أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام آدم - آلهة اسمها الصدفة















المزيد.....

آلهة اسمها الصدفة


هشام آدم

الحوار المتمدن-العدد: 3271 - 2011 / 2 / 8 - 19:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


[طفل شقي يُطارد جندبًا فزعًا في حقل الأكاسيا التابع لجده. تحدث حركته العنيفة داخل الحقل اهتزازات بين الأزهار. تتعلق بعض حبيبات اللقاح على قميصه، ويُسهم –دون أن يشعر- في تلقيح الأزهار. يستمر الطفل العنيد في ملاحقة الجندب المسكين الذي يدخل عبر ألواح خشبية متوازية تفصل بين حقل الجد وحقل الياسمين المجاور، يقفز الطفل فوق السياج الخشبي ويستمر في ملاحقة الجندب. تنتقل حبيبات اللقاح إلى الأزهار هناك، وأخيرًا ينجح الطفل في الإمساك بالجندب، ويعود إلى منزله عبر حقل الأكاسيا التابع لجده ليضعه في قفص دون أن يعلم أن اصطياد الجندب لم يكن الإنجاز الوحيد الذي فعله ذلك اليوم، وربما يعيش الطفل ويكبر ويموت دون أن يعلم أن تلك المطاردة الطفولية كانت سببًا في إيجاد نوع جديد من الأزهار]

[امرأة أرستقراطية شعرت بالملل من حياة الترف والبذخ، وقررت أن تجرّب حياة المعاناة. خرجت من قصرها، استقلت سيارة الأجرة، وتوجهت إلى حانة بائسة في أطراف المدينة. راق لها الجو الاحتفالي هناك، وبدأت تحتسي الخمر التقليدية حتى ثملت. ثمّة شاب وسيم كان يجلس في ركنٍ ما تقدم إليها، وعرض عليها الرقص معه؛ فوافقت. أحست تجاهه ببعض الميل، وانتهى بهما الأمر إلى غرفة مجاورة مقابل مبلغ زهيد لقضاء ساعة واحدة كانت كافية لأن تحمل منه طفلًا أودعته –بعد حمله- في ملجأ للأيتام. يكبر الطفل ليُصبح أشهر لاعب كرة سلة في العالم. ربما لم يتنس لأحد أن يعرف المنابع الحقيقية لهذا اللاعب الفذ]

[رجل وقور يرتدي ثيابًا فاخرة، في طريقه ليخطب فتاة -سمع عن جمالها- لابنه المُتيّم. ما أن رآها حتى شغفته حُبًا، وقرر من فوره أن يتزوجها، فوافقت. تزوجها لأنها أثارته، وتزوجت به لأنها شعرت معه بالأمان المادي، ولكنهما لم يُخططا لانجاب أفضل لاعب شطرنج في تاريخ البلاد، رغم أن تاريخهما العائلي لا يحمل أي ذكر لهذه اللعبة ]

[زوجة تتشاجر مع زوجها المُدمن، وتطلب منه –للمرة الأولى- أن يتوقف عن إدمانه الكحول، ولكن الشجار لم يرق كثيرًا لزوجها المدمن الذي أراد فقط أن يستلقي على الأريكة وينام؛ فقرر الخروج من المنزل والذهاب إلى بيت صديقه للمبيت هناك. في الطريق يتوقف الرجل أمام سيدة ملقاة على الشارع بعد أن دهستها سيارة مسرعة. يستجمع قواه ويتذكر ما تعلّمه من أساليب الإسعافات الأولية في مركز متخصص قبل بضعة سنوات، ويستدعي سيارة الإسعاف التي تأتي لتنقل السيدة على الفور إلى قسم الطوارئ، حيث يسمع من قبل الأطباء أنه لولا وجوده هناك في ذلك الوقت لفقدت السيدة كثيرًا من الدماء متسبباً في وفاتها على الشارع. فكّر الرجل في العودة إلى المنزل وشكر زوجته على تشاجرها معه في ذلك الوقت بالتحديد من تلك الليلة.]

إذا نظرنا إلى هذه القصص على اعتبار أنها قصص من وحي الخيال (وهي كذلك فعلًا) فإنه ليس بإمكان أحدنا أن يستبعد حدوث مثل هذه القصص على أرض الواقع فعليًا؛ فحياتنا –في حقيقتها- سلسلة من المُصادفات الغريبة، والتي تبدو للوهلة الأولى غير منطقية. وهنالك كثيرون يقفون -في مرحلة ما من حياتهم- ليكتشفوا أن ما وصلوا إليه، وما حققوه من إنجازات وإخفاقات، لم تكن كُليًا بتخطيط مسبق منهم، بل وربما اتفق كثيرون على أنها كانت سلسلة من المُصادفات غير المنطقية، ولكن الواقع يقول إنها حدثت فعلًا؛ وعندها يكون الكلام عن المُصادفة بلا قيمة تذكر. فالحدث يكتسب قوته المنطقية من حدوثه، وليس من تسلل الأحداث التي أدت إلى حدوثه، لأن تسلل الأحداث قد لا يكون منطقيًا.

قد نسمع كثيرًا تلك المقولة الشائعة (الحياة مليئة بالخيارات، ونحن من نحدد خياراتنا) هذه العبارة قد تكون صادقة بنسبة كبيرة، ولكن كم من الناس اكتشفوا -أثناء محاولاتهم تحديد خياراتهم- أنهم يسيرون في الاتجاه الخاطئ، وأن ذواتهم الحقيقية تكمن في مسار مغاير لما كانوا يتجهون نحوه بلهف ومثابرة؟ أعرف العشرات من الذين انخرطوا في مهنة الطب دون رغبة منهم في البداية، ولكنهم اكتشفوا –لاحقاً- أنهم يحبون هذه المهنة؛ فأبدعوا وبرعوا فيها، ربما أكثر من غيرهم ممن اختاروا هذه المهنة منذ البداية كخيار استراتيجي. وهنالك آخرون عاشوا وماتوا حتى دون أن يعرفوا ما يُريدونه.

الأطفال هم الناتج الواقعي والطبيعي لالتقاء أي ذكر سليم مع أي أنثى سليمة (شرط السلامة لم يعد عائقاً الآن، وهذه المشكلة تم حلها جذريًا باستخدام أساليب علمية متطورة) ولكن هل يتم الإنجاب بالإدراك المباشر؟ أعني هل الدافع الحقيقي للإنجاب هو الإنجاب فعلًا أم هي محض شهوة يحاول كلا الطرفين تفريغها في الآخر، ولكن مع توقع إنجاب طفل في النهاية؟ وهل طريقة أو أسلوب هذا اللقاء الحميمي هو ما يُحدد نوع الجنين وشكله ومهاراته المستقبلية؟ هل كان يعلم والدا أينشتاين -وهما يمارسان الحب- أنهما بصدد إنجاب أكثر العقليات العبقرية التي عرفتها البشرية؟ وهل خطط والدا داروين لإنجاب هذه العقلية الفذة في عالم الأحياء؟

قد يقول البعض إن التربية العائلية في المنزل تلعب دورًا كبيرًا في صياغة مستقبل الأطفال، وبالتالي جعلهم نجباء أو دون المستوى. وهذا الكلام صحيح في غالبه، ولكنه –للأسف- ليس قاعدة يمكن الاعتماد عليها؛ فكثير من حالات النبوغ والتفوق لم يكن وراءها تاريخ عائلي أو أكاديمي أو اجتماعي جيّد، والأمثلة على ذلك كثيرة؛ ورغم أن ذلك قد يكون مرده إلى عدم الإدراك الكافي –من الوالدين- لرغبات وميول أبنائهم؛ إلا أنه يوحي بأن بذرة ما داخل كل فرد كانت هي الأسبق دائمًا في الوجود. وللمفارقة الغريبة فإن معظم أكبر الاكتشافات والنظريات العلمية تم اكتشافها بمحض الصدفة: قانون الطفو لأرخميدس وقانون الجاذبية لنيوتن، قوانين التطور والانتخاب الطبيعي لداروين، أشعة إكس وغيرها الكثير.

هنالك مقولة لحكيم مغمور تقول: "أتعجب من الذين يتساءلون عن عدم قدرتهم على إيجاد إجابات صحيحة لأسئلتهم، فهم لا يعلمون أنهم لم يطرحوا الأسئلة الصحيحة." إن غالبية الأشخاص الذين يرفضون فكرة المصادفة التي أنتجت هذا العالم، لم يفهموا الفارق الحقيقي والجوهري بين الصدفة والعشوائية؛ فالصدفة –في حد ذاتها- قانون، كما رأينا في الأمثلة السابقة. ولكن عندما تتاح لنا فرصة الوعي الحقيقي، فإنه يتوجب علينا أن نطرح السؤال المناسب (كيف أو مَن) فإذا أردنا أن نعرف سر عبقرية لاعب السلة فإننا لن نطرح سؤالنا على النحو التالي: "من أكسب هذا اللاعب هذه المهارة؟" ولكننا سنقول: "كيف اكتسب هذه المهارة؟" ولن نقول: "من أتى بهذه الأزهار الهجينة والجديدة؟" بل سنقول: "كيف جاءت هذه الأزهار الهجينة الجديدة؟" ووفقاً لكيفية السؤال يكون سبيلنا للإجابة. فعندما نسأل: "مَن" فإننا سوف نبحث عن (فاعل) ولكن علينا أن نتساءل أولًا -قبل المضي قدمًا في إيجاد الإجابة- لماذا يجب أن يكون هنالك فاعل، وليس سلسلة من الأحداث أدت إلى هذه النتيجة؟

هذا الأمر ذكرني بطرفة جميلة: يُقال إن أحد المساطيل تفاجأ بنقطة تفتيش أثناء قيادته لسيارته عائدًا من سهرته مع أصدقائه؛ فسأله الشرطي: "أين رخصة قيادتك؟" فأجابه المسطول على الفور: "حشيش؟ أيّ حشيش؟" فعندما نتحدث مثلًا عن نزول المطر فإننا لا نسأل: "من يُنزل المطر؟" وإنما نتساءل: "كيف ينزل المطر؟" والحقيقة أن إجابة السؤال الأول كامنة في الإجابة على السؤال الثاني، وإن كان لابد لنا من طرح السؤال على هذا الشكل فإن إجابتنا العلمية سوف تكون: "عدد من الأحداث المتسللة والتفاعلات الاعتيادية التي تؤدي إلى نزول المطر: (مسطح مائي + حرارة أشعة الشمس = تبخر) (بخار ماء + طبقة هواء باردة = تكثف بخار الماء) والناتج الطبيعي في النهاية = مطر. دون أن نفترض أن هذه العملية تتم بوعي مسبق، فهذا التسلل قد نجده في المطبخ حيث قطرات الماء المتساقطة من غطاء وعاء الطبخ.

أريد أن أقول إن تسرعنا بطرح سؤال يبدأ بـ(مَن) يُوحي أننا على قدر كبير من الثقة بأن فاعلًا أو مجموعة من الفاعلين كانوا وراء حدوث الحدث، وليس سلسلة من الأحداث أفضت إلى حدث نهائي، فإذا سأل المدير تلميذاً مشهورًا بالكسل والإهمال: "من كان المُتسبب في نجاحك؟" فإن ذلك يعني اتهامًا صريحًا له بالغش أو تزوير النتيجة أو معاونة أحد الأساتذة له في حل بعض أسئلة الامتحان، ولكن إن كان السؤال على شاكلة "كيف نجحت؟" فإن ذلك يعني أن المدير ينتظر إجابة تعينه على معرفة الأسباب الحقيقية التي كانت وراء نجاحه (دون أن نسقط الغش من حساباتنا طبعًا) والفارق بين السؤالين –على أية حال- كبير للغاية. هذا الأمر يقودني مباشرة إلى مناقشة التجربة الحسية التي أجراها إبراهيم مع إلهه (بحسب القرآن)، والتي لم يكن من شأنها أن تقود إلى النتيجة التي توصّل إليها إبراهيم. فنقرأ: {{وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم}}[البقرة:260] وإذا حاولنا تجريد هذه القصة من الزخرف اللغوي فإننا سنجد أن الحوار بين إبراهيم وإلهه كان على النحو التالي:

إبراهيم : كيف تحيي الموتى؟
الله : خذ أربعة من الطير واذبحها، ثم ضع على رأس كل جبل قطعة منها ونادها سوف تأتينك على الفور.

الحقيقة أن هذه الإجابة المُلغزة لم تكن لتشفي غليل باحث عن (كيفية) إحياء الموتى، وكان المتوقع أن يسرد الإله سلسلة الأحداث التي تسبق إحياء الموتى، ليفهم السائل (كيف) عاد الميّت إلى الحياة مرة أخرى، ولهذا فإنه تم ربط ذلك بفعل حسي وهو الرؤية. بعض المفسرين يقولون إنه (أي إبراهيم) لم يكن يريد أن يرى مراحل إعادة الحياة للميت، بل أراد أن يقف على النتيجة النهائية، ربما لأنه لم يسبق له أن شاهد ميتاً يعود إلى الحياة من قبل، وهذا الأمر ببساطة يقودنا إلى السؤال عن مدى ثقة إبراهيم في قدرات إلهه على فعل ذلك، ومن أجل هذا كانت الآية تقول {{قال: أولم تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي}} وفي هذه الحالة فإن الإله مطالب بإجراء هذه التجربة أمامنا جميعًا مرة أخرى، لأن إبراهيم ليس وحده الذي يُريد أن يطمئن، ولا يُمكننا الاعتماد على تجربة إبراهيم التي لا دليل على حدوثها إلا النصوص الدينية. هذا الأمر يمكن التمثيل له على النحو التالي:

الأستاذ : أرني كيف حللت الواجب.
التلميذ : هل تشك في قدراتي يا أستاذ؟
الأستاذ : لا، ولكن ليطمئن قلبي.
التلميذ : إذن؛ فأعطني واجبًا آخر، وستجدني غدًا قد حللته بالكامل.

هنا ينبع سؤال عن جدوى وفائدة اقتران (الرؤية) بالـ(كيفية) وإلا فإن الأمر لن يخرج من احتمالين: فإما أن إله إبراهيم لم يفهم السؤال جيّدًا، وإما أن إبراهيم رجل ساذج، فرغم أن التجربة (أرته) النتيجة؛ إلا أنها لم تره كيفية حدوث ذلك، وهو ما سأل عنه بالتحديد.

وللحقيقة فإن قصة إبراهيم هذه إن كانت تدل على شيء فإنما تدل على أن سؤال العودة من الموت (=البعث) كان مطروحًا منذ أزل قديم، وربما كان هذا الاعتقاد المزعوم هو السر الوحيد للآلهات التي ادعت قدرتها على إعادة الحياة إلى الموتى، لأن الموت والفناء كان –ومازال- هو الهاجس الأكبر لدى الإنسان، وما لم تثبت صحة أو بطلان هذا الزعم فإن في داخل كل مُلحد مؤمن قابع، وبداخل كل مؤمن يقبع مُلحد ما.

إننا نخطئ بسؤالنا "من خلق الكون؟" فصياغة السؤال على هذا النحو تتطلب إجابة لفاعل أو مجموعة فاعلين، وهو ما يُريده المؤمنون تمامًا، بحصر السبب بالمُتسبب، ولقد علمنا أن مبدأ الشك قد حسم هذا الأمر وهدم الارتباط بين السبب والمُسبب، كما أننا نخطئ بسؤالنا: "من الذي أوجد الأزهار الهجينة الجديدة؟" فالإجابة المتوفرة لدينا هي "الطفل المطارد للجندب" ولكن الحقيقة تقول إن الطفل لم يكن يعلم حتى بأنه الفاعل، وانتفاء الإدراك والوعي ينفي عنه صفة الفعل، والحقيقة أن الطفل لم يُوجد الأزهار الهجينة، ويُمكننا –هنا- حصر عدد كبير من الشخصيات المشتبه بهم، فقد يكون كلب عابث مرّ بالحقلين، وقد يكون والد الطفل، أو أمه أو أو أو .. إلخ وعندها سوف نجد أنفسنا في حلقة مفرغة تمامًا دون أن يكون بإمكاننا الجزم بشكل قاطع بأن الطفل هو من أوجد تلك الأزهار، لأن ذلك يرتبط في المقام الأول بمدى صدق الرواية التي نقلتها لكم أعلاه. ولكن ما الذي يُمكن أن ينتج إذا طرحنا السؤال على هذا النحو: "كيف جاءت هذه الأزهار الهجينة؟" وإذا كان إصرار المؤمنين على وجود فاعل للكون فإننا سوف نطالب بإثبات أن هذا الفاعل هو (الله) وليس أي من الآلهات الأخرى التي يعج بها تاريخ البشرية والتي تدعي جميعها الخلق.

إن طرح السؤال الصحيح يؤدي إلى الحصول على الإجابة الصحيحة؛ فمعرفتنا بكيفية تلاقح الأزهار، بالإضافة إلى معرفتنا بقليل من علم الوراثة والجينات سوف يقودنا إلى الإجابة بصرف النظر عن حامل هذا اللقاح، لأن حامل اللقاح في هذه الحالة قد يكون كائناً حيًا (كالطفل أو والده أو الكلب .... إلخ) وقد يكون كائناً غير حي (كالرياح) فالكيفية هي التي تهمنا في المقام الأول، والسؤال عن (الفاعل أو الفاعلين) يُعتبر في هذا المقام قمة في السطحية، وعندها يُمكننا صياغة الإجابة على نحو علمي ودقيق ومختصر؛ أما إن اتبعنا خطوات المؤمنين في البحث غير العلمي فإننا سوف ندور في فلك من التشككات غير المنتهية:
الأول : الرياح هي من نقلت اللقاح.
الثاني : لكن من أوجد الرياح؟
الأول : تيارات الهواء الباردة والساخنة.
الثاني : ومن أوجد التيارات الساخنة والباردة؟
الأول : التضاريس تلعب دورًا في ذلك.
الثاني : ومن أوجد التضاريس؟
الأول : حركة قشرة الأرض وعوامل التعرية.
الثاني : ومن أوجد حركة قشرة الأرض؟ ومن أوجد عوامل التعرية؟

وسيتمر النقاش إلى أن يصل بك في نهاية الأمر إلى أن تقول (الله) لتخرج نفسك من هذه الدوامة اللانهائية، ولكن مهلًا: هل أحدث الله حركة للقشرة الأرضية وأوجد عوامل التعرية ليوجد التضاريس ليصنع تيارات هواء باردة وأخرى ساخنة ليُحدث الرياح لينقل اللقاح من حقل إلى آخر ليخلق أنواعًا جديدة من الأزهار؟ ألم يكن أمام هذا الإله طريقة أسهل وأسرع من هذه الطريقة ليخلق نوعًا جديدًا من الأزهار؟

الصدفة قانون يعتمد على تعاقب سللة من الأحداث التي ما كان لها في الظروف الاعتيادية أن تجتمع في وقت واحد لتُحدث حدثاً نهائيًا له معنى، وتلك الظروف تحدث بشكل تلقائي (أي بلا وعي) فعندما تهب الرياح، فهي لا تهب لتنقل اللقاح بوعي، وإنما يحدث ذلك مُصادفة (الرياح ظاهرة طبيعية تحدث حتى في الأماكن التي لا وجود للنباتات فيها) وعندما ينتج عن هذه الحركة غير الواعية حدث أو شكل واعٍ فإن هذا لا يعني أن ثمة شخصًا أو قوة واعية كانت وراء حدوثه، وإن كان هذا صحيحًا فعلينا أن نحاسب هذا الإله عن الكوارث الطبيعية التي يروح ضحيتها آلاف، بل وملايين الأبرياء من الأطفال: زلازل – براكين – أعاصير – مجاعات – فيضانات، نعم نحاسبه لأنه فعل ما فعله بوعي وكان يقصد أذية البشر.

إن كان ثمة آلهة لهذا الكون، فإنها الصدفة التي لم تكن تعي ما تفعله، ولكن ما إن يحدث الأمر فإن تساؤلاتنا عن المنطق تتلاشى وتتهاوى، فما احتمالية أن يبقى شخص على قيد الحياة بعد سقوطه من الطابق الثالث عشر مثلًا؟ (%2) (%3) (%10)؟ وماذا إن عرفنا أن ثمة شخص سقط من الطابق الثالث عشر ونجا من الموت، فإن هذه الاحتمالية بالنسبة إليه تكون (%100) لأن الأمر حدث فعليًا وانتهى. إن احتمالية غرق التايتنك كانت ضئيلة للغاية ولم تتجاوز (0.1%) لأنها صممت أساسُا كي لا تغرق، ولكنها غرقت فعلًا، فما جدوى السؤال عن احتمالات غرقها الآن؟ ولكن هل كان غرقها عشوائيًا؟ أم كان سلسلة من الأحداث المنطقية المتعاقبة التي حدثت دون وعي؟ هل نتساءل "من أغرق التايتنك؟" أم "كيف غرقت التايتنك؟"

إن نفي عدم الوعي يضعنا في خانة اتهام أشخاص آخرين غير الظروف غير الملائمة للإبحار وعدم الغرق (ولكن الملائمة للغرق دون شك) فإن كُنا نؤمن بدور الصدفة في ترتيب أحداث كثيرة ومؤثرة في حياتنا، فلِم نستبعد ذلك في وجود الكون؟ هل لأننا نرى الكون دقيقاً ومنظمًا، ويستحيل علينا تصديق وجود شيء منظم ومعقد دون وعي؟ إذن؛ فدعونا نلق نظرة على الكون، فمجرتنا (درب التبانة) وحدها تحتوي على عدد كبير من التجمعات النجمية (شمسنا واحدة منها) وهنالك المليارات من المجرات المتناثرة في فضاء هذا الكون، فهل يُريد المؤمنون أن يقنعونا أن الإله خلق هذا الكون الهائل بكل اتساعه ومجراته ليقصر قدرته وحكمته في كوكب واحد قد يبدو (أمام بقية الكواكب والنجوم) كذرة رمل لا تكاد ترى؟ هل يُظهر لنا هذا الأمر تقاربًا ما بمثال الإله الذي أوجد قشرة متحركة للأرض لكي يوجد التضاريس لكي يوجد الجبهات الباردة والساخنة لكي يوجد الرياح لكي يُلقح الأزهار؟

إن إصرار المؤمنين على استخدام صيغة السؤال (مَن) سيجعلنا –بلاشك- نطرح تساؤلنا التالي (لماذا؟ لماذا خلق الله الكون؟) وعندما تتضارب الآراء سيكون لزامًا علينا أن نفهم أن ما يُسمى (الله) ليس له وجود إلا في أدمغة هؤلاء. وربما قد يحلو للبعض القول: "إن ما يُسميه الملحدون بالقوانين الطبيعية، هو ما نسميه نحن المؤمنين بالله" فإلى أيّ مدى قد تكون هذه الجملة سليمة؟ وهل هي حجة توفيقية أم أنها ليست كذلك؟ هل القوانين الطبيعية تفرض شعائر وعبادات وسلوكيات على الناس أو الكائنات؟ فلماذا إذن هذه المقاربة الساذجة والغريبة؟ نحن عندما نقول إن الصدفة هي آلهة هذا الكون، فإن هذا من قبيل أن الصدفة هي (الفاعل) الذي يبحث عنه هؤلاء المؤمنون بسؤالهم (من خلق الكون؟) ولكنها ليست مقاربة توفيقية بأي حال من الأحوال.



#هشام_آدم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرسم القرآني وإشكاليات الإملاء - 2
- الرسم القرآني وإشكاليات الإملاء - 1
- إضاءات على الإسلام
- سقطات الأنبياء 2
- جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي
- القرآن والإنجيل
- جدلية النص الديني والتأويل - 3
- جدلية النص الديني والتأويل - 2
- جدلية النص الديني والتأويل
- أرض الميّت - 6
- أرض الميّت - 5
- أرض الميّت - 4
- أرض الميّت - 3
- أرض الميّت - 2
- أرض الميّت
- بتروفوبيا - 7
- بتروفوبيا - 6
- بتروفوبيا - 5
- بتروفوبيا - 4
- بتروفوبيا - 3


المزيد.....




- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام آدم - آلهة اسمها الصدفة