محسن ابو رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 3252 - 2011 / 1 / 20 - 15:14
المحور:
القضية الفلسطينية
لا يمكن تناول موضوعة المواطنة بمعزل عن السياق التاريخي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي افرز هذا المفهوم .
لقد كان هذا المفهوم وغيره من مفاهيم الحداثة مثل الحرية والتعددية والمشاركة سيادة القانون نتاجاً للتحول الديمقراطي الذي تم في أوروبا في منتصف القرن الثامن عشر والذي توج بالثورة الفرنسية 1789 والتي تناولت أول وثيقة لحقوق الإنسان بالتاريخ – تلتها وثيقة " فرجينيا" بالولايات المتحدة ،وقد كان قبل ذلك " القرن السادس والخامس عشر " الماجنا كارتا في بريطانيا التي أرست قواعد دستورية ومؤسسية قلصت إلى حد كبير من النفوذ الملكي المطلق وساهمت في تحويل البلاد إلى النظام الملكي الدستوري .
كان تاريخ أوروبا حافل بالصراعات الدموية " حرب الجميع ضد الجميع "هوبز" ، وكانت الصراعات تأخذ الطابع الاثني والديني والعرقي والطائفي إلا أن جوهر الصراع كان اقتصادي واجتماعي أي على الثروة والسلطة والنفوذ .
كانت أوروبا محكومة بمنظومة ثقافية تحارب العلم والانفتاح والتقدم تقودها الكنيسة الكاثوليكية التي كانت تسوغ الحكم الملكي الإقطاعي والمطلق باسم " الحق الالاهي " وذلك لقطع الطريق أمام السؤال العقلاني الخاص " بشرعية الحكم " وهذا ما يفسر الترابط بين منع التقدم العلمي و بين هذا المفهوم ، لأن التفكير العلمي والعقلاني حول القضايا الطبيعية سيقود إلى ذات التفكير بالنسبة لقضايا الحكم والمجتمع الأمر الذي وسم تلك الحقيقة " الظلامية " بمحاكم التفتيش من جهة وبالنمط الاتوقراطي " الفردي " المطلق للحكم من جهة ثانية .
لقد لعب عاملين رئيسيين بالتحول التاريخي نحو الديمقراطية في أوروبا :-
1. الثورة البرجوازية الصناعية ثم التجارية والتي أدت إلى تحطيم الحواجز الإقطاعية ووحدت الشعب "Nation " والسوق ، وأدت إلى تحويل وحدة الإنتاج من الطابع العائلي التي كانت سائدة بنمط الإنتاج الزراعي والإقطاعي إلى الطابع الفردي عبر " العمل المأجور " بالنمط الرأسمالي البرجوازي .
2. الإصلاح بالفكر الديني من خلال البروتوستائية وثورة " مارتن لوثر " في القرن السادس عشر والتي أدت إلى زوال سيطرة الكنيسة على الحكم والتحول إلى شعار " الدين لله والوطن للجميع ": والفصل ما بين الدين والسلطة .
لقد ادى هذين العاملين إلى تشكيل الدولة القومية التي كان من أبرز سماتها :-
" التعددية السياسية ، المؤسسات ، سيادة القانون ، الانتخابات الدورية " .
حيث استبدلت آلية حسم التناقضات الداخلية من الطابع الدموي العنيف إلى وسائل سلمية أي عبر صندوق الاقتراع ووسائل الحوار و تعزيز ثقافة تقبل الآخر، كما استبدل شعار " الحق الالاهي " بالعقد الاجتماعي - روسو .
أصبح الصراع يأخذ الطابع الاجتماعي عبر الاحزاب السياسية والنضال الاجتماعي والنقابي وعبر وسائل التعبير بواسطة الصحافة الحرة .
لقد تبلور مفهوم المواطنة في هذا الوعاء " الديمقراطية " وأصبح المواطنون امام القانون سواءً بغض النظر عن الدين ، الجنس ، اللغة ، العرق ، الاصل الاجتماعي ، وذلك عبر تجاوز البنى العضوية القبلية والطائفية والعرقية والاثنية وعبر تدشين واحترام حقوق المواطن الفرد .
ثم تعزز ذلك عبر نظرية الفصل بين السلطات " مونتسكيو" للحد من احتكار الفرد أوالحزب الحاكم للسلطة لقد اصبح المواطن بغض النظر عن اصولة الدموية أو العضوية كيان قانوني مستقل ، مترابط بينه وبين الدولة بمنظومة من الحقوق الواجبات .
الحقوق : التي تبلورت بعد ذلك في منظومة حقوق الانسان والتي تنضم الحقوق المدينة ، السياسية وكذلك الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
مثل الحق بالحياة ، التعامل الكريم ، منع التعذيب، وضمان الحق بالتعبير ، الصحافة ، التجمع ، العمل النقابي والسياسي ، التعليم ، الصحة ، السكن ، البيئة النظيفة ، التنمية ... إلخ .
هناك عدة تعريفات للمواطنة " :-
أ. مكان " وطن " استقر به .
ب. الجنسية Citizen ship،والتي تتضمن كافة الحقوق للمواطن .
ج. المكان أو البنية التي يندمج بها الإنسان اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً ويشعر بالانتماء لها.
الواجبات :-
1. دفع الضرائب " No Taxation without Representation ".
2. الالتزام بالقوانين ـــ لان المواطن يشارك بها بالبلدان الديمقراطية وبالتالي يجب ان يطبقها .
3. الدفاع عن الوطن ـــ تجاه المخاطر والتحديات الخارجية .
من حقوق المواطنة " المسائلة " No Democracy without Accountability ":-
حيث أن المواطن الحر يشعر بالانتماء للقضية الوطنية والمجتمعية وبالتالي من مسؤوليات " المواطنة " المسائلة عبر آليات ديمقراطية سلمية وعبر وسائل الضغط والتأثير ، مسائلة صناع القرار حول التشريعات المناسبة والسلطة التنفيذية حول البرامج والخطط وإذا كانت مناصرة للفقراء وقائمة على المساواة وعدم التمييز أم أنها في خدمة الشريحة الاجتماعية المسيطرة .
العلاقة بين المواطنة والوطنية :-
الوطنية هي الانتماء للوطن والدفاع عنه في مواجهة التحديات الخارجية والحفاظ على وحدته وتماسكه ولكن المواطنة هي الممارسة الديمقراطية الحرة القائمة على المساواة في البناء المؤسساتي والاجتماعي الداخلي بالاستناد إلى قيم الحرية والمشاركة .
وعليه فإن الوطنية تعزز بالمواطنة ، حيث ان آليات الحكم الرشيد والديمقراطي والتوزيع العادل للثروات وتوسيع فضاء الحرية والمشاركة وتعزيز كرامة المواطن يساهم بصورة فاعلة في ترسيخ معاني الوطنية والانتماء لها .
والعكس فإن الشعور بالغبن والفقر والاستلاب والاغتراب يضعف من الانتماء الوطني ويعزز مشاعر الإحباط واليئس .
غياب مفهوم المواطنة عربياً :-
حيث يسود مفهوم الرعية المشرف عليهم تحت الحاكم العادل أو الملك أو الفرد القائد الذي يجب أن تطيعه الرعية أما حقوقهم فلا تحقق عبر الدستور أو المؤسسة أو القانون ولكن عبر الدعوة إلى إصلاح الخليفة أو الملك أي لا توجد حقوق للمواطنين عبر آليات دستورية تحددها عملية البناء المؤسسات والاجتماعي " الدولة ".
فالحق غائب هنا لصالح الهبة والمنحة والعمل الخيري المقدم من الأمير أو الخليفة كما أن المواطنة لا تستند إلى الدين ، حيث تجد ان بعض البلدان تتقاتل وهي تنتمي لنفس الدين حيث ان الانتماء الوطني أعلا من الانتماء الديني أو الطائفي أو العرقي .
ملاحظات على المواطنة :-
إن الأخيرة نتاجاً للثقافة الليبرالية فرغم ان الدستور ينص على مجموعة من الحقوق والواجبات للمواطن الفرد أي ان المفهوم لا يراعي التقسيم الاجتماعي والطبقي فهؤلاء الأفراد موزعين في بنى طبقية " عمال ، فلاحين ، مثقفين ، تجار، برجوازية ... إلخ " وبالتالي فيجب التركيز على آليات الحكم ضمن التوزيع العادل للثروات أو لثمار الإنتاج فمثلاً هل يستطيع أي أشخاص الترشح لمنصب الرئيس بالولايات المتحدة ما لم تقف خلفه قوى اقتصادية كبرى ، وذلك رغم ان الدستور يعطى الحق للجميع بالترشخ لمنصب الرئيس أو لعضوية مجلس النواب " الكونجرس " مثلاً .
أهمية المواطنة بالظروف الراهنة :-
1. تضع حد للصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية والتي تغذيها القوى الرأسمالية الكبرى ضمن مفهوم الشرق الأوسط الجديد أو الكبير والقائم على تقسيم المقسم وتجزئي المجزء " العراق ، السودان ، مصر ، اليمن ، الجزائر...إلخ " .
2. تتصدى للحالة الراهنة التي تحاول تمرير الديمقراطية الشكلانية وتعززها بمنظومة من الحقوق والواجبات المعززة بالدستور والتشريعات والمطبقة على الأرض، أي تجاوز الديمقراطية المظهرية " الانتخابات " إلى العملية " الحقوق " .
3. تتجاوز البني السياسية المبنية على الأصول العضوية والتي تعززه قوى الإسلام السياسي لصالح فتح أفق نضالي جديد مبنى على المساواة وعدم التمييز والحريات العامة وضمان التعددية ، في إطار منظومة من المفاهيم تستند إلى المصالح الاجتماعية للطبقات الاجتماعية المتضررة من الغلاء والفقر والبطالة والفساد كما تم مؤخراً في تونس .
4. تعطى افقاً لنضالاً حضارياً يحاول ان يتجاوز حالة احتجاز التطور الراهنة إلى مجال بناء الدولة الديمقراطية الحديثة المبنية على أسس سيادة القانون والفصل بين السلطات واحترام الحريات العامة وحقوق الانسان .
إن ظروف التقسيم والتفتيت الطائفي لا يمكن مواجهتها بدون الحفاظ على الوطنية " الدولة والمواطنة " ومفهوم المواطنة والذي يعمل على تحقيق التماسك المجتمعي ويساهم في ترسيخ أسس تفتح المجال للمشروع النهضوي الديمقراطي العربي .
إن المواطنة و " الديمقراطية " ببعدها الاجتماعي والانعتاقي هي البديل عن فلسفتي الليبرالية الجديدة من جهة وعن قوى الاسلام السياسي من جهة ثانية، وهي التي بحاجة إلى حامل سياسي واجتماعي وفكري يستند إلى الدفاع عن مصالح الفقراء ويضمن اسساً بالمجتمع مبنية على المساواة وعدم التمييز واطلاق المجال للحريات العامة .
#محسن_ابو_رمضان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟