راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 3184 - 2010 / 11 / 13 - 04:18
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
نحن الليبراليون نعتقد بان - العدل والحرية والسلام - هي منظومة القيم التي تؤسس لفكر الإنسان السوي ، وهي تعني أهدافنا التي بها نحيا وبها نعيش ، ومن خلالها نتمكن من تجديد حاضرنا وبناء مستقبلنا ، وبها ومعها نعزز حضورنا في ساحة العمل وفي ساحة الصراع بين قوى الخير وقوى الشر ، وهذه الأهداف بالنسبة لنا مبادئ وسلوك وقانون على أساسها نبني الحياة ونبني الإنسان ، ولأنها كذلك فهي هامة جداً لنا نحن العراقيون ، لأننا قد كابدنا وعانينا من الظلم والبطش والأستبداد ولازلنا نعاني اليوم من التداعيات نفسها ، إذن فهي قارب النجاة لينقذنا من طوفان الأنانية والبغضاء والتنافس السلبي ، وفي كل مرة ننوه إلى إن الليبرالية الديمقراطية ليست شيئاً كمالياً في حياتنا كي يمكننا الاستغناء عنها أو تجاوزها خاصةً ونحن نعيش الألم والمعاناة ، بل إنها الأساس الذي به نستطيع ان نجعل لحياتنا جوهراً وقيمة .
وفي هذا نقول : إن الليبرالية بقيمها ومفاهيمها هي كل واحد لا يقبل التبعيض أو التجزيء ، فهي كما لا تقبل المساومة على قضايا الوطن وحاجات المواطن المصيرية ، لذلك نرآها تحارب الإرهاب وتحارب الفكر الذي يصنعه وتحارب العقلية التي تُنتجه ، سواء أكانت دينية أو قومية أو عشائرية أو فئوية أو حزبية ، وهي بنفس الدرجة تحارب التخلف الفكري والسياسي الذي تصنعه قوى السلطة تجاه مخالفيها ومعارضيها ، وكما ان الظلم هو كل لا يتجزء كذلك هي الليبرالية الديمقراطية كل لا يتجزء ، وللتذكير نقول : حينما كنا نحارب العقلية التي كان يجسدها الحكم البائد في سلوكه وفي عمله وفي نمط حياته لم نكن نحارب في ذلك شخصاً بعينه أو فرداً بعينه ، إنما كنا نحارب طريقة التفكير وطريقة العيش التي كان يفرضها على الناس ، وهذا الدافع هو عينه الذي يجعلنا اليوم من أشد المعارضين لكل فكر متخلف أو مستبد لايرى إلاّ نفسه ولايستمع إلاّ لمن حوله ومن معه .
ولكي نسمي الأشياء بمسمياتها نقول : إن الطريقة السيئة التي جرت على أساسها طبيعة الحوار الوطني أستثنت عن قصد مؤوسسات المجتمع المدني وأستثنت كذلك عن قصد المرأة ، وهي الطريقة التي أعادتنا إلى الوراء إلى فترة الإنقباض ، وإلى ذلك التقسيم البدائي الذي ألغى الهوية وطمس الشعور بالمواطنة ، من هنا نقول : إن علينا واجباً أخلاقياً ووطنياً يتلخص بتحرير قوى المجتمع الحية من الإنخراط في التهليل والتسبيح والتمجيد لكل قادم ، والتريث والنظر وعدم نسيان كل شيء وكأن شيئاً لم يكن ، أن هذا الخطر النفسي والسياسي يخلق مجتمعاً هزيلاً ويخلق شعباً من غير مشاعر ومن غير أحاسيس ، وهذه لعبة الأستبداد والدكتاتورية حين لاترى من الأشياء إلاّ ماتراه ، إذن نحن منذ البداية كنا نقول إن تضليل الشعب والإخلال بقيمه منع متعمد له من الحياة ، ولكي لاندعي أو نقول شيء من عند أنفسنا فالبعض منا لازال يعيش السياسة والحياة بنفس الطريقة التي عاشها النظام البائد وتلك حقيقة معروفة للجميع ، اقول : إن تلك الطريقة هي التي جلبت للعراق كل ذل وكل هوان ، إن الاستهانة كما نقول دائما بمنظومة القيم الليبرالية يؤدي حتماً للوقوع في هذه الخطيئة ، ويدفع الشعب للسخط على كل شيء بل ويدفعه للرضا والإستسلام وتلك النتيجة التي تحصل حين تغيب قيم الليبرالية في حياتنا .
ولهذا ندعوا إلى التخلي عن تلك العقلية المريضة التي لاتستطيع التعايش مع الشعب إلاّ من خلال إستعباده وحرمانه من حقوقه وحريته وعيشه الكريم ، ولايجب ان يظن البعض إن هذا الشعب قد يرضى بان يكون خارج الحساب ، فزمن ال 2003 قد ولى ، ونحن في زمن خرج الشعب فيه من مخبئه وتعلم معنى الخطأ ومعنى الصواب في السلوك السياسي وفي الخطاب السياسي ، وماعاد ذلك الشعب الذي يخدع بالشعارات وبالخطب .
كما إن الأمة بكل فصائلها قد تعرفت على كل أو بعض من الذين حكموه ، وهي لن تقبل بعد اليوم ان تساق من غير تحقيق للمطالب والحقوق ، كما إن أية وزارة لم تأخذ بالحسبان حاجات هذه الأمة وتعتبرها الأولوية سيكون مصير هذه الوزارة إلى الزوال ، ولقد شاهدنا كم من الوقت ومن المعانات أستغرق لهذه الصيرورة ، ولهذا يجب ان يكون القادم أو المنتخب من بين الرجال الحريص على خدمة الشعب الظان به خيرا والعامل من أجله خيرا ، ولايجوز في حال العودة إلى نظام الإقطاعيات والمنافع لهذه الفئة أو تلك ، وإن حصل هذا فلن يقوم للعراق قائم بعد اليوم ، إذ لايجوز ان نقيم حكماً على أساس ترضية هذا الطرف أو ذاك ، فكل مايقام على هذا الأساس يشكل عبئاً في مسيرة التغيير والإصلاح والبناء والتنمية ، كما يجب منذ البدء رفض هيمنة الأحزاب أو الأسر على عمل الحكومة بالواقع وبالفعل ، فمصلحة الشعب أهم بكثير من هؤلاء وتلبية حاجات الأمة أهم بكثير ، من رضا أطراف النزاع والمتصيدين و إرضاء الأنصار الذين يطبلون ويزمرون ، والذين لايهمهم من الأمر سوى تلبية مطالبهم وتحقيق منافعهم الخاصة التجارية والسياسية .
وكما يجب منع هذا الاستغلال لثروات البلاد وكبح جماح موظفي الدولة ومنع الرشا التي تعتبر أخطر مايفتت خاصةً وإنها قد دخلت حتى دوائر القضاء وأجهزة الأمن والشرطة والجيش ، ونحن نعلم كم قد تحمل العراق من الإستغلال والنهب والسرقة من قبل متنفذين في أجهزة الدولة والحكم ، ونحن نرى في هذه الجماعات الخطر الحقيقي على البلاد وعلى العباد ، والمسؤولية الأخلاقية والوطنية تستدعي التصدي منذ البداية لهذا الفساد في داخل مؤوسسات الحكم وحواشيها ، ولقد رأينا كم من هؤلاء الذين أستغلوا الإحتيال بأسم القانون وبأسم الدستور ، ومن هنا يأتي عداؤهم لليبرالية الديمقراطية بإعتبارها الرقيب الذاتي والأخلاقي والقانوني وبإعتبارها القادرة لنزاهتها على تحقيق التوازن .
ولقد رأينا كيف أستبيحت دماء وأعراض وحياة الأمة وأقدس مقدساتها في ظل وبسبب هذا الفساد ومن صنعه ، ولهذا أقول : إن الليبرالية الديمقراطية هي السبيل لضمان التوازن الطبيعي ومنع الاستغلال لقوى الدولة أو تسخيرها لمصلحة فئات وجماعات الحكم ، والليبرالية الديمقراطية تعني عندنا التربية الصالحة للحاكم التربية التي تقوم على منظومة القيم الأخلاقية والوطنية التي تحدثنا عنها .
ان الشعب العراقي لن يرضى بعد اليوم ان يحال بينه وبين معرفة الحقيقة والإطلاع عليها ، كما إنه لن يرضى بالسكوت على الفساد وتبديد الثروة وتشويه سمعة البلد ، كما إنه لن يرضى حين تنتزع منه حريته تحت بند السمع والطاعة سواء الدينية أو القومية ، فالشعب يريد الآن أمنه وتحقيق حلمه المشروع في العيش الكريم ، وهو لن يرضى أو يسكت على من يشوه حقيقته أو يفسد عليه حياته ، ولايُمكن دعاة الإصلاح من المساهمة في بناء وإعمار البلاد ، ولعلنا نُذكر في هذا أعضاء البرلمان ليكونوا فعلاً مؤهلين صفة وأسماً ، في وضع حد لهذه التصرفات التي خربت العراق وكيانه الوطني والإنساني .
ويجب العلم إننا في بثنا لقيم الليبرالية الديمقراطية لانريد من ذلك سوى خدمة الشعب وتحقيق كرامته والوقوف بوجه المفسدين قبل وبعد هذا التاريخ ، وهي دعوة منا لنعلم ونتعلم منها النزاهة والحرص على سلامة الحياة ، والحرص على أستقلال البلد وحماية الشعب من العبث والإستغلال المقصود ، ولأن الليبرالية الديمقراطية تتيح للشعب أن يتعرف على وضعه من غير تسويف أو كذب أو خداع ، لذلك تجعله يتعرف على السبب في الجمود والإنحصار ، سواء في الداخل أو في الخارج والمواطن العراقي يعرف هذا بالضبط ، فالعراقي يحاصر في بلده و في كل بلد يسافر إليه ولايحترم في كل بلد ويتهم في كل بلد .
وكلامنا عن الليبرالية الديمقراطية في هذا الوقت بالذات هو كلام عما يجب ان تكون عليه حياة العراقيين ، وماهي الطريقة التي تُنجيهم من المهالك التي يسبحون في غمراتها ، إذن فهو كلام عن الحياة كيف يجب ان تكون ولماذا ؟ ولذلك فنحن وكل العراقيين في دفاع مستمر عن الإنسان العراقي عن هويته وعن وجوده وعن مستقبله ، وهو دفاع حياة ودفاع كرامة وفي ذلك لن نقبل أنصاف حلول ، طالما إن المتعلق هو حياة الشعب ومستقبله ، وفي ذلك لا نساوم ولن نقبل بالحجج عن الأمن والتجاذبات والصراع الطائفي وغيره لن ننخدع مرة أخرى .
إن الليبرالية الديمقراطية ليست مجرد نظرية أو كلام عن الحياة المتصورة كما قد يفهمها البعض ، بل هي رسالة إنسانية وعمل دؤوب من أجل الخير العام والفضيلة والسعادة ، ولن يكون العيش في ظلالها ممكناً من دون أن نسمح لعقولنا وقلوبنا ان تنفتح عليها تقرئها تتأمل فيها وتعيشها ، وترى من حولها وتقارن ، وسوف لن تجد المزيد من الوقت لكي تحكم بنفسها ، على أنها هي الحياة ، وهي الحقيقة ، وهي النجاة لنا إن أردنا ان نعيش بكرامة ....
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟