أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - محمد علي الشبيبي - 2- الدرب الطويل/ 12















المزيد.....

2- الدرب الطويل/ 12


محمد علي الشبيبي

الحوار المتمدن-العدد: 3227 - 2010 / 12 / 26 - 21:50
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


من (ذكريات معلم) للمربي الراحل علي محمد الشبيبي (1913-1996)

ألمخطط والمنفذ
لم يعد أحد يساوره شك، بل أدنى شك، إن السياسة في بلادنا لها مخطط واحد، سواء كان هو المؤلف مباشرة أو إن المؤلف أسياده الإنكليز، وسواء كان هو المخرج أيضاً. كيفما يكن من أمر. فانه حتما بعد كل هذه الممارسة الطويلة العهد صار قديراً تماماً، على التخطيط، وتوزيع الأدوار. انه نوري السعيد معتمد السياسة البريطانية وصديقها الصدوق.
كان نوري صلفاً لا يخجل أن يصرح اليوم بمثل قوله "إنني أعرف إن فيّ نواقص وإن لي أخطاء. وليست العبرة إن المرء لا يخطئ بل العبرة هي أن يصحح أخطاءه؟!" -عن جريدة الأهالي في 1/2/1946- أما عن الشيوعية والشيوعيين فقد أنكر مرة وجودهما في العراق، فقال "لا أعتقد إن في البلد شيوعية ولكن هناك أناس متذمرين من الحالة ويريدون آن يزينوها بدعاية مختلفة، الشيوعية تكون في البلدان الصناعية أما نحن فلا صناعة عندنا؟". ثم أنزل بطشته الظالمة عام 1949 وأتخذ حجة الشيوعية وسيلة للتنكيل بالعناصر الوطنية الأخرى. وانتهى أمره بالخزي والعار إذ فرّ مرتدياً زيي النساء لا يدري أين يتوجه حتى مزقته الجماهير الغاضبة في ثورة 14 تموز عام 1958.
أما الشعب المضروب على يده فقد فَقَدَ الثقة بمعظم رجال الأمة. فقد رأى أن بعضهم تقلب من جهة إلى جهة. حتى أن بعضهم حين يرشحه حزبه في انتخابات مجلس الأمة، ثم توعز إليه بالانسحاب يؤثر البقاء في كرسي النيابة على طاعة حزبه.
هذا شيء غير مستغرب أبداً. فزعماء الأحزاب رغم علمهم إن مخطط السياسة ثعلب دأبه المراوغة والكذب فإنهم يستجيبون لدعوته أحياناً بحجة إلقاء الحجة وكشف حقيقته وكذبه!
بينما نجد الأحزاب اليسارية لا تلبي أية دعوة أيا كان الوكيل للمخطط. إنهم يدركون انه ليس القول وحده كافياً حتى مع اليمين بالمقدسات. إنهم يرون أن هناك أسسا معروفة، حرية تأليف الأحزاب، حرية الصحافة، في النقد الصريح وكشف كل الأسرار والأحابيل. وفسح المجال أمام جماهير الشعب للانخراط في أي حزب أو كتلة يشاء، وعرض مطاليبه بواسطة ممثليه الحقيقيين للمطالبة بتحقيقها. أما ما عرفناه –وقد تكرر طيلة العهود المارة- فهو التخويف، والتزوير، والتلاعب بأصوات الناخبين، وشراء الأصوات، والمضايقات والتهديدات، بل الاعتقالات التي لا مبرر لها، بحجة أو بأخرى لحجب أشد العناصر جرأة وقدرة على التوجيه والإيضاح للجهات الوطنية.
أقيلت وزارة حمدي الباججي. وشكل الوزارة بعده "توفيق السويدي" وقد ضمت وزارته خمسة وجوه جديدة، أحدها سعد صالح -توفى في 7/2/1949-، فما هذا الاختيار؟ هل كان سعد يجهل شخصية توفيق السويدي؟! تألفت وزارة السويدي في 23/2 بينما كانت وزارة الباججي قد أقيلت منذ 30/1 ولكن ظلت في الحكم مكتوم أمر إقالتها لأمر ما خلال تلك المدة والمعروف انه استقال شبه مرغم!
كان سعد صالح قبل اشتراكه في وزارة توفيق السويدي متصرفاً في لواء العمارة. وكان هناك بريطاني يعرف باسم "ﮔرملي" منذ كانت جيوش الإنكليز تأتي من البصرة مارة بالعمارة. وقد لعب ﮔرملي هذا دورا هاما بقصد إفساد أخلاق الفلاحين في إقامة الحفلات الراقصة من الغجر، وكثيرا ما يرقص هو مرتديا الزي العربي الريفي، بعد أن يشتد به وغالبية الحاضرين السكر. وقد نشرت "جريدة الشرارة" أفعاله تلك، ومباذله. وترديده لأقبح الأغاني الفاحشة.
لقد قدم حمدي الباججي استقالته في 30/1/1946 والمعروف انه دفع لهذه الاستقالة دفعاً من قبل بعض أعضاء وزارته، بتحريض وحث من الوصي عبد الإله. وقد أشغل منصب رئاسة الوزارة منذ عام 1941 ولم تتشكل الوزارة السويدية إلا بعد مرور شهر و23 يوماً أي في 23/2/1946 تغطية ونفاقاً ودفعاً للبواعث الحقيقية على إقالة الرئيس السابق الذي لم تكن تلك الاستقالة من هواه.
ويقول العارفون: إن الحزب الذي شكله السويدي ودخله سعد صالح كأحد أقطابه، كان قد سبق أن وضع نظامه ومنهاجه نوري السعيد ثم أهمله! وكان بنفس الاسم "حزب الأحرار" ويؤيد هذا، الحديث الذي رواه عبد الرزاق الحسني في الجزء السابع من مؤلفه "تأريخ الوزارات العراقية" ، وقد رواه له توفيق السويدي نفسه، إن نوري السعيد أتفق وإياه على ضرورة تبديل قانون الانتخاب بشكل يضمن عدم التدخل الحكومي، ويضمن للمجالس النيابية حرية العمل دون أن تهدد بالحل. وعلى هذا فإن الوزارة المقبلة يجب أن تكون ائتلافية، وتكون مهمتها حل المجلس النيابي القائم وانتخاب مجلس جديد، على أساس قانون انتخابي جديد. /تأريخ الوزارات الجزء 7.
فهل تم هذا؟ كلا. وهذا ما يؤيد إن الغرض كله كان لعبة يراد منها إقصاء سعد دون أن يبدو الغرض اللئيم واضحاً، ثم إفشال مساعي سعد الذي أخذ على عاتقه تحقيق الحياة الديمقراطية. فوزارة السويدي لم تعش أكثر من ثلاثة شهور وسبعة أيام دون أن يحقق سعد ما يصبو إليه!
لا أحد يشك إن سعدا وطني نزيه، وخالص النية في اشتراكه، في هذه الوزارة. ولكنه كأي وطني ينتمي في نشأته إلى الوسط البرجوازي، يدين إن موقفه يكون سلبياً إذا امتنع، حين تسمح الفرصة، انه يخدم القضية الوطنية من على كرسي الحكم، على الطريقة التي يراها. ناسياً –وهذا طبيعي في ذهنية البرجوازي- إن رأس الشليلة بيد المخطط.
عرفنا سعداً في لواء العمارة. كيف كان يترصد حركات "گرملي" وتجواله بين عشائر العمارة، يحتفي به رجال الإقطاع. فيعقد حفلات الرقص والغناء الشعبية، يقدم فيها الخمور للفلاحين البؤساء، ذوي البطون الخاوية، مع المآكل الشهية.
في وليمة أقامها الإقطاعي المعروف "مجيد الخليفة" وقد دعي إليها المتصرف "سعد صالح" و "گرملي" البريطاني. مجيد هذا يريد تغيير مجرى نهر، كيما يسبب الخراب لأراضي أقطاعي صغير آخر يدعى "قمندان". قال "گرملي" مخاطباً مجيد وليسمِع سعد "مجيد، أنت أفتح نهر، آنه عندك، المتصرف يوافق!".
ورد سعد بغضب "مجيد، أنت أفتح، واني أقسم اليمين أقدمك ضحية للنهر؟!". وتوجه إلى "گرملي" يؤنبه "إن شأنك خاص بجيوشكم المارة من هنا وليس لك حق التدخل بشؤوننا الداخلية!".
يرى العارفون بأسرار السياسة، أن تشكيل الوزارة الجديدة، كان أهم سبب للتخلص من المتصرف "سعد" كإداري جريء في مثل العمارة. وقد عرفت منذ الاحتلال بالتصاق شيوخها بالإنكليز، الذين عملوا على رعاية الإقطاع وأتساع هيمنته، ليكون شيوخه بأيديهم، فهم آلة قمع، وكم أفواه، وهم الأصوات التي ترفع للموافقة عند التصويت على أي مشروع يكون لصالح الاستعمار، في المجلس النيابي.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، انه في عهد هذه الوزارة، ووزير الداخلية فيها "سعد صالح" تقرر إعادة الحياة الحزبية، وإلغاء الأحكام العرفية، وغلق المعتقلات، وإلغاء الرقابة على الصحف والمراسلات. إن هذا أمر خطط له الوكيل العام بإيعاز من الأسياد، خاصة وهم مازالوا حلفاء للإتحاد السوفيتي، الذي وافقوا أيضاً أن تكون له –في بغداد- سفارة انه عمل مؤقت؟
تبادل العراق والإتحاد السوفيتي العلاقات الدبلوماسية، فكان أول سفير بدرجة وزير مفوض هو المسيو "زيتزيف كريگوري تيتوفيتش". وسفير العراق "مهدي عباس ..." وقد استقال بسبب الملل الذي عاناه، بسبب القيد الذي فرض عليه وعلى أعضاء سفارته من حكومته. وبالمناسبة إن نكتة دارت على الألسن بين صحفي عراقي وسياسي سوفيتي معروف. قال الصحفي مخاطبا السوفيتي "شيئ رائع إني لم أجد في بلدكم بطالة!". رد عليه السوفيتي "كلا توجد بطالة!". قال الصحفي "أنا جبت مختلف الأنحاء وبدقة فلم أجد!". رد عليه إنها في السفارة العراقية!؟
في سنين خلت كانت تدور بين أعضاء مجلس النواب العراقي مناقشات، أي بين المعارضة والحكوميين، وعلى الرغم من أن المعارضة لم تكن لتمثل حزباً أو جبهة ذات منهاج سياسي، وهدف قائم على أسس معلومة في السياسة فإنها كانت على أي حال تمثل صوت معارضة، وتكشف حقائق الذين يجلسون تحت ظل خيمة "المستر" وان كانت أحياناً شبيهة بالمهاترة.
حضرت مرة إحدى الجلسات، وتصفحت وجوه "ممثلي الشعب". كان بعضهم يبدو وكأنه يسرح في أحلام، وبعضهم يتحدث همساً مع آخر أحاديث لا علاقة لها بأمر من أمور المجلس، بينما يحتدم النقاش بين آخرين.
كان أقطاب المعارضة الذين شهدت مواقفهم. عبد الهادي الظاهر، عبد الرزاق الشيخلي، ذيبان الغبان. وفي الجانب الآخر كان حميد صرصر، سلمان الشيخ داود، توفيق السويدي. فهمت من كل ما وجّه أن المستهدف حميد صرصر. كان في السابق متصرف لواء العمارة. يبدو انه كان من أسرة معدمة –من طيات حديث المهاجمين- بينما أصبح ملاكاً. أحدهم قال له "أبوك الله يرحمه مات ولا تملكون جهاز التكفين والدفن، فمنذ متى وكيف أصبحت من الملاكين؟!"
والتزاماً بواجب المساندة ضد المعارضة كان النائب سلمان المدافع عن زميله ولكن بطريقة مهاجمة نائب آخر محترم من المعارضة. فإذا بنائب من المعارضة يشير إليه وبقسوة "إننا أولاد القرية وكل واحد يعرف أخيه! انك شخص لا تدري حتى بـ -فلانة- أين تقضي لياليها؟!"
ونهض السويدي وقال بتواضع "أما أنا والحمد لله، فقد ورثت عن آبائي ثروة، وزدتها بالكسب الحلال". فتصدى له أحد الثلاثة من المعارضة، وقال "صدقت، ولكن الحديث الشريف يقول -إذا شاب المرء شابت معه خصلتان الحرص وطول الأمل-، وما تزال قضية تهريب الذهب من إيران، أيام كنت سفيراً للعراق هناك، معروفة للناس، فورطت الحكومة بمشكلة وحيث عثرت إيران على الحيلة إذ غلفت به شاصي السيارة. أما مشاركتك في شركة اليهود بالأرباح لغرض تهريب رؤوس أموالهم فذلك أيضاً لا ينكر!"
إنها معارضة على أية حال، تكشف زيف من لا يهمه أمر شعبه، إنما همه أن يبدو كبيراً يغطي أطماعه وأساليبه إليها.
إن الوزارات العراقية، ومجلس النواب إذ ذاك وجوه تمثيلية، يُقَدِم لها المخطِط الأدوار فتقوم بالدور، حسب ما يرتبه المخرج أو حسب قابلية ودرجة الممثل. إن منهم لا يجيد غير الحضور ورفع اليد عند التصويت، بعضهم كواحد من حيوانات السيرك لا يجيد غير الركض، وحركة معينة. والسيد صاحب الفخامة بيده كل شيء كما صرح مراراً متبجحاً، انه يختار من يريد حتى من وجوه المعارضة، ولكن الحركة الوطنية المتصاعدة لابد أن تتغلب يوماً ما وتريه إنها لن تدع له هذا التبجح.

* * * *
صباح اليوم الثاني. ذهبت إلى الموقف العام لمواجهة أخي، وجدته على علم بالأمر وسلمني مجموعة أوراق في ظرف، لأقدمها إلى وزير الداخلية.
وسارعت، وتمكنت أن أحصل الأذن بالدخول. كانت هذه أول مرة أدنو فيها من "سعد صالح" وأكلمه. هنأته، وقلت "إنا أرجو أن تتحقق لنا بك الآمال"
أخذ المظروف وهو يبتسم. وعلق "لاشك إن حسين قد شرح ظروف القضية الوطنية كلها براسي؟!. قل له، فيما يخص توقيفه، مكثت في التوقيف ثلاثة شهور، تحمل من أجلي عشرة أيام".
حين ودعته توجهت للفندق لأستريح. دق جرس التلفون، أنه أخي! قلت "من أين تتكلم؟"
- من البيت. إني أنتظرك.
يا للفرحة، إن العشرة أيام اختصرت فكانت ساعات!
واندفع منذ أن أستعاد حريته للعمل باسم حزب التحرر الوطني، يرفع المذكرات إلى الحكومة، حول ما يجب عمله، والى الأحزاب الوطنية التي قدمت طلباً أيضاً، ثلاثة منها "هي الحزب الوطني الديمقراطي، حزب الشعب وحزب الإتحاد الوطني" يطالبهم بعقد الجبهة الوطنية ووضع الميثاق الوطني الخاص بها. ونشر كراسه عنها مركزاً على أهم ما يجب أن يتضمن العمل في الجبهة.
وأهم ما جاء في الكراس، إن الجبهة تستهدف "1- تحقيق استكمال استقلالنا السياسي وتعزيز سيادتنا الوطنية وأبعاد التدخل الأجنبي في شؤون دولتنا، وإلغاء المركز الممتاز والامتيازات العسكرية وغيرها التي احتوتها بنود المعاهدة العراقية الإنكليزية. 2- التعاون الوثيق مع الحكومات والشعوب العربية التي تسعى للتخلص من المراكز الممتازة، ومساعدة الشعوب العربية المبتلية بالاستعمار أو الوصاية، أو الحماية، أو الانتداب، لنيل حرياتها وتمكينها من استعمال حقها في تقرير المصير في تأليف حكوماتها الوطنية. 3- تعزيز النظام الديمقراطي في العراق، بإلغاء جميع القوانين والأساليب التي تعوق أو تحد من حق المواطن في ممارسته الحريات والديمقراطية الصحيحة، وتشريع قوانين جديدة لضمان هذه الحريات. تشريع قانون الانتخاب المنتظر ليكون قانوناً ديمقراطياً خالياً من كل تحديد طبقي، مالي، ثقافي أو عنصري، وعلى درجة واحدة وتهيئة الشعب لدخول الانتخابات الحرة دون أن تقف أمامه أية قوة معرقلة. 4- تنظيف الجهاز الحكومي من العناصر الفاسدة وجعله جهازاً كفوءاً لخدمة الشعب. 5- تحقيق إصلاح شامل في جميع نواحي حياتنا الاقتصادية والاجتماعية، منها حل المشكلة الزراعية، وتصنيع القطر وتوفير وسائل التثقيف والصحة".
وأكثر الشهيد حسين من المواجهة للمسؤولين في الحكم، يقابلهم ويشرح ظروف القضية، وما يمكن أن يداهمها ويزيد تعقدها، من تحركات الاستعمار وأعوانه، وقد بدا هذا في أجواء السياسة العالمية. فالحلفاء قد اختلفت وجهات نظرهم بعد أن وجدوا أن شعوباً أخرى قد أفلتت من حبائلهم. وأخرى ما تنفك تناضل للخلاص، بينما استطاعت شعوب أخرى أن تحقق في بلادها النظام الاشتراكي، وهذا أشد ما تخشاه الدول الاستعمارية، وسوف لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء هذه التطورات.
وحين صدرت الموافقة على أجازة الأحزاب، كان الحزب الوحيد الذي لم يجز هو حزب التحرر الوطني؟! لماذا يا ترى؟
أنا واثق إن وزير الداخلية "سعد صالح" ووزراء آخرون ممن ضمتهم وزارة السويدي لا يمتنعون –لو وجدوا الأمر ميسوراً- عن الموافقة في مسألة أجازة حزب التحرر. وربما كان هذا مني ظناً حسناً –مجرد ظن- ربما كان ظناً في غير محله. ونتساءل ماذا كان موقف الأحزاب المعارضة، خصوصاً الثلاثة منها، هل اعترضت على عدم أجازة هذا الحزب؟!
استمرار الهيأة المؤسسة لحزب التحرر في المطالبة، واستمرارها في نشر أدبياتها السياسية. واستمرارها في مواجهة الأحزاب الثلاثة ومن أجل عقد الجبهة الوطنية ستعطينا الجواب عن موقف الأحزاب الثلاثة!؟
كان التماهل والعراقيل صفة بارزة في اجتماعات الأحزاب لبحث مسألة تكوين الجبهة الوطنية قبل أجازتها. ولعل حزب الإتحاد الوطني كان يتجاوب أكثر في الاهتمام مع حزب التحرر. أما عندما أجيزت الأحزاب، فقد تبدلت المواقف، إذ كان رئيس الحزب الوطني الديمقراطي يرفض اشتراك حزب التحرر لكونه غير مجاز، ويرفض "عصبة مكافحة الصهيونية" لكونها جمعية وليست حزباً؟
في الوقت نفسه، كل الأحزاب تعلم جيداً إن حزب التحرر، بل والحزب الشيوعي أيضاً، لم تكن تتوخى في مناهجها غير القضية الوطنية، الديمقراطية، خلاص الوطن من المعاهدات الجائرة، تعديل الدستور بما يتفق والحياة الديمقراطية الحرة، بحيث يكفل للمواطنين، الحرية الكاملة في اختيار من يمثلها في المجالس النيابية، والحزب الذي يمثل أمانيها في الحياة.
أول الغيث قطر –كما يقولون- إن صح أستشهد بهذا المثل. حين وصلت اللجنة الأنكلو-أمريكية، كان حزب التحرر في مقدمة الداعين للإضراب العام بوجهها. ولكن الشعب العراقي استقبل اللجنة بمظاهرة صاخبة، احتجاجا على ما عرف من توصياتها التي هي في صالح الصهيونية، وظالمة بكل معاني الظلم للشعب الفلسطيني. كانت هذه اللجنة قد وصلت بناء على الدعوة الموجهة إليها من قبل الحكومة العراقية. ولكن توصياتها جميعها كانت لصالح الصهاينة، وضد أبناء فلسطين. وقد ذكرها الحسيني في كتابه تأريخ الوزارات في الجزء السابع مفصلة، كما ذكرها جميع المؤرخين.
لا أتذكر تماما هل أوقف "حسين" أم أستدعي فقط إلى المحاكمة بتهمة الدعوة إلى التظاهر؟ خلال الظروف التي مرت من الأعوام 1948 حتى 1960 فقدت كثيرا –بل أكثر- ما دونت من نقاط ذكرياتي عن مسيرة حياتي ومشاهداتي وبعض مسموعاتي. واعتمادا على ذاكرتي ومقارنة بما أتذكره ببعض المصادر، أخذت أدون هذه الذكريات.
في المحكمة وجهت إلى حسين، باعتباره رئيس الهيأة لحزب التحرر، تهمة إثارة المظاهرة بوجه اللجنة الانكلو أمريكية. فأجاب "إن الهيأة المؤسسة أصدرت بيانا إلى الشعب تدعوه للإضراب بوجه اللجنة، وأرسلت إلى الأحزاب الخمسة صورة من البيان، وأطلب استدعاء مسؤولي الأحزاب المذكورة لإدلاء الشهادة حول الموضوع". ولم يستجب للطلب غير "حزب الاستقلال" فقد حضر رئيسه الأستاذ محمد مهدي كبه وشهد بذلك، وزاد فدافع عن حق حزب التحرر في الدعوة إلى الإضراب وإن لم يكن مجازا، ومما قال "فقد استدعيت أنا في كثير مما مر، قبل أن يجاز حزبنا!؟". وهكذا أطلق سراحه.
أجل حين اندلعت المظاهرة، أيدها حزب التحرر. ولكن حزباً مرموقاً "الوطني الديمقراطي" شجبها وأتهم بإثارتها حزب التحرر. قال "إن المظاهرة شوهت قدسية الإضراب!؟". حيث صدر آنذاك عدد من جريدة "الأهالي" معبراً عن انفعال رئيسه كامل الجادرجي من المظاهرة . وأشار من طرف متهماً بها حزب التحرر دون أن يذكر الاسم.
نعم يا سادة، فقد جربنا، وقاحة المستعمرين، وكم هم يتأثرون لأصوات الشعوب، لذا هو ظن حسن ومؤدب منكم، لتقابلوهم بالاحتجاج الصامت، الإضراب، أو بالإضراب فقط؟!
كل ما قامت به وزارة السويدي من إلغاء الأحكام العرفية، غلق المعتقلات والإفراج عن المعتقلين وأجازة الأحزاب، وإلغاء الرقابة المفروضة على الصحافة، أمر هين، فتبدل الوزارات أيسر وأهون ما يحدث في العراق. وكل أمر لا يسر الوكيل العام ، يهدمه بأيسر السبل أيضاً. والمستقبل كشاف!
وسنعرض في المواضيع القادمة كيف انهار ما سعى إليه حزب الأحرار وسعد، خاصة خلال الوزارات التي تم تشكيلها بعد عام 1946 بين أرشد العمري والوكيل العام نوري السعيد وصالح جبر، ومزاحم الباججي. وسيشتد الصراع أكثر فأكثر. والنجاح منوط أمره بمقدار ما تتظافر جهود الوطنيين في جبهة وطنية تستمد قوتها من إخلاصهم وعزمهم على السير قدما إلى الأمام.

يتبــــــــــع

ألناشر
محمد علي الشبيبي



#محمد_علي_الشبيبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أخلاق المسيحيين وأخلاق الطائفيين!؟
- 2- الدرب الطويل/ 11
- 2- الدرب الطويل/ 10
- 2- الدرب الطويل/ 9
- ليس هكذا يا مجلس الوزراء يتم القضاء على الفساد
- 2- الدرب الطويل/ 8
- 2- الدرب الطويل/ 7
- 2- الدرب الطويل/ 6
- 2- الدرب الطويل/ 5
- 2- الدرب الطويل/ 4
- 2- الدرب الطويل/ 3
- 2- الدرب الطويل/ 2
- 2- الدرب الطويل/ 1
- خطأ في موقعي الشخصي
- 1- معلم في القرية/ 22
- 1-معلم في القرية/ 21
- 1- معلم في القرية/ 20
- 1- معلم في القرية/ 19
- الحوار المتمدن تميز وتطور مستمر
- معلم في القرية/ 18


المزيد.....




- لم يسعفها صراخها وبكاؤها.. شاهد لحظة اختطاف رجل لفتاة من أما ...
- الملك عبدالله الثاني يمنح أمير الكويت قلادة الحسين بن علي أر ...
- مصر: خلاف تجاري يتسبب في نقص لبن الأطفال.. ومسؤولان يكشفان ل ...
- مأساة تهز إيطاليا.. رضيع عمره سنة يلقى حتفه على يد كلبين بين ...
- تعويضات بالملايين لرياضيات ضحايا اعتداء جنسي بأمريكا
- البيت الأبيض: تطورات الأوضاع الميدانية ليست لصالح أوكرانيا
- مدفيديف: مواجهة العدوان الخارجي أولوية لروسيا
- أولى من نوعها.. مدمن يشكو تاجر مخدرات أمام الشرطة الكويتية
- أوكرانيا: مساعدة واشنطن وتأهب موسكو
- مجلس الشيوخ الأمريكي يوافق على حزمة من مشاريع القوانين لتقدي ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - محمد علي الشبيبي - 2- الدرب الطويل/ 12