أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - صراع مع القلق- قصة قصيرة














المزيد.....

صراع مع القلق- قصة قصيرة


حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)


الحوار المتمدن-العدد: 3232 - 2010 / 12 / 31 - 21:18
المحور: الادب والفن
    


لا ادري لم أنا قلقة.
لا شيء في حياتي يدعو الى القلق. فوالدتي تحبني وتدلّلني، وخطيبي يعبدني ويلبي لي كل طلباتي. كل شيء في حياتي هادئ ومستقر، ويجب ان أكون سعيدة. لدي كل شيء يمكن لفتاة في مثل عمري ان تطلبه. ولكنني لست سعيدة. انني قلقة. قلقة دائما. مثلما انا الآن.

الساعة تشير الى الحادية عشر. مرت ساعة أخرى دون ان يرن الهاتف.

انني راقدة في فراشي وحيدة في غرفتي، أمسك بيدي هاتفي، أغطيه جيدا كما أغطي نفسي بالملاحف الدافئة، ولا أجد الدفء ولا راحة البال. أمسك الهاتف وأتحسّسه حينا، كما أتحسّس قطتي الرقيقة الحبيبة، وأضغط عليه حينا آخر كما لو كنت أود تحطيمه... وأنتظر. أنتظر منذ ثلاث ساعات، وكل ثانية تشعل في دمي جمرات. ولا صوت ولا رنة. لا شيء سوى همهمات الريح المشحونة بالعويل، وضربات المطر المدوية على زجاج النافذة.

وتضجّ في صدري أسئلة تضرب نفسي بالقلق.
لِم لا يتّصل؟ ما الذي يشغله؟
ثم يخطر لي: من الذي يشغله؟
ويكاد ينقدّ قلبي حين أفكر انه منشغل عني بامرأة أخرى... أجمل... وأذكى... ستأخذه مني، وتردني وحيدة... أصارع الحياة وحيدة.

أيمكن ان يحدث ذلك؟ أيمكن ان أفقده كما فقدت والدي منذ سنوات، دون سابق انذار؟
وأكاد أتمزّق امام هذه الأفكار التي تضنيني، وتبقيني طوال الليل دون نوم ولا راحة... كمعظم الليالي.

وفي الصباح، حين تدخل أمي الى غرفتي وتثنيني بقبلة الصباح الدافئة، ككل صباح، أعجز عن اخفاء آثار الدمع على وجهي. ترمّقني بنظرتها الهشة خلال طبقة الدموع التي تكسو عينيها طوال الوقت، وأحسّها تريد ان تسألني عما أبكاني في الليل. ولكنها تكتفي باحتضاني بشدة، تكاد تؤلمني، وتبقى على صمتها وكبتها، كما كانت منذ سنوات.

تدعوني للنهوض، وهي التي لم تنهض يوما من حزنها وأساها، حتى أخذت الحسرة تأكل من عظامها وتنهش لحمها وهي حية، وأمست حياتها أقسى حتى من موت أبي. أبي الذي خطفه الموت بغتة الى غير رجعة، مخلفا وراءه زوجة محطّمة، وبنتا قلقة... قلقة دائما.

أردّ على أمي، كما أفعل دائما، فأنهض من فراشي لمواجهة يوم جديد... همّ جديد. وبعد ان أكون جاهزة للذهاب الى جامعتي، وقبل ان أخرج بثانية، لا أملك نفسي، فاتّصل به...
ولا يرد! أحسّ بقلبي يغوص في صدري، ويتفاقم قلقي. أعاود الإتّصال به مرة ثانية وثالثة خلال الطريق... ولكن... لا رد!

أصل الى الجامعة وأسلك طريقي نحو المدخل الرئيسي مع سيل الطلبة المتدفقين من محطة الباصات. وبعد ان أدخل بقليل... أُفاجأ به!

أراه واقفا هناك ينتظرني، وفي يده وردة حمراء، كما أحبها، وعلى وجهه ابتسامته الفتية الجميلة. أجمد في مكاني مشلولة من الدهشة، فيقترب مني بخطى متينة، واثقة، ويقف أمامي. نظراته تتحسّس وجهي برقة... ويقدم لي الوردة. تغمرني موجة دافئة من الفرحة، فأنسى قلقي للحظة، وأستنفض ابتسامة مرتبكة وانا آخذها من يده.

وبعد انقضاء اللحظة... أسأله بنبرة معاتبة: "لِم لم تتصل؟ ولم لا ترد على اتّصالاتي؟"

فيجيب دون ان يأبَه بقلقي: "أردت ان أفاجئك بالوردة. هل أعجبتك؟"

أُطلق زفرة من صدري، أحرر بعضا من حملي الثقيل، وأجيب: "نعم، أعجبتني. ولكني لا أحب ان تدعني قلقة من أجل... مفاجأة."

"لا داعي للقلق أبدا. انا أحبك. وانت تعلمين ذلك. أليس كذلك؟"

"... نعم. ولكن..."

"ولكن ماذا؟"

"انتظرتك ان تتصل طوال الليل..."

"حقا؟؟" يتعجّب مني. ثم يستدرك نفسه: "انا آسف. لقد تعطّلت سيارتي بسبب الطقس، وتأخّرت كثيرا في العودة."

كلامه يبثّ في نفسي شيئا من الراحة. ثم أقول له بنبرة حزن: "ألم تجد دقيقة واحدة لتخبرني عن ذلك؟"

تتقلّص ملامح وجهه، وكأنه يستغرب من تلك الفكرة التي لم تخطر على باله قط. ثم يقول : "انا آسف. لم أفكّر في الأمر."

وأنا أفكّر بيني وبين نفسي: يا للخسارة! لو كنت تفكّر بي لما عانيتُ طوال الليل!

يمدّني بنظرة تفيض بالحرارة، ويقول بهدوء ورقة: "لا تحزني، ولا تدعي القلق يسيطر عليك. كوني سعيدة. فأنا أحبك."

أحدّق في عينيه، وانا أدرك في أعماقي انه على حق. يجب ان لا أدع القلق يسيطر علي. يجب ان أكون سعيدة بحبه. فأين سأجد حبا مثل حبه؟! انه الوحيد الذي يبعث الراحة في نفسي، وينتزع الوساوس من صدري، والوحيد الذي يمكنه ان يشفيني من القلق.

ثم نفترق محمّلين بأحاسيس جميلة وعذبة ليذهب كل منا الى درسه.

وبعد ان أخطو خطوتين، أتوقف لألقي عليه نظرة أخرى. لحظات طويلة أقف وانا أراقبه وهو يبتعد عني مع كل خطوة، وانا أحسّ بحبي اليه يتفاقم ويتعمّق ويشتدّ في نفسي يوما بعد يوم.

وفجأة... ألمح فتاة جميلة تقترب منه، تستوقفه. يبتسم لها ويكلّمها وكأنه يعرفها جيدا، ثم يذهبان معا ويبتعدان... ويختفيان.

أشعر بانفجار مبهم في رأسي، وتتولاني خواطر مزعجة. من هذه؟؟ وماذا تريد منه؟ ولماذا يبتسم لها ويكلّمها بهذه الطريقة؟ والى اين يذهب معها؟ لا بد انها التي ستأخذه مني... وستردني وحيدة... أصارع الحياة وحيدة!

وأغرق من جديد في صراع مع القلق الذي لا ينتهي. أفكار متلاطمة في سماء خيالي يضيق لها صدري، وأسئلة كثيرة تدور في رأسي، لا جواب لها، تكبر وتكبر، وتصبح ثقيلة اكثر واكثر، حتى أشعر أني لم أعد قادرة على حمل وجودي.

وليلة أخرى تنقضي دون نوم ولا راحة... كمعظم الليالي. وما زلت لا أدري لِم انا قلقة دائما، رغم أنه لا شيء في حياتي يدعو الى القلق.

كفر كما
2.11.09



#حوا_بطواش (هاشتاغ)       Hawa_Batwash#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتقام امرأة- قصة قصيرة
- الرجل الخطأ- الحلقة الثانية عشر والأخيرة
- الرجل الخطأ- الحلقة الحادية عشر
- الرجل الخطأ- الحلقة العاشرة
- الرجل الخطأ- الحلقة التاسعة
- الرجل الخطأ- الحلقة الثامنة
- الرجل الخطأ- الحلقة السابعة
- الرجل الخطأ- الحلقة السادسة
- الرجل الخطأ- الحلقة الخامسة
- الرجل الخطأ- الحلقة الرابعة
- الرجل الخطأ- الحلقة الثالثة
- الرجل الخطأ- الحلقة الثانية
- الرجل الخطأ- الحلقة الأولى
- منازلة الصمت- قصة قصيرة
- مذكرات عاملة في سوبر ماركت- الجزء الثاني
- مذكرات عاملة في سوبر ماركت- الجزء الأول
- العودة- قصة قصيرة
- حدّثتني جدتي...
- بيت الأحلام- قصة قصيرة
- الشاردة- قصة قصيرة


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - صراع مع القلق- قصة قصيرة