أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - إبراهيم اليوسف - وجوه في حضرة الغياب إلى روح صديقي الفنان جمال جمعة















المزيد.....

وجوه في حضرة الغياب إلى روح صديقي الفنان جمال جمعة


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 3261 - 2011 / 1 / 29 - 21:42
المحور: سيرة ذاتية
    


وجوه في حضرة الغياب

إلى روح صديقي الفنان جمال جمعة
إبراهيم اليوسف
ثمة شعور غريب يهيمن على المرء، وهو يتسقط أخبار الأهل، ولا سيما إذا ابتعد به المقام عن مضاربهم، والابتعاد-هنا- قد يكون مداه الأقصى ساعة زمنية، بالنسبة لواحد مثلي، وقد يكون أسبوعاً، لدى سواي، أو شهراً، أو سنة، أو أكثر لدى آخرين.
ومرد خصوصية مثل هذا الشعور، هو أن من يتغرب عن ذويه يكون أكثر حساسية تجاه التقاط الخبر المتناهي لمسمعه، يكاد يستمطر ما هو جميل، أو يستقطره، كي يتحاشى في المقابل كل ما هو مؤلم، بحق أي من الأحبة أهلاً وأصدقاء ومعارف وأبناء بلد ووطن.

أتذكر، أنني عندما كنت أسافر من –قامشلي- مسقط الحلم، إلى دمشق-مدينتي الثانية- من أجل إنجاز عمل ما، شخصي، أو عائلي، أو حزبي، وأخطط للبقاء فيها أسبوعاً، أذهب إلى الفندق، أكتري سريراً، أو غرفة –بحسب رصيد الجيب- ولا أنزل ضيفاً عند أحد- أنى أفلحت-وما إن أقوم بقضاء حاجتي، حتى أعود إلى كراج العاصمة، في أولى حافلة تتوجه إلى مدينتي، ناسياً أي موعد ثانوي، حتى وإن كان مع صديقة جدّ غالية، أو صديق غال.

مؤكد أنني أشعربخجل كبير، وأنا أمام مدة قدرها ثمانية أشهر،فحسب، منذ أن يممت وجهي إلى الشارقة، إحدى مدني الجديدة، وحتى الآن، وقد وصلتها راجياً ألا أجد عملاً، لأعود القهقرى، أواجه ضيق اللحظة الذي أدمنته ، وهو يكوي الفؤاد والروح، وسبب خجلي-هنا- هو أنني مدرك بأن هذه المدة لا تقارن بمدد غياب الكثيرين من الأعزاء، عن أماكنهم الحبيبة، أينما كانت خرائطها.

تكاد صورة شاب رقي، لا تفارق عيني، عندما نزلنا معاً في العام 2007 في مطار الدوحة الدولي، وأدار وجهه إلى الطائرة واضعاً قدمه على درج السلم، وهو يمسك بباب الطائرة، بعد أن دلف منه، ليقول: والله لن أعود إليك قبل أن أكون ثروة كذا.... وكذا، وما إن انتهى من حديثه، سألته كم راتبك في العقد المبرم مع شركتك؟، فحدد رقماً، ظل في بالي، ولا سيما وأنني عدت إلى المطار نفسه بعد خمسين يوماً، "راكلاً المبلغ الكبيرجداً" الذي كنت أحصل عليه شهرياً-كما قيل لي- لمواقف يعرفها زملائي هناك، ممارساً قناعاتي، ومبدئي الحياتي، قائلاً: من لا يقبل إلا أن يكون كريماً في بيته، وشارعه، ومدينته، ما استطاع، عليه ألا يقبل من دون ذلك إن كان بعيداً عن أهله، لأن من يستأسد في دياره، عليه ألا "يتقطط*" إن نأى عن هذه الديار، وهو أمر يحتاج إلى مزيد من الكتابة التي-من المؤكد- لن أخوض فيها يوماً ما، أمام كثرة ما أرجأته منذ ربع قرن، وحتى الآن، ولم أنفذ من كل ذلك ذلك أي شيء..

ولعل الأخبار السارة- بالرغم من ندرتها- تفرح المرء، في هذا المقام، إلا أنها تظلّ كسيحة، سلحفية، لا تكسر أية مسافة، لتترك الأبعاد مختصرة على أيدي ما هو أليم منها، ولعلّ غياب الأحبة، ونحن بعيدون عنهم، من أمرّ هذه الأخبار، وهو ما يجعل المكان محيلاً إلى سدرة الألم الرهيب.

ثمة قائمة أمام ناظري الآن، فيها أسماء عزيزة جداً، غابت-مؤخراً- وهي تترك وخزها الأكثر ألماً في الروح، و في طليعة هؤلاء-بالنسبة إلي- أحد أبناء عمومتي- وكان وراء الاهتمام بموهبتي في المسرح والكتابة، ضمن أسرة كانت تعدّ جد محافظة، وكان هناك من يتربص بي لمنعي حتى من الدراسة، إلا ضمن أحد الكتاتيب.
أجل، كثر هم الراحلون ممن كنت أجدهم قريبين مني، أو كنت أحتفي بإبداعهم-من جهتي- وكلما رحل أحدهم، رحت أعد مدينتي أقل شجراً، وأقل غيماً، وأقل فرحاً، وأقل حلماً.

من هذه الأسماء التي رحلت خلال الأسبوع الحالي-الملا نوري هساري- الذي عرفته وأنا بعد طفل-كما يخيل إلي- عندما كان إماماً في إحدى القرى القريبة من تل أفندي، مسقط رأسي، وما زالت صورته و عدد من رجال الدين من أصدقاء أبي الذين كانوا ينزلون ضيوفاً في أيام الخميس، يخصصونها ل" مذاكرة" ما يرونه ملحاً من أمور الفقه التي درسوها من قبل، وتوسيع معارفهم العلمية الأخرى، وكانت قصائد الخاني والجزري وجكرخوين وابن الفارض وابن عربي ، بل وقصائد بعضهم، من مستلزمات مثل هذه اللقاءات الحميمة، ممارسين غبطتهم بالحياة، في أجمل وأبهى شكل.

لا أستطيع استذكار- أكثر- من هذه الصورة شبه السينمائية، الغائمة، المضببة عن الرجل الذي سأعرفه، بعد أكثر من عقد حين أعود وألتقيه بصحبة أبي، وقد عاد إلى قامشلي، ليستقرّ بها، كي يقول أبي: إنه زميلي أيام الدراسة في كتاب تل معروف، وهو أيضاً شاعر مثل جكرخوين، ومثل ملا أحمد بالو، ويروي بعض مواقفهم جميعاً، ولأنقطع عن التواصل مع الرجل، إلى مرحلة أخرى تحت غواية السياسة، إلى أن يتم تكريمه من قبل لجنة جائزة جكرخوين التي أطلقتها مجلة مواسم، والملتقى الثقافي في الجزيرة، ليكون أحد المكرمين إلى جانب المرحومين كلش وبي بهار و محمد علي حسو وخليل محمد علي أمد الله في عمرهما.

وقد تكون طعنة الألم بفقد الفنان جمال جمعة –صديق الطفولة والشباب الأول- جد مؤثرة، وهو الذي عرفته منذ أول عمل مسرحي اشتركنا فيه كلانا في منتصف السبعينيات، ضمن فرقة اتحاد عمال محافظة الحسكة، وكان بين منزلينا ثمة شارع واحد، وتوثقت علاقتي بأسرته حتى نهاية السبعينيات، لأظل وهو محافظين على علاقتنا.

مازلت أتذكر عندما أوشى أحد رؤساء المركز الثقافي –في نهاية السبعينيات- بفرقتي الفنية، وكان من عدادها ممن أتذكرهم الآن الفنانون: كانيوار- عبدالهادي إبراهيم – عبدالجابر حبيب... وآخرون، وأدخل المغني كانيوار إثرها المشفى الوطني، إثر الاعتداء عليه من قبل ذلك الشخص، وجدت الفنان جمال جمعة من بين الموقوفين، يدافع عن فنانينا، بحماس جم، لتذهب نميمة ذلك الشخص أدراج الرياح، وإن كنت سأهجر خشبة المسرح، بعد عدة أعمال مسرحية تأليفاً وتمثيلاً وإخراجاً، ويستمر صديقي جمال، الذي سيغدو أحدهم أهم الفنانين، في محافظة الحسكة، وفي سوريا، وإن كان بعده عن العاصمة -دمشق- سوف يحرمه، ككثيرين من النجومية في أوسع مداها، بل وكان ذاكرة لمسرح المدينة مع أحمد شويش وسمير إيشوع، أستنسخ بعض صوري على خشبة المسرح مما هو متوافر في أرشيفي أحمد وجمال، لأضيعها في كل مرة، حتى أظل رجلاً من دون أرشيف شخصي.

ثمة قصص كثيرة بيني وجمال، الذي كنت أجدني أحس براحة كبرى مع أهله، أبويه، إخوته، أخواته، وكأني فرد منهم، ولاتزال ترن في أذني عبارة أمه عني، كلما كنت أنقطع عن زيارتهم.

ذات مرة علمت أن أبا زهرة –كما كان- يحب أن نسميه- بأنه في مشفى المدينة القديم، يرافق شقيقته الصغرى التي كانت تعاني هجمة مرض اللوكيميا، وتكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة، طلب مني جمال أن نذهب-معاً- إلى غرفتها، وهي ممددة قال لها: هوذا صديقي إبراهيم، مؤلف النص المونودرامي –مرافعات السيد إكس، جاء يطمئن عليك، ليقول لي بعد أن رحلت عن عالمنا: لكم أنا فرح لأنني حدثت شقيقتي عن عمل مسرحي لي، قريب، بالرغم من أنه لم يكتب لجمال تمثيل ذلك العرض، لأسباب خارج يدينا الإثنين.

خلال زيارتي الأخيرة إلى قامشلي، قبل بضعة أشهر، التقيت جمالاً في الشارع العام، عندما كان يسير –خاطفاً- إلى بعض شأنه، وكنت –أنا- غارقاً في لجة آلامي التي كنت أعانيها، أتذكر أننا تعانقنا بحرارة، سألني عن أخبار عملي، ووضعي، وسوى ذلك على جناح السرعة، كي أودعه، من دون أن أعلم أنه سيكون الوداع الأخير.

صديق آخر، هو المهندس سعيد أحمد، الرجل الأكثر إنسانية، وطيبة، والمعروف بنبله وسعة روحه، وهدوئه، والذي عرفته في صفوف الحزب الشيوعي، وعملنا معاً إلى حين، هو الآخر رحل في الفترة نفسها، بعد صراع طويل مع مرض عضال.
وقبل هؤلاء- بأسابيع- مضى أبو بسام" كبرو تازه" الذي عملنا في مدرسة واحدة، وكان يحافظ على الخيط الذي يربطه بمن حوله، مهما اختلف معهم، دائم التواصل مع مثقفي المدينة وناشطيها بروح نبيلة، ولقد قلت له ذات مرة: كم أشعر بمرارة كبرى وأنا أمر ببيوت بعض جيراننا السريان و الكرد وو- الذين هاجروا، وتركوا لنا الذكرى، ولكم سأغتبط لو وجدت وقتاً كافياً أكتب فيه رواية لائقة، عن هجراتهم، من خلال أسماء وأماكن شرحتها له، ما كان يدفعه لأن يسألني في كل مرة: أين روايتك؟، وهي أحد أحلامي التي لما تتحقق بعد .

هي وقفة، كان لا بد منها في محاريب كل هؤلاء الأحبة الجميلين الذين غادرونا على حين بغتة، و كانوا معنيين بالشأن العام، غيرين، هاجسهم خدمة كل ما هو سام، نبيل، كل على طريقته.
الخلود لذكرى هؤلاء الجميلين، وغيرهم من الأحبة الذين افتقدناهم وكانوا عناوين جميلة في خريطة القلب.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صلاح برواري: قلب يخفق في (وطن)
- سليم بركات:حامل جذوة الشّعر و شاغل الشعراء
- آرام ديكران.. أحد أعظم عمالقة الغناء الكردي الأصيل وداعاً
- في صميم النقد وبعيداً عن الوصاية المقيتة : درءاً لالتباس موص ...
- في الممارسة النقدية كردياً
- الشاعر الكردي محمد علي حسو: ذاكرة من لهب وحلم
- نبيه رشيدات سلامتك ...!
- أخيلة من -وحي الكأس- للشاعر الكردي غمكين رمو
- مشعل التمو واقفا في قفص الاتهام
- سماء- الآمدي- الصغير
- هكذا نصفق للاعتقال السياسي.....!
- مشعل التمو وسطوات الخطّ الأحمر
- أعلن الحداد الرسمي
- واحد ثمانية ........!
- محمد موسى كما عرفته....!..
- مزامير -سبع العجاف -:
- نحومؤتمر لأحزابنا الكرديّة في الدّوحة:
- وتستمرّ المجزرة....!
- حوار مع الباحث المناضل جبران الجابر:
- بدل -بول-


المزيد.....




- لم يسعفها صراخها وبكاؤها.. شاهد لحظة اختطاف رجل لفتاة من أما ...
- الملك عبدالله الثاني يمنح أمير الكويت قلادة الحسين بن علي أر ...
- مصر: خلاف تجاري يتسبب في نقص لبن الأطفال.. ومسؤولان يكشفان ل ...
- مأساة تهز إيطاليا.. رضيع عمره سنة يلقى حتفه على يد كلبين بين ...
- تعويضات بالملايين لرياضيات ضحايا اعتداء جنسي بأمريكا
- البيت الأبيض: تطورات الأوضاع الميدانية ليست لصالح أوكرانيا
- مدفيديف: مواجهة العدوان الخارجي أولوية لروسيا
- أولى من نوعها.. مدمن يشكو تاجر مخدرات أمام الشرطة الكويتية
- أوكرانيا: مساعدة واشنطن وتأهب موسكو
- مجلس الشيوخ الأمريكي يوافق على حزمة من مشاريع القوانين لتقدي ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - إبراهيم اليوسف - وجوه في حضرة الغياب إلى روح صديقي الفنان جمال جمعة