أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - فتحي سيد فرج - الدولة المصرية : تطورها ومستقبلها















المزيد.....



الدولة المصرية : تطورها ومستقبلها


فتحي سيد فرج

الحوار المتمدن-العدد: 3303 - 2011 / 3 / 12 - 11:56
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


ركزت أدبيات العلوم السياسية وخصوصاً أدبيات نشأة الدولة وتطورها عبر التاريخ على مفهوم الدولة، وتطورها، وأركانها، وطبيعة ممارستها للسلطة من حيث أنها عامل أساسي وضروري لتطور المجتمعات البشرية، وأن وجود الدولة جاء استجابة منطقية لضرورات تطور الحياة الاقتصادية والاجتماعية، فالحفاظ على جميع افرد المجتمع ورفاهيتهم تحتاج إلى قدر كبير من التنظيم والتحكم .
ويظهر في التحليل أن المجتمع ولد مرتين في تاريخ النوع الإنساني، مرة كمجتمع طبيعي التحم فيه الأفراد بروابط النسب والجوار فقامت جماعات طبيعية كانت، في سلم التطور، دون المجتمع مرتبة لغياب مبدأ التنظيم الذاتي،وولد المجتمع مرة ثانية حين قامت فيه الدولة، وتلك كانت ولادته الحقيقية كمجتمع، لأنه من خلالها فقط أمكنه أن يحقق تنظيمه الداخلي، ويقسم العمل فيه، ويوزع السلطة بين أفراده وفئاته، ويعبر عن نفسه وعن ماهيته، ويحمي كيانه الذاتي من خطر العدوان عليه، ويردع العدوان الداخلي بين جماعاته، ويفرض احترام إرادته من خلال التمييز بين حقوق الأفراد والجماعات وحقوق المجتمع ككل ومن خلال احترام فكرة الواجب.
وقد كانت نشأت الدولة المركزية في مصر القديمة قبل أن تستقر الجماعات البشرية بصورتها البدائية في أعلب مناطق العام، استجابة منطقية لضرورات جغرافية وإنسانية، وتأكيدا لولادة المجتمع المصري، وتحقيقا لتنظيمه الداخلي، وحماية لكيانه الذاتي من خطر العدوان عليه، وقد ظلت الدولة المركزية في مصر منذ العصور القديمة، قد يكون حدث تحلل لبعض مكوناتها أو تغيرات في النظم الحاكمة وأشخاص الحكام، ولكن ظل دور الدولة باعتبارها الفاعل الأساسي في الحياة العامة وإدارة شئون المجتمع .
وإذا كان فقهاء القانون وعلماء السياسة قد اجتهدوا في الوصول إلى تعريف الدولة وتحديد أركانها، فقد كانت نشأت وتطور الدولة المصرية هي النموذج الذي جسد هذا التعرف وحدد أركانها على أرض الواقع منذ فجر التاريخ، ورغم اختلاف هؤلاء العلماء والفقهاء على تعريف الدولة، إلا أن هناك شبه إجماع على أنها "كيان سياسي وقانوني منظم، يتمثل في مجموعة من الأفراد( شعب) يقيمون على أرض محددة ( وطن ) ويخضعون لتنظيم يدير شئون المجتمع (سلطة) ولقد استطاع الدكتور طعيمة الجرف أن يحصي 145 تعريفا مختلفا للدولة أغلبها يركز على أركانها ومكوناتها الرئيسة وهي : الأرض، والشعب، والسلطة، وبعضها يضيف عناصر أخري مثل : السيادة، والاستقلال، والاعتراف الدولي، وسوف نحاول في هذه الدراسة توضيح الكيفية التي جسدت هذه المكونات على أرض الواقع من خلال نشأت وتطور الدولة في مصر، قبل ظهور "الدولة القومية الحديثة" في بعض البلدان الأوربية بأكثر من خمسة آلاف عام .
فقد تضافرت جهود البشر مع وجود نهر النيل في بقعة تتوسط امتداد صحراوى وتتميز بالجفاف في تأسيس أول نظام زراعي مستقر على أرض مصر،تحققت فيه معادلة الفعل الحضاري الذي يقوم على العمل الاجتماعي المنتج + نشاط إنتاج المعرفة من خلال الإبداع الفكري والتقني، ما أدي إلى انتقال الجماعة البشرية من طور المجتمع الطبيعي إلى طور المجتمع الموحد الراقي، وتكوين الأمة المصرية، حيث كان النتاج الطبيعي لهذا النظام ارتقاء وعي هذه الجماعة وحفز طاقاتها الإبداعية في مجالات شتي لتصنع حضارة راقية، في وقت كانت أغلب الجماعات البشرية في كثير من بقاع العالم ما تزال تعيش الحياة في صورتها البدائية، فمصر كانت سباقة في تأسيس الحضارة، وحققت أول وحدة قومية، وأول دولة مركزية، وتوصلت من خلال دورة الحياة إلي التقويم الشمسي المتوافق مع استمرارية الحياة والوجود، ووهبت الوعي بالضمير لكل البشرية.

في البدء كان الوطن
يقول سليمان حزين أن الزراعة في مصر لم تكن من النوع العادي الذي ظهر في كثير من جهات الأرض. فالزراعة في غير مصر كانت تقوم في الغالب على المطر، ما كان على الزارع إلا أن ينقر حفرات صغيرة في الأرض يضع فيها الحب، ثم يتركه للمطر يسقيه ويغذيه حتى يتم نضجه فيحصده، وهذا النوع من الزراعة يعرف بالنوع الفطري وهو إن كان ارتفع بأهله فوق مستوي الجمع والالتقاط، وأمن حياتهم ووقاهم شر الجوع، فإنه مع ذلك لم يعلمهم التضامن الاجتماعي فاستطاع الزارع أن يزرع بمفرده أو أن يستعين في حرفته بأسرته الصغيرة دون الحاجة إلي الارتباط بمجتمع كبير، وبذلك بقي المجتمع مفككا، ولم يرتفع بحياة المزارعين إلي مستوي التحضر، ومن تداخل المصالح المادية بين الأفراد والجماعات الصغيرة ، فضلاً عن أن مثل تلك الزراعة الفطرية لا يجد صاحبها حاجة لأن يتمسك بحقل معين يستقر فيه ويقصر جهوده عليه، وإنما هو يستطيع- بل يفضل- التنقل من عام لعام فيزرع في كل سنة قطعة جديدة من الأرض لم يضعفها الإنبات في موسم سابق، ولذلك كله لم تكد صلة الزارع بحقله أو موطنه المستقر توجد وذاك ما حدث فعلاً في بعض جهات أفريقيا الداخلية حيث نشأ ت الزراعة وبقيت على أصولها الفطرية، فلم تتقدم الجماعات البشرية في سلم المدنية والحياة المستقرة، بل بقي الإنسان فيها بدائياً متنقلاً، واستمر فطرياً في حياته العامة، وخلاصة كل هذا أن مثل هذه الجماعات لم تتحول إلى مجتمع راقي كما حدث فيمصر .
أما في مصر فإن الزراعة قامت في أرض تغمرها مياه النيل وكان من الضروري أن ينظم فيضان هذا النهر إذا أراد المزارعون أن يتوسعوا في أرضهم، وهذا التوسع لا يمكن إلا أن يكون داخل حدود الوادي، في الأرض التي يجدد خصبها هذا النهر كل عام، وبذلك كله لم يكن هناك مجال لأن ينتقل الزارع من حقل إلي حقل، بل كان عليه أن يتمسك بحقله، وكان تنظيم ماء الفيضان عنصراً هاماً من عناصر الجد والكفاح في الحياة الزراعية المصرية، لأنه عمل ضخم يقتضي تضافر جهود كبيرة، وتعاون لإنجاذ مهام عديدة، كما ساهمت سهولة الانتقال بين الأقاليم عبر نهر النيل في توحيد القطر المصري . من هنا كان من الضروري أن يتجسد مفهوم (الوطن) معنى ومبنى، أي فكرة وكيان .

نشأت السلطة المركزية
يقول رفاعة الطهطاوي : إن معمارية مصر تعتمد على حسن التصرف في مياه النيل، ويضيف جمال حمدان : إنه بغير ضبط النهر يتحول النيل إلي شلال مدمر وبغير ضبط الناس يتحول توزيع الماء إلي عملية دموية، لذلك كان لابد من تضافر الجهود لشق عدد كبير من الترع والقنوات وإقامة الجسور على أحواض المياه للتحكم في توزيعها تحقيقا للفائدة المشتركة والنفع العام، في ظل هذا الإطار الطبيعي يصبح التنظيم الاجتماعي شرطاً أساسياً لاستمرار الحياة، كما أن هناك أهمية خاصة للدولة في حماية الوحدة الزراعية وسط الصحراء من غارات البدو الرعاة الذين إذا أغاروا عليها نهبواها وحولوا الأرض الزراعية إلي مراعي، من هنا كانت ضرورة وجود حكومة مركزية قوية للقيام بالوظائف الاقتصادية والإدارية والدفاع، وهكذا نشأت (السلطة المركزية) كضرورة حتمتها الظروف الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية .

الوحدة القومية
عرفت مصر الوحدة منذ أقدم العصور(وحدة مينا 3200 ق .م سبقتها عدة محاولات للوحدة) لأن طبيعتها الجغرافية تحتم قيام وحدة قومية تسيطر على النيل وتنظم الزراعة، والنيل يربط بين أجزائها وقراها ويساهم في خلق هذه الوحدة وذلك بتسهيل سبل الانتقال بينها، والزراعة الفيضية- على العكس من الزراعة على المطر- تستدعي قيام التعاون والتبادل ، فالحضارة المصرية بطبيعتها حضارة وحدة مدنية، كما أن بدء الاتفاق على مستوي الحوض ثم على مستوي القرية، فالإقليم ساعد على سرعة التوحيد القومي كنتيجة طبيعة لنظام الري والزراعة، وكان لابد في نهاية الأمر من استمرارية وحدة الأرض (الوطن) ووحدة فئات المجتمع (الشعب) وأي مساس بهما يكون سبباً في انهيار وتردي حضارة هذا المجتمع .

الاستقلالية
كانت مصر دائما تنعم بالرخاء والرفاهية حينما تكون مستقلة، يحكمها أبناؤها ويحمل السلاح من أجل الدفاع عنها بعضا من أفرادها ، ومن أهم أسباب انهيار حضارتها التحكم الأجنبي في مقدارتها، وكان التخلف يستمر حتى ولو كانت مستقلة حين تفقد قدرتها على اتخاذ قراراتها، من هنا كانت الاستقلالية وليس الاستقلال فقط من أهم أسباب نهضة مصر والحفاظ على قوتها، إن أعظم أمجاد مصر تحققت دائماً حين كانت تنعم بالاستقلالية وأصحاب السيف والقلم هم أبناؤها ومنهم حكامها، وهكذا يصبح قانون الوجود المصري عبر التاريخ هو أن رخاء مصر وتقدمها يقترن دائماً باستقلاليتها، وانحطاطها يقترن بتبعيتها .

وهكذا يمكن القول أن أركان الدولة المصرية التي تجسدت خلال فترات التأسيس قد استمرت فاعلة لأكثر من أربعة آلاف سنة، ولكنها تعرضت لفترات قصيرة من التحلل والأضمحلال، فالهكسوس انتشروا في بعض مناطق الشمال لفترة لا تزيد عن 200عاما، كما أن غزوات الفرس والإغريق والرومان لم تمثل انقطاع حقيقي لأغلب مكونات الدولة المصرية، غير أننا ما أن نصل لمنتصف القرن السابع الميلادي حتى نجد فجوة كبري تفصل بين حاضر مصر وماضيها، فقد سبب الغزو العربي تحلل وتدهورلأغلب مكونات الدولة المصرية.
لعل ذلك ما جعل جمال حمدان يري أن انقلاب التعريب إنما يشكل انقطاع هام للغاية في الناحية اللامادية أي في الحياة الثقافية والروحية للشعب المصري، صحيح أن الانقطاع لم يكن بالمعني الجنسي بقدر ما كان بالمعني الحضاري، ولكن هذا الانقطاع يظل أفظع حقيقة في تاريخ مصر الثقافي والروحي، ويمثل نقطة تحول حاسمة وخط تقسيم فاصل في وجودنا اللامادي .
ويؤكد محمد العزب موسى أن مصر قد دخلت بعد الفتح العربي الإسلامي – وهو من وجه نظرنا غزو كغيره من الغزوات – مرحلة جديدة تماماً لا يمكن أن تعد امتداداً طبيعياً لما سلف ولم يقتصر التغيير الذي حدث في هذه المرحلة على الشكل والمظهر وإنما مس صميم الجوهر والموضوع، لم يكن العرب مجرد فاتحين هدفهم الاستيلاء أو الاستيطان بل كانوا حملة رسالة هدفها تغيير النفوس من الداخل، وعقيدة تستطيع أن تتسلل إلي الوجدان ويستطيعون هم حمايتها ونشرها بالجدل والسيف معاً .
ولقد كان تعريب المجتمع المصري أقوى الأسباب في إحداث انقطاع تاريخي، بتوقف معادلة الفعل الحضاري، فقدوم العرب (البدو/الرحل) واستيلائهم على الدولة ونظرتهم إليها كأداة للجباية، ومنهجهم الذي لا يرد فيه فكرةالنفقة العامة، أدي إلى إهمال صيانة الجسور والسدود، وعدم تطهير الترع والفروع .
ومن البديهى إن تفكك الدولة وعدم قيامها بمهامها حولت النيل العظيم إلى خراب، ما أدى إلى أندثار أربعة من فروعه، وخربت الحياة التي كانت قائمة عليها، كما انسدت الترع، وتداعت القناطر، فتعرضت الأرض الزراعية للبوار أو الجفاف أو الغرق، وبسبب هذه العوامل وغيرها انخفضت مساحة الأرض الزراعية من 6.5 مليون فدان عام 150 ق.م، إلي حوالي 3.5 مليون فدان عام 1821م، مما سبب كثرة المجاعات، فقد سجل التاريخ المكتوب أن مصر تعرضت لنحو 50 مجاعة منذ القرن الرابع عشر وحتى القرن الثامن عشر الميلادى، وكانت النتيجة الطبيعية للعوامل السابقة مجتمعة أن أنخفض عدد المصريين من 18 مليون نسمة عند أواسط القرن السابع الميلادي إلي حوالي 2.5 مليون نسمة عام 1821م، كما أدى حرمان المصريين من شرف حمل السلاح والدفاع عن الوطن إلى تقلص الصفوة المصرية، وضمور العزة والكرامة القومية .
ثم جاء الغزو العثماني الذي رفع راية الخلافة الإسلامية كواجهة، ولكنه قام بعملية تفريغ للقوى الإنتاجية المتبقية، فقد حمل سليم الأول عند عودته إلى الأستانة ألف جمل محملة بالذهب والفضة، وآلاف الصناع والحرفيين المهرة، كل هذه العوامل أدت إلى عدم قدرتنا على مواكبة حركة التقدم التي شهدها العالم أبتداء من القرن السادس عشر الميلادي، وإمكانية الدخول إلى الثورة الصناعية أو التحول إلى النظام الرأسمالي .
وإذا كان محمد على باتفاق أغلب المؤرخين قد استطاع إعادة بناء دولة حديثة في مصر منذ بداية القرن التاسع عشر، إلا أننا نتفق إلى حد كبير مع محمد حسنين هيكل في مقولته الصادمة حول عدم وجود دولة في مصر أو أي بلد عربي " نحن في العالم العربي كله لم نعرف فكرة الدولة لأننا عرفنا فكرة الإمبراطورية الغريبة وفكرة الخلافة الإسلامية وفكرة الدولة المملوكية، حتى جاء محمد علي، قبله كانت مصر ولاية عثمانية، والولاية لا تصنع دولة، وقد قام محمد على بصناعة إمارة والإمارة كل ما فيها يخدم الأمير ولكن قد يتطور وعى الأمير فينشئ الدولة، لكن محمد علي في اعتقادي حاول تحويل الإمارة إلى دولة ولكن هذا لم يتحقق، لأن محمد علي رغم عظمة تاريخه لم يكن مصريا ولم يكن يستشعر هذه الأرض، وهذا البلد، أو ضرورة وجود رباط مقدس من الحرية، لأنه لا وجود لدولة إلا إذا توفر لها ثلاثة أسس بوضوح، بلد حر، شعب حر، فيه رباط مقدس أي رباط دستوري وقانوني مقدس، وهذه الرواباط الحرة تجمع بين الناس كشريعة أحرار، وتجمع بينهم وبين الأرض، محمد علي كان من الصعب عليه أن يحقق هذا، لأنه لا في زمانه ولا في شخصيته كان هذا واردا .
إلى أن جاء الاحتلال البريطاني، كرومر أنشأ في مصر إدارة داخل مستعمرة تخدم الإمبراطورية على طرائق مواصلاتها . بعد ثورة 19 قام في مصر شيء آخر، قامت حكومة والحكومة فكرة .. كلمة الحكومة هي ببساطة طائفة من أهل البلد أو طبقة من أهل البلد يتصورون أنهم أقدر من غيرهم على حكم البلد .
ثم جاء عصر الثورة، جمال عبد الناصر لم ينشئ دولة، ولكن أنشأ نظاما والنظام يختلف عن الدولة، هذا النظام كان من الممكن في لحظة أن يتحول إلى دولة، وأقرب فترتين كاد فيهم النظام أن يتحول إلى دولة هي فترة حرب السويس في 56، وفترة ما بعد 67، ففي السويس خرج شعب بحاله متجاوزا نظامه، وخرج مشروع متجاوزا أفكار أي قيادة موجودة، وخرجت إمكانيات هائلة، وهنا كانت فرصة التحول من نظام إلى دولة،
الفرصة الثانية كانت بعد 67 وفي أثناء حرب الاستنزاف، ففي أثناء هذه الغضبة المريرة خرج الشعب المصري بالشباب الذين دخلوا إلى الجيش وشاهدناهم على الجسور، على جسور العبور سنة 1973 وبالقيادات اللي ظهرت وبالأمة كلها المتفانية وشعب قريب من أمة، هنا كان من الممكن أن يتشكل مشروع دولة بشكل ما، هنا كانت توجد بلد وضعت كل قواها الإنتاجية، كل قواها الشبابية، كل قواها الإنسانية، في معركة وطنية، كان يمكن لهذا المشروع وهذا النظام أن يتحول إلى دولة، لكن بعد ذلك دخل بنا هذا النظام إلى فكرة القرية وأخلاق القرية، وتحول إلى عبودية تقريبا، ثم تحول بشكل أو بآخر إلى شركة أو إلى عائلة .
اتفاقنا مع هيكل لم يأتي من فراغ ولكن لأسباب موضوعية، حيث أننا نرى أن استكمال بناء الدولة الحديثة في مصر يجب أن يتواكب مع المنجز الحضاري الذي تحقق بعد نشأت "الدولة القومية الحديثة" في أوروبا وأنتشارها في أغلب ربوع العالم المتمدين، وظهور ركن جديد أرى أنه أصبح جوهر الدولة الحديثة وأهم مكوناتها، حيث أنه المحدد الأول "لشرعية الدولة الحديثة" والتعبير الأدق "مصدر شرعيتها" وهو الفرد الحر المشارك بوعي في الحياة العامة وعلى الأخص العمل السياسي، الذي أصبح مناط أهتمام هذه الدولة والعنصر الرئيسي لإكتسبها الشرعية .
فالدولة الأوروبية الحديثة، دولة المؤسسات والمصلحة العليا في مقابل دولة الطاغية، قامت في أوروبا نتيجة عملية تاريخية أسفرت عن ظهور مجال جديد في الحياة الاجتماعية هو مجال "السياسي" أي المواطن الحر، الذي أصبح قادرا على المشاركة في مجال الممارسات المدنية والسياسية، وأخذ ينافس "الأمير" والكنيسة ويقدم نفسه كمشارك معهما في الحياة العامة.
لقد ظهر هذا المجال نتيجة الصراع بين الأمير والكنيسة كعنصر جديد وطرف ثالث معبرا عن "الشعب" و"المصلحة العامة" و"بناء الشرعية على التعاقد" وهو ما يعبر عنه بـ "الحداثة السياسية" فقد أدي تفسخ النظام الإقطاعي إلى صعود الطبقة الثالثة، وبعد أن كان المجتمع يتشكل من النبلاء ملاك الأرض، ورجال الدين، ويقوم على نظام المراتب والامتيازات والتبعية والولاءات الشخصية، برزت فئات اجتماعية أخذت تقوم بالاعمال الخاصة في مهن الزراعة والصناعة والتجارة والحرف الحرة، كل شيء أصبح حرا ومذدهرا ويسير نحو الأفضل، بدون سيطرة النبلاء ورجال الدين، هذا المواطن الحر أبن الملكية الفردية هو الذي بنى المجتمع المدني والسياسي، فهو صانع البرلمان، ومنظمات المجتمع المدني، وتداول السلطة من خلال إنتخابات حرة ونزيهة، أن أهم خصائص هذه الدولة هو التغير الذي حدث في العلاقات بين مكوناتها، فلم يعد الحكام يستمدون السلطة والشرعية من قبل الآلهة أو الكنيسة، بل أصبح الشعب في صورة المواطن الحر هو مصدر شرعية الدولة ومناط أهتمامها .
هذا العنصر الجديد الذي برز كركن هام للدولة الحديثة لم يتحقق في دولة محمد على، بسبب الصراع الذي دار بين السيد عمر مكرم - الذي كان يرى أن من حق الشعب تولية الحاكم وعزله - وبين محمد على، فبالرغم من الدور البارز الذي لعبه السيد عمر مكرم في خلع خورشد باشا وتولية محمد على بدلا منه، وهذا ما أكده الجبرتي "اجتمع الشعب في بيت القاضي وقرروا عزل خورشيد باشا وتوليه محمد على، وتوجه السيد عمر مكرم والشيخ عبد الله الشرقاوي لدار محمد على بالأزبكية في 13 مايو 1805 لإبلاغه بهذا الاختيار، لقد اخترناك بدلاً منه بشرط أن تسير في الحكم بالعدل، وألا تبرم أمراً إلا بمشورتنا، وإذا خالفت هذا الشرط عزلناك . قبل محمد على الولاية بعد أن أبدى بعض التمنع" . ولكنه أصر على ضرورة الكتابة للبابا العالي لإصدار فرمان بتوليه الحكم في مصر .
صعد أذن "محمد علي" لحكم مصر بتأييد الزعامة الشعبية التي تشكلت أثناء مقاومة الحملة الفرنسية، والتي قادها "عمر مكرم" كما تحملت الزعامة المسئوليات والأخطار التي واجهت نظام "محمد علي" الوليد، ومنها أزمة الفرمان السلطاني بنقله إلى "سالونيك"، والحملة الإنجليزية على مصر سنة (1807م)، وإجهاض الحركة المملوكية للسيطرة على الحكم في مصر؛ ففي هذه الأزمات الثلاث الكبرى كانت زعامة "عمر مكرم" تترسخ في وجدان المصريين؛ إذ رفض مساندة المماليك في تأليب الشعب ضد "محمد علي"، ورفض فرمانات السلطان العثماني بنقل "الباشا" إلى "سالونيك" فاحتمى "محمد علي" به من سطوة العثمانيين، وفي حملة "فريزر" قام "عمر مكرم" بتحصين القاهرة، واستنفر الناس للجهاد، وكانت الكتب والرسائل تصدر منه وتأتي إليه، أما "محمد علي" فكان في الصعيد يقاتل فلول المماليك، وينتظر حتى تسفر الأحداث عن مسارها الحقيقي.
وأخيرا أدرك "محمد علي" أن "عمر مكرم" خطر عليه أمام أحلامه في الاستفراد بحكم مصر؛ فمن استطاع أن يرفعه إلى مصافّ الحكام يستطيع أن يقصيه، ومن ثم أدرك أنه لكي يستطيع تثبيت دعائم ملكه وتجميع خيوط القوة في يده، لا بد له أن يقوض الأسس التي يستند عليها "عمر مكرم" في زعامته الشعبية فأصدر الأمر بنفيه خارج القاهرة .
وعندما أعلن زعماء الشعب وعلى رأسهم عمر مكرم عن استعدادهم للخروج لقتال الإنجليز أجاب "محمد علي": "ليس على رعية البلد خروج، وإنما عليهم المساعدة بالمال لعلائف العسكر". وكان هذا الأمر إعلانا صريحاً بأنه لا يريد من الشعب تدخلاً في شئون الحكم أو قياما بواجب الدفاع عن البلاد ، وأن على أفراد الشعب- أو الرعية على حد تعبيره - أن يدفعوا ما يطلب منهم من أموال، والحكومة هي التي تقوم بالدفاع عن البلاد .وهكذا أظهر محمد على ما كانت تجيش به نفسه من رغبة جامحة في الانفراد بالحكم وإقصاء المصريين عن الاشتراك في شئون وطنهم، وكانت هذه الإجابة لمحمد على، تمثل صدمة رهيبة ومفزعة، وبداية نفور بين السيد عمر مكرم ومحمد على .
وهكذا انتصرت ارادة "محمد على" على تصور عمر مكرم في أن يكون الحاكم واليا بإرادة الشعب ومندوبا لهم، وأصر أن يكون مندوبا عن الباب العالي وبأمر منه، وبذلك كان مصدر شرعيته من أعلى وليس بإرادة الشعب المصري، وقد استمر مصدر شرعية نظم الحكم المختلفة في مصر حتي 25 يناير 2011 يأتي من أعلى مخالفا للمنجز التاريخي الذي جسدته الثورة الفرنسية، وأخذ يتحقق في كل الدول الحديثة ببلدان العالم المتمدين، ولم يكن هذا الأمر مخالفا لطبيعة بنية المجتمع المصري منذ بداية تشكل دولته المركزية وحتى بداية القرن التاسع عشر، بل كان أمرا طبيعيا لأسباب عدة يمكن اختصارها في الآتي :
• ارتبطت نشأة الدولة في مصر بطبيعة الإنتاج الزراعي اعتمادا على الري النهري، والطبيعة الجماعية للإنتاج، مما حتم وجود سلطة مركزية قوية، كانت تستحوز على أغلب وسائل الإنتاج خاصة الأرض الزراعية، فالملك الفرعون الإله أوأبن الإله، أو الحاكم بأمر الخليفة المستمد شرعيته من الدين، كان يمنح حق "الانتفاع" لبعض رجال الدولة والقادة العسكريين، دون منحهم حق الملكية القانونية في البيع أو الميراث، وكان الحاكم قادرا على استعادة حق الانتفاع في أي وقت، كما أن هذه الحقوق كانت تتغير بتغيير الحكام، هذا التغير المتوالي حال دون استقرار الملكية الخاصة للأرض الزراعية، مما منع تبلور طبقات اجتماعية وجمد الصراع الاجتماعي .
• طبيعة العملية الإنتاجية المتمركزة على الزراعة، والتدهور الحضاري خلال الفترات الطويلة من الغزو والاحتلال الأجنبي، حال دون التطور والانتقال إلى المجتمع الصناعي والنظام الرأسمالي، فقدأفضي بنا غياب الفعل الحضاري الذي يقوم على العمل الاجتماعي المنتج، والنشاط المنتج للمعرفة أي الإبداع الفكري والتقني، إلى تعطل الفاعلية الاجتماعية والفعل الأرادي للإنسان المصري، فالإنسان يفكر إبداعيا حين يعمل في تفاعل مشترك داخل مجتمع متحقق، حيث وجود المجتمع شرط للتفكير المبدع والفعل الحضاري، كما تقلصت صفوة المجتمع المصري بسبب سلب هويتها الثقافية ومنعها من حمل السلاح والقلم، كل هذا ثبت نسبيا البنية الاجتماعية والذهنية، وادي إلى انحلال المجتمع المصري، والعودة بنا إلى مجرد تجمع بشري ومجموعة أفراد ضمرت فيهم روح العزة والكرامة الإنسانية، وترسخت عادة تمجيد الماضي، أو استيراد السلع الفكرية والمادية من المجتمعات الغربية، فقدنا التواصل الحضاري عملا وفكرا، فالعمل الاجتماعي هو الذي يطرح تساؤلات الواقع ويتوصل إلى حل مشكلاته، علاوة على كونه التعبير الحقيقي عن الانتماء والتلاحم بين الإنسان ووطنه، وهكذا أصبح كل جيل يبدأ من الصفر، يرى في المعرفة الموروثة من الماضي أو الوافدة من الغير اكتشافا جديدا .
• طول فترة التاريخ المصري أدي إلى تحول بعض مكونات الدولة المصرية من الجانب الإيجابي إلى الجانب السلبي، فمثلا "مركزية الدولة" التي كانت عاملا هاما في إنجاذ المشروعات الكبيرة، تحولت لتصبح عائقا أمام التحول الديمقراطي، كما ساهمت سطوة الحاكم، وسيطرةالدولة على أغلب وسائل الإنتاج، وكذلك تعقد وجمود البيروقراطية، في عدم تمكننا من الدخول إلى عصور الحداثة .
• سلطات رئيس الجمهورية : كانت سلطة الحاكم في مصر مطلقة بحكم مركزية الدولة، وتأكد ذلك في دستور 1971 الذي منح لشخص رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة، سواء من ناحية طريقة اختياره، أو من جانب أسلوب ممارسته للسلطة التنفيذية، وكونه حكما بين باقى السلطات الأخرى، بما يعطيه نظريا وتطبيقيا صلاحيات تجعله متحكما فى جميع السلطات، وهكذا أصبح يجمع بين أن يكون حكما وخصما فى ذات الوقت، ودون وجود لجهة أو هيئة فى هذا الدستور تملك أن تحاسبه أو تعترض على أى قرار من قراراته أو تراجعه، وبهذا صار المسئول الأوحد فى الدولة المصرية، وغير المسئول الوحيد فيها .
• أمن الدولة ودولة الأمن : تشكلت بنية النظام المصري في السنوات الأخيرة من نوعين من المنظمات: مؤسسات مدنية رسمية، وأجهزة سياسية سرية. الأولى تشمل كل المؤسسات التي تعمل بشكل علني في الدولة: القضاء، المجلس النيابي، والمجالس المحلية، الوزارات والمصالح التابعة لها والمحافظات، بما في ذلك الشرطة المسئولة عن الأمن العام، الجمعيات الأهلية والنقابات والأحزاب والنوادي، وغيرها من منظمات المجتمع المدني العلنية، وعلى رأسها الدستور، الذي ينظم العلاقات فيما بينها. هذه المؤسسات في عمومها قانونية، أي تتحرك بلوائح وقوانين وإجراءات محددة .
الثانية هي أجهزة الأمن السياسي: مباحث أمن الدولة، المخابرات العامة، المخابرات العسكرية، جهاز الأمن القومي، وربما غيرها. العلاقة بين هذين النوعين من المنظمات هى هيمنة الأجهزة الثانية على الأولى. غير أن تحقيق هذه الهيمنة يتطلب أن تصاغ المؤسسات الأولى نفسها بما يسمح بتدخل الأجهزة السرية. ويتحقق ذلك في المحل الأول عن طريق السلطات شبه المطلقة لرئيس الجمهورية، الذي يجمع بين كونه رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية. ومن خلال هذا الازدواج في سلطته تتدخل الأجهزة الأمنية في القضاء، مثلا، بطرق متعددة، ويتحقق في المواقع المختلفة بأن توكل دائما السلطة في كل موقع لفرد واحد له صلاحيات ضخمة في الإدارة. وهكذا يختص وزير العدل بندب القضاة وتعيين رؤساء المحاكم وتقرير مكافآت لهم، وعشرات الاختصاصات الأخرى. وبنفس الطريقة يتم إحكام القبضة على الجامعات بتعيين رؤسائها وعمداء الكليات، وإحكام القبضة على الأقاليم بالتعيينات العديدة، من المحافظ إلى عمدة القرية.
وهكذا فإن سلطة الفرد الواحد، الذي يتحكم بأدوات منها الاختلالات المتعمدة في نظم الأجور (بأن يكون معظمها حوافز في يد الإدارة) تعد هي المدخل الطبيعي لتحكم أجهزة الأمن. فمن جهة يتم تعيين هؤلاء المسئولين في كل موقع بناء على تقارير متعددة، على رأسها تقارير الأجهزة الأمنية، ومن جهة أخرى يمكن نزع هؤلاء الأشخاص من مناصبهم بناء على تقارير جديدة. وبين التعيين والخلع يتلقى هؤلاء الرؤساء التعليمات الأمنية فيما يتعلق باختصاصهم، فيصدرون القرارات "الملائمة" أمنيا، مثل عدم تعيين معيدين معينين، أو اضطهاد أحد الأساتذة، أو إحالة طلبة للتحقيق، أو، في مجال القضاء، توزيع القضاة على اللجان الانتخابية بحيث يتم استبعاد البعض ووضع "الموثوق بهم" في اللجان العامة الحساسة، وداخل المحاكم نفسها توزيع القضايا من حيث نوعها على القضاة بحيث تصل القضايا التي تعتبرها السلطة مهمة لقضاة بعينهم، ومؤدى هذا كله أن أجهزة الأمن السياسي هي الجهاز الرئيسي للنظام. فهذه الأجهزة لا يقتصر عملها على قمع المعارضة أو التجسس عليها، وإنما تشمل مراقبة عمل كافة أجهزة الدولة وضبطها وتبديل رؤسائها .
• كنا رعايا ولم نكن مواطنون : فالرعايا Sujets هم الفئة المحرومة من أغلب الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والرعية لا تملك سلطة محاسبة راعيها، كما أنها لا تعد مصدرا لشرعيته، أما لفظ المواطنين Citoyens فهو اصطلاح يستخدم في القانون العام ليشمل كل من يتمتع بكافة الحقوق السياسية والمدنية في الدولة، و المواطن ليس موضوعا قانونيا فحسب بل إنه مالك لقسط من السيادة، ينتخب حكامه، ومن حقه مراقبة أفعالهم و محاسبتهم في حالة الإخلال بشروط العقد الاجتماعي
والمواطنة تعني العضوية الكاملة والمتساوية في المجتمع بما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهو ما يعني أن كافة أبناء الشعب الذين يعيشون فوق تراب الوطن سواسية بدون أدنى تمييز قائم على أي معايير تحكمية مثل الدين أو الجنس أو اللون أو المستوى الاقتصادي أوالانتماء السياسي والموقف الفكري، ويرتب التمتع بالمواطنة عدد من الحقوق والواجبات يمكن اجمالها في الآتي :
قيمة المساواة: التي تنعكس في العديد من الحقوق مثل حق التعليم، والعمل، والجنسية، والمعاملة المتساوية أمام القانون والقضاء، والمعرفة والإلمام بتاريخ الوطن ومشاكله، والحصول على المعلومات التي تساعد على هذا .
وقيمة الحرية: التي تنعكس في العديد من الحقوق مثل حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية، وحرية التنقل داخل الوطن، والحق في التعبير والمناقشة بحرية حول مشكلات المجتمع ومستقبله، وحرية المشاركة في المؤتمرات أو اللقاءات ذات الطابع الاجتماعي أو السياسي.
وقيمة المشاركة: التي تتضمن العديد من الحقوق مثل الحق في تنظيم حملات الضغط السلمي على الحكومة أو بعض المسئولين لتغير سياستها أو برامجها أو بعض قراراتها، وممارسة كل أشكال الاحتجاج السلمي المنظم مثل التظاهر والإضراب، والتصويت في الانتخابات العامة بكافة أشكالها، وتأسيس أو الاشتراك في الأحزاب السياسية أو الجمعيات أو أي تنظيمات أخرى تعمل لخدمة المجتمع أو لخدمة بعض أفراده، والترشيح في الانتخابات العامة بكافة أشكالها.
المسئولية الاجتماعية: التي تتضمن العديد من الواجبات مثل واجب دفع الضرائب، وتأدية الخدمة العسكرية للوطن، واحترام القانون، واحترم حرية وخصوصية الآخرين، وصيانة المال العام، وأهمية المحافظة على نظافة البيئة .
لم نكن مواطنون في ظل الحكم المطلق، فقد ظلت الدولة تحكم المجتمع كأنها قوة فوقه وسيدة عليه، غالبا بصورة تعسفية، دون أن تعني أنها مجرد هيئة تنوب عنه وتستمد وجودها وشرعيتها منه، كان المعني السائد للدولة أنها مكافئة للقوة، أما ما اسماه فلاسفة التنوير بروح القوانين أو الدستور بمعناه، فهو في الجوهر علاقة بديلة تقوم على ما يسمي العقد الاجتماعي، حيث الدولة تتقيد بالقوانين وتطبقها وتلتزم بحماية حقوق المواطنين .
• تزاوج السلطة والمال، كان هناك اختلاف واضح بين صنع الثروة وعلاقتها بالسلطة في الغرب، وبين ما يحدث في مصر، ففي الغرب يحقق الفرد الثروة في السوق ثم يحاول من خلال هذه الثروة الحصول علي التمثيل السياسي والوصول إلي السلطة. أما في مصر فان الفرد يقتنص السلطة، ثم يحاول من خلال إفساد السلطة الحصول علي الثروة، وهكذا استشري الفساد وأصبح ظاهرة عامة في كل اركان الدولة والمجتمع .

مستقبل الدولة في مصر
ثورة الشعب التي قادها الشباب اعتبارا من 25 يناير فتحت الطريق لإمكانية بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة "دولة المواطنة" بمعنى استكمال الركن الحديث وهو ضرورة بروز دور المواطن الحر، الذي يجب أن يكون مصدر شرعية السلطة ومناط أهتمامها الأول، وعلينا أن نتمسك بما جاء في الكلمة التي ألقاها أمام المتظاهرين من داخل ميدان التحرير د . عصام شرف رئيس الوزراء الجديد "أنه يستمد أهداف الحكومة الجديدة من خلال مطالب الثوار، مؤكدا التزامه بتنفيذ مطالب كافة فئات الشعب خلال الفترة القادمة، فهي خير تعبير عن حقوق المواطنة .
فالمواطنة رابطة قانونية قائمة بين الفرد ودولته التي يقيم فيها بشكل ثابت ويتمتع بجنسيتها على أساس جملة من الواجبات والحقوق فهي -أي المواطنة - مجموعة من العلاقات المتبادلة بين الفرد والدولة وبين الأفراد بعضهم ببعض قائمة على أساس ما يسمى بالحقوق والواجبات وهي التي يحددها القانون الأساسي (الدستور) وبالطبع في ظل نظام ديمقراطي حقيقي، فهيئة المواطنين أو الشعب هو الذي يقر الدستور باعتباره الوثيقة الأساسية التي بمقتضاها يتم الحكم، ومهما اختلفت المعاني لمفهوم المواطنة يبقى هنالك مبدأ أساسي لمعناها الحقيقي وهو الانتماء، والمواطنة لا تنجز إلا في ظل نظام سياسي ديمقراطي تعددي، يحترم حقوق الإنسان ويصون كرامته ويوفر له ضرورات العيش الكريم، .
ومن أهم مرتكزات بناء دولة المواطنة تغيير نمط الإنتاج بحيث يقوم على أولوية العمل الاجتماعي المنتج، فنمط الإنتاج بمعنى أسلوب الحصول على الدخل القومي، وكيفية توزيعه، هي التي تحدد مستويات المعيشة ومعدلات التقدم، فالدخل المتحقق من خلال العمل الاجتماعي المنتج، وما يترتب عليه من عدالة توزيع الدخل القومي في صورة مرتبات وأجور مقننة، وأرباح وفوائد من خلال نشاط استثماري يقوم على بناء أصول ومشروعات إنتاجية، وخدمات اجتماعية راقية، كل هذا يكون دافعا للقدرات التنافسية، بما يضمن استمرار وجود الأفكارالمبدعة والتقنيات المبتكرة، فهذا النمط من الإنتاج يكون محفزا للنمو الاقتصادي، وبناء مجتمع المعرفة، ودافعا لتطور العلوم والفنون، وفتح آفاق الإبداع في شتي المجالات، كما أن هذا النمط الاقتصادى يؤدى إلى تشكيل كيانات وطبقات اجتماعية تحرص على تحقيق مصالحها من خلال خوض صراعات اجتماعية وسياسية بأساليب عادة ما تكون ديمقراطية، لتحسين فرص حصولها على أفضل عائد من الاستثمار المنتج، ويجب أن يتم ذلك من خلال مشروع قومي شامل يكون حلا لعديد من مشاكلنا المزمنة، خاصة مشكلات التكدس السكاني، وارتفاع معدلات البطالة، وتدني مستويا الخدمات الاجتماعية .
ويبقى أن كل ذلك لن يتحقق إلا عبر ثورة في التعليم، بحيث نوفر أكبر فرصة للأجيال القادمة للحصول على تعليم راقي وجيد، فالتعليم هو المدخل الحقيقي والأول للتنمية الشاملة وصولا للتقدم والنهضة الوطنية .



#فتحي_سيد_فرج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجالس الأمناء النموذج الأمثل لتطبيق اللامركزية في مصر
- النانو تكنولوجيا .. علم وصناعة القرن الجديد
- وداعا محمد عابد الجابري
- رأس المال الاجتماعي مدخل حديث للتنمية
- المواطنة ممارسة
- العلم وشروط النهضة
- هدم العقارت كارثة للملاك الفقراء وإهدار للثروة القومية في مص ...
- العالم بدون كلود ليفي شتراوس
- الطرق إلى الحداثة
- لماذا لم يكتمل تشكل الدولة الحديثة في مصر ؟ 2 من 3
- لماذا لم يكتمل تشكل الدولة الحديثة في مصر ؟ 1 من 3
- تقارير التنمية الإنسانية تثير الجدل حول تردي الاوضاع العربية
- زمن ال -مابعد - 2 - 2
- زمن ال - ما بعد - 1 من 2
- زمن ال - ما بعد -
- دفاعا عن المنظمة التي تدافع عن حقوق الإنسان
- على طريق الهند
- بدر الدين أبو غازي ... الناقد والرسالة
- نظرية اللعب في دراما الأطفال
- الحكومات العسكرية في العالم العربي


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - فتحي سيد فرج - الدولة المصرية : تطورها ومستقبلها