محسن ابو رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 3243 - 2011 / 1 / 11 - 16:25
المحور:
القضية الفلسطينية
لقد كان طموح العديد من رواد المشروع النهضوي العربي في مواجهة تقسيم الوطن العربي عبر اتفاقية سايكس بيكو 1917 تحقيق حالة من الوحدة العربية التي تتحد بالتاريخ والثقافة والدين والجغرافيا والأهداف المشتركة ، إلا ان تلك الطموحات لم يكتب لها النجاح بسبب الانشداد للنزعة القطرية التي ترسخت ككيانات معترف بها ومتميزة بمعالمها الخاصة اقتصادياً واجتماعياً وبما يشمل علاقاتها الإقليمية الدولية .
ورغم أنني من المؤمنين بضرورة استمرارية العمل الدؤوب لتحقيق الوحدة العربية كضرورة ثقافية واقتصادية و إستراتيجية في مواجهة التكتلات الاقتصادية الكبرى ومرحلة العولمة التي لا مكان بها للكيانات الضعيفة والمجزئة ، ولعل نموذج الوحدة الأوربية مؤشراً قوياً على ذلك رغم التاريخ الدموي والصراع الدامي الطويل التي عاشته القارة الأوروبية بالأزمنة السابقة ، إلا أنهم أي الأوربيين اختاروا خيار المصلحة الاقتصادية والعمل على توفر شروط القوة والمنعة في منافسة القوى الرأسمالية العالمية الأخرى ، إلا أنني أرى بأن المرحلة التي نحياها بحاجة إلى الحفاظ على الدولة القطرية العربية والتي تتعرض إلى حالة من التجزئة والتفتت على أسس طائفية وعرقية ومذهبية ، ضمن مخطط استعماري يهدف إلى تجزئة المجزأ وتقسيم المقسم من اجل استسهال السيطرة على الموارد العربية ( الثروات والنفط ) ولتفكيك عناصر القوة التي عادةً تعززها آليات الوحدة والتلاحم .
لقد بدأت حلقات المخطط الرأسمالي العالمي بالتنفيذ سواءً عبر تفكيك العراق وتحويله رغم وحدته المظهرية إلى ثلاثة كيانات طائفية وما يحدث في لبنان أو في اليمن أو السودان ،الأمر الذي يعكس مدى خطورة المشهد الذي نعيشه وهو مشهد ارتدادي عن كل الطموحات والنضالات التي كانت ترمي إلى بلورة المشروع النهضوي العربي كمشروع بديل في مواجهة الهيمنة الاستعمارية ومن اجل الحفاظ على الثروات والقدرات العربية .
إن الاستمرار في تفكيك المنظومة القطرية العربية سيكون الرابح الأساسي منه هو إسرائيل التي تقوم بتنمية اقتصادها وإمكانياتها بصورة مذهلة بدعم سخي من البلدان الرأسمالية العالمية وفي المقدمة منها الولايات المتحدة الأمريكية حيث تطمح إسرائيل وهي تعمل على ذلك للتحول إلى دولة امبريالية صغرى تسيطر على المنطقة مستندة إلى قدراتها العسكرية والنووية وانجازاتها الاقتصادية والتكنولوجية .
لقد بات واضحاً ان الولايات المتحدة والتي خططت لمشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير ، انها استغلت أحداث 11 /سبتمبر /2001 إلى أوسع مدى ، وقد بدأت بتبرير استعمارها العسكري المباشر للعراق وافغانستان بخطر " القاعدة " وقد أثارت نزعة " الاسلاموفوبيا " وربطت بين العنف واستهداف المدنيين كأحداث برزت ببعض البلدان وخاصة بالعراق بالنزعة الأصولية الإسلامية وبتنظيم القاعدة والحركات المتطرفة .
كما بدأت تركز عبر وسائل الإعلام وعبر آليات عملية على ما يسمى باضطهاد الأقليات الأخرى مثل المسيحيين بجنوب السودان أو الأقباط في مصر أو الشيعة في اليمن او الامازيغ في الجزائر ... إلخ .
إن العمل على إعادة بناء الدولة القطرية العربية عبر إحياء المؤسسات الدستورية والمدنية وإتباع آليات العمل الديمقراطي وتشجيع منظمات المجتمع المدني وحرية الرأي والتعبير والصحافة الحرة ، يشكل المدخل الأنسب لمواجهة مخاطر التفتت والتجزئة ، حيث ان البناء المؤسساتي الرشيد والقائم على المشاركة المجتمعية والذي يعمل على التحول إلى دولة ديمقراطية عصرية مدنية ببنى وهياكل مؤسسية تشمل فصل الدين عن الدولة ضمن شعار " الدين لله والوطن للجميع " هو الطريق الأكثر ملائمة لإعادة بناء النسيج الاجتماعي والمؤسساتي بصورة متماسكة في تلك البلدان القطرية ، كما ان تعزيز قيم المواطنة المبنية على المساواة وعدم التمييز سواءً على أساس الدين أو العرق أو اللغة والجنس أو الأصل الاجتماعي هي الطريق والآلية القادرة على تجاوز النزعات الطائفية والعرقية في إطار الالتزام بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان التي تضمن الحق بالإيمان والمعتقد وممارسة طقوس العبادة بحرية كاملة ، ولكن دون استخدام ذلك لأهداف التحشيد والتحريض أو الاستقطاب الطائفي الذي يكرس حالة التفتت والتجزئة.
إن شعور المواطنين بغض النظر عن مذاهبهم وطوائفهم وأعراقهم بالمساواة التامة بالحقوق والواجبات عبر تعزيز المشاركة المجتمعية والاندماج بالمؤسسات الدستورية المنتخبة ، هو الرد العملي على دعوات استثمرت مؤخراً قائمة على التعصب والانغلاق ونفي وإقصاء الأخر.
من الضروري الإشارة إلى أن الصراع بالمنطقة العربية يعود إلى أسباب استعمارية تطمح بالسيطرة على الموارد والثروات العربية ، وموقعها الاستراتيجي وان إسرائيل كتجسيد مادي للفكر الصهيوني كانت نتاجاً لتلاقي مصالح الرأسمال اليهودي مع العالمي وبهدف زرع خنجر مسموم في خاصرة الوطن العربي ومن اجل قمع اية حركة تحرر وطني أو مشروع نهضوي عربي يريد تجاوز الاستعمار وكسر حلقة احتجاز تطوره في مسار التنمية الاقتصادية ، بما يؤسس للاستقلالية السياسية على قاعدة تضمن مصالح الجماهير الشعبية بكل فئاتها المتضررة من مخططات القوى الرأسمالية العالمية ، وبالتالي فقد استغلت إسرائيل بعض المسوغات العقائدية التوراتية للترويج ولتبرير مشروعها الاستعماري ليس إلا .
إننا بحاجة إلى فتح ورشة عمل للنقاش بين الاتجاهات السياسية العاملة بالوطن العرب" الإسلامي ،القومي ، اليساري ، الليبرالي " بهدف الاتفاق على قواسم مشتركة عنوانها الرئيسي الحفاظ على تماسك البلدان القطرية العربية راهناً في مواجهة مخططات القوى الاستعمارية التي بدأت تنخر سواسها في جسد الوطن العربي على طريق تفتيته وتجزئته وبما يضمن آلية للتعايش مبنية على إدارة الخلافات بصورة سلمية وديمقراطية وعبر إتباع مسار الخيار المؤسساتي الديمقراطي الذي يستند إلى آلية الانتخابات الدورية وسيادة القانون والفصل بين السلطات واحترام الحريات العامة وبالأخص تكريس مبدأ المواطنة .
من حق الجميع أن يتبوأ المركز الرئيسي للسلطة ولكن يجب الإقرار بأن هذا الحق من الضروري ان ينجح عبر المشاركة والانتخابات وليس عبر آليات من العنف والإقصاء ، كما ان المطلوب هو احترام أسس النظام الديمقراطي والشروع في تنفيذ البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يطرحه الحزب الذي تسلم السلطة وانتخبه المواطنين ولكن ليس من الصحيح إتباع مسار الانتخابات الديمقراطية من اجل الارتداد والنكوص عن القيم والأسس الديمقراطية ذاتها سواءً عبر إلغاء الدستور أو وقف الانتخابات أي منع دوريتها تحت أية مبررات سواءً كانت أيديولوجية أو عقائدية أو سياسية .
أننا بحاجة إلى استعادة المبادرة بدلاً من مراقبة حالة الانهيار المتدرج والمتسارع بالدولة القطرية والذي ساهم به بصورة غير مباشرة الإخفاق في ترجمة قيم ومبادئ ومفاهيم المواطنة في المجتمع على قاعدة أن الجميع أمام القانون سواءً بغض النظر عن الدين ،الجنس، اللغة، العرق ، الأصل الاجتماعي ، بما كرس حالة الاحتقان والتوتر الذي استغلته القوى الاستعمارية ومنها إسرائيل في تعزيز حدة الخلافات على طريق تحقيق أهدافها الرامية إلى تجزئه وتفتت الدولة القطرية العربية .
وعليه فإننا بحاجة إلى إحياء فكرة الوطنية عبر النجاح في بناء مؤسسات الدولة القطرية على أسس ديمقراطية وشفافة وذات مصداقية وقائمة على فلسفة المشاركة المجتمعية ، إضافة إلى فكرة المواطنة القائمة على مبدأ المساواة وعدم التميز بالحقوق والواجبات وذلك كبديل قادر على مواجهة التحديات الحرجة والصعبة التي يحياها الوطن العربي ، ولكن هذا الأحياء سواءً لفكرة الوطنية أو المواطنة بحاجة إلى حامل سياسي واجتماعي وفكري قادر أن يشق طريقه في سياق مواجهة ثقافة التعصب والانغلاق من جهة أو الثقافة الاستهلاكية و النفعية ذات النزعة الليبرالية من جهة أخرى .
والسؤال الأخطر ؟؟ لماذا لم يولد هذا الحامل بعد ؟ رغم حالة الانهيارات الحاصلة والتي بحاجة إلى من يوقفها برؤية عقلانية تؤكد الانتماء إلى الوطن وترسخ قيم واحترام مفاهيم المواطنة .
#محسن_ابو_رمضان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟