|
ماذا يعني أن تكون فلسطينيا
حسن العاصي
باحث وكاتب
(Hassan Assi)
الحوار المتمدن-العدد: 3298 - 2011 / 3 / 7 - 02:48
المحور:
القضية الفلسطينية
ماذا يعني أن تكون فلسطينيا أن تعشق وطنا لم تراه ، أن تحارب نيابة عن أمة الضاد ، فأنت القومي الأول ، وأن تحارب نيابة عن المسلمون ، فأنت حامي الأقصى ، ونيابة عن أحرار العالم ، فأنت أممي ضد العولمة ، وسيكيلون لك المديح ، لكنك ياحافي القدمين ضحية كل الأزمات . أن تكون فلسطيني يعني أن ترضع مفردات السياسة طفلا ، وتكتب قصائد الشعر وأنت مراهقاً ، وتعتقل وأنت شاباً ، فإن لم تقتل ، تتزوج لتنجب أبناء وأحفاد يكررون المقرر ، مالم تفعل ذلك فأنت إمٌا عميل أو مجنون ، أن تكون فلسطينيا ، ينبغي أن تحفظ أسماء الشهداء ، وعدد المعتقلين ، وأماكن السجون والمعتقلات في العالم ،وتحفظ تاريخ الثورات بداية من ثورة سبارتكوس. أن تكون فلسطينيا ، عليك أن تكون مروجا لبضاعة كاسدة إسمها الكرامة ، سلعة إنخفضت أسهمها ، وقلٌ تداولها ، منذ أن إبتدعنا قواميس جديدة للأخلاق . عندما تكون فلسطينيا ستصاب بمرض غسمه الحزن ، ويلتصق أنين الحجارة بصوتك . عندما تكون فلسطينيا ، ستتمتع بذاكرة قوية ، فأنت تذكر عدد حبات رمال البحر ، وصوت كل مأذن ، وضحكة كل طفل ، ستذكر أماكن المعتقلات ، وأقنعة الجلادين ، وتذكر لون الفجر ، ورائحة الموت الممتزج بالبارود . لأنك فلسطيني ، ستدرك أهمية الأرقام ، سيتحول إسمك إلى رقم في جداول وكالة الغوث ، تاريخك إلى أرقام ، موقع بيتك ، عدد أفراد الأسرة المعتقلين والمنفيين والمفقودين والمقتولين هي أرقام ، عدد الأيام التي أمضيتها في المخيم ، سيلهج لسانك بالشكر لمن إخترع الأرقام ، لولاها لما كنت أصلا موجودا . عندما تكون فلسطينيا ، ستعيش حالة من الحنين الدائم ، لاصحوك ولا إستيقاظك ، لا في عملك ولا في إجازتك ، لا في وعيك ولا في غيبوبتك ، إلٌا وتكون قلسطين موجودة ، فلسطين وماكنت عليه ، وماصارت عليه ، وماستصبح عليه . ماذا يعني أن تكون فلسطينياً ؟ أن يكون لك وطناً وبيتا ، بيٌارة ومكان عمل ، عائلة وأفارب وأصدقاء وجيران ، ثم فجأة يأتبك أحد ما ، لسبب ما ، بمساعدة ما ، وخيانة ما ليقتل نصف عائلتك ، وتصبح أنت ضيفاً ثقيل الظل في أرضك . أن تسير في شارع ما ، في عاصمة ما ، في دولة ما ، وأنت لاتعلم هل ستعود إلى بيتك أم لأ . أن تتهم في قتل أي إنسان قد يموت ميتة طبيعية ، في بيت ما في بلد ما ، دون أي سبب . إن حصل تفجير في السويد ، تغلق معابر غزة ، إن إنزلق قطار في الهند تقطع المساعدات من الدول المانحة ، وإن غرقت سفينة في بحر الشمال ، أصدر مجلس الأمن قراراً يدين عنف الفلسطيني . أن يكون لك حكومتان ورئيسان ، والجميع يمتهن كرامتك ، ولايقر بمواطنتك يعني أنك نجحت أو لم تنجح ، حققت أعلى مراتب التحصيل العلمي ، لن تحصل على وظيفة محترمة ، وإن حصلت لن تعامل كاقرانك ، بدون وجه حق ، فقط لأنك فلسطيني . عندما تحصل ثورة في مكان ما ، بلد ما ، تتهم أنت بإعتبارك من قام بالتحريض ، وبأنك أجندة خارجية ، وتمنع من دخول بلد ما . عندما تنفجر كنيسة ما ، أو مسجد ما ، تعتقل أنت لأنك فلسطيني ،ويصبوا جام حقدهم فوق رأسك ، ورأس أجدادك ، ليتضح أن من فعل هذا ، وزير ما ، في بلد ما ، أو حزبا ما في دولة ما ، ويكتشفون أن لاعلاقة لك بالأمر ، لكنهم لايقرون . يعني أن تدخل دولة ما في احتكاك ما مع دولة عربية أخرى ما ، فيتم فرض إرتداء الزي العسكري عليك ، وترسل في طائرات حربية رغما عن أنف أهلك إلى جهة ما ، لتدافع عن زعيم ما ، رغم أن بلادك أحوج لهذا القتال . يعني أن ترتدي أي زي فلسطيني ، أو تضع الكوفية الفلسطينية ، وأنت في عملك ، أو في دراستك ، أو حتى في الشارع العام ، تحصل على إنذار بالفصل من العمل أو المدرسة بتهمة إرهابي . يعني أن تكون موضع مزايدات كافة المثقفين ، والكتاب ، والفنانين ، ورجال الأعمال ، الذين يزاحموك في وطنيتك وحبك لفلسطين ، من أجل حفنة من الدولارات ، من أجل تسويق كتاب أو عمل فني . أن تكون مادةً مهمة في خطابات الزعماء في العالم العربي ، يستخدمون إسمك وبلدك ، وكم يكنون لك من الحب والأحترام ، وكم يساهمون في مد يد العون لفلسطين ، فقط من أجل إظهار بطولاتهم ، وفروسيتهم أمام شعوبهم ، وسجونهم ممتلئة بالمناضلين الفلسطينيين . يعني أن يأتي الصومالي أو الهندي أو الباكستاني أو التايلاندي أو المجوسي إلى اي بلد عربي ، ويحصل على إقامته خلال ثلاث أيام ، وأنت تنتظر ستة عشر شهرا بلا سبب ، فقط لأنك فلسطيني . تتحدث عن حق العودة ، يتهمونك بالجنون ، تتحدث عن تحرير فلسطين ، يتهمونك بالهلوسة والتحريض على الأمن والسلم الإجتماعي العالمي ، وبأنك أصبحت خطرا على التماسك الأجتماعي لبلد ما ، ومن ثم لا يستطيع أحداً إيجادك ، ولا يتجرأ أحداً ما أن يسأل عنك جهة ما . أن تضع روحك بين كفيك ، وتستشهد في سبيل وطنك ، تجدهم يصفقون لك في اليوم الأول ، وفي اليوم الثاني بقبضون ثمن دمك ، واليوم الثالث ينتقموا من أهلك . أن تجد خبرا ، أو مقالة في الصفحة الأولى لصحيفة ما ، يتناول وضع السلفادور ، وتجد إسم فلسطين في منتصف الخبر أو المقال . أن تكون مبدعا ، خلاقاً ، مخترعاً ، وتكتب الصحف عن إنجازاتك في ميدا ما ، وتتلقى أرقى الشهادات وأرفع الأوسمة ، لكن يظل الجميع ينظرون لك بعين الريبة ، فقط لأنك فلسطيني . في جامعة ما ، في بلد ما ، وتكون أنت من المتفوقين في دراستك ، ويستعين بمعلوماتك خليل وأحمد ونيفين ونسرين ، وفي نهاية العام هم ينجحون وأنت لاتجد إسمك بينهم . يعني أن تحمل في جيبك خمسون ألف ورقة وختم وطوابع ، تقضي أسابيع وأحيانا شهور لأنجاز هكذا معاملة ، فقط كي تسافر ، وفجأة تجد نفسك ممنوعاً من المغادرة . أن تكون كرتاً ومجرد ورقة في حسابات السياسات الداخلية والخارجية ، لبعض الدول الشقيقة والبلدان الإقليمية . أن تجد ثلاثون محطة تلفزيونية ، وخمسون وكالة إخبارية ، وعشرات الصحف ، ومئات الندوات سنويا ، وآلاف المؤتمرات ، جميعها تناقش أسباب هزيمة 1948 وقبام دولة إسرائيل ، ولم يتوصلوا قط إلى رؤية تسعد وطنك على إستعادة ولو جزء من أرضه التي انتهكت ، وانتهكت حقوق اصحابها على مر ستون عام ونيٌف على مرأى الأشقاء . إن حدث كسوف أو خسوف ، فأنت المسؤول لأنك فلسطيني . يقتل رجل أسود على يد أمريكي أبيض ، أنت المسؤول . تحدث هزة أرضية ، أو ينشط زلزال ما في مكان ما ، فأنت المسؤول . اي خلل في نظام الطبيعة أنت مسؤول عنه ، أية إمرأة تطلقت ، أي فريق كرة قدم ينهزم ، اي كوب قهوة يندلق ،اي حادث تصادم ، أية قضية تسجل ضد مجهول ، أنت مسؤول . لأنك فلسطيني
#حسن_العاصي (هاشتاغ)
Hassan_Assi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يظل مصير القدس مجهولا ؟
-
هنا القاهرة
-
ماالذي يحصل في العالم العربي
-
مجرد أحلام تهذي
-
الجنة تفتح ابوابها متأخرة
-
إلى شيخ الشهداء أبو ماهر اليماني
-
أحلام طوطمية
-
اللاجئون الفلسطينيون والحل الدائم
-
دفاتر زينب
-
حق العودة في الايديولوجية الصهيونية
-
هل يتناقض التعويض مع حق العودة للاجئين الفلسطينيين
-
أسئلة التاريخ والراهن في الفكر القومي العربي
-
في الذكرى الحادية والثلاثين ليوم الأرض الخالد الاحتلال مستمر
...
-
المغرب .. بهجة الحواس .. يسكنها الزائر فتسكنه
-
منطق بلا منطق
-
السلام على السمراء .. سيمفونية الوطن الضائع
-
اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني ... اللوحة التي فقد
...
-
غواية الاستبداد ... تاملات في الحالة الامريكية
-
العرب والانتخابات الاميركية
-
هل نحن مشرفون على حرب اهلية فلسطينية
المزيد.....
-
السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
-
الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال
...
-
السعودية.. فيديو لشخصين يعتديان على سائق سيارة.. والداخلية ت
...
-
سليل عائلة نابليون يحذر من خطر الانزلاق إلى نزاع مع روسيا
-
عملية احتيال أوروبية
-
الولايات المتحدة تنفي شن ضربات على قاعدة عسكرية في العراق
-
-بلومبرغ-: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائ
...
-
مسؤولون أمريكيون: الولايات المتحدة وافقت على سحب قواتها من ا
...
-
عدد من الضحايا بقصف على قاعدة عسكرية في العراق
-
إسرائيل- إيران.. المواجهة المباشرة علقت، فهل تستعر حرب الوكا
...
المزيد.....
-
المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق
...
/ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
-
حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية
/ جوزيف ظاهر
-
الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية-
/ ماهر الشريف
-
اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا
/ طلال الربيعي
-
المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين
/ عادل العمري
-
«طوفان الأقصى»، وما بعده..
/ فهد سليمان
-
رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث
...
/ مرزوق الحلالي
-
غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة
/ أحمد جردات
-
حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق
...
/ غازي الصوراني
-
التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|