|
سقطات الأنبياء 2
هشام آدم
الحوار المتمدن-العدد: 3234 - 2011 / 1 / 2 - 20:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في البدء أحب أن أعتذر للقراء الكرام عن توقف سلسلة مقالات (سقطات الأنبياء) لأسباب خارجة عن إرادتي، والتي حالت دون نشر بقية السلسلة التي لم يُنشر منها إلا مقال واحد تناول بعضاً من سقطات شخصية نوح الأسطورية من واقع القرآن (كتاب المسلمين المقدس) وتناولنا في ذلك المقال بشيء من الاختصار معنى النبوة وما هي أهم المفارقات التي يتوجب علينا التنبه إليها عندما نتكلم عن هذه المسألة من المفهوم الديني الخالص، وعرفنا أن النبي هو شخص بشري يتم اختياره من قبل الإله لتأدية وظيفة محددة، وتطرقنا إلى مسألة الاختيار واشتراطاته ما إذا كانت اشتراطات كائنة أم متكونة، بمعنى اشتراطات أصيلة أم مكتسبة، وعرفنا أن عنصر المشيئة الإلهية يجعلنا نفترض أن الإنسان الذي يتم اختياره لأداء وظيفة النبوة يخضع لعملية تنقية وتهذيب وإعداد مسبقة قبل أن توكل إليه مهام النبوة، وعرفنا أن هذه العملية تجعل من كل إنسان عرضة لأن يكون موضع نبوة، فقط في حال تم اختياره لأداء هذه الوظيفة، وهو ما يتعارض مع مبدأ العدالة المطلقة التي تتصف بها الآلهة، لأن ذلك يعني أن الآلهة بيدها مفاتيح الخير والشر، كما تدل النصوص الدينية كذلك، وبالتالي فهي الوحيدة القادرة على تصنيف البشر إلى خيّرين وأشرار، وهو ما يحسب لدينا قضية التسيير والتخيير بشكل قاطع. وتوقفنا في ذلك المقال على أهم المفاصل التاريخية في سيرة تلك الشخصية (نوح)، ورأينا معاً كيف أنه كانت له سقطات ليست حرية بني تم إعداده مسبقاً لأداء هذه المهمة من قبل الآلهة. تطرقنا في المقال السابق إلى قضية ولد نوح المتشكك في نسبه بناءً على نص الآية {إنه ليس من أهلك} مقارنة بنص الآية {إلا أهلك ومن آمن} فعرفنا أنه تم التفريق بين الأهل والأتباع المؤمنين، فدل ذلك على أن كل من آمن بنوح من أهله يكون في زمرة {من آمن} ولكن ليس كل من آمن بنوح من غير أهله داخل في زمرة {من أهلك} وبناءً عليه، فإن قوله {إنه ليس من أهلك} فيه طعن صريح في نسبه، وهو ما جعلنا نتطرق إلى إمكانية أن تخون زوجة النبي زوجها، وذلك من حيث أنها ليست مما يقع ضمن خطة الآلة في إطار الإعداد القبلي للنبي. ورأينا كيف أن المفسرين حاولوا الالتفات على هذه المسألة بقولهم أنه لا يصح لزوجة نبي أن تخونه اعتماداً على عصمة الأنبياء أنفسهم، كما رأينا كيف أنهم حاولوا التظليل بنسبة ابن نوح إلى ملة الكفر محاولين تأويل قوله {إنه ليس من أهلك} على أنه ليس ممن آمنوا بك، وقد علمنا أن نوحاً كان يعلم مسبقاً أن ابنه لم يكن ممن آمنوا به، وأنه رغم ذلك تجرأ وسعى لانقاذه، بل وتمادى في جرأته بمطالبة الإله بإنقاذه وفاءً لوعده {} ورأينا من خلال النص القرآني، كيف أنه تعرض لتوبيخ في قوله {}. ومن سقطاته أنه لما فشل في أداء مهمته كنبي، طالب الآلهة بتدمير من لم يؤمنوا به، بغراقهم جميعاً، حتى أولئك الذين لم يكن مكلفاً بدعوتهم من أبناء عشيرته أو قبيلته، بل وأكثر من ذلك أنه افترى الكذب عندما قال {إنك إن تذرهم لن يلدوا إلا فاجراً كذابا} وكأنه بذلك قضى على الأجنة في بطون أمهاتهم وأولئك الذين لم يولدوا بعد بأنهم داخلون لا محالة في زمرة الكافرين.
في هذا المقال، سوف أتناول سقطة نبي آخر وهو لوط بن هاران بن تارح، وهو على هذا يكون ابن أخ إبراهيم، ويُقال بأنه لم يكن نبياً بل رجلاً صالحاً في قومه. أما عن سقطته فإنه جاء في القرآن أن قومه سارعوا إليه عندما علموا بأن لديه ضيوفاً حسني الوجوه حسبما أخبرتهم زوجته، فأسرعوا إليه يطلبون أن يُخلي بينهم وبين ضيوفه، ولكنه ساءه ذلك، وعرض عليهم بناته. وقد اختلف المفسرون فيما إذا كُن بناته فعلاً أم إماءً عنده، وقالوا بأن كل نبي يُعتبر أباً لإماء أمته، وهذا تأويل غريب ومضحك للغاية، كما اختلف المفسرون في قوله لقومه {{هؤلاء بناتي}} فقالوا إنه عرض عليهم الزواج من بناته، ولم يعرضهن للزنا، وهو ما لا يُمكن قبوله، فإن كان قوله {{هن أطهر لكم}} قد يوحي بالزواج، فإن قوله {{هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين}} لا يدل على ذلك إطلاقاً كما أن رد قومه عليه يدل على ذلك {{قالوا قد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد}} فماذا كان يُريد قومه؟ هل كانوا يريدون الزواج بضيوفه، أم فعل الفاحشة بهم؟ ولا ننسى أنهم كانوا قوماً أهل فاحشة كما جاء في القرآن {{إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء}} إذن، فما كان قومه بحاجة إلى بناته، ورغم ذلك يعرضهن عليه، وهو فعل يتنافى مع أبجديات الأخلاق السوية. فما كان دافعه لذلك؟
يقول العارفون أن لوطاً أراد بذلك دفعهم عن ضيوفه، فهل يُعقل أن يدفع الرجل ببناته ليصون عرض ضيوفه؟ إنه وإن كان عملاً ظاهره أخلاقي، إلا أنه غير سوي، وحل يدل على سوء تصرّف، وهو ما يجعلنا نقول أن لوطاً ما كان في قومه (في هذا الموقف) إلا قوّاداً يرضى في أهله الخبث، رغم أنه لم يكن مضطراً إلى فعل ذلك، فهل هذا تصرف نبي؟
#هشام_آدم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي
-
القرآن والإنجيل
-
جدلية النص الديني والتأويل - 3
-
جدلية النص الديني والتأويل - 2
-
جدلية النص الديني والتأويل
-
أرض الميّت - 6
-
أرض الميّت - 5
-
أرض الميّت - 4
-
أرض الميّت - 3
-
أرض الميّت - 2
-
أرض الميّت
-
بتروفوبيا - 7
-
بتروفوبيا - 6
-
بتروفوبيا - 5
-
بتروفوبيا - 4
-
بتروفوبيا - 3
-
بتروفوبيا - 2
-
بتروفوبيا - 1
-
رواية أرتكاتا
-
شركاء التوليب
المزيد.....
-
“ماما جابت بيبي”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على القمر الصنا
...
-
الإعلام الحربي للمقاومة الإسلامية في لبنان يعلن تنفيذ 25 عمل
...
-
“طلع البدر علينا” استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20
...
-
إعلام: المرشد الأعلى الإيراني يصدر التعليمات بالاستعداد لمها
...
-
غارة إسرائيلية على مقر جمعية كشافة الرسالة الإسلامية في خربة
...
-
مصر.. رد رسمي على التهديد بإخلاء دير سانت كاترين التاريخي في
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا لقوات الاحتلال الاس
...
-
القائد العام لحرس الثورة الاسلامية اللواء حسين سلامي: الكيان
...
-
المقاومة الإسلامية في لبنان: مجاهدونا استهدفوا تجمعا لقوات ا
...
-
قائد حرس الثورة الإسلامية اللواء سلامي مخاطبا الصهاينة: أنتم
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|