أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - أعلن الحداد الرسمي















المزيد.....

أعلن الحداد الرسمي


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 2370 - 2008 / 8 / 11 - 09:45
المحور: الادب والفن
    



مصعوقاً، كما لم أجد ني ، من قبل ، إلا مرات تعدّ جدّ قليلة، فحسب،تلقيت النبأ الموغل في الفجيعة ، والألم ، بتوقّف نبض الشاعر الكبير محمود درويش في مدينة هيوستن بولاية تكساس الأميركية عن ستة وستين عاماً، وذلك في مساء السبت9-8-2008 ، بعد أن أجريت له عملية جراحية الأربعاء الماضي ، تحت إشراف طبيب عراقي شهير في مجال جراحة القلب على صعيد عالمي......!.


ولقد جاء في تفاصيل نبأ رحيله ، أنّه نفسه كان قد أوصى – كآخر موقف بطولي منه-بأن يتم إيقاف أجهزة الإنعاش الاصطناعي، في ما لو دخل مرحلة الموت السريري ، لئلا يبقى أيّ مجال لتردد من حوله ، مادام أنه نفسه قد تعرّف على كائن الموت أكثر من مرة ، ليستعطفه حيناً ، ويتحدّاه حيناً آخر ، ونكون أمام ملحمة خاصة تكاد تذكر ب الكوميديا الإلهية لدانتي ، ورسالة الغفران لأبي العلاء المعري بحسب رواد موسى عودة:
رأيت أبي عائداً‏
من الحج, مغمي عليه‏
مصاباً بضربة شمس حجازية‏
يقول لرف ملائكة حوله:‏
أطفئوني



أجل ، إن الملحمة هنا غير كاملة ، في مجال وصف العالم الآخر، وذلك لانتقاص بعض الشروط هنا ، مادام أن درويش – بحسب روادعودة- يصف لحظات ما ، من مواجهة هذا الكائن ، دون الإيغال في التفاصيل ، وذلك بعد ما تعرّض له في العام 1998 من أزمة قلبية جعلته يعيش في الغيبوبة ، الغيبوبة التي يحتال عليها الشاعر من خلال وصفها :

:‏
أيّها الموت انتظرني خارج الأرض‏
انتظرني في بلادك ريثما أنهي‏
حديثاً عابراً مع ما تبقى من حياتي‏
قرب خيمتك...



حقيقة، إن محمود درويش أحد أكبر الأسماء التي كتبت الشعر في تاريخ الشعر العربي ، بأكمله ، ناهيك عن مكانته في خريطة الحداثة الشعرية ،عربياً بل وعالميا ً ، إثر تدرج ملموس، يمكن الوقوف عنده ، من قبل الدارس ، حيث يبدو هذا التدرّج ، بحسب تطوّر فهمه للحداثة الشعرية ، و وفق تصاعد بياني سليم.....!

كما أن لصداقته مع الشاعر سليم بركات ، في المقابل ، أثر ملحوظ في تقنيات نصه ، ولغته ، قبل ذلك ، في إحدى مراحلها الجديدة ، وهو الذي خصّ هذا الشاعر بقصيدة هي ليس للكردي إلا الريح التي يقول فيها :

يتذكر الكرديُّ حين أزوره ، غده ..
فيبعده بمكنسة الغبار : إليك عني !
فالجبال هي الجبال. ويشرب الفودكا
لكي يبقى الخيال على الحياد: أنا
المسافر في مجازي، و الكراكيّ الشقية
إخوتي الحمقى. وينفض عن هويته
الظلال: هويتي لغتي. أنا.. و أنا.
أنا لغتي. أنا المنفي في لغتي.



بل إنه راح يذكر اسمه في ديوان تال وأخير، لأحد الرموز المهمة الأثيرة لديه ....!

وبعد :

غدأ صباحاً ، سنعيش دون محمود درويش ، وهو أمر أكاد لا أصدقه ، وإن كانت قصيدته ستحاول بين الفينة والأخرى أن ترسل غيومها ، لتسقي أرواحنا أنى أحسسنا بلظى اللّحظة ، وظمئها ، وغربتها ، شأن أسماء قليلة ، تفعل مثل ذلك عادة ..!
غداً ، صباحاً ، سيكون العالم – ناقصاً- عالم دون محمود درويش، ومن هنا ، فإنّه لحريّ بنا أن نعلن تنكيس أعلام الشعر إلى أجل غير مسمّى ، وأن يعلن كلّ محبّي الشعر ومحمود د رويش الحداد ، وها أنا أفعل ، غير قادر على إكمال مادتي تحت وطأة ارتباك شديد ، مختتماً دمعتي هنا ، بما جاء في بيان وزارة الثقافة الفلسطيني التي راحت تودعه في بيان أليم ،كأنها تنعي بحراً وسماء وطريقاً ومدينة و مرآة فلسطينية بل خريطة :




بقلوب دامعة نودّع الشاعر الكوني محمود درويش، الصائغ الأمهر، والمبدع الإستثنائي.. صاحب النشيد الهوميري، على هذه الأرض... الذي منح بلادنا فضاء الحياة... فأينعت كلماته على ترابنا سياقاً معرفياً تجاوز الأقاصي والأمداء... ليحمل صوت شعبنا إلى حيث يكون العدل والحرية والإبداع....

بسيرته ومسيرته.. استحق محمود درويش وسام الشعرية الفلسطينية باقتدار.. واستحق كذلك أن يكون المنشد الأعتى من بين الأصوات الشعرية العربية.. محققاً بذلك انتصاراً لقضيتنا العادلة ووجع البلاد العميم في حمل قضيتنا الوطنية إلى الكون...إذ كيف للوداع أن يكون له بلاغة المراثي وقد ترجل الحرف عن صهوة المعنى.. فارتفع النشيج إلى سماوة البكاء والنزف... وارتفع الرثاء إلى سقف النحيب.
لاعب النرد.. الذي رأى موته مراراً... وحاوره وداوره، بعناد الشاعر وبصيرة الرائي الفذّ والبليغ الكفّ.. ليؤكد قوة الإبداع في منازلة الطاغي الرجيم- الموت الناهب.. ولكنها لحظة الغياب والسفر في مرايا البياض... اقتران البداية وشتول الربيع الطافحة بالخضرة.. بالنهاية وتساقط الورق الأصفر من شجرة العمر.. لكنها البذور النداهة بالغد ووعد الشعر وما فيه من خير أرض القصيدة التي ترفع الأرواح الكسيرة... وتمنح الصغار ترداد ما تركه الشاعر من طاقة القول واجتراح الغناء الصلب في الزمن الصعب.
كيف نودّع الشاعر الكبير وقد قال كلمته الأخيرة مدركاً أن ما ينفع الناس يمكث في الأرض... وعلى هذه الارض ما يستحق الحياة.

فطوبى للشاعر الذي كابد وعاند وشفّ وشاف..
وطوبى لكلامه العالي بحجم البلاد
وطوبى له وقد كان رأسمالنا المعرفي..




وفيما يلي قصيدة ليس للكردي إلا الريح كاملة:

يتذكر الكرديُّ حين أزوره ، غده ..
فيبعده بمكنسة الغبار : إليك عني !
فالجبال هي الجبال. ويشرب الفودكا
لكي يبقى الخيال على الحياد: أنا
المسافر في مجازي، و الكراكيّ الشقية
إخوتي الحمقى. وينفض عن هويته
الظلال: هويتي لغتي. أنا.. و أنا.
أنا لغتي. أنا المنفي في لغتي.
وقلبي جمرة الكردي فوق جباله الزرقاء ../
كل مدينة أخرى. على دراجة
حمل الجهات، وقال: أسكن أينما
وقعت بي الجهة الأخيرة. هكذا
اختارَ الفراغ ونام. لم يحلم
بشيء منذ حل الجن في كلماته،
(كلماته عضلاته. عضلاته لكمانه)
فالحالمون يقدسون الأمسَ، أو
يرشون بواب الغد الذهبي..
لا غد لي ولا أمس. الهنيهة
ساحتي البيضاء../




منزله نظيف مثل عين الديك ..
منسيّ كخيمة سيد القوم الذين
تبعثروا كالريش. سجاد من الصوف
المجعد. معجمٌ متآكل. كتب مجلدة
على عجل. مخدات مطرزة بإبرة
خادم المقهى. سكاكين مجلخة لذبح
الطير و الخنزير. فيديو للاباحيات.
باقات من الشوك المعادل للبلاغة.
شرفة مفتوحة للاستعارة. ها هنا
يتبادل الأتراك والإغريق أدوار
الشتائم. تلك تسليتي وتسلية
الجنود الساهرين على حدود فكاهة
سوداء../

ليس مسافرا هذا المسافر، كيفما اتفق..
الشمال هو الجنوب، الشرق غربٌ
في السراب. ولا حقائب للرياح،
ولا وظيفة للغبار. كأنه يخفي
الحنين الى سواه، فلا يغني .. لا
يغني حين يدخل ظله شجر الأكاسيا،
أو يبلل شعره مطر خفيف..
بل يناجي الذئب، يسأله النزال :
تعال يا ابن الكلب نقرع طبل
هذا الليل حتى نوقظ الموتى. فإن
الكرد يقتربون من نار الحقيقة،
ثم يحترقون مثل فراشة الشعراء/

يعرف ما يريد من المعاني. كلها
عبثٌ. وللكلمات حيلتها لصيد نقيضها،
عبثاً. يفضّ بكارة الكلمات ثم يعيدها
بكراً الى قاموسه. ويسوس خيل
الأبجدية كالخراف الى مكيدته، ويحلق
عانة اللغة : انتقمت من الغياب.
فعلتُ ما فعل الضبابُ بإخوتي.
وشويت قلبي كالطريدة.
لن أكون كما أريد. ولن أحب الأرض أكثر
أو أقل من القصيدة. ليس
للكردي إلا الريح تسكنه ويسكنها.
وتدمنه ويدمنها، لينجو من
صفات الأرض والأشياء ../

كان يخاطب المجهول: يا ابني الحر !
يا كبش المتاه السرمدي. إذا رأيتَ
أباك مشنوقاً فلا تنزله عن حبل
السماء، ولا تكفنه بقطن نشيدك
الرعوي. لا تدفنه يا ابني، فالرياح
وصية الكردي للكردي في منفاه،
يا ابني .. و النسور كثيرة حولي
وحولك في الأناضول الفسيح.
جنازتي سرية رمزيةٌ، فخذ الهباءَ
الى مصائره، وجر! سماءك الأولى
الى قاموسك السحري. واحذر
لدغة الأمل الجريح، فإنه وحشٌ
خرافيٌ. وأنت الآن .. أنت الآن
حرّ، يا ابن نفسك، أنت حرَ
من أبيك ولعنة الأسماء../

باللغة انتصرتَ على الهوية
قلتُ للكردي، باللغة انتقمتَ
من الغياب
فقال : لن أمضي الى الصحراء
قلت ولا أنا..
ونظرتُ نحو الريح/
- عمتَ مساء
- عم مساء!

من كتاب (لا تعتذر عما فعلت)



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- واحد ثمانية ........!
- محمد موسى كما عرفته....!..
- مزامير -سبع العجاف -:
- نحومؤتمر لأحزابنا الكرديّة في الدّوحة:
- وتستمرّ المجزرة....!
- حوار مع الباحث المناضل جبران الجابر:
- بدل -بول-
- بيان شخصي ضد ّالهجرة:-هنا الحسكة- في ....دمشق...!
- مهرجان قامشلي الشعري دون شعراء قامشلي
- المازوت أوّلاً.....!
- بيان شخصي ضد ّالهجرة:-هنا الحسكة- في .... دمشق...!
- المازوت أولاً
- مرثاة الدم الأخضر
- إطمئنوا ....وطمئنونا عنكم*......!
- طلب انتساب إلى إعلان دمشق...!
- هذا القائد هذا الموقف
- هذا الاجتياح الهمجيّ هذا الإجماع الكردي...!
- سامية السلوم في كتابها الجديد - صراع الآلهة -
- على هامش كتابها الثالث-صراع الآلهة- سامية السلوم: لا آلهة عل ...
- رسالة عاجلة إلى د. عبد الله الدردري نائب رئيس مجلس الوزراء ل ...


المزيد.....




- من الكوميديا إلى كوكب تحكمه القردة، قائمة بأفضل الأفلام التي ...
- انهيار فنانة مصرية على الهواء بسبب عالم أزهري
- الزنداني.. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان
- الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي ...
- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - أعلن الحداد الرسمي