أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن العاصي - أحلام طوطمية















المزيد.....

أحلام طوطمية


حسن العاصي
باحث وكاتب

(Hassan Assi)


الحوار المتمدن-العدد: 3238 - 2011 / 1 / 6 - 03:26
المحور: الادب والفن
    


اكتشاف مذهل توصلت له،بعد تدقيق وتنقيب وتمحيص وبحث،أمضيت لبلوغه أزهى سنوات عمري،أنا العبد الفقير لله. فكيف حصل ذلك ؟
لقد اتضح لي أن العلاقة مابين الرأس والمؤخرة علاقة مصيرية يتوقف على انتظامها مستقبل البشرية،وأن العلاقة مابينهما أعمق من علاقة الجسم بالمؤخرة،ولو أن أحدا قال لي هذا الكلام قبل ذلك لسلمته الى مشفى المجانين،ينعم فيها راضيا.
وحمل هذا الاكتشاف الاجابة عن الاسئلة التي طالما حيرتني ،ولم أجد معها شيئا نافعا.
وعلى الرغم أن لاعلاقة لي بالعلوم التطبيقية ،ولا بالأطباء وأبحاثهم،الا أنني أدعي أن الانسان المصاب بالصداع،وهو في الرأس غالبا،يتلاشى ألمه عندما تقوم مؤخرته بوظيفتها،وهذا شيء يعرفه جيدا الأشخاص المصابون بالأمراض المعوية،وأن الانسان الذي ترفض مؤخرته طرح ماتختزنه تجده اصلا يعاني من التوتر والعصبية والحول، وتدني مستوى الذكاء والمشاركة،ناتج عن عدم قدرة الرأس في السيطرة على المؤخرة.
ان هذا التشابك في أداء الوظائف مدهش،فعندما تغضب المؤخرة يغدو الرأس عاجزا،وعندما ينتشي الٍرأس-وهذا مايحصل بين الحين والآخر-تجد المؤخرة لاحول لها ولاقوة،الأمر الذي يجعل الجسم يترنح مابين اليمين والشمال،مستسلما ببلاهة غريبة لأسفله،تتجاذبه القدمان على غير هدى،ضائعا،محتارا مابين الرأس والمؤخرة،ما ان يهم بالوقوف،الا ويعود مفترشا الأرض.
اذن ماهو الحل؟
وهنا تبرز الأهمية الاستثنائية للشق الثاني من اكتشافي العظيم .
الحل ياسادة هو زرع ذيل في مؤخرة الانسان!!
نعم،ذيل في المؤخرة يعيد للانسان ثقته وتوازنه اللذان طالما افتقدهما،ذيل يفض الاشتباك،وينتصر للمؤخرة،ويدمر مزاجية الرأس،لأن الرأس هو بيت الداء.
وهكذا كان،فقد قررت فجأة أن أزرع ذيلا،بعد أن كنت قد انغمست في حزن عميق، وبدا لي شقائي الخاص،اكبر من اي شيء آخر.
وبعد استشارة عدد من الأطباء الجراحين الذين تزين اسماؤهم صفحات الاعلانات في أهم المجلات والصحف،وأذكر أن أحدهم متخصص في هذا النوع من الجراحة الوافدة على بلادنا،ويحمل تسع شهادات.
وبعد اجراء التحاليل الجرثومية والهرمونية والدموية،واضطرارنا للانتظار بضعة أسابيع،ريثما تعود نتائج أحد التحاليل من مختبرات أحد البلدان المهمة،بعد اصرار البروفسور على اجرائه خارج البلاد توخيا للدقة التي لانقيم لها أهمية.
وفي أفخم المشافي الخاصة بالمدينة،حجزت غرفة مستقلة لايشاركني فيها سوى مذياع لايبوح الا بما يشعرك بالغثيان طوال الوقت،تراه يرتفع تارة،ثم فجأة يخمد صوته كمن اصابه مس.
تم على بركة الله تحديد موعد اجراء العمل الجراحي المنتظر،وهكذا رزقت بعد عذاب وطول عقم،ذيلا.
فتحت عيناي صباح مابعد يوم العملية على ضوء هادىء ناعس،تسلل الي من خلال الستائر في غرفتي،وكانت تحيط بسريري باقات الزهور،تعانقها شرائط زاهية وملونة تتدلى منها بطاقات عجزت عن قراءتها.
ألقيت نظرة جانبية،كان يتمدد الى جانبي ذيل.....ذيل حقيقي!
ذيل غليظ،متوسط الطول،قصير الشعر،ألوانه متموجة،يزين نهايته شريط أزرق.
تلفت حولي،لم يكن ثمة أحد،تسللت أصابعي تتلمس الذيل،غمرتني نشوةهادئة،واحساس بالعذوبة الغامرة،وانحنيت على الذيل،احتضنته معانقا وأنا أضحك،وأبكي،وأصرخ من هول المفاجأة.
دنا مني أحدهم،وعلى وجهه ترتسم ابتسامة ملائكية،حتى كاد أن يلتصق بوجهي،وهمس:لاتخف،انه ذيلك،داعبه كما تشاء،يجب ان تحمد الله أن كل متاعبك قد ولت بلا عودة.
التقت عيناي بالعينين الملائكيتين،تعبران عن الامتنان،ولم أستطع أن أحبس دموع الفرح،فأدرت وجهي جانبا.
أية أيام حافلة بالهناء،أية لحظات ملأى بالمجد،وأي شعور بالسمو والانطلاق،وأي ذيل كان ذيلي.
أجل،لقد من الله علي تذوق حلاوة تلك اللحظات،وأشك في أن أحدا من قبلي قد شعر بالنشوة التي تسللت الى كياني،حتى اللذين حباهم الله ذيلا،اذ أنه أمر طبيعي أن يمتلك الواحد منهم ذيلا،فقد ولدوا بذيل،نما بنموهم،هو جزء من كيانهم ذاته.
أما أن يولد المرء من دون ذيل،أن يكبر من دونه،أن يعاني بسب ذلك من الدونية والانحطاط،أن لاتستقيم حياته ويختل توازنها،أن يشعر في كل لحظة أن مؤخرته تفتقد الى شيء ما،شيء أساسي وجوهري،ثم يصحوا ليجد الى جانبه ذيلا،هو ذيله،انه أمر مختلف،مثل أن يمتلك المرء فجأة جناحين،مثل أن يمشي الكسيح،بل انه أمر أعظم من ذلك،فلا العمى ولا الكساح يعادلان فقدان الانسان لذيل.
فأية أيام رائعة،وأي فرح غامر.
ولم تلبث أن انهمرت البرقيات،ورسائل التهنئة فوق رأسي،بعد أن سرب أحد الشمتانين أعداء التقدم،الخبر ليعم،وصرف من جيبه الخاص أجور المكالمات الهاتفية.
ولم تتسع الغرفة الفسيحة لباقات الزهور،بعد أن توافد المهنئون ومراسلوا وكالات الانباء المحلية والأجنبية.
ثم جاءت بعثة التلفزيون يرافقها كبار المذيعين،مابين مصدق،وآخرين يهزون رؤوسهم أسفا.
"أشد على ذيلك مهنئا"-مدير الدائرة الجنسية،"زرع ذيل لمؤخرتك انجاز آخر لمسيرتنا الثورية"-قيادة المجلس الذيلي،"تطوركم الذيلي ابهج قلوبنا،مرحبا بكم أخا كريما،وذيلا طاهرا بين الذيول"،"ذيولنا تعانق ذيلك"-رفاقك-.
وقد هزني من الأعماق قصيدة خصني بها شاعر من رفاقي،كتبها بمداد أحمر،قال أنه دمه،مطلعها:
ذيلك المياس ياعمري
فجر الالهام في شعري
انت أحلى الناس في نظري
ذيلك المياس،أم قمري.
وتعاقبت الوفود،وفود من الشباب تأكلهم الغيرة،وفود نسائية تسبقهن أصوات الزغاريد،وحين شاهدن الذيل،أخذن يتبارين في وصفه،وتمنت كل واحدة منهن أن تلمسه.
وفود الأطفال يحملون لافتات التهنئة ويتدافعون،ومنهم من يحمل قطع كرتونية ملونة،لم أفهم منها شيئا،وقد قرصني شقي منهم في ذيلي،فانتهره المسؤول وطرده خارجا.
وفود مختلفة،وقد سرني تصرف رئيس جمعية دفن الموتى،الذي أصر على تبرعه بقبر مجاني من الرخام المستورد يخصص لجثماني بعد عمر طويل،فبالغت في شكره،وأنا أترك العنان لدموعي.
طبعا بعد كل هذه الحفاوة،كان علي أن أرد على كلماتهم الحماسية البليغة،بكلمات أشد حماسة،حتى أنها أدهشت الجميع،ومنهم أعضاء الهيئة الطبية المكلفة بزرع الذيل،الذين مازالوا متواجدون بقربي،يحصدون الشهرة والأضواء بعد نجاح العملية،وقد حيرتني تحركاتهم المبهمة،كلما هم المصورون بالتقاط الصور للصحف وللتلفزيون،بينما انشغلت احدى الممرضات باعادة ترتيب مكياجها،الذي أفسدته زحمة المكان.
وقد شرح رئيس هذه الهيئة،وهو البروفسور المعروف،في بحث قدمه للأكاديمية التي يرأسها،فيما بعد،أنه كان يتوقع أن تسفر عملية زرع الذيل في مؤخرتي عن حل عقدة لساني،واعادة التوازن لجسمي،لأن اللعثمة والانسداد الذهني المصاب بهما ناشئان-بتقديره-عن فرط احساسي بالخجل،بسبب افتقادي الى ذيل،الأمر الذي أربك العلاقة بين ثلاثية الرأس والجسد والمؤخرة.
وقد قادني فرط الحماسة والفصحنة-بعد الاستماع الى تقرير البروفسور-الى ارتجال الشعر ونظمه،شعبيا باللهجة الدارجة،وفصيحا بلغة الضاد.
ولا أكتم أنني بنيت آمالا كبيرة ايها السادة،من قبيل المشاركة النشطة في الحياة السياسية العامة،بعد خروجي من المشفى ظافرا.
ومن يدري؟فقد أصبح شخصا مهما،أو مسؤولا كبيرا،بل أن الخيال والطموح قد شطحا بي الى حدود الحلم بالارتقاء الى القيادة،وتحقيق كل ما حلمت به طوال حياتي.
ولم لا؟
فان كنت أقصر من بعضهم ذيلا،فقد أكون أطولهم لسانا.
" أقسى الكلام"
يقول دوستيوفسكي:
ان الحياة تهيء للانسان،في بعض الأحيان،مهازل فاجعة مبكية من هذا النوع.



#حسن_العاصي (هاشتاغ)       Hassan_Assi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللاجئون الفلسطينيون والحل الدائم
- دفاتر زينب
- حق العودة في الايديولوجية الصهيونية
- هل يتناقض التعويض مع حق العودة للاجئين الفلسطينيين
- أسئلة التاريخ والراهن في الفكر القومي العربي
- في الذكرى الحادية والثلاثين ليوم الأرض الخالد الاحتلال مستمر ...
- المغرب .. بهجة الحواس .. يسكنها الزائر فتسكنه
- منطق بلا منطق
- السلام على السمراء .. سيمفونية الوطن الضائع
- اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني ... اللوحة التي فقد ...
- غواية الاستبداد ... تاملات في الحالة الامريكية
- العرب والانتخابات الاميركية
- هل نحن مشرفون على حرب اهلية فلسطينية
- قول في حركة التحرر العربية
- ابرز مظاهر الازمة الثقافية في الواقع العربي
- موقف من الاصلاح في البيت الفلسطيني
- الاختراق الاسرائيلي للقارة السوداء
- الصهيونية الشريرة


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن العاصي - أحلام طوطمية