أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماعيل موسى حميدي - انفاس االرحيق














المزيد.....

انفاس االرحيق


اسماعيل موسى حميدي

الحوار المتمدن-العدد: 3247 - 2011 / 1 / 15 - 00:11
المحور: الادب والفن
    


افق موحش انقشع في ساعة مبكرة من يوم اقبلت صباحاته المشرقة تغازل خيوط الشمس المنكسرة من عمق السماء لتقمع كسل جامح خيم بعباءاته السود على نفوس ارهقها التعب واثكلها الماضي، استيقظ ذلك الشاب بعد ان مكث في نوم غارق وطويل لازمه مع صمت ليل مخيف راح يمتزج بحسحسة لجب العساكر وزقزقة العصافير.
راح يتأمل بمعالم القرية اسراب من اشجار الرمان، وحفيف مستديم لبساتين تحيط القرية، يكون منظرها اجمل عندما يغطيها الغمام المتقطع، ويقطع قناطرها الضباب العنيف، فتح نافذته الصدئة نظر الى السماء تأمل بغربتها، نزل شعاع الشمس على عدسة عوينته الملساء خلع نظارته من على عينه نظر باستغراب الى باب السماء التي لاحت بافقه رؤوس الاشجار الغارقة بأفئدة الصباح وتعشقت بافق يبدو كأنه انطبق وهميا على سطح ارض تخضبها بساتين الرمان وتحفها اشجار الاثيل الشامخة وتطرزها ورود البنفسج والارجوان ،استنشق عبير الازهار الممتلئ بعبق الارجوان والقداح وزهر السوسن قادته لحظات المشهد الشمولي الى لحظات بعيدة، تبدو له كصرخة طويلة المدى في عالم ممتد، وكبصيص ضياء وسط ظلام دامس، نقلت بذاكرته الى وراء عالم المحيا، عالم توارى منذ تاريخ حياة انقضت قبل سنين، اذ دياجير الطفولة التي فاحت بها الذكريات ومضت باستغراب ودهشة في حياة امضاها في الصغر عندما كان يلهو تحت مروج الاشجار مع رفيقة صباه "رحيق" التي غيبت الايام اخبارها مثلما غيبت السنين احلام الطفولة، بدأ يستذكر تلك الاحداث، اذ كانت رحيق تمسك بيده وتسرع به بُعيد صباح كل يوم الى حافات المدينة مخترقا معها مروج الازهار ومياه الانهار، نحو سكة القطار الذي يمر من هناك بقرابة القرية فما زال صوتها يرنو في اذنه للساعة، راح يستذكر قولها .. انتظر سوق يمر القطار الممتلئ بالاهالي والصغار انه يشبه القطار الذي ذهب بابي الى المعركة منذ سنين عله يعود بابي كما ذهب به، انتظر انه آت للحظة فلا تذهب، تضع اذنها على سكة القطار تتحسس رنينه.. تصرخ بصوت عال انه مقبل انه مقبل.. وللحظات يدب القطار بغزله على الارض فيملأ الوادي ضجيجا يتمزج صوته بصراخ رحيق وتهريجها، تهرع مع مركباته المتلاحقة يعبث بشعرها الهواء فتغمر ضفائرها سعادة الطفولة الممتدة على طول الحياة وتقلبات السنين، تومئ للراكبين باشفاقة بريئة تحمل طرافة الطفولة.. وللحظات حتى يجتازها القطار فلا من مجيب، يمضي القطار متسارعا تقف رحيق وراءه يتمزج وقوده المحترق بانفاسها فينصهر في صدرها تترقرق دموعها في عينيها وهي ترنو ببصرها الى القطار الذي بدا يتلاشى اثره من الرؤيا شيئا فشيء فلم يعد بابيها كما تنتظره في كل مرة،فيبدو لها كسراب جامح، يرتسم الحزن على وجهها فيمسكها هو من يدها ويذهب واياها من حيث اتيا راكضين عابثين بمروج الورد. واشجار الزنبق حتى يصلا حافة القرية، تذكره رحيق بوصية امها لا تنس ثلاثة اشياء عند عبور الشارع.. لا تعبر الشارع الا ان تنظر يمينا وشمالا.. لا تصعد سيارة ليس فيها ركاب، الوصية الثالثة..آه تخونه ذاكرته ،حاول ان يتذكرها فلم تسعفه ذاكرته.. لوح بذهنه يمينا وشمالا فلم يذكرها، اه فقد ذهبت مع تلك الايام، ابتسم مع نفسه ابتسامة المثكل عاد بنظارته الى عينيه عاود استذكار تلك الايام.. بنظره عميقة اخترق بها الماضي راح يعود به الخيال من ماض موجع الى حاضر ضبابي، ارتسمت بمخيلته امضاءة حياة بدت له كصورة، نعم هكذا الحياة ذهبت برحيق الى عالم لا نعرف عنه شيئا.
فقد شاءت الحياة ان تجعل من رحيق زوجة لشخص اختارته لنفسها!! وفي يوم وبعد مضي حفنة سنين وبعد ان تغيرت الاشكال والصور اقبلت رحيق الى بيته في مناسبة ما.. وعندما سمع بخبر مجيئها اسرع متلهفا لرؤيتها ومستحضرا تلك اللحظات وكل صور الماضي التي عاشها مع بنت الجيران رحيق .. نعم انها هي،، نظر اليها باستغراب ودهشة هذه رحيق في بيتنا لا اصدق .نظرته رحيق لبرهة ثم شاحت بوجهها خجلا بنظرة صمت مطبق تخللها وقار كثير ، آه الايام غيرت جل معالم وجهها وارتسمت عليه انكسارات مؤلمة ذهبت بظرافة الطفولة، شابه الاستغراب يا للهول ما فعلت الايام برحيق، اين تلك الوداعة والشغب اين المرح والضجيج واين تلك الضفائر السود اين الوجنتين الورديتين ،بدأ يتنفس الصعداء، بدا له العالم كقشة وسط بحر ظلامي وكورقة يذروها الهواء وسط سماء فض، شعر باختناق شديد، نظرت اليه رحيق بحياء طويل اطرقت برأسها الى الارض وهي تحمل بيدها طفلتها ووراءها اثنان ممن انجبت!! عاد به الصمت تلاشت به الرؤيا فلم يعد يرى شيئا بفعل دموعه التي اخضلت بها عيناه فملأت نظارته حجبت عليه الرؤية من جديد، نزع نظارته من على عينيه، مسحها بمنديله، احتصر في قلبه ماض مؤلم ، ذهب ببراءة رحيق وبوداعة العالم اجمع، ابتسم مع نفسه بخفية تكلم بشجون "تبا للايام" جلس تحت شجرة الزيتون بدا يلوح باغصانها ويستجمع كلام لشاعر بجنون يقول.
اه لو تعلمين ماذا فعلت.. ذكريات الامس.. بالماضي السحيق.
اوقدت لبي نارا وبرت.. جسمي البالي.. عن اللحم الرقيق.
فتركت الاهل والربع معا.. وبقيت الدهر ابكي.. في رحيق



#اسماعيل_موسى_حميدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاستماع وأهميته في اللغة
- تعيين الاوائل
- حالات الامتعاض
- القيادة التربوية
- انتباه قف للتفتيش.. مصحح لغوي
- قليل من الاهتمام كثير من العطاء
- انسانية الحيوان ام حيوانية الانسان
- النزاهة والتربية
- بغداد انت الحياة
- مكتبات الطفل في بغداد..إهمال ونسيان
- ابو جحيل في حفلة تنكرية
- تخنث الشباب
- كردي في كربلاء
- تصليح الضمائر
- مديرية المرور انجازات لاتذكر
- مظاهر جامعية
- عذرا سادتي المرشحين
- اغمض عينيك انت عراقي


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماعيل موسى حميدي - انفاس االرحيق