أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم آل مسافر - قصة قصيرة















المزيد.....

قصة قصيرة


نعيم آل مسافر

الحوار المتمدن-العدد: 3176 - 2010 / 11 / 6 - 09:33
المحور: الادب والفن
    


الوقت بدل الضائع

بالرغم من سؤالي الدائم عنها.. منذ بداية صراعها المرير .. مع ذلك الغول .. الاكثر فتكا ً .. من أي حيوان خرافي , متوحش , عرفته البشريه.. كانت تلك المره الوحيده .. التي رأيتها فيها.. فغالبا ً ما اتجنب مثل هذه المناظر المؤلمه .. لأنها لاتمحى من ذاكرتي بسهوله .. تظل تقض مضجعي مدة طويله.. وفي أحيان كثيره,تذهب لاكثر من ذلك..فتراودني في أحلامي أيضا ً..
كانت مسجاة على اريكه حديديه تميل الى السمره..ويغطي جسدها النحيل -الذي لايكاد يبرز من الفراش- شرشف .. خفيف أبيض مخطط بخطوط عريضه .. وأخرى نحيفه,ذات لون سماوي باهت..الجزء الوحيد اللذي لايغطيه الشرشف,رأسها الصغير .. الملفوف من الأعلى بعصابة صفراء .. أختلط لون صفرتها,مع صفرة جبهتها .. التي تشبه هضبه مهجوره في فصل الخريف.. جال بخاطري أن صغر حجم رأسها .. بسبب خلوه من الشعر تماما ً.. كما هو معروف عن مصارعي ذلك الغول .. لأنهم يفقدونه في أحدى مراحل سيناريو الصراع المرير .. يغطيه من الأسفل نقاب أسود كأنه المجهول .. يرتفع وينخفض .. بسبب شهيقها وزفيرها المتواليين..في اشارة منهما للعد التنازلي .. وصولا ً الى النهاية الحتميه..
بين هضبة العصابة الصفراء .. والضفه الأخرى من النقاب الأسود .. عينان غائرتان .. تبتعدان كزورقين صغيرين نحو قلب المحيط .. مشرعين في سفر طويل .. لاعودة فيه لنقطة البدايه.. ملصق على حائط الغرفه , أعلى السرير .. تقويم للعام الماضي.. ويقابله على الجانب الآخر فوق الشباك .. ساعه جداريه يتقدم رقاص الثواني ثانية واحده .. ويعود لمكانه .. مشيرا ً لنفاذ البطاريه قبل قليل .. في حركه تناسقيه .. مع ارتفاع النقاب الاسود وانخفاظه..مشيرا لدخوله في الوقت بدل الضائع ..على الشباك ستاره .. يبدو ان لونها الاصلي كان أخضر..وبينه وبين الشباك .. ثلاجه محمله بمجموعه من الأغراض .. بشكل عشوائي .. يعلوها الغبار..
الغرفه مملوءه بكتل لحميه سوداء .. مختلفة الاحجام .. سوداء اللون .. كأنها أثافي قدور المواكب , الكبيره في زيارة الأربعين .. عددا ً ولونا .. ينحسر سواد كل واحدة , منها عن قطعة بيضاء او سمراء.. بعضها كثير التجاعيد .. تدور بينها أحاديث .. بعضها منخفض حد الهمس .. والبعض الآخر يرتفع حد الزعيق .. ليعزف مع صوت (ماطور الثلاجه) وزعانف المروحه .. سمفونية الضجيج .. اللذي لايمنع وصول موجات .. صوت أبوي حنون من الغرفه المقابله .. أدى الى توقف الزورقين الصغيرين , مكانهما وسط المحيط .. ليدورا حول نفسيهما في دائرة مغلقه .. أدت الى وصول موجات من المد .. نحو الساحل السفلي الاسود..متزامنا ً مع زياده نسبيه في سرعة ارتفاعه وأنخفاضه .. فهمت من تلك الموجات الصوتيه .. أنه يعاتب أحد جلسائه .. عن الأجره الكبيره , التي أعطاها لسائق (الشفل) .. عندما عدل الساحه المقابله للبيت قبل قليل .. حيث سيبنون فيها سرادق العزاء .. بعد قليل .. وأنهم في انتظار مصاريف كثيره .. فهذا أول الغيث .. من أجور الدفن , والسرادق , والطعام .. بقائمة مجلس العزاء (الفاتحه) .. الطويله العريضه..
أحدى الكتل اللحميه الطاعنه في السن.. ذات الأنف الطويل .. الأكثر تجعدا ً من جبهتها .. تدخن منذ دخولي .. وتتحدث مع أخرى بجانبها, بصوت منخفض .. وهي متجهمه , تارة تنظر الى المسجاة على الاريكه , وأخرى لمحدثتها .. التي فتحت فاها _ الخالي تماما من الاسنان _ بدهشه مصطنعه..واضعة ً يدها على خدها .. وتعبث باليد الاخرى بشعر رأس حفيدها .. المستلقي على فخذها , وهو يلتهم تفاحه .. قارب على الأنتهاء منها .. غير عابئ بالضجيج.. وبالروائح الكريهه .. المنبعثه من أجساد الكتل اللحميه.. التي أختلطت مع رائحة العقاقير الطبيه,والسكائر,والرطوبه .. المنبعثه من هواء (المبرده) .. القادم بدوره من كوه صغيره اسفل الشباك.. لايزعجه الا الأصابع المدببه التي تعبث برأسه..العجوز ليس أمامها نفاضه .. ولا أعقاب سكائر على الارض .. لا ادري هل كانت تبتلعها .. أم أنها سكارتها الأولى .. بجانبها (علاقه) كبيره مصنوعه من القماش.. منتفخه بالأغراض .. ويبرز من اعلاها نعلين سوداوين .. كأذني قط مزبله كبير .. تعلو الحائط الذي اسندت ظهرها اليه .. صور شخصيه مزججه .. معلقه عليه بسذاجه , لاتختلف كثيرا ً عما تحتها..
أستأنف الزورقان الصغيران رحلتهما من جديد .. نحو قلب المحيط القاسي .. غير مباليين بما يجري حولهما .. وذلك مع ورود موجات صوتيه أخرى .. من الغرفه المجاوره .. حيث انبرى جميع الجالسين لتهدئه الوالد .. الذي يقف على حافة فجيعه صخريه شاهقه .. أمام واد ٍ سحيق من الحزن والالم .. لا يدري متى سيخرج منه .. يريدون ان يصبر ويحتسب .. فقد أدى ماعليه .. على أحسن ما يكون .. وأن الامر قسمة ونصيب لابد منهما .. عادة مايتحول الجميع الى وعاظ .. في مثل هذه المواقف .. ويتصنعون الحكمة والهدوء .. فالنار لاتسري في اوصالهم .. وبعد خروجهم منه بلحظات .. ينتقدونه في كل الاحوال .. فان لم يكن جلدا ً,فهو رعديد.. وان كان فهو قاس القلب .. يبدو ان المسكين .. بدأ بسرد قصة رحلة العلاج الطويله , الشاقه في المستشفيات .. وبيعه سيارته برخص التراب .. واستعداده لبيع البيت من أجل ذلك .. ان كان يجدي نفعا .. كما رواها لي قبل قليل .. بصوت يقترب من النشيج..
أكمل الطفل التهام التفاحه .. وتناول أخرى من (علاقة) العجوز .. التي تنظر اليه بأمتعاض شديد .. وهي تنفخ دخان سكارتها الثانيه في وجه محدثتها .. وليس أمامها الا رماد السكاره السابقه .. أشتدت صفرة لون هضبة جبهة الفتاة .. لتتماهى شيئا ً فشيا ً مع صفرة العصابه التي تغطي رأسها .. عندما انشدت أنظار جميع الكتل اللحميه الجالسه في الغرفه .. نحو الباب,حيث كنت أقف.. بسبب دخول كتله لحميه شابه سوداء .. ذات وجه أبيض . وفدت للتو.. وقد أخذت كتفي في طريقها .. لتبين للاخريات .. أنها لاترى شيئا ً من هول المصيبة .. التي ستحل بعد لحظات .. كما هو متوقع.. اتجهت مباشرة نحو الأريكه وما عليها,لتطلق ندبتها الأولى .. كي تبين فيها لوعتها وحرقتها.. بكت بعض الكتل وتظاهرت أخرى بالبكاء .. وارتفع همس أحداهن مفتخرة بأن هذه أفضل (ملايه) للعزاء .. وأيدتها أخرى بطريقه تنم عن حسد واضح .. أعترضت الثالثه وهي تسند رأسها للثلاجه .. بأن صديقاتها في الكليه سيقمن بهذا الدور على أكمل وجه..وهي تضغط الكلمات بين اسنانها .. أيدتها أخرى مستعملة ً يديها وتعابير وجهها .. لتوضح أعتراضها,والطعن بأمكانيات هذه الشابه..مع سيل من الانات والاشارات الرمزيه الغير مهذبه...
انبعث صوت من الممر الذي يفصل بين الغرفتين .. ويؤدي لباحة البيت.. يخبر المتصل,بأن القضيه شبه منتهيه .. معظم الاقارب والمحبين-رجالا ً ونساء ً- حاضرين منذ الصباح.. والبقية قادمون .. لانه أخبر الجميع بوقت مبكر..واستأجر السياره التي ستقلهم الى النجف ...بل اتفق حتى مع القصاب لتزويدهم باللحم .. وتأكيده على أن يكون جيدا ً..كآن يتحدث وكأنه يقوم بأنجاز عظيم .. كمدرب فريق كرة قدم آسيوي .. ضمن التأهل لنهائيات كأس العالم.
كان كل شيئ في الغرفه ً يتحرك بحماس شديد .. كذلك الممر والغرفه المجاوره .. الاريكه وحدها يعمها السكون .. ولكن خلفه صراع كبير .. بين نظارة الشباب, طموحاته ,آماله .. رقة الفتاة وطراوتها وجمالها.. مع غول متوحش .. بدأ بأحتلال وجهها الجزء الأهم لديها.. جواز مرورها الى القلوب , وبيت الزوجيه .. الذي تحلم به كل فتاة .. بل مرآتها .. التي يرى الناس فيها كل ماهو مخبوء منها .. ثم انتقل ليحتل البقية قطعة قطعه .. كمستعمر غاشم .. ببطء شديد .. مخلفا ً وراءه الألم والخراب .. وهي تصارعه وحيدة بدون أسلحة تذكر .. كانت وحيدة جدا ً.. برغم كل من حولها .. مادامت في قلب المعركه .. فبماذا ينفعها المتفرجون..؟؟
مازاد لحظات وقوفي .. وأنساني قول بعض الكلمات لتهدئة الوضع قليلا ً.. وقوف أحدى المتحذلقات الى جانبي .. تحدثني منذ دخولي.. بكل فخر وأعتزاز .. عن دورها البطولي في هذه المعركه..لأنها قامت بفصل (الكانوله) التي تتصل بالمغذي .. فهو –حسب رأيها- أصبح لايجدي نفعا ً .. وتطرقت بشي من الاسهاب,وهي على عجلة من امرها..عن حالة الفتاة .. وأوجه التشابه مع حالة والدها الهكل.. صريع نفس الغول.. عن براعتها في تمريضه.. ولم أعجب من مدة صراعه القصيره مع المرض حتى وافته المنيه.. كان حديثها ماسخا ً ومؤلما ً,بالنسبة لي والفتاة .. لأني على يقين أنها تسمع شيئا ً منه.. كما تسمع حديث الأخريات ...
الزورقان مستمران بالأبتعاد في عمق المحيط .. ويطلقان بين الحين والآخر أشارات استغاثه .. خوفا ً من سفر لاعودة فيه.. مخلفين على وجه الماء .. خلفهما آثارا ً تحكي ألم كل كلمه,اشاره,همسه في الغرفه.. أو صوت منبعث من الممر أو الغرفه المجاوره .. خمنت أنه أشد ألما ً من عروقها التي تتقطع الواحده تلو الاخرى .. وملفات ذاكرة عقلي الباطن ترسل صورا ً الى سطح الذهن .. عن شكل الفتاة السابق.. المملوء بالأمل والبهجه. واحاديثها –السريعه المتلاحقه- المفعمه بزهو الشباب,الممزوجه بضحكات بنات البيوت .. السحريه الخجوله.. عن الدراسه والمستقبل ذو الطموحات العريضه ...
فجأة ألقى الطفل النصف المتبقي من التفاحه .. في حضن جدته –التي بدأت بألتهامها- وتوجه للعب مع طفل آخر .. نصف عاري يلعب تحت الاريكه .. غير عابئين بما يجري عليها .. تلاشى الزورقان في في عرض المحيط .. عندما توقفت حركة النقاب الاسود عن الارتفاع والهبوط .. أخرجت العجوز شسع نعلها.. بصقت فيه .. أطفأت عقب سكارتها بذلك البصاق..



#نعيم_آل_مسافر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم آل مسافر - قصة قصيرة