|
المبحث 2 : الله: خالق قدسي او مخلوق ميكافيلي
رويدة سالم
الحوار المتمدن-العدد: 3184 - 2010 / 11 / 13 - 04:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
"وسع كرسيه السموات والأرض" هو المطلق القوة والمعرفة والحكمة خلق الكون في ستة أيام ثم استوي على العرش على حد التعبير اللاهوتي الاسلامي ليُدير مملكته التي تحوي مليارات المجرات ومن ضمنها كوكبنا الأخضر، الأرض الكريمة و المكرّمة أشد تكريم بتميزها بالحياة والوجود البشري فوقها. كرمها الله بجعلها مركز الكون وجعل البيت الحرام المُقدّس "مكة" مركزاً أكثر دقة تدور حوله المجرات وتستمد منه الثقوب السوداء سر وجودها. انطلقت منها الحياة والى رحمها تعود ومنها ينطلق البعث و عليها يكون الحشر ثم تكون في النهاية مقر الجنة الربانية " كلا إذا دكت الأرض دكا وجاء ربك و الملك صفا صفا" أو أيضا "وقالوا الحمد لله الذي أورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم اجر العالمين"الزمر الآية 74" . الله بعد أن خلق الأرض و الكون في مدة هي في النص الديني الإبراهيمي 6 أيام، استراح من جهد عملية الخلق لأنه تعب (و التعب هو صفة بشرية) كما لو أن الله يتملكه الضعف البشري فبحث بعد الخلق عن راحة كما يفعل الراعي في ترحاله في صحرائه القاسية أو المزارع في حقله بعد شقاء العمل المضني... جلس على كرسيه ونظر بعين الرضا لملكوته وبدأ رحلته مع تلقين البشر الحكمة عبر رُسِلِهِ و أنبيائه و نصوصِهِ المقدسة وأيضاً تقديم الجزاء المادي للمطيعين و تدمير كل كافر مارق عن الناموس الربّاني . لكن هل فعلاً خلق الله الكون بكل مجراته في ستة أيام ؟؟ أمر غير منطقي فالفروق العلمية الاركيولوجية تُبيّن أنَّ بين خلقٍ وآخر هناك ملايين السنين لكن النص الديني يتملص بذكاء ماكر موضّحاً أن زمن الخلق الإلهي لا يُدركه البشري فهو "ألف مما تعدون". لكن هذا التخلص لا يحل الإشكال بأي حال كما لا ينقذ الله أو المتكلمين على لسانه من الورطة الزمنية. هذا الله الخالق المطلق العلم و الادراك و الإرادة يَضحى مخلوقاً لو قارنّا فعل الخلق في النص المقدس والذي لا يتجاوز في كل الأحوال الـ 6 او الـ 7 آلاف يوم يعني ستة عشرة سنة واقل من نصف السنة في مقابل الحقائق الجيولوجية لخلق الأرض والتي تمتد إلى مليارات من السنين حتما كاتب النص لم يُدرك في تلك الحقبة من الزمن - حيث الجهل المعرفي العلمي و البداوة هي قانون التشريع - وجود أرقام تبلغ الملايين من السنوات كما لم يدرك مفهوم السنوات الضوئية.. لو عدنا إلى جزئية بسيطة هي تجلي الله لآدم وحديثه المُباشر معه وتعليمه الأسماء كلها فستسقط كل المنظومة عن الخالق المبدع ، فهل أن هذا الخالق سكت عن إخبار آدم حقيقة الزمن الكوني لجهلٍ أم لحكمة لا منظوره كما سيقول المؤمنون به ، أم لاختبار مدى شكوك الكفار و كل من سيلحد بفكرة الله أصلا و يُدرِك عبثيتها ؟؟؟ الإله الكلمة (صفة مسروقة عن الأساطير الدينية الفرعونية) الذي يقول للأشياء كن فتكون، هذا الرب الذي يتكلم و يرشد و يلقن والذي نجد في النص المقدس عبارات تأكد توحده بالكلمة مثل : "لأنه هكذا قال الرب"، "وصارت إليّ كلمة الرب"، "لأنه هكذا قال رب الجنود"، "اسمعوا كلمة الرب"، "يقول الرب"، "اسمعوا الكلمة التي تكلم بها الرب"، "قال الرب لي". "لأنه لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسانٍ بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2 بط 1: 21)".هل نسي ، أيضا أم تناسى أن يُخبر آدم و من بعده ذُريته من أنبياء و رسلِهِ أن الأرض عمّرتها عائلات بشرية أخرى غير الإنسان العاقل و من بينها الإنسان القرد والذي يمس فكرة الكمال الإلهي و صورة الله في الإنسان !!، و الأشد إثارة و غرابة نسيانه لشعوب هي في الأصل من أمثالنا - حسب التقسيم الإبراهيمي - هي من ذرية آدم لكنها ظلَّت طريق الهلال الخصيب و تاهت في فيافي إفريقيا و أدغال الأمازون و صحراء القطب المتجمد الشمالي؟؟؟؟ معلومات ضرورية جداً أهملها الله و نصّه الذي يدعي القدسية و يستبيح بالتشريع الصريح و الواضح المعاني سفك الدماء و التكفير ، فهل تحدّثَ مثلاً عن التطور الحيواني والنباتي وهل ذكر العمر الجيولوجي الحقيقي للأرض؟؟؟ لننظر بتحدٍ و سفور في أعين الله الإبراهيمي و نُسائله "كما سيُسائِلُنا " يوم الحساب حين نقف على الصراط بدون مُعين سوى ما قدَّمت أيدينا" * هل يعرف أيا ؟ ( الإله أنكي عند البابليين) إله الحكمة والمعرفة العميقة الذي يُعزى له خلق الإنسان في معظم الأساطير أو الدور الرئيس في خلقه ؟؟ ألم يكُن هو وجها من وجوهه سرقه الكاهن إثناء الأسر البابلي بين القرن الخامس و الرابع ق.م و نقَّحه بعد ذلك في القرن الثالث ق.م ؟؟؟ * وهل يعرف الآلهة انانا (عشتار البابلية) في شبَقِهِا الجنسي اللامحدود (في النص المقدس كمٌّ كثير من الدلالات الجنسية الواضحة المعاني) وفي دمويتها التي لا ترتوي حسب النص السومري والذي نجد نقلاً شبه تام منه في آيات كـقوله:- " بذراع قوتك تبدد أعدائك " (مزامير 89-9) "أنظم إلى غمدك وأهدأ أرميا حتى يرتوي من دم أعدائه لأنه قد روي في السماوات سيفي في الدم أشعبا 34ك5 حول قدمي رؤوس قواد العدو تثنية 32ك 42 كما نجد في القرآن إعادة صياغة للعدوانية في شكلها الحيواني البشع. "فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (النساء 74)."
"قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (التوبة 14)." " مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " (الأنفال : 67)" * ثم هل يعرف آلهة العالم السفلي الذين ورث همجيتهم و عنفهم و عدوانيتهم فكان منتقماً بقرار إلهي (سَمِحْ) قرر دمار الأرض و ما عليها من حياة بتقدير الطوفان الشامل الذي قضى على الأبرياء قبل الأشرار ، كم كما كان هذا الإله شريرا أنانيا ظالما باختياره فردا واحدا من دون البشر جميعاً وأمره بصنع مركب أسطوري يحمل بقدرة هذا الإله من كل زوجين اثنين من الحيوانات و النباتات إلى جانب عائلة نوح فقط .. أو لو عدنا للنص ألرافدي " في تلك الأيام كان زيوسودرا ملكاً وقيماً على المعبد قام بتقديم قربان عظيم وجعل يسجد بخضوع ويركع بخشوع فرأى في أحد الأيام حلماً لم يرى له مثيل..." من أجل خلاص البشرية من الشرور وتطهير الأرض من الآثام و إعادة البعث لكنه أثبت بجلاء أنه فاشل بكل المقاييس لأن طوفانه لم يُؤتي أُكُله ولم يَنتَفع البشر من الدرس الربّاني بل عادوا إلى المعاصي بشكل أشد عنفاً أستدعى تدخّله مراراً و تكراراً . في الإطار هذا الفشل الذر يع الذي أفلت فيه البشر فجأة من بين يديه وأضحوا عصاة مارقين على كل قوانينه و ضوابطه ، خلق الجنة و الجحيم الذين نجد تصورهما البدئي في النص السومري والميزوبوتامي بشكل عام لعقاب كل الخارجين عن الشريعة و الناموس. لكن فات مؤلف النص أن ينتبه إلى أنه يقدم إلاه أشد عدائية من البشر الذين سيحاسبهم و أنه الأجدر بالقبوع في الدرك الأسفل من النار.. أليس هو من دفع الإنسان إلى الجريمة الأولى ثم أرسل له الغرابين ليعلماه كيفية إخفاء آثار جريمته !!!!؟؟؟ لا يوجد هنا مجرد درس بسيط في دفن الموتى والتحول الفكري البشري من طور الحيوانية الى الانسانية التي تكرم موتاها بل درس في الجريمة كفعل قتل مع سبق الاصرار و الترصد بأي حق ألاهي و من أجل أية غاية قدسية يقبل من أحد الأخوين الهدية و يرفضها من الثاني و هو يعلم أن هابيل لا يملك غير قمحه الذي هو نتاج كدح الأيام الطويلة المُتعِبة !!!؟ ثم أليس هو غنياً عما يكسبون كما يقول النص الديني الإسلامي .. ألم يضع هذا الرب كل شيء (الطبيعة و الحيوانات و الغيرة) كإحساس فطري في خدمة نشر الجريمة و أباحتها فيما بعد سياسياً وعقائدياً في حرب الكفار و المخالفين ؟؟؟ الله الإبراهيمي علم الإنسان الحيلة و الخداع أيضا فغواية حواء للأكل من الشجرة المحرمة والتي نجد صداها أيضا في النص السومري تكشف أن المُدان الذي يحمل جريرة الخطأ هو المفعول به لا الفاعل ، بل إن الأمر يصل بإبليس أو الشيطان - لأن المسميات في النص الديني تحمل معناها في ذاتها وفي اللفظ الذي يرمز لها - إلى مجادلة الله و تحدّيه فلا يملك هذا (الإله الضعيف) إلّا أن يُخرجه من الجنة و ينظره إلى يوم يبعثون ويتوعده بالنار ، هو ومن سينجح في التغرير بهم. الله، أيضا، كعادته نسي أن يُشير أو أن يطلب من رُسُلِهِ التفكير في سُبل للوصول إلى الشعوب التي تسكن في أقاصي الأرض بل حتى انه لم يُنبئهُم بوجود مجموعات بدائية" تعيش في أدغال الأمازون حتى اليوم وتمارس ذات العادات البدائية التي توارثتها دون أن تعلم بوجود هذا الله الإبراهيمي القوي الجبار و العالم بكل شيء .. هذا الله الذي "غيرته" على المؤمنين به و أصفيائه "نار آكلة" يعكس طبيعة المكان الصحراوي القاسي الذي تشكل فيه النص والظرف التاريخي الذي شمل الكثير من المعاناة و الهوان سواء في العبودية الفرعونية او الأسر البابلي أو الفقر والتشرد في مكة كما يحمل الحلم بالتحرر و بناء كيان مستقل محترم و مهاب بالنسبة للعبرانيين الأوائل أو لمحمد كفرد طموح أو وكرمز لحلم عرب الجزيرة في الاستقلال عن الفرس والروم والذي تجلى في أبهى صوره في معركة ذي قار .. أسمحوا لي أن أتساءل في النهاية :- بعد كل الإشارات التي نجدها في النص الأدبي الديني القديم سواء الميزوبوتامي او الفرعوني هل يمكن القول أن الثقافة الميتولوجية والدينية اليهودية و من بعدها المسيحية ثم الإسلامية ظهرت متكاملة النمو في بيئتها دون الاستعانة من ثقافات سابقة لخدمة مشروع سياسي ميكافيلي بدون حدود؟؟؟ صورة الله الإبراهيمي أليست في النهاية ثمرة تأثّر المقهور المُستعبَد و الذليل في مجتمع معادٍ وظرف تاريخي قاسٍ إزاء مجتمع ثقافي قوي فكرياً و عسكريا و متقدم معرفياً فتن المسبيي او الجائع في صحرائه الذي يبلغ به الأمر حد أكل القمل من شعر القادمين للحج في رقعة صراع سياسي قوي و شرس ؟؟ ثم أليس النص هو جملة سرقات واقتباسات عن القوي أو الثقافات الروحية السابقة المؤثرة في العقلية الجمعية لخدمة منظومة سياسية تحررية مبررة ومشروعة إنسانيا لكن التي أسيء استعمالها لأبعد حد فصارت سيئة السمعة تماما كالله الذي خلقته؟؟؟؟
الى مبحث آخر، دمتم بكل ود
#رويدة_سالم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حضارات الديانات الابراهيمية بين العقيدة و السياسة (جزء1)
-
دين الإنسان البدائي و سيوف التوحيد الإبراهيمي
-
أحلام رهن الاعتقال/ خيبة الاله
-
أحلام رهن الاعتقال : هكذا رأيت الإله
-
القطيع العربي : كرة القدم نموذجا
-
أحلام رهن الاعتقال/ الحرية شمس يجب ان تشرق
-
القطيع العربي و ثور الدالية
-
أحلام رهن الأعتقال / الإله يتعثّر بجلبابه
-
شفير الهاوية [الجزء 3 و الاخير ]
-
شفير الهاوية [الجزء 3 الاخير ]
-
شفير الهاوية [الجزء 2]
-
شفير الهاوية [الجزء 1 ]
-
ضحايا [ الجزء 6 ]
-
المراة بين الدعارة الشرعية و سفاح المحارم [الجزء 3]
-
ضحايا [ الجزء 5]
-
ضحايا [ الجزء 4 ]
-
المراة بين الدعارة الشرعية و سفاح المحارم [الجزء 2 ]
-
المراة بين الدعارة الشرعية و سفاح المحارم [الجزء 1 ]
-
ضحايا [ الجزء 3]
-
ضحايا [الجزء 2 ]
المزيد.....
-
ترحيب وتفاؤل عالمي بانتخاب البابا الجديد للكنيسة الكاثوليكية
...
-
السفير الروسي لدى الفاتيكان: البابا الجديد مؤيد للحوار ومناص
...
-
انتخاب بابا جديد للكنيسة الكاثوليكية في أقل من 48 ساعة
-
الفاتيكان: لماذا تم انتخاب ليون الرابع عشر بابا خلفا للراحل
...
-
ماذا نعرف عن -ليو الرابع عشر- بابا الفاتيكان الجديد؟
-
الرئيس الروسي يهنئ بابا الفاتيكان الجديد بانتخابه
-
روبرت بريفوست (ليو الـ14) أول بابا أميركي في تاريخ الفاتيكان
...
-
انتخاب أول بابا من الولايات المتحدة في تاريخ الكنيسة الكاثول
...
-
ما اللافت في الخطاب الأول لبابا الفاتيكان الجديد ليون الرابع
...
-
أبرز ما نعرفه عن البابا ليو الرابع عشر بعد فوزه بانتخابات ال
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|