حوا بطواش
كاتبة
(Hawa Batwash)
الحوار المتمدن-العدد: 3210 - 2010 / 12 / 9 - 20:10
المحور:
الادب والفن
طلبتُ من عامر ان يساعدني للتخلّص من عذابي ومعاناتي، فوافق دون تردد. شرحت له الطريقة التي أطلب منه أن يفعل ما أريد وأعطيته صورة فراس، حيث لم يكن قد رآه في حياته، ولا يعرف شكله. وفي اليوم التالي، حين عدت من زيارتي الى فادية، فوجئت بفراس عائدا من النادي مبكرا، وفي فمه خبر فظيع! قُتل أشرف!
هبط علينا ذلك الأمر كالصاعقة! في تلك الليلة، كان أشرف عائدا من النادي مبكرا، بعد ان شعر بتوعك صحته. وفي طريقه الى سيارته، أطلقت عليه رصاصة قتلته في الحال. كان ذلك أمرا مروّعا وعجيبا في ذات الوقت. فقد كان أشرف رجلا لطيفا ومسالما طوال حياته، ولم يكن له أعداء. كان محبوبا من الجميع، انسانا بسيطا ومهذّبا ... فلماذا أراد أحدهم قتله؟! كانت تلك جريمة مروّعة بحق، وفاجعة حقيقية بالنسبة لزوجته. فادية العزيزة! كم تمنّت أن تحمل، وكم انتظرت وعانت مرارة الحرمان، حتى تحقق لها ما أرادت، فحملت أخيرا بقدرة قادر! ولم يمضِ على حملها أكثر من ثلاثة أشهر، فيقتل أشرف لتُحرم من زوجها وحبيبها وأب جنينها الذي ينمو في أحشائها يوما بعد يوم، ليبصر الدنيا ويعيش طوال حياته بلا أب!
كانت فادية محطّمة. بقيت الى جانبها أحاول التخفيف عنها، فلا أقدر. أحاول قول شيء لتعزيتها، فلا أملك. أشفقت عليها بحق، وتمنّيت من كل قلبي لو كان باستطاعتي مساعدتها في محنتها، كما فعلت هي معي، ولكنني كنت وجدت نفسي عاجزة عن فعل شيء.
الا أن الحادث أدهشنا أكثر حين اتّخذ التحقيق فيه منحى جديدا. اذ وجد رجال الشرطة صورة فراس بالقرب من مكان الجريمة! فبات محققو الشرطة يشكّون بأن فراس هو من كان مستهدفا، وأشرف قُتل خطأً! فقد أُطلقت عليه الرصاصة من الخلف، وقد رجّحت الشرطة أن يكون القاتل قد ظنّه فراس في عتمة الليل، وخاصة أن الإثنين يملكان نفس التكوين الجسدي، فأطلق رصاصته على الرجل الخطأ! هكذا شرح محققو الشرطة لفراس حين استُدعيَ للتحقيق. وأصبحت هذه النظرية أقرب الى المنطق يوما بعد يوم، حتى بات المحققون يرجّحون أن ذلك ما حصل بالفعل، وخاصة أن أشرف لم يكن ذلك الرجل الذي يمكن ان يرغب أحدهم بموته. أما فراس ... فهناك ألف شخص، أو يزيد، يمكن أن يرغب بموته ... بدءا بي!
تحدّثت الى عامر. كان خوفي كبيرا أن يكون هو من فعلها، رغم أنه ادّعى أمامي من قبل أنه لم يكن موجودا في مكان الجريمة في تلك الليلة! وحين أخبرني فراس بشأن الصورة التي وُجدت في المكان، اتّصلت به دون تأخير وسألته عن صورة فراس التي أعطيته اياها، أين ذهب بها؟!
بدا صوته مستغربا حين أجاب: "انها معي. لِم تسألين؟"
فقلت: "أريد أن تعيدها الي."
"حقا؟" أطلق ضحكة خفيفة. "الى هذا الحد تريدينها؟ لا مانع. سأعيدها اليك."
"متى؟"
"متى تشائين."
"اليوم. أريدها اليوم."
"حسن، لا بأس. سأعيدها اليك اليوم. سمعا وطاعة، يا سيدتي!"
تعجّبت من أمره. لم أخبره بأن الشرطة وجدت الصورة قرب مكان الجريمة، في موقف السيارات. اتّفقت معه على مكان نلتقي فيه بالسيارة كي يعيد لي الصورة، وانطلقت الى هناك دون تأخير. وحين وصلت، وجدته بانتظاري.
ولكن الصورة لم تكن معه!
"بحثت عنها فلم أجدها،" قال أمام دهشتي. "لا بد اني وضعتها في مكان ما ونسيتها. سأعيدها اليك حين اجدها. ولكن... قولي لي انت، لماذا تريدين الصورة بهذه الشدة؟"
صوّبت النظر الى عينيه وبحثت فيهما عن الحقيقة. ثم أجبته: "لأن الصورة قد وُجدت."
ارتفع حاجباه الى أعلى تعجّبا واستغرابا. "وُجدت؟ أين؟ ومن وجدها؟"
فأخبرته كيف وجدها رجال الشرطة بالقرب من موقف النادي ليلة الحادث.
بدا عامر مصدوما، ولاحت على وجهه علامات القلق. أطرق رأسه مفكرا.
سألته: "عامر! كيف وصلت الصورة الى هناك؟"
"حسن، حسن... لقد كذبت. نعم. كنت هناك." قال، ثم زفر طويلا، وقال: "كنت هناك أراقب زوجك. ورأيته يصل بصحبة ذلك الرجل ودخلا معا. وبعد دقائق، تركت المكان لبعض الوقت كي أشتري لنفسي شيئا للأكل، حتى يحين موعد انتهاء التدريب. وحين عدت، رأيت تجمّعا وضجة قد ثارت في المكان، وعلمت بحدوث الجريمة، وان صديق زوجك الذي رأيت معه قبل ذلك بدقائق قد قُتل. فتركت المكان في الحال وعدت الى الفندق."
نظرت اليه طويلا، وفي داخلي أرجو ان يكون صادقا.
وبعد يومين، استدعتني الشرطة للتحقيق. لم يكن ذلك مستغربا بالطبع. فقد حقّقت الشرطة مع كل من كانت له علاقة بفراس، وكان ذلك أمرا طبيعيا. فسُئلت عن المشاكل التي حصلت بيني وبين فراس وعن أسباب هجري ثم عودتي، والوضع بيننا بعد ذلك... أسئلة كثيرة تؤكّد انني محط أنظارهم وانهم لن يتركوا أي جانب دون تحقيق. وبالفعل، بعد ايام، فوجئت باستدعائهم لي مرة ثانية للتحقيق. وهناك، اكتشفت انني كنت مراقبة من قبلهم، وعرفوا بالإتّصالات التي أجريتها مع عامر على هاتفي! ثم أخبروني أنهم قبضوا عليه وهو موقوف لديهم قيد التحقيق، ضمن مجموعة من المشتبهين بهم الذين كانوا في مكان الجريمة في تلك الليلة. فتعجّبوا أنني كنت على اتّصال مع أحد هؤلاء وأثار ذلك شكوكا كثيرة.
وهكذا، اضطرّني الأمر على اخبارهم من هو عامر، وماذا كان بالنسبة لي. ثم فوجئت بأن وضعي أسوء مما تصوّرت. فقد أخبرتهم فادية كيف التقيت به خلال ابتعادي عن فراس واستيقظ حبنا من جديد فكان شكّهم بي كبيرا أن يكون عامر عشيقي وأني متّفقة معه على قتل فراس للحصول على ماله! نفيت ذلك بشدّة وأكّدت لهم أنني اعترضت على ملاحقات عامر بعد عودتي الى زوجي، وانني طلبت منه مرارا الا يتّصل بي وينساني، لأني لا أنوي ترك زوجي وعائلتي.
فسألوا: "اذن، لماذا جاء الى هنا في هذا الوقت بالذات؟ ولماذا كان في مكان الجريمة ليلة الحادث؟"
زفرت أنفاسي مستسلمة، وقلت: "بصراحة، انا طلبت منه ان يلاحق فراس. أردت أن يساعدني في التأكّد ان كان زوجي يخونني. فقد كانت لدي بعض شكوكي. ولكنني أقسم إن الأمر توقّف عند هذا الحد! لم أعده بشيء. وهو جاء فقط ليساعدني للتخلّص من العذاب الذي كنت أعيش فيه بسبب شكوكي. فأعطيته صورة فراس كي يعرف شكله، فهو لم يكن قد رآه في حياته."
فأخرج المحقق الصورة التي وجدتها الشرطة في مكان الجريمة، ووضعها أمام عيني.
"أهذه هي الصورة؟!" سأل.
صوّبت نظري الى الصورة التي امامي.. وصُعقت!
لم أكن قد رأيت تلك الصورة في حياتي!
يتبع...
#حوا_بطواش (هاشتاغ)
Hawa_Batwash#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟