|
الثورة المصرية ... الحلم العربي
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 3271 - 2011 / 2 / 8 - 17:29
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
لم يحدث في التاريخ العربي الحديث ثورة شعبية خالصة كالتي نشاهدها اليوم في مصر وتونس ، كما لم نسمع بذلك من قبل ، وكل الذي حدث والذي عشناه وقرأنا عنه كان عبارة عن إنقلابات عسكرية وإحتلالات أجنبية جرت علينا وعلى العرب الشؤوم و الفساد والإستبداد .
لكن شعب مصر اليوم يثور من أجل حاضر أبناءه ومستقبلهم ، هو يثور على الفساد السياسي والإقتصادي والثقافي والإدراي والأمني ، ذلك الفساد الذي أورثه الذل والهوان وقلة الحيلة وفقدان الشعور بالأمن والحياة ، وكلنا يعلم إن هذا الفساد خلق مجتمعاً مفتتاً مسلوب الإرادة والضمير ، مجتمعاً فقيراً مريضاً متخلفاً في كل شأن من شؤون الحياة ، فإنقلابات العسكر والجيش أورثت الشعب العربي الحرمان والفاقة والعوز ، وإنتهكت فيه الكرامة وصيرته عبداً ومملوكاً لحفنة من القتلة و المجرمين .
شعب مصر ثار إذن ليخرج من هذا السقوط وهذا الإنحدار التاريخي والقيمي ، ثار ليُعيد لنفسه الكرامة ويسترجع مابقي له من هويه ، ثار ليكون سيد نفسه يختار ويمارس دوره في الحياة بشكل فاعل ، ولأنه كذلك فنحن معه من غير تردد ونحن معه وهو يقف في الساحات يُعرف بنفسه ويُعلن عن هويته ويحدد مستقبله ، نحن معه نفتخر به ونعتز من غير حدود ، لأننا نرى في ثورته ثورتنا وفي إنتفاضتها إنتفاضتنا ، وفي شجاعته شجاعتنا وفي صبره وصموده صبرنا وصمودنا ، وفي ذلك نشعر وكأن العرب قد دخلوا التاريخ من جديد بعدما طُردوا منه ، وفي ذلك يحق لكل مصري وعربي ومسلم أن يفتخر بان ثورته من نمط تلك الثورات الكبيرة التي حدثت في العالم وغيرت فيه ، تلك الثورات التي صنعتها الشعوب كالثورة الفرنسية والثورة البلشفية والثورة الصينية والثورة الإيرانية ، ثورات ينظر إليها بإحترام لأنها دعت للمساوات وللحرية وللعدل وللسلام ، ، وثورة الشعب المصري أعلنت عن نفسها كذلك ورفعت شعارات في الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية ، ولهذا فهي ثورة كبيرة ستغير قواعد اللعبة في المنطقة العربية والإسلامية ، وسيكون لها دوراً في صناعة التغيير في المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج ، تلك هي الحقيقة التي يجب النظر إليها بعين الرعاية والإهتمام ، ولهذا ونحن في موقعنا السياسي والإعلامي نشد على أيدي ثوار شعب مصر ، ونحييهم ونقول لهم : واصلوا المسير ولا تنخدعوا بالوعود وبالتسويف و بالمماطلة و بالتمييع ، وكل هذه السيئات يقوم بها النظام المتهالك وأزلامه و جوقة المتحالفين معه من المهرجين وفاقدي الضمير الملوثين أصحاب المثالب والمرتزقه ، أولئك الذين يخرجوا علينا في كل دقيقة يبشرون بالحوار مع سوءات النظام ، كما إنهم مافتئوا يحدثون الثوار عن جدوى ترك الساحة لأجهزة النظام ، هؤلاء التعساء يحاولون تحجيم أبعاد الثورة وإخراجها من مضامينها الإنسانية الرفيعة ، من خلال الضرب على مفهوم القطرية الضيق وبأن هذه الثورة هي ثورة مصرية ولا علاقة لها بمحيطها العربي والإسلامي والإنساني ، داعين في الوقت نفسه لعدم التدخل بها ، ناسين بإن هذه الثورة وفي حجمها وفيما رفعته من شعارات وأهداف ، قد تجاوزت حدود القطر المصري لتمثل كل شعوب المنطقة بكل فئاتها وقومياتها وأديانها ، إنها عندي تمثل ثورة الإنسان المحروم والمستضعف والمغلوب على أمره وعلى إرادته ، لأني كما أرآها تعبر عن ذلك كله عن الحق في الحياة والحق في العدل والحق في الحرية والحق في السلام والحق في العيش الكريم ، تعبر عن الشعب وهو يحارب الفساد وهو يحارب الإستبداد وينبذ الدكتاتورية والقمع .
فالثورة حين تكون للكرامة وللعدل والحرية والسلام تذوب فيها وعندها الحدود وتكون هي ثورة الإنسان في كل مكان وزمان ، وهكذا كان جيفارا المؤمن بالثورة من أجل العدالة والحرية يلاحق كل الثوار وكل الثورات كان معهم ، يمدهم ويقف معهم لا لكونهم كانوا يعبرون عن إرادة شعبه الخاص ، بل لأنه يؤمن بان الثورة هي ملك الإنسان الحالم بالغد السعيد ، ولهذا كان يقف مع كل ثورة في آسيا وفي أفريقيا وفي أمريكا اللاتينية .
ونحن هكذا نكون وهكذا نفعل مع ثورة الشعب المصري ، لأنها ثورة الإنسان العربي الحالم بالغد الأفضل ، ثورة الحياة على التخلف وعلى العجز ، ثورة العدل على الظلم ، ثورة الحرية على الإستبداد والقمع وكم الأفواه ، ثورة السلام على الحرب وعلى الفوضى وعلى مثيري الشغب والبلطجية .
نحن نقول : إننا لن نقف موقف المتفرج ، ولن نكون سلبيين تجاه الثورة وأهدافها ورجالها ، وندعوا الثوار أن لا ينخدعوا بكلام الضعفاء من المثبطين أعوان النظام والسلطان ، كما سنظل نُحرض الشعب على الصمود وعلى الصبر ، وندعوه ان لا يترك الساحة ولا ينخدع بالوعود الكاذبة ، فالحاكم يلفظ أنفاسه ويخاف الفضيحة ، ولذلك فهو لا يستطيع المواجهة العلنية ، هو يريد التهدئة ، يريد الإنقضاض كما هو دئبه دائماً غدار لا تأمنوا شره وكيده ، فعسسه و بلطجيته جاهزون لكل عمل قبيح ، وهو يُحدث خاصته بأنه سيملئ أرض مصر سجوناً ومعتقلات لهؤلاء المتردين .
والمضحك في الأمر إن النظام يدعي بأنه يحمي الثورة والثوار حتى مبارك صار ثورياً ، إن نظاما يقوم على الكذب والخداع والتضليل لا يستحق ان يبقى يوماً أخر ، وكفى الثلاثين التي مرت من السنيين ، كفى التخلف والتشرد للملايين التي تنام في القبور ، كفى العشوائيات التي لا تمتلك الحد الأدنى من مقومات الحياة ، إذ لا ماء فيها ولا كهرباء ولا مجاري صحية ولا لا ...
في هذه السنيين الثلاثين العجاف هبط الشعب المصري ليكون من أفقر شعوب العالم ، وأما المرفهين والمترفين فهم أعوان النظام وحاشيته ، يسرقون المال العام وينهبون قوت الغلابه والمساكين ، ومبارك هذا الرعديد يكدس المال حتى قيل إن ثروته قد تجاوزت ال60 مليار دولار ، وأما حال شعب مصر فالموت والدمار والفناء .
الفساد في مصر طال كل شيء ، وأبناء السلطان وحاشيته من جماعة الحزب الحاكم قضوا على كل شيء كل شيء ، فهل بعد هذا الدمار ننتظر الفرج والحل من هذه العصابة الفاسدة ؟ ، وهل ينفع السكوت والرضا والتهاون مع هؤلاء ؟ هل يرضى الشرفاء بذلك ؟ وهل يرضى الله بذلك ؟ ، أقول لكم لا تهنوا في مواجهة الظالم ولا تركنوا لقول المفسدين والجبناء ، وأعلموا إنكم الأعلون ، والله معكم وكل حر شريف معكم ، فالديمقراطية والحرية يتطلبان المزيد من الصبر والمزيد من النضال و الجهاد ، وأنتم من يلوذ بكم العرب عند الشدائد فلا تخيبوا الأمل ولا تقطعوا الرجاء ..
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثورة الشعب المصري
-
الحرية والثقافة
-
الثورة التونسية في مواجهة التحديات
-
لماذا الليبرالية الديمقراطية ؟
-
على أبواب عام جديد
-
أردوغان والوحدة
-
الخمر بين الحلال والحرام والإباحة
-
العام الهجري الجديد
-
الليبرالية الديمقراطية في مواجهة الطائفية والعنصرية
-
القرآن والمرأة
-
الليبرالية طريقنا للنجاة
-
حاجتنا لتشكيل نظام الأقاليم العراقية الثلاث
-
ماذا بعد تقرير ويلتكس
-
العراق بين خيارين
-
الليبرالية الديمقراطية من أجل الحياة
-
الإسراء والمعراج بين الوهم والحقيقة
-
مأزق الديمقراطية في العراق 2
-
معالم في الطريق إلى الليبرالية الديمقراطية
-
ماذا تريد تركيا ؟
-
مابين الليبرالية والرأسمالية من تفاوت
المزيد.....
-
الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط
...
-
وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير
...
-
“الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم
...
-
مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من
...
-
م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
-
م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في
...
-
ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
-
التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
-
شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران
-
بالفيديو.. اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غز
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|