أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم آل مسافر - لو ترك (الموت) لنام














المزيد.....

لو ترك (الموت) لنام


نعيم آل مسافر

الحوار المتمدن-العدد: 3270 - 2011 / 2 / 7 - 11:21
المحور: الادب والفن
    


لوترك (الموت) لنام

في الساحة المدورة حديقة صغيرة مسيجة بسياج حديدي يلمع تحت أشعة الشمس الشتوية الدافئة.. شكل الحديقة دائري أيضا يدور فيها الياس ضجرا يائسا كسجين سجن ظلما وجورا بجرم لم يرتكبه .. حول دائرة من ورود الياسمين الملونة. تطل على الساحة فوهات مستطيلة مكتوب عليها نوع الموت المجاني الذي تقدمه .. الصمت يخيم على المكان أناس يدخلون تلك الفوهات وآخرين يخرجون مجموعات ووحدانا,يحملون أكياسا فيها أطعمة وبعضهم يحمل أفرشة.. ويكسر الصمت أحيانا صرخات تتعالى عندما تتقيأ إحدى الفوهات أحدا ما..
وهو جالس على أحدى المساطب المواجهة للشمس لألتهام سكارته والتشمس بمقدار الوقت الذي يستغرقه التهامها.. ينفث الدخان إلى الأسفل ويضرب السكارة بسباته ويتابع سقوط رمادها الى الأرض وتخترق الدخان أحذية تصدر اصواتا وأخرى صامته تنتصب عليها سيقان بعضها يشد انتباهه ويتابعها بعينيه الحزينتين اللتين تلمعان لبضع ثواني حتى تدخل السيقان إحدى الفوهات فتعود عيناه مثقلتان بحزن اكبر من الذي ذهبتا به..مشوبا بالرغبة إلى فراش الزوجية.. عربات صغيرة وسديات تذهب وتجيء تحمل جثثا لم تقبر بعد.. يدفعها موتى يظنون أنفسهم أحياء. للياس لون أخضر آخر هنا غير اللون الأخضر الذي في الحديقة العامة.. ورود الياسمين البيضاء والصفراء والبرتقالية هي الأخرى مختلفة كما الفرق بين الناس خارج المستشفى والراقدين فيه..
في الردهة أربعة أسرة ومريضان أحدهما بجانب الشباك الوحيد فيها والآخر عند الباب والسريرين المتبقيين يستغلهما المرافقان لهذين المريضين.. عند الشباك رجل متوسط العمر ضخم الهيئة يقضي معظم الوقت جالسا.. بسبب أنبوب بلاستيكي يربط بين رئته وإناء بلاستيكي مغلق بأحكام من الأعلى.. لتفريغ سوائل صفراء من رئته الى الإناء.. خلفه مجموعة من الوسائد لمساعدته على الاتكاء إذا تعب من الجلوس.. والمريض عند الباب شاب في مقتبل العمر نحيف الجسم طويل القامة رجله اليمنى مجبسة, ويظهر من الجبس أطراف أصابعه وقد بدت سوداء. وهذا ما يثير قلق والده الذي يجلس في الساحة المدورة.. ويلتهم سكارته التي أطفئها بوضعها تحت حذائه ودعسها بقوة, وكأنها هي التي سببت الحادث.. الذي أدى لكسر ساق ولده.. ليعود إلى الردهة مسرعا.
يسترق السمع أحيانا لبعض أحاديث زوار المريض الراقد عند الشباك عرف مما سمعه منها ومن أسمائهم أنهم من طائفة أخرى.. لكنهم يطمئنون على ولده عند دخولهم ,قبل الذهاب لمريضهم.. ويبتسمون في وجهه ابتسامة يشعر أنها صادقة, يؤكدون له أن ساقه لن تبتر بإذن الله.. بعد الاطمئنان على مريضهم الذي يهمس لهم بشيء ما كلما دخل عليه ضيوف جدد.. ويطعمونه وولده بشيء مما جلبوه من الطعام .. هو بدوره أيضا يهمس لضيوفه القادمين إن جارهم في الردهة من طائفة أخرى.. مما يزيدهم تخلقا وحرصا على الاطمئنان عليه وملاطفته, والتأكيد له بأن مرضه بسيط وانه سيغادر المستشفى عندما يتوقف السائل المتدفق من رئته عبر الأنبوب البلاستيكي إلى الإناء البلاستيكي.. والإصرار على إطعامه مما يجلبون.. في بعض الليالي ينام مع مرافق المريض الآخر في سرير واحد إذا دخلت الردهة حالة طارئة.. ينامان كأخوين أو صديقين يعرف احدهما الآخر منذ زمن طويل.. أسماء الأطباء والمضمدين ليست بالضرورة تدل على انتمااتهم الطائفية أو العرقية.. ولكن تصرفاتهم تدل على أنهم بشر أو حيوانات.. فالمستشفى يقع في منطقة قريبة من حيين مختلفين طائفيا.
أثناء تدخينه سكارة ما بعد الظهر في الساحة المدورة لم يكن كل شيء رتيبا كما في الصباح. الناس يركضون والسديات مسرعة تروح وتجيء محملة بأشلاء ممزقة وأخرى تصيح وأخرى تئن.. مع لهاث ذويهم ولهاث الكوادر الطبية.. حاول التمييز بين أعراق الأشلاء ودياناتهم وطوائفهم فلم يستطع التمييز.. سحب نفسا عميقا لم ينفث إلا القليل من دخانه.. سائلا نفسه إذن من الذي فجرهم؟؟ هرب من الساحة قبل إكمال السكارة ولم تعد شهيته مفتوحة على (تغميسها) بالسيقان الرائحة والغادية.. لاحقته التفجيرات حتى على سلب هذه اللحظات التي يوهم نفسه فيها انه مازال حيا.. عاد إلى الردهة مسرعا فلم يجد ولده عند الباب من الذي سحب سريره إلى المرافق الصحية بجانب الردهة فقدمه المجبسة الآيلة للبتر لا تسمح له بالنهوض وقضاء حاجته هناك.. وهذا يستدعي أن يجره بسريره إلى هناك ويقوم بعملية تنظيفه لكن من الذي أخذه.. جاره في الردهة اخبره ان ولده أخذه هناك وذهب لمناداتك لتنظيفه.. فروح الشباب لا تسمح له بذلك.. واعتذر إليه كثيرا.. شكره ورد إليه الاعتذار بأحسن منه سال نفسه وهو ينظف ولده ان كنا متحابين ومتعاونين لهذه الدرجة فمن الذي يقتلنا أو يقتلهم؟ أم إننا يمثل احدنا على الآخر دور المتعاون والمحب والمشفق؟ لكني على الأقل متأكد أني أحبهم فعلا وهذا يدل على أنهم صادقين في تصرفاتهم .
عندما ينام المريضين الشاب عند الباب والآخر عند الشباك يتجاذب مرافقيهما في الردهة أطراف الحديث حول مواضيع مختلفه يتفقان في الرأي على كثير منها. وما يختلفان فيه يسامح احدهما الآخر على اختلافه, بدون تصنع وبكل محبة ووداد.. ذات مأساة أيقضهما من النوم نزيل جديد في الردهة.. افردا له احد السريرين وجلسا على سرير يتابعان محاولة الكادر الطبي البحث له عن وقت إضافي في الحياة.. كان شابا مقطع الأوصال أثر عبوة حاقدة.. تبرعا له بالدم .. سهرا الليل بطوله على راحته والدعاء له..دون أن يعرفا دينه أو مذهبه أو قوميته.. لكن شمسه غابت عند بزوغ الشمس..بكاه الجميع بحرارة .. سأل نفسه في الحديقة عدة مرات, وهو ينفث دخان سكارته .. إذن من الذي يقتل الجميع ؟؟؟؟






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قال الشاعر ح4
- الرموز _ قصة قصيرة
- قال الشاعر ح3
- جرار القطار
- رحلة في متاهة الضوء
- قال الشاعر ح2
- قال الشاعر ح1
- رحيم الغالبي كما عرفته
- اذا الديمقراطية وئدت
- ليس بعيدا عن هنا
- الأختلاف والخلاف
- النقد والتجريح
- قصة قصيرة


المزيد.....




- -ابتدينا-..عمرو دياب يطلق ألبومه الجديد ويتعاون فيه مع ابنه ...
- وثائقي -غزة: أطباء تحت النار-.. القناة 4 تكسر احتكار الرواية ...
- منتصر الحمد: كيف نعيد تموضع اللغة العربية كفاعل ثقافي عالمي؟ ...
- “برقم الجلوس والاسم فقط” رابط نتيجة شهادة الدبلومات الفنية 2 ...
- أقنعة وألسنة لهب: باراغواي تحتفل بمهرجان كامبا رانغا على طري ...
- الأميرة ريم علي: -نرفض أن نموت ثقافيًا-..انطلاقة الدورة الـ ...
- معرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب يحتفي بالمغربي محمد بن ع ...
- -جائزة الشيخ حمد للترجمة- تعلن عن لغات دورتها الـ12 لعام 202 ...
- رعب وأبطال خارقون ومخلوقات خطيرة.. 8 أفلام تعرض في يوليو
- -كاسونغو-.. قصة فقدان وحب تختبئ خلف الإيقاعات الراقصة


المزيد.....

- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم آل مسافر - لو ترك (الموت) لنام