أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن العاصي - السلام على السمراء .. سيمفونية الوطن الضائع














المزيد.....

السلام على السمراء .. سيمفونية الوطن الضائع


حسن العاصي
باحث وكاتب

(Hassan Assi)


الحوار المتمدن-العدد: 1146 - 2005 / 3 / 24 - 12:07
المحور: الادب والفن
    


باستثناء الكلام , يطبق السكون على حياتنا , الأوطان أصبحت كلام , والحق كلام , الفرح كلام , الهزيمة كلام , وكلما كثر الكلام تكبر الأوطان , وكلام بعد كلام نحقق الازدهار وتتلاشى الخيبة .
سكون , سكون مرعب , أباطرة افترشوا الحرير ووسائد الريش , ورعية افترشت يأسها وشقاؤها أسندت ظهرها إلى حجر ,رعية نزفت نصف دمها ونصف عافيتها , أيقنت بعد اكثر من نصف قرن من الحلم والوهم أن ما جرى اكبر منها , وان ما يجري سوف يمر أمام أعينها حتى لو كانت اكبر من عمالقة الأساطير .
لاشيء يقطع هذا السكون سوى هدير جنازير الدبابات في القرى والمدن الفلسطينية والعراقية , سوى صراخ أمهاتنا وعويل أطفالنا , سوى أصوات القهر وسواد الأحلام في زنازين وأقبية السجون العربية التي أضحت اكثر من المدارس والحدائق , وسط مناخ عربي قابل لكل شيء سوى العافية .
سكون لا يقطعه سوى لحظة الهشاشة الثابتة للوعة الفرد المحكوم بحرية غالية الثمن , صوت الإنسان الضاحك الحر , الصعلوك الملكي في الزمن البائس ,زمن تقارير أجهزة الأمن وأحذية البوليس , وخنق عفوية الإنسان ,سكون يلونه إنسان عربي محتشد بالخوف والضياع والرغبة والاحتمالات , يقف في منتصف الطريق بين ألم اللحظة وحلم صغير لم يقبل بعد ,يحاول استنبات زهرة لنفسه من ذاك الخراب , يسقيها بالبراءة حينا وبقليل من التمرد والأمل حينا .
سكون تهشمه دمعة صبية سمراء سالت حزنا على حمامات السلام , وسمراء أخرى كانت تهوى جمع البرتقال لكنها في زمن الانتفاضة عشقت حجرا , سكون يقتحمه صراخ أطفال يتعلقون باللحم المشرح بعد أن صلبت أمهم في رام الله , صورة طفل يقاوم نيابة عن أمة , صوته مس شفاف القلب , تمنى ورحل , أو صوت أغنية لشاب عربي في مدينة عربية حدق في عروبته مرة واحدة نحو دائرة النور , فبصق على الرصيف لعله يبصق أشلائه .
ربما سمراء هي فتاة جامعية من الدار البيضاء , أو هي معلمة في القاهرة , ممرضة في دمشق , أو شهيدا في مخيم جنين , ربما هي زيتونة في تونس ,أستاذ جامعي في السودان , أو ربما هي نخلة في البصرة , أو زهرة نبتت مكان شظية في الجزائر .
زمن ليس لهم , هو زمن الخريف يعلق على شجر الرصيف أشباحا تطرز في عيون السمراء أسماء المدن الجريحة التي هوت على الجفون حطام , زمن واحد لا يتغير إلا حين نضعه في جيوبنا ثم نقبض عليه بأكفنا الراجفة خوف أن ينزلق إلى قعر الذاكرة .
سمراء كان لها فوق هذا التراب فراشتان , طفولة ملت السؤال , وحلم يابس جعلوه زنزانة بداخلها جرح وعلى بابها فتات الخبز ,سمراء كانت تحلم بالندى ينعقد بالونات شفافة على سيقان النعناع البري في ضيعة عربية جبلية .
هي الأرض المتفردة التي تأكل لحمها كلما مر فجر جميل , طيورها تغرق أعشاشها بالضفادع والحشرات , نساؤها مثل رمال البحر لا يجدن الرغيف , الموت فيها يتوضأ بالموت , جثث أطفالها تفترش الشوارع , جندها يجوبون الأزقة والميادين ببنادقهم وهراواتهم , سماؤها تقذف الشتائم , بحرها مقبرة لكن موتاها بلا قبور .
سكون ينمو وينتشر مع أمة ابيض شعرها واصبح كالثلج المنهار , ابيضت أعضاؤها وأصبحت كزهرة متشحة ببياض الموت لم يبق منها سوى بهجة الحمرة على الفم ,فقتلت أحلامها وجاءت الساعة الصفراء فتبدد الوهم وكذبت الأسطورة ولم يبق إلا نقاض والخراب .
هو سيد الوقت لم يصحو من غفوته بعد , ربما يوقظ الحجر نوم المسيح , ربما ينضر وجه الشمس المخلوع بعد وقت أو يزيد .
لكن .. من ثقوب الذات هناك دوما بقايا متماسكة , فالسمراء تعرف الاتجاهات , كل المسافات جزء من نبضها , قدرها رغم آلامها أن تلد وجودها وتتلمسه , سمراء تشبه صخرة انغرست كوردة حمراء في السهل الواسع , هي جدار للجرح عند اشتداد النزف , هي لبنة الصمود الخلفي ,أكاد اجزم أني اعرفها ,اعرف اسمها وملامحها , عمرها واسم مدينتها , اعرف جميع السمراوات على امتداد الوطن العربي الكبير , اعرف أفراحهم القليلة وخيبا تهم الكبيرة .
أيتها السمراء , أين انتصبت وأين انكسرت , ماذا ابقوا لك وماذا ابقوا فيك ,أيتها السمراء ... أية تفاحة أكلت لتحصدي كل هذا الحرام .



#حسن_العاصي (هاشتاغ)       Hassan_Assi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني ... اللوحة التي فقد ...
- غواية الاستبداد ... تاملات في الحالة الامريكية
- العرب والانتخابات الاميركية
- هل نحن مشرفون على حرب اهلية فلسطينية
- قول في حركة التحرر العربية
- ابرز مظاهر الازمة الثقافية في الواقع العربي
- موقف من الاصلاح في البيت الفلسطيني
- الاختراق الاسرائيلي للقارة السوداء
- الصهيونية الشريرة


المزيد.....




- الوثائقي المغربي -كذب أبيض- يتوج بجائزة مهرجان مالمو للسينما ...
- لا تشمل الآثار العربية.. المتاحف الفرنسية تبحث إعادة قطع أثر ...
- بوغدانوف للبرهان: -مجلس السيادة السوداني- هو السلطة الشرعية ...
- مارسيل خليفة في بيت الفلسفة.. أوبرا لـ-جدارية درويش-
- أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة
- نيكول كيدمان تصبح أول أسترالية تُمنح جائزة -إنجاز الحياة- من ...
- روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي ...
- طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب ...
- الفيلم اليمني -المرهقون- يفوز بالجائزة الخاصة لمهرجان مالمو ...
- الغاوون,قصيدة عامية مصرية بعنوان (بُكى البنفسج) الشاعرة روض ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن العاصي - السلام على السمراء .. سيمفونية الوطن الضائع