّار أسواق النخاسة . صنعوا منهم بلطجية وسفّاحين وقنابل موقوتة داست الربيع بقلب "منى" وقتلت بدون ذنب أنيس الحب والأمل .
ما أروع صور ذاك الشاب في ذاكرتها المشروخة. شاب على ألحانه شَدَت طيور السنونو التي حطت مع نسمات الصباح الناعسة على الشبابيك الربيعية لقلبه فأينعَ زهراً وتفتحت ورود.
تناثرت صوره البديعة في أرجاء ذاكرتها المشروخة. عرفتْهُ على صفحات المدوَّنات. اسمه "بعض من وطن" . فكرُهُ صدىً لأحلام وعد أن تتحقق و روحه أمان وحنان يعانق القلوب الكسيرة في وطن سليب . حب انتماء وهوية. أمل في غد مشرق بعيدا عن الإحباط والأشلاء.
نما الحب في صفحات المدونات وتجسَّدَ مع أناشيد الثورة . وان تعددت اللقاءات في عوالم افتراضية فلقاء ساحة العاصمة الرئيسية توَّج الحلم وزاده سحراً . تجسَّد الحب في واقع ملموس فازداد رونقاً وقوة وصار روضاً بديعاً .
ملايين الحناجر لثوار شرفاء مجردين من أي انتماء إلاّ للوطن الأكبر غرّدت أعذب ألحان الحرية والأمل . صاحت معا بقوة وتحدٍّ:
- " نُفديك يا وطني الحر يا ربيعا أخضر".
رقص الحب في القلوب الحالمة ومنحته الثورة الحق في التواجد بثبات وحلَّقَت الروح في عالم لا مُتناهي من الثقة في غدٍ باسم يبنيهِ الحماس والتحدي وتتحقق فيه الكرامة وحق المواطنة . وككل الشباب في زمن الأحلام الوردية أقاموا صرحاً من حب أرادوا له أن لا ينتهي .
داستهم نعال الأمن والعملاء و لم يتراجعوا . الحب لا يعرف الرضوخ والقيود . آمنوا بالغد الباسم الذي يصنعون وسكبوا الدم فداء لطهره. وتغيرت الخريطة وكبر الأمل وكثرت الوعود . مواطنون دون أية هوية خاصة أخرى. لما علِمَت أن حبه محرّم في شرائع العشيرة نزف القلب و لم يشفى . احتضنته الروح وحامت حوله حارسة مترقبة متوجّسة .
لكن الشمس التي دغدغت القلوب الحالمة اغتالتها سحبٌ شتوية قاتمة على حين غرة . قصور الرمل التي بناها صيف عذب جرفها السيل المبكّر الذي سرعان ما عانق التِلال فخنق الذاكرة وكسر الخيال وزرع الكآبة في بلد شوهته الدكتاتورية والتراث والتعصب الأعمى فمن سيعالج جراح الأحلام المسروقة؟
كم هو قاسٍ إعدام الأحلام على جدران الوطن الذي لم تتغير تقاسيمه وان غدا مشرقا بعد أن حوى يوم النصر الكل في لوحة فنية فيها كل ألوان الطيف. وطن لازال يئد البنات ويغتال الأحلام ويحاسب من يفكر ويحاكم ويعلق المشانق ويقطع لسان كل من يجرؤ و يعبِّر عن رأيه.
في وطن العهر المُثخَن بالدُمَّل والقيء والوجع لا تنجح الثورات لأنه يجب أن تُقدم أوراق هوية قبل اختيار المصير و التفكير والحلم . لا يطرق فيه العشق قلوب أبنائه إلاّ بترخيص فلا حياة للفرد في دفاتره خارج القطيع فالحب حرام والجسد سلعة والمحظوظ من يمتلك الثمن .
كما تموت العصافير صامتة على الأغصان الجرداء حين يغزوها الثلج ، رحل لأن العشيرة لم تؤمن بالوطن لتؤمن بالإنسان . قتله تعصبٌ أعمى لقيم قَبَلية تخشى أن ينقص عدد القطيع فرداً. اغتالته يد تعصّب عقائدي أعلنت أنها المحكمة والجلاد وأنها وطن الأوطان مُشهِرةً سيفاً في وجه كل منشقٍ عن حدودها.

تذوي كل الصور ويبقى وجهٌ بشع للوطن الوليد الذي لم يتوقع أحد ملامحه . وجه شوهته البرجوازية الانتهازية والتعصب الأعمى والفقر والطائفية.
لن يكفي الشعور بالهوان في وطن يدَّعي الشرف والفضيلة ويُحاسب الأنثى لأنها لفتت الانتباه وكانت فِتنةً بينما يغفر طلب مدير المؤسسة ثمناً لترقيةٍ هي ثمرة جهد وعناء :
- إيش يمنع يا عزيزتي مُنى.. أنت مطلقة فما الضير في هذا ؟
ويسمع بتسامح مثير للقرف ذاك المُلتحي الذي يقف عند باب المسجد يزوي بين شفتيه القذرتين مردداً نصّاً مقدَّساً مُتداخلاً مع كلمات نابية ينتهي بـ "وجعلناهُنَّ فِتنَةً للناظرين".
اقشعرَّ النهرُ وهو يلفظ جسد عروسه في البحر الواسع وانكمشَ خوفاً مما سيُثقِلُ كاهله من ذكرياتٍ تسعى للتطهُّر في أحضانِهِ. سمع طرقاً على أبواب شطآنه فالتفت.تأمل الأب الباكي بإشفاقٍ وردَّد معه بغضب:
- من أغلق النوافذ المشرعةِ لنور الشمس؟ أتكفى اللَّعَنات أم أن الثورات لا يجب أن تتوقف إلى أن تَملأ الدماء النهر العظيم علَّها تغسل النفوس فتتسامى؟
لا اقدر أن أكون أشلاء إنسان يُباع في الأسواق . وطني سفّاح قَتَلَ أبنائَهُ وتاجَرَ بأحلامهم البسيطة وخنق في قلبي المرهق أحلى حلم.
أني خلعتُكَ يا وطني فهل من وطن غيرك يتبناني ؟؟



#رويدة_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عالق على الحدود يا وطني
- بعيدا عن أوهام القداسة: الإسلام. المبحث 5 الجزء 3
- ما المصير ؟
- سري من بلاد قمعستان
- دكتاتورية الحكام وارادة الشعوب
- تونس تُسقط حائط برلين العرب ... شعب يصنع الامل .
- بعيدا عن أوهام القداسة: الإسلام. المبحث 5 الجزء 2
- ثقافتنا العربية بين عدائية التراث ومتطلبات العصر
- بعيدا عن أوهام القداسة : المسيحية. المبحث 5 الجزء 1
- أباء مقدسون أم بحث عن أصالة (المبحث4 )
- العشيرة المُصطفاة و وهم القداسة : المبحث 3
- المبحث 2 : الله: خالق قدسي او مخلوق ميكافيلي
- حضارات الديانات الابراهيمية بين العقيدة و السياسة (جزء1)
- دين الإنسان البدائي و سيوف التوحيد الإبراهيمي
- أحلام رهن الاعتقال/ خيبة الاله
- أحلام رهن الاعتقال : هكذا رأيت الإله
- القطيع العربي : كرة القدم نموذجا
- أحلام رهن الاعتقال/ الحرية شمس يجب ان تشرق
- القطيع العربي و ثور الدالية
- أحلام رهن الأعتقال / الإله يتعثّر بجلبابه


المزيد.....




- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رويدة سالم - خلعتُكَ يا وطني