أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - محمد علي الشبيبي - 2- الدرب الطويل/ 6















المزيد.....

2- الدرب الطويل/ 6


محمد علي الشبيبي

الحوار المتمدن-العدد: 3200 - 2010 / 11 / 29 - 21:08
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


من (ذكريات معلم) للمربي الراحل علي محمد الشبيبي (1913-1996)

موقف الراحل -كمسؤول شيوعي- من الشعائر الدينية، يلخصه رأيه هذا: (لا أيها الرفاق. كفّوا عن هذه السخرية. أنا أرضى أن يظل مصلياً لو انه واصل السير في طريق النضال. ما جدوى أن يطلق الصلاة والنضال معاً!؟ وليست دعوتنا ضد الصلاة أبداً. إننا ندعو كل الناس أن يكونوا صفاً واحداً ضد الاستعمار وأعوانه من أقطاعيين ورأسماليين ورجعيين./ شرف النضال والعضوية)

هيروشيما
معقول جداً أن يحتفل الناس، ويعلنوا الأفراح بيوم النصر. فالسلام أمل الشعوب، ليس فقط تلك التي تحملت من ويلات الحرب القسط الأوفر، أولئك الذين فقدوا الآباء والأبناء والمسكن وكل شيء. نحن أيضاً وكل الشعوب التي احتلت أراضيها بحجة التعاون ضد العدو المشترك.
عمت الأفراح جميع أنحاء المعمورة، وحتى على نطاق محدود تمت احتفالات صغيرة، من أناس كثيرين كانوا يحسون كأن نذر الموت تزحف على هذه الأرض لا "لتنقصها من أطرافها" إنما لتجعل عاليها سافلها.
رفاقي في اللجنة المحلية، وآخرون من زملائي المعلمين الذين تربطني بهم صداقة متينة، كانوا يلحون عليّ أن أهيئ لهم الوليمة التي أعتدت أن أدعوهم إليها كلما رزقت بوليد. هو رقم 4 في تسلسل مواليد أخوته. وقد أختار أسمه أبي فجعله سميه، وحسب قوله انه أسم جميل، لأنه أسم النبي، ولأنه استمرارية طيبة في سلسلة الآباء فهو إذن: محمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن شبيب، وقد أحبه جده كثيراً.
أنعقد حفلنا الصغير، وبدلاً من كؤوس الراح دارت بيننا كؤوس عصير البرتقال. قال أحدهم "آه. هذه الحرب نغصت عيشنا. كنا لا نعرف غير المرح والقدح. وها هو أبو كفاح يدعونا لفرحتين، يوم النصر، يوم ميلاد السلام للبشرية جمعاء، ويوم مولد محمد وليده الجديد، ولكنه بمناسبة الفرحة الكبرى اكتفى بعصير البرتقال! ها، ماذا تقولون أيها الأخوة!؟".
أجاب الشاعر مرتضى فرج الله صاحبنا "إذن أنهض وأخرج أيها المزكوم لا تسري إلينا عدوى زكامك". رد عليه "يا لها من نكتة بارعة منك أبا عزيز. أنا لست مزكوماً أبداً. ولكن ليس لي حاسة شم كالتي عندك خاصة برائحة الطعام! الآن فقط عندما نبهتني أدركت إن عشاءاً لذيذاً بانتظارنا".
لكني فرضت شروطاً، وبحماس سارع الجميع لتنفيذها. بدأوا أولاً بأغنية راقصة، حمل أبو عزيز كأساً على رأسه ودار بين الهازجين برقصة خفيفة. ثم استراح قليلاً ليشدو بمقام عراقي، وأشار حين انتهى أن أواصل بالأبوذية على أن توشح بأغنية لمسعود. وأنسجم الجميع يرددون "سوده شلاهاني ما رحت ويه هواي" وأبو عزيز يلاحق بتعليقاته "هم زين آنه وهواي بهل البلد، آه لو كنت غربي من زمن قبرتني قنبلة"
أخرج هادي من جيبه دينارا وصاح "هذا جيبي -الصدق- ملعون الوالدين هذا مشغوف بالأسعار، يكره جيبي ...." قال له حميد "انه يعمل بقول القائل، تنقل فلذات الهوى في التنقل".
انتهت الوصلة الأولى بين الغناء والنكات، فلما انتهينا قال أحدهم "الله يرحمك يا مسعود!". صحت به ماذا تقول؟ أجاب "أجل منذ 12/5 وردت إلى شرطة النجف برقية من العمارة تطلب أن يستخرج جثمانها من قبرها ويؤخذ من أحشائها شيء للتحليل، فقد علم إن خصوماً لها دسوا لها في طعام وليمة خاصة سماً ماتت بتأثيره!".
أحزنني ما سمعت، ولفني أسى عميق، وتبدل جو الاجتماع في نفسي. أواه يا مسعود، يا صوتاً كان سميري في ليالي سهري وأرقي، يا أنيسي في وحشتي وانفرادي.
أهل الفن في عراقنا الحبيب كلهم يعرفون هذه المغنية. وبالنسبة لي فقد تعرفت عليها وسمعت منها مباشرة. حينما اصطحب أخي -حسين- العائلة معه إلى العمارة عام 1943 وكان قد تعرف عليها سابقاً وكان من محبي أغانيها. صارت تزور البيت هناك فتطلب أمي منها "غني لي يا مسعود -گومينه يم علوان ....- وإذا غنت سالت دموع أمي وعلا نشيجها. ولم تكن مسعود تعرف إن حسين أخي".
كانت مسعود ترفض أن تنادى -مسعوده- تعتبر نفسها ذكراً وتتزيا بزي الرجال. اليشماغ والعقال على رأسها والسترة وما يناسب الفصل على أحسن مظهر. سألتها مرة أنا وحسين. لماذا تنفعل خلال الأغنية حتى لتظهر على قسمات وجهها؟ أجابت بلهجتها العمارية العذبة، وكانت أجابتها صريحة "إنها تحس بما يوحي به لونها لذوي الإفهام السقيمة". وأضافت، إن الكثير من هؤلاء الناس يندهش حين يرى مسعود يلبس أجمل ملبس، لماذا؟ لأنه أسود! ولا يرى غرابة إن كان ذلك على أبيض، مهما كانت حقيقته! واستعرضت أمثال كثيرة.
لقد تمردت مسعود على الأنوثة كما تمردت على العبودية، فهجرت بيت سيدها محمد العريبي، وكانت كريمة سمحة مع من يعيش معها، فكانت تساعد وتؤدي بعض المعوزات من قريتها. ولكنها تتألم من ظنون بعضهم بأنها تمثل معهن دور الزوج؟!
إن كثيراً من أغانيها سِجل لحادث أو فترة مرت بها العمارة، من ذلك ما أشارت إليه في أغنية، شيريد مني اسبكتور، وأغنية لا تجعلني فرنساوي احنه عرب سيارة، وأغنية خويه محمد يمحمد عن لسان كاتب محمد العريبي ملا كريم، وأغنية فيصل يفص الماس، وابو طويره أريد وياك. والملا كريم هذا كان الكاتب والمؤتمن على كل شؤون محمد العريبي، ولكنه فوجئ بانقلاب محمد ضده فجرده من جميع ما يملك وأتهمه بالتلاعب، وأقام عليه الدعوى وسجنه فشفع له الشيخ محمد رضا الشبيبي. ولكن العريبي عاد فسجنه ومات في سجنه. ويذكر المطلعون إن ما لقي ملا كريم سببه تحذير الملا لزوجة محمد -فتنة- عن بعض علاقاتها المخلة بسمعة زوجها وكانت متحللة ولكنها ذات تأثير على زوجها فحرضته على الملا. ومسعود تعرف إخلاص الملا ونزاهته.
كان الأستاذ الشاعر محمد مهدي ألجواهري من محبي أغانيها. كان عندنا ذات مرة وقد سبق أن استعرنا منه "الحاكي" وليس لديه غير أسطوانتين لمسعود وثالثة لأم كلثوم ورابعة لمحمد عبد الوهاب. وفي غمرة نشوة عارمة حين أسمعته أغنية مسعود "البيض خويه البيض" بعد أغنية أم كلثوم "أكذب نفسي" وأغنية عبد الوهاب "الهوى والشباب" وسايرناها بأصواتنا. حين انتهت قال ما رأيكم؟ أيدناه، قال هات "المكذبة، ومحطم الكأس" قال: "هما لكم أم لي؟". لا، هما لك. فحطمها بضربة. وهتف: "مسعود ابنة الطبيعة هي القائلة، والملحنة والمغنية!"
كنت معجبا بصوتها وأحفظ كل ألحانها وأغانيها.
لاحظ الصحب وجومي وحزني فقال أحدهم، وماذا تقول لي إذن إن أنا أخبرتك بنبأين. وأستدرك لا، لا واحد مسر؟ ألا تذكر يا صديقي إن الإتحاد السوفيتي أعلن الحرب على اليابان، القطب الثالث لمحن الحرب. اليابان طلبت الصلح، هذا بمثابة استسلام!.
صاح آخر ماذا يجدي الصلح، بعد خراب البصرة!
منذ أيام وأنا بعيد عن سماع الأخبار. في بيتي لا أمتلك راديو، وأبي لا يسمح بدخوله إلى بيته! وقد عرض عليه صديق أن يهدي له واحداً، يخشى أبي أن يستعمل حال غيابه لسماع الأغاني!؟ إنها محرمة في رأيه وفي رأي كل متدين رغم إنهم يروون عن النبي انه قال: "إذا طابت النفوس غنت" وإنهم يذكرون إن ما ورد في القرآن الكريم "اجتنبوا قول الزور ..." المقصود بالزور هنا الغناء؟!
صحت بصاحبي أكمل ماذا تعني بخراب البصرة؟ أجاب "أستخدم الجيش الأمريكي القنبلة الذرية على مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين. قيل إنها فتكت بستين إلف مدني، وأحالت المدينتين إلى رماد، واستسلمت اليابان". حقاً لقد شملنا حزن صامت وكأنما كنا نشاهد المأساة بأعيننا. ألم يجد الأمريكان وسيلة حربية أخرى يرغمون بها اليابان على الاستسلام؟ ما ذنب سكان هيروشيما وناكازاكي؟ أم تراهم يتخذون ركيزة لمؤامراتهم ضد جيران اليابان غداً؟ ستكشف الأيام كل شيء في المستقبل!
أعلن عن هذا في 6 آب 1945 فكانت مأساة أستنكر فضاعتها كل الذين يدركون بشاعة هذا السلاح. وستبقى ذكرى هذا العمل الإجرامي من لدن أمريكا رمزاً لحقد وهمجية العسكرية الأمريكية والذي يدل بما لا يقبل الجدل إنها ستحل محل ألمانيا النازية لتحقيق مطامح رأسمالييها. لقد حصدت حرب 1939 من البشرية خمسين مليون نسمة، وتقول الإحصاءات عن الحروب التي سبقتها إن ضحايا الحروب في القرن السابع عشر ثلاثة ملايين نسمة، وفي القرن الثامن عشر خمسة ملايين ونصف. وتفوق القرن التاسع عشر على سابقيه، فحصدت حروبه 16 مليون نسمة، منها عشرة ملايين في الحرب العالمية الأولى . بقي واضحاً إن الحرب العالمية الثانية فاقت كل سابقاتها. مع العلم إن الحروب التي دارت رحاها في القرون المشار إليها لم تكن عالمية ولا في ساحة واحدة ولا في سنين متلاحقة. فماذا سيحل بعد هذه الحروب إذا انتفضت الشعوب المستعبدة تطالب الدول الكبرى لتفك عنها القيود وتنتزع منها حرياتها؟

شرف النضال والعضوية
ضج الرفاق الذين سبقوني إلى دار الرفيق "..... موسى". وقد عقدنا اجتماعا في بيته بمناسبة قبوله عضواً في الحزب. ضجوا بضحك صاخب، بينما كان هو متجهاً إلى القبلة يؤدي صلاة العصر.
فهمت. أذن هم يضحكون منه لأنه يصلي.
لا أيها الرفاق. كفّوا عن هذه السخرية. أنا أرضى أن يظل مصلياً لو انه واصل السير في طريق النضال. ما جدوى أن يطلق الصلاة والنضال معاً!؟ وليست دعوتنا ضد الصلاة أبداً. إننا ندعو كل الناس أن يكونوا صفاً واحداً ضد الاستعمار وأعوانه من أقطاعيين ورأسماليين ورجعيين.
وأنتهي صاحبنا من صلاته. وشاعت على وجهه ابتسامة لطيفة هادئة. وبعد أن حياني، مد يده إلى السماور الذي انتصب فوقه "قوري" الشاي وهم أن يتكلم حول ضحك رفاقه. ولكنه عدل فأدنى إليه كؤوس الشاي يغسلها بالماء الحار. وصب الشاي وراح يقدم لكل كأساً.
باركت للرفيق، وسلمته استمارة العضوية ليملي الفراغات، وراح يتأمل فيها. وكأني أقرأ في قسمات وجهه ما يختلج في صدره. ربما وجد في بعض الأسئلة إحراجا كبيراً. "هل أنت مستعد لتحمل ما يصيبك جراء انتسابك إلى الحزب من تشريد وتعذيب وسجن أو إعدام؟". الجواب على هذا السؤال أشد من جميع ما في الاستمارة إحراجا.
كيف يستطيع إنسان أن يقرر ويحدد موقفه من أمر لم يحن بعد؟ سأتحدث بصراحة عما يمكن أن نلاقيه. الإعدام لا يخيف ذوي العقيدة، الموت في ساحة حرب أيضاً أمر غير مخيف. أنا أيضاً تواردت أسئلة كثيرة على خاطري. وانتهيت أن قلت لنفسي، كل شيء يمكن تحمله، ولكن التعذيب؟!
لدي بعض المعلومات عن التعذيب الوحشي الذي لقيه المناضلون من النازيين في ألمانيا الهتلرية، وغير ألمانيا أيضاً. نفخ البطون بواسطة آلات الهواء المضغوط ثم قفز ذوي وزن ثقيل عليها! الكهربة، بأنواع غريبة من الآلات للرؤوس، للصدور. المشي على أرض مبلطة بالمسامير.
أهون الوسائل الجَلد، وإرغام المناضل على السهر المتواصل. كثير من المناضلين سقطوا بعد أن أنهدت قواهم، ولكن كثيرين أيضاً أدهش صمودهم جلاديهم، وأنهار الجلادون!.
قصة أخويين شيوعيين في زنزانتين من أحد سجون النازية. أنهار الأخ الأكبر، فراح يكلم أخاه الأصغر شفرة بالضرب على الجدار الفاصل بينهما. قال "لم أعد أقوى على المقاومة. سأعترف!". رد عليه "أنت متعب الآن وأنا أيضاً، نم الآن، سأدلي برأيي لك عند الصباح".
بعد ساعة أشار هذا إلى ألحرسي "قل للمحقق لدي اعتراف" وقال للمحقق "لا يمكنني أن أعترف وأخي الأكبر حي. فأنا وحدي أعرف أشياء كثيرة. أما هو فبريء، ولكن نجاتي تكون بمثابة اتهام صريح له. أقتلوه أولاً!".
بعد أن تم إعدام أخيه ضحك ضحكة المنتصر الساخر. وقال "كان أخي هو المسؤول عني ولديه معلومات كثيرة، ولقد مات فافعلوا ما شئتم؟!".
وفي تأريخنا نماذج تبهر العقول في الثبات والصمود.
حجر بن عدي، من أصحاب الأمام علي بن أبي طالب حارب معه في وقعة الجمل وصفين عام 657م ثم لما ولي معاوية أمر المسلمين قتله بعد أن عذبه أبشع تعذيب، قطع ساعديه، دفن نصف جسمه في التراب، وحفر علياءه وأخرج منها لسانه ثم علقه ميتاً على جذع شجرة!. وكثير من معارضي حكم العباسيين، ماتوا حرقاً، أو سملت عيونهم، ولكنهم رضوا بالموت تعذيباً على أن يصبحوا أعواناً للظالمين.
تحدثت كثيراً، وضربت أمثلة كثيرة عن أروع المواقف للمجاهدين والمناضلين، كان رفاقي يشفعون حديثي بأمثلة مماثلة. ولكني واثق إن كلاً منا لا يستطيع أن يتأكد من نفسه ماذا سيكون موقفه. وصحيح إنهم الآن ينطقون عن وعي وأيمان.
أيّ إنسان يكره أن يكون إنسانا واعياً؟ وأيّ إنسان لا يريد أن تنعم البشرية بسلام دائم والى الأبد، وبظل نظام خال من التناحر والحقد والحروب؟ ولكنّ هذا شيء وطاقة التحمل شيء آخر! لماذا؟ لماذا يواجه بعضهم الموت، تحت أشد أساليب التعذيب وحشية ويجبن آخرون من ضربة عصا واحدة؟
قلت إن الموت نهاية كل حي، فلماذا نتشبث للبقاء بخنوع تحت أقدام أعداء الإنسانية؟ ثم يأتينا الموت، ويبقى بعدنا تأريخ لا يرحم عن مدى الخزي الذي اكتسبناه بجريرة الاعتراف وعدد الذين لحقهم أذى اعترافاتنا؟
شاهدنا بعضهم وقد عفي عما تبقى له من مدة سجنه حين أعطى البراءة وطلب العفو والغفران، ولكنه مات بعد مغادرة سجنه بشهرين! كنت أرمق وجوه رفاقي هؤلاء فالمح مسحة من الحزن قد خالطت المرح الذي يصاحب الحديث وكؤوس الشاي.
ثم لما مدت مائدة الحلوى والفواكه وانتهى الحديث فعدنا جميعاً نتبادل الطرف والنكات.

عن التراث
مقال لكاتب -أعتقد بقلم الأستاذ عبد المعين الملوحي- في مجلة الطريق اللبنانية يحث الشباب على مطالعة كتب التراث. ويلوم بشدة أولئك الذين يسمونها كتب صفراء.
الواقع إنها من أكبر الأخطاء، فقد قدموا لنا جهدهم واجتهادهم، وعلينا أن نجد ونجتهد فيما قدموا، فنأخذ باللباب. أعترف إني ممن عزفوا عنها زمناً. ردني عنها ما كنت أجد فيها من أساطير بعيدة عن المعقول والممكن، وفيها ما هو خرافة محض، ولكني بعد ذلك تعلمت أن أميز بين الغث والسمين، وبضوء المادية الكشاف عرفت أسباب ذلك الخلط العجيب في كتب التأريخ والأدب.
الكاتب يلح -وهو على حق- بأننا إذا لم نعِ الماضي، لن نستطيع أن نفهم الحاضر وما يجب أن نرسم من خطة لتحديد أهدافنا لمستقبل حياتنا. وما أجمل المثل الشعبي "الما إلَه أول ما إلَه تالي"
والحضارة القائمة اليوم، هي نتاج أمم مختلفة من عصور مختلفة، توارثتها أمة عن أمة وأضافت إليها. ولن تجد أمةً في العالم -منذ أقدم العصور- قد استقلت في حضارة، ولم تكن لحضارة من أمة سبقتها أثر فيها. يقول شاعر مصر أحمد شوقي:
"أبقراط مثل بن سينا الرئيس و هومير مثل أبي الطيب"
وكلّهم حجر في البناء.
أجل. كلهم حجر في بناء صرح الحضارة الإنسانية، من وادي الرافدين إلى مصر الفراعنه، إلى الهند والصين، ثم إلى العهود الإسلامية الزاهرة. حتى حملت أمم الغرب الحديث راية الحضارة –بعد الحرب الصليبية- بداية، ثم النهضة الصناعية! ورغم التكالب القائم بين الدول الاستعمارية، أنجزت في مدىً قصير ما يعادله عمر البشرية السالف. ولو قيض لعلماء العصر الحديث أمن وسلام لعمت هذه الأرض خيرات كان الناس يحلمون إنها لن توجد إلا في الفردوس الموعود. لكن أنّى للبشرية ذلك؟ ألم يعدم الأمريكان بالكرسي الكهربائي العالم روزنبرغ وزوجته! حيث أتهم بأنه أفضى بسر اكتشاف القنبلة الذرية للإتحاد السوفيتي، وكان من علماء ألمانية وقد أخذه الأمريكان خلال احتلال ألمانية. وطردوا العالم أينشتاين من لجنة الطاقة الذرية لأنه رفض وعارض حكم الموت بالكرسي الكهربائي، الذي أنزل على روزنبرغ وزوجته!
الذين كانوا حتى الأمس القريب يؤمنون أن الأرض تقف على قرن ثور. وان الكسوف والخسوف لهما تأثيرات سيئة يتقونها بالصلاة والتكبير. وأتذكر نحن الصغار كنا بحَثٍ من أهلنا نضرب بالعصي على آنية النحاس أو الطبول لتهرب الآفة فلا تبتلع القمر!. ونهزج:
يا حــوته البـــلاعة هدي گمرنه بساعة
وان جان ما تهدينه ادگلـــج بـصــــينية
انتبهوا اليوم لما أبدعه العلم الحديث من منجزات لخدمة الإنسانية. لكن المتشدقين ظلوا يهزءون ويقولون أن هذا أخذوه عنا!؟ حسناً، ولماذا لم ترثوه أنتم!؟ وتأتوا بأبدع وأعجب وأنفع!؟
لا بأس أبقوا وعاظاً، شرط أن تنبهوا الناس من غفلتهم عن حكامهم المستبدين، وأثريائهم المحتكرين، أن يهبوا بوجه مشعلي الحروب، ومهددي الأمن والسلام بالقوى النووية. أبداً، هذا بعيد عنهم، سيوظفون أنفسهم لخدمة من يدفع لهم ثمناً أكبر.
دعوت رفاقي الذين يعدون أنفسهم ضمن قافلة المناضلين، أن ينموا معلوماتهم ويطهروها. وان يهتموا بالتراث، فلا يهملوا حتى الأساطير. إنها كنوز رائعة وثمينة. أغلبها هادف، وقد صيغ بأسلوب الرمز والخيال. الغرب ترجم ألف ليلة وليلة، هي ليست حكايات للتسلية حسب، ولا للسهرات، وأرسل إلينا عنها أفلاماً سينمائية.
حتى تلك الكراريس الصغيرة مثل "بئر ذات العلم" لا تخلو من غرض في نفس صاحبها، أو الفئة التي ينتمي إليها.
نفائس الكتب الخطية، احتواها علماء الغرب، ومالنا نحن إلا أن نرفع رؤوسنا بغطرسة. قائلين: "إنهم أخذوا عنا فنحن أهل الفخر!". أجل أخذوا عنا وأعطونا ما لم يأخذوه عنا! [عصر العلم هذا محا العفاريت، التي تتشكل بكل شكل حتى الكلب والخنزير، وها هو الإنسان يصعد إلى القمر، ويرسل سفنه الكونية إلى الكواكب، ولم يلتق بالملائكة الذين يتشكلون بكل شكل إلا الكلب والخنزير؟! ولا بالجن الذي يصعد ليسترق السمع؟!/علي الشبيبي. كربلاء 1985]
إننا مقبلون على نهضة فكرية، تزيح الظلام الذي خيم علينا قروناً، ولكن إذا ما أخطأنا فلم نسلك الدرب اللاحب، ولم نُزِل الأصنام فإنا سنعود عبيداً وإن ظهرنا بمظاهر المترفين.

يتبــــــــــع



#محمد_علي_الشبيبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 2- الدرب الطويل/ 5
- 2- الدرب الطويل/ 4
- 2- الدرب الطويل/ 3
- 2- الدرب الطويل/ 2
- 2- الدرب الطويل/ 1
- خطأ في موقعي الشخصي
- 1- معلم في القرية/ 22
- 1-معلم في القرية/ 21
- 1- معلم في القرية/ 20
- 1- معلم في القرية/ 19
- الحوار المتمدن تميز وتطور مستمر
- معلم في القرية/ 18
- 1- معلم في القرية/ 15
- معلم في القرية/ 17
- 1- معلم في القرية/ 16
- استفسار واتهام حول القطع الأثرية
- معلم في القرية/ 14
- معلم في القرية/ 13
- معلم في القرية/ 12
- معلم في القرية/ 11


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - محمد علي الشبيبي - 2- الدرب الطويل/ 6