|
شالوم (3) שלום
ثائر الناشف
كاتب وروائي
(Thaer Alsalmou Alnashef)
الحوار المتمدن-العدد: 3230 - 2010 / 12 / 29 - 17:32
المحور:
الادب والفن
( أورشليم ) تدخل سارة حاملة شالوم إلى حانوت كبير وسط أحياء أورشليم العتيقة ، يحتوي على تماثيل رومانية وإغريقية وفرعونية وبعض التحف الأثرية القديمة ، ترتفع على جدرانه لوحات زيتية لمناظر طبيعية ، وتتوسطه طاولة مستطيلة مصنوعة من الأرابيسك عليها بعض الأقداح والقوارير ، يحيط بها أربعة مقاعد خشبية مرصعة بالموزاييك والديباج المذهب ومنقوشة بالزخارف القديمة ، في ركنه الأقصى يقف يوسف حاملاً أرياشه الأربع أمام مرسم للوحة تمثل حائط المبكى . سارة : السلام عليكم يوسف ( يستدير للأمام ) : سارة ( باسماً ) وعليكم السلام ، أهلاً بأختي العزيزة ، تفضلي .. تفضلي . سارة ( تجلس مندهشة ) : أوووه ..أكاد لا أصدق ما أراه أمامي من روعة المكان وبهائه . يوسف ( يجلس ) : حتى الآن لم تر شيئاً مما أعمل على إنجازه ، فلا زلت في بداية الطريق ، ولا تنسي ظروف الحرب الأخيرة ، وأنه لم يمض على افتتاح هذا الحانوت سوى بضعة أشهر . سارة ( تومئ برأسها ) : أجل .. أجل ، ولهذا ازدادت دهشتي اليوم عن المرة الأولى التي اختطت فيها قدمي عتبة الحانوت لحظة افتتاحه . يوف ( يسكب الخمر في قدحين مذهبين ) : لكن دهشتي بهذا الطفل الذي تحملينه ، أكبر بكثير من دهشتك بجمال المكان الذي تجلسينه . سارة ( ترشف من قدحها ) : آه .. إنه حبيبي شالوم . يوسف ( يرشف من قدحه متعجباً ) : شالوم ! عذراً ، لم أفهم شيئاً حتى الآن . سارة ( مقهقهة ) : هه .. هه .. هه ، إن هذا الطفل الجميل الوديع ، من الآن فصاعداً ستكون خاله ، وهو سيكون ابن أختك سارة . يوسف ( متعجباً ) ابنك ! كيف ذلك ؟ أعلم أنك عاقر لا تنجبين ، فمن أين لك بهذا الطفل ؟. سارة : إن شالوم الآن هو ابني بالتبني ، بعد أن حملته الأقدار ليعش معنا ، وسيصبح بعد فترة وجيزة ، ابني الحقيقي الذي لن يكون له أحد سواي . يوسف ( يرشف ) : أفهم من ذلك أنك حصلت عليه من الوكالة بعد طول تردد ، أليس كذلك ؟. سارة : كلا .. ليس من أطفال الوكالة ، لقد عثر عليه زوجي عزرا خلال حرب الأيام الستة في أحياء بلدة مرجعيون بالقرب من هضبة الجولان أثناء انسحاب القوات السورية وفرار سكان الهضبة . يوسف ( متعجباً ) : أيعقل أن يجده لوحده ، أين ذهب ذويه ، ماذا حل بهم ؟. سارة ( بأسفٍ شديد ) : لقد قضت أمه في الحرب أثناء محاولتها الفرار باتجاه لبنان ، من الواضح أنها من سكان تلك المنطقة . يوسف : هذا يعني أنه طفل عربي ... سارة ( تومئ رأسها بأسى ) : أجل وما الضير في ذلك ؟. يوسف ( يرشف ) : بالنسبة لك لا ضير على الإطلاق ، لاسيما وأنك ممن يدعون إلى السلام ويعملون لتحقيقه في زمن الحرب . سارة ( ترشف ) : وماذا بالنسبة لك أنت ؟. يوسف : أنا ! ( متردداً ) أنا ... سارة : أجل أنت . يوسف ( بثقة وثبات ) : أنا ( صمت قصير ) أنا أدعوا إلى الدفاع عن حقنا في الحياة والبقاء أسوة بكل الشعوب الأخرى ، وهذا لا يعني أنني أسخّر فني في خدمة الحرب و أدعوا لها بدلاً من السلام ، لكني أدعو باستمرار إلى كل ما من شأنه أن يصون حقنا في الحياة ، ويكفينا ما أصابنا من أذى وأصاب آباؤنا من ويلات ومحن في مسقطهم بالعراق ومصر وسوريا واليمن والمغرب ، بل وما أصاب أجدادنا في حلهم وترحالهم منذ آلاف السنين . سارة : إنها مأساتنا جميعاً نحن اليهود الشرقيين عبر مئات القرون . يوسف : بل ومأساة كل يهودي ، أكان من شرق هذه الأرض المقدسة أو من غربها ، أنسيت ما تعرض له أخواننا اليهود في أوروبا من مآسٍ ومحن قبل عشرات السنين ، والتي تكاد تساوي ما تعرض له أجدادنا على هذه الأرض قبل آلاف السنين. سارة : بلى .. بلى ، ولكن يجب أن نستمر في النظر إلى الأمام حيث المستقبل لنا ولأبنائنا من بعدنا ، وعلينا ألا نطيل النظر إلى الماضي لئلا نغرق فيه . يوسف : ماضينا هو تاريخنا الحي الذي لا نستطيع التخلي عنه ، وهو جزء من حاضرنا ، ولن نبني المستقبل دونه . سارة : أي مستقبل هذا ؟ لا نكاد نخرج من حرب حتى ندخل أخرى ، متى كانت الحرب ضماناً للمستقبل ؟. يوسف : ولكننا حتى الآن كسبنا كل الحروب التي خضناها ، ولا تنسي ما جرى لذوينا في بغداد ، فقد يجري لنا مثله في أورشليم إذا لم نحافظ على قوتنا واستعدادنا الدائم لأي حرب قد تفرض علينا بين عشية وضحاها . سارة : لست ممن يؤمن بنظرية الحرب وضرورة الاستعداد لها ، الحرب تخلق المخاوف والقلاقل والهواجس في النفوس ، بينما السلام يعمل على إزالتها ويخلق بدلاً منها الوئام والآمان . يوسف ( متهكماً ) : ولأجل هذا أسميته شالوم . سارة ( حاملة شالوم ) : بلى .. ليكون رسالتنا للسلام لا للحرب التي خسر فيها ذويه . يوسف : وما أدراك أنه سيكون رسالتنا للسلام ، فقد يصبح جنرالاً مخضرماً كأبيه عزرا ، أو زيراً للدفاع كموشيه ديان . سارة ( ممتعضة ) : لا وألف لا .. لن يكون إلا كما أريد له أن يكون ، سأربيه خير تربية ، وسأعلمه علماً ينفعه وينفع البشرية جمعاء . يوسف : يا عزيزتي ، ما أن تسجليه في دائرة الأحوال المدنية باسمك وباسم زوجك ، حتى تبدأ واجبات وحقوق الدولة تترتب عليه كغيره من المواطنين في الدفاع عن الدولة . سارة : أعلم ذلك جيداً ، وسأقوم بتسجيله قريباً ، لكنني لن أدعه يلتحق بصفوف الجيش . يوسف : الأمر لا يتعلق بالجيش وحده ، أنسيت أن عليه الالتحاق بمعهد التعاليم التوراتية ، هذا عدا عن التحاقه بالمدارس العامة . سارة : لم أنسَ على الإطلاق ، لكني ما زلت مصرة على موقفي الثابت ، لن أدعه يلتحق بالجيش ولا بالمعاهد الدينية ، سأعلمه في المدارس الأجنبية وعلى نفقتي الخاصة ، كما لن أدعه يحتك بالأحزاب السياسية . يوسف ( يقف حاملاً قدحه ) : لقد جعلتِني في حيرة من أمري ، مرة تقولين أنك لن تدعيه يصبح عسكرياً ، وأخرى لا تريدينه يتلقى التعاليم الدينية ولا أن يحتك بالأحزاب السياسية ، فماذا تريدين منه إذن ؟. سارة : أريده أن يصبح متفتح الذهن ، متنور البصيرة ، يحمل ثقافة السلام في ثنايا عقله وقلبه . يوسف : هكذا إذن ( يسير باتجاه مرسمه ) لا شك أنها فكرة جميلة ( يستدير متهكماً ) سأعمل على رسمها . سارة ( حاملة شالوم ) : ليست بحاجة للرسم ، لكنها بحاجة للإيمان بها ( تهم بالخروج ) وداعاً ( تغادر المسرح ) . يوسف : وداعاً .. ( مخاطباً نفسه ) امرأة غريبة الأطوار ( يدخل إلى مرسمه ) . * * * إظلام
#ثائر_الناشف (هاشتاغ)
Thaer_Alsalmou_Alnashef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شالوم (2) שלום
-
طل الملوحي .. فجر الثورة والحرية
-
شالوم (1) שלום
-
العقل المادي واللا مادي في الإسلام
-
تمرد العقل عن سياق الوحي
-
العقلانية واليقينية في النص القرآني
-
العقل الإسلامي كمعطى ثابت
-
تجريد العقل (الفطري) الإسلامي
-
العقل وتحكيم القضايا الإلهية
-
حدود التصورات العقلية في الإسلام
-
العقل ( كجوهر ) إسلامي
-
إسلام بلا عقل !
-
عقل بلا إسلام !
-
طل الملوحي و أكاذيب النظام السوري
-
اليوم العالمي للشاعرة طل الملوحي المغيبة في المعتقلات الأسدي
...
-
طل الملوحي .. الألم والأمل
-
كلنا طل الملوحي
-
ماهية العقل الإسلامي
-
إسرائيل تحاسب نفسها
-
بين عقلانية العرب وإسرائيل
المزيد.....
-
الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
-
على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس
...
-
الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
-
“جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور
...
-
فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
-
بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema
...
-
NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال
...
-
فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11
...
-
الجامعة العربية تشهد انطلاق مؤتمر الثقافة الإعلامية والمعلوم
...
-
مسلسل طائر الرفراف الحلقة 67 مترجمة على موقع قصة عشق.. تردد
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|