أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - محمد علي الشبيبي - 2- الدرب الطويل/ 9















المزيد.....

2- الدرب الطويل/ 9


محمد علي الشبيبي

الحوار المتمدن-العدد: 3214 - 2010 / 12 / 13 - 18:31
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


من (ذكريات معلم) للمربي الراحل علي محمد الشبيبي (1913-1996)

أحلام اليقظة مع ذكريات عن بلدي/ 2
النعاس فارق أجفاني. وحلم اليقظة صار كشريط سينمائي طويل جداً. كل شيء من أيام طفولتي صار على شاشة الخيال أمامي. إن للأطفال حكم وأمثال كما للكبار. يقول بعضهم لبعض "إذا استطعت أن تقبل كوعك عاد من مات من أحبابك إلى الحياة!؟". لم يكن في مفهومنا نحن الأطفال، إن من مات لن يعود أبداً. وأيضاً لن يعود عهد الطفولة ولا الشباب.
إنها رحلة تبدأ بعد الولادة مباشرة، قد تكون قصيرة المدى، وقد تكون طويلة. فنجتاز مرحلة الطفولة إلى الصبا والشباب، والكهولة ثم الشيخوخة والهرم. وقد نرد إلى أرذل العمر، ثم ننتهي كأن لم نكن شيئاً مذكورا.
وعدت أتمثل أقراني من أبناء الجيران، ولعباتنا التي نملأ بها الشارع صخباً وضجيجاً عصر كل يوم وحتى بعد العشاء، بذلك الشارع الذي لا يتجاوز عرضه أكثر من مترين. ولا ينيره ليلاً إلا فانوس بائس، يعلق على الجدار بارتفاع لا تصل إليه أيدينا، فيصعد بعضنا على كتفي زميله، نأخذه إلى البيت نمسح زجاجه، ونضع له كمية من النفط، ثم نمثل دور زفاف (العريس والعروس) ونعيده بعد هذا إلى مكانه.
لعباتنا في الليل تختلف عن لعب النهار، ليلنا تحتله لعبة "دبدة يمّ النمل دِقّي الحجارة واصعدي" أو لعبة "تِريابوك" حيث يتقدم قائد الفريق يردد "تِريابوك" ونجيبه "بوك، بوك" بينما يختفي أفراد الفريق الآخر. نواصل المسير بحذر باحثين عنهم فإن أخطأنا مكانهم ولم نمسك بأحدهم ظهروا وأعلنوا فوزهم.
أما النهار فـ "للآ بُدَي" و "جنجر الجنجرص، أمك تبيع الفرس" و "الحنجيله" و "أم حجيم" و "سمبيلة السمبيله" و "جرف حاش" و "القوق القوق يا مرزوق". هذه ألعاب لم أعد أتذكرها مفصلاً. فالآبُدي، كرة من الخرق، وكذلك القوق القوق، أما الحنجيلة وأم حجيم فهما متشابهتان. وسمبيلة السمبيله هي ما يشبه القفز على الحصان الخشبي مع انقسامنا إلى فريقين مع ترديد كلمات خاصة يبدأ بترديدها أول قافز ويردد فريقه الذي يقفز بعده. وسأشرح قدر ما أتذكر كل لعبة في صفحة خاصة. فإذا انتهت ساعات اللعب، وعدنا لتناول العشاء، تحلقنا بعده حول من يستطيع من أهلنا أن يقص لنا حكايات.
كنت وأخوي وأختي نتحلق حول العجوز العمياء "سكّونه الماجدية" ونصغي بأدب، وأحياناً مع خوف شديد، حين يكون الحديث عن الجن. الجن الذي يخطف الفتاة ليلة عرسها. ويحلق في الفضاء العالي، أو يغوص بها في أعماق البحار. وهو قادر "أن يتشكل بكل شيء حتى الكلب والخنزير"، وهذا ما يعرفه الدينيون في كتبهم!
كانت تلك العجوز القاصة ذات قدرة فائقة، إنها تشدنا إلى الإصغاء شداً. إننا نصغي إليها شاخصي الأبصار. وكانت أحاديث الجن تستهوينا من جهة وتخيفنا من جهة أخرى. أحياناً نتجمد من الخوف. وجراء هذا صرت أعاني الخوف بصورة غريبة، مما جعلني في حرج شديد إذا أمرني أبي –أيام الصيف- ليلاً أن أنزل إلى "سرداب السن" لأجلب الرقي. والسرداب كلمة فارسية، "سرد" تعني بارد و "آب" تعني ماء. وهو يحفر في أبعد طبقة من صحن الدار أو أروقتها بحيث تكون جدرانه صلبة تنحت نحتاً يسمونه "السن" أي المسنون لصلابته، ويكون شديد البرودة يستعمل لتبريد الماء بالمشارب والأكواز وكذلك لتبريد الرقي والفواكه. وإذا نزلت هناك أحمل "النفطية" بيد والرقية بيد، ثم أقف كمن يتسمر بمكانه في ذلك المكان الذي لا تكفي النفطية لأنارته، ثم أتخيل الجن وقد لاح فأغمض عينيّ. ولكن أختي تتدارك أمري بعد أن عرفت حكايتي، ثم صارت تنزل معي. كانت شجاعة رغم أنها تدين بحكاية الجن.
لقد ظل الخوف ملازماً لي حتى بلغت الحادية عشرة من سني، حيث تيسر لي أن أكتشف زيف حكاية الجن. ذات ليلة قضيت ثلثها مع زميل لي أيام الامتحان. بيتنا في بداية الشارع وبيتهم في نهايته. حين انتهينا من المذاكرة تلك الليلة، ودعني إلى الباب، وصرت في الشارع وقد تخدرت عيناي من شدة النعاس. بدا لي الشارع وكأنه مليئ بالجن، قصار الأجساد لا أتبين وجوههم، وهم في حركة عنيفة، من شدة الزحام.
جمدني الخوف ولزمت الباب. يا إلاهي ماذا أفعل؟ خجلت أن استعين بزميلي وأناديه. لكن ودون تفكير حملت حجارة ورميتها بقوة في امتداد الشارع، سمعت صوت حجارتي تصطدم بأرض الشارع، وتقفز عدة قفزات. أعدت التجربة مرة أخرى. ثم اندفعت راكضاً فوصلت البيت بأمان.
لقد صرت شجاعاً. وفي ليلة أخرى دعوت أخويّ، أن ينزلا من باب السرداب المجاور لغرفة تجمع العائلة وأنا أنزل من باب السرداب الثاني، فنلتقي في السرداب الوسطي. لقد ذهب الخوف عني إلى الأبد. وحكيت القصة متباهياً أمام رفاقي، وتبين لي كم أنا ساذج وبسيط حين أنبرى لي أكبر أبناء الجيران وبلهجة الهازئ قال: هيا معي كلكم لتجربوا شجاعتكم!
وهب الجميع إلى وادي السلام، حيث توجد أكبر مقبرة في العراق وربما في العالم العربي، ويدفن بعضهم أمواته في سراديب تخص العائلة ولا يصح لغيرهم أن يدفن فيها. هناك أوقفنا على باب سرداب –لمقبرة خاصة- مفتوح، وقال: "الآن أرمي يشماغي إلى داخله وأكون أول من ينزل لاستعادته". بهت الجميع، ولما نزل إلى داخله، غاب عن عيوننا وعاد يحمل يشماغه. غمرنا فرح واستبشار، وتزاحمنا كل يريد أن يسبق غيره. ولكنه صار يختار حسب فراسته في وجوهنا –كما بدا لي-. لو كنت حدثت أبي بهذا لأنبني. وربما عاقبني. ولكن في الواقع تخلصت من الخوف. ولم أعد أومن بحكاية الجن رغم ما كنت أسمعه، ممن هو أجلّ من الماجدية، من رجال العلوم الدينية، وهم أيضاً يروون حكايات تذهل السامع، وتخيف المؤمنين بهم. هذا لم يعد يهمني. كنت حين نتجادل أيام الشباب عن هذا أرد عليهم. إذا كان بمقدور هذا المخلوق أن يتشكل بكل شكل، إبرة، قطعة صوف تدحرجها الريح، حمار أو ثور أو ما شاء ، فما باله لا يحتل الأرض؟ ويأتي الرد من بعضهم: " الله وضع لهم حدوداً لا يتجاوزونها، وخصص لهم مساكنهم؟!" يرى بعض اللغويين إن المقصود بلفظ "الجن" كل ما جنَّ تحت الأرض. ولكن القرآن صرح عن هذا وإن منهم إبليس. وانه خلق مارج من نار. والمارج الشعلة ذات اللهب الشديد المختلط بسواد النار. وسورة "الجن/ آية 9" تشير إلى أنهم خلق "وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا"، وتعدد ذكر المعنى في عدة مواضيع.
إن جدلنا أتخذ هدفاً غير نبيل؟! هذا ما يقوله بعض الذين يجادلون بدافع حب الظهور ويعارضون للإحراج ولإسقاط المغاير عن طريق الاتهام بما يخالف القرآن. وفي مثل هذه الحالة أنسحب أمام المنافقين بمزحة تبدل الجو وتحول مجرى الحديث.
الليل مضى منه شطر كبير، انه ينسحب بطيئاً ثقيلاً، وكأن نجومه هي كما قال عنها الشاعر الضليل -شُدّت بيذبل- إني أعاني ليلاً اشد من ذلك الليل، هذا الليل هيّن أمره ، حتى لو مرّ ثقيلاً كالكابوس، أما الليل الذي أعاني ظلمه وظلامه فلا يدري أحد متى ينكشف بفجر، وتشرق شمس تبدده وتدحره إلى الأبد... هذا الليل أكابده وأقاومه. ولكن إلى متى؟
الحق إني غير أخي "صارم" ذلك الصلب العنود، الذي وضع رقبته على راحة يده. وهو يؤكد لي دائماً "إن الطريق طويـــل جداً، يا علي إنه أطــول من وادي الأحلام ، ربما لا أستطيع تحديده لك مطلقاً!. ربما لا يرى الفجر الذي ننتظره إلا أحفادك، أو بنوهم. أما نحن فمهمتنا أن نعبد الطريق –ما استطعنا- من أجلهم". هي منه دعابة معي، فـ "وادي الأحلام" إحدى قصصي التي كنت أنحو بها منحى كتابات جبران الرمزية وقد نشرت في مجلة العرفان العدد ..... صحيح إني أملك طاقة من الصبر ليست بالعادية، ولكن الذي أختلف فيه عن أخي الشهيد حسين "صارم" هو ليس الصبر وحده، انه الصبر والإصرار مع علم بالمصير!؟
وأفقت من هذه الأحلام المثيرة لأشجاني، على بكاء أحد صغاري. وقلت: أيها الصغير آه لو أمكن أن تظل صغيراً! أنا المسؤول عنك، أحقاً إني أجرمت بحقك، وبحق الآخرين من أخوتك؟
ألقمته أمه ثديها فساد الصمت ثانية، وعدت أستعرض وبسأم قلت: يا إلاهي لماذا يصر خيالي إلا أن يعيد عليّ كل ما مرّ من صور حياة الطفولة؟ لقد غدوت رجلاً، وعن قريب أكون في ذروة الكهولة.
ولست أدري كيف تذكرت إن الشهر العربي هو "ربيع الأول" الأيام التسع الأولى منه ما تزال تتراءى لعيني. إنها مثال الفوضى. هي كرنفال أهوج، الفن فيه جنوني، غير مهذب، طفولتي شاركتْ فيه. والأطفال إذ ذاك شاركوا في تلك الفوضى على قدر ما يستطيعون. فئات مجتمعنا النجفي كلها كانت تشارك فيه على حد ما يناسبها.
عوام المدينة، يصبون جام حقدهم على المعممين، فهم هدف ألعابهم، ومضحكاتهم. لذا كان أولئك يحاولون جهدهم أن لا يخرجوا إلا في وقت مبكر، ليسلموا مما يفاجئهم به أولئك الذين يبدون في تلك الأيام أبطالاً على مسرح الفكاهة والهزل. يتجاوزون حدود الأدب واللياقة بينما هم –في سائر الأيام- نكرات شبه منبوذة.
نحن الصغار كنا ننتظر هذه الأيام بفارغ الصبر. ندخر ما نتقاضاه من يوميات من أجل أن نتباهى بشراء –أبو نجوم مكاوي- وأعواد الثقاب ذا الأضواء الملونة، والصعادات، و"ضراط المعيدي" و "الطرقات" ذات الفتيل. كل هذه مستوردة إلا المفرقعات، فهذه نصنعها بأيدينا. إنها ذات خطر وبيل في أكثر الأحيان خصوصاً تلك التي يصنعها الكبار، إنها في الواقع قذائف مدمرة.
الأيام التسع من ربيع الأول، يهب فيه عوام النجف، بل كل المدن الشيعية، بإعلان الأفراح ويطلق العامة لأنفسهم العنان بحيث يتحدون قواعد الأدب واللياقة. وهم يختارون لهزلهم المعممين فيقذفون عمائمهم بألوان من الحبر أو يشكلون بأذيالهم أجراساً، أو يخطفون عمائمهم ويضعونها على رأس حمار، أو يطلبون منهم عملاً لا يناسب كرامتهم. وللمفرقعات دورها أيضاً. هي مختلفة الأحجام وطالما سببت أضرار فادحة. وفي بعض البيوت تقام المجالس. فالروحانيون يبارك بعضهم بعضاً ويقدمون لزائريهم الحلوى، أما ذوو الوجاهة من زعماء البلد، فيقوم بعض الهواة بتمثيليات هزلية بعضها مستساغ وبعضها فج مخجل. على أي حال فإن أسباب هذا كله لاعتقاد الشيعة إن الأمام الثاني عشر "المهدي المنتظر" والذي نصب على أثر وفاة أبيه الحسن في اليوم التاسع من ربيع الأول –ما يزال حياً حتى اليوم- فهم بما يعملون يؤكدون ولاءهم. ولما تجاوز العامة حدود الأدب إلى التعرض بكرامة الناس وما يؤدي إلى هلاك بعضهم فقد أعلن الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء حرمة هذه الألعاب وطالب الحكومة بمطاردة الفاعلين وإنزال العقوبة بهم. فقضي عليها تماماً.
في هذه الأيام آخر فرصة أتمتع بها بحرية متناهية كبقية الأطفال. ولن يحين منتصف ربيع هذا حتى يعود أبي من سفره المعتاد. انه يفارقنا في زيارة النصف من شعبان –كل عام- ولا يعود إلا في هذا الشهر. فموسم رزقه –شهر رمضان- ثم العبور إلى الأحواز ليقضي فترة مابين رمضان ومحرم وصفر.
هناك في عربستان يُقيم فخذ من عشيرة –قبيلة- بني أسد، وهم قسم من المواجد يسمون "حُميد" بعد هذا يعود إلى العراق فيقضي محرم وصفر في البصرة أو العمارة. في بداية الثلاثينات منع الشاه رضا دخوله لوشاية من بعض المعممين النجفيين بأنه يحرض العرب على العمل من أجل الالتحاق بالعراق.
شهور السنة القمرية معظمها، فيها للأطفال مباهج وأفراح. فالزيارات التي تتجمع فيها الألوف في العتبات المقدسة، السابع عشر من ربيع الأول، رجب، شعبان، ثم شهر رمضان الذي يفرحهم بانتشار أنواع الحلوى، الزلابية، شعر البنات، والبقلاوة. وأيام "الماجينة" في بلدي –سابقاً- موسمها شهر رمضان فقط. والحوانيت تعرضها بالزينة والأضوية الملونة، ثم عيد الفطر، والأضحى، حتى شهري محرم وصفر، هذان الشهران اللذان تغشى البلد فيها مظاهر الأحزان، من لباس السواد، وأقامه المآتم في البيوت، رجالية ونسائية، ومختلف مبتكرات العامة في إظهار معالم الحزن، بمناسبة ذكرى استشهاد الحسين في كربلاء، في حرب شنها عليه يزيد بن معاوية فكان فيها مثال البطولة والإباء "لم يعط يده إعطاء الذليل ولم يقر إقرار العبيد"، هذه المقولة رويت عن الحسين وانه قالها حين عرض عليه مبايعة يزيد أو يقتل، وهي تعبر عن رفضه أشد الرفض لأنه يعرف من هو يزيد ومن هو أبوه قبل أن يسلم وبعده!
في هذه الأيام التي يُجري فيها الناس الدموع، ويلطمون الصدور، ويقرعون الظهور بالسلاسل والرؤوس بالسيوف. نحن الأطفال نجد بكل هذه البهجة والسرور، ونشارك فيها الكبار. ونهجر كل ألعابنا فالشارع يخلو منا إلا ضمن مواكب العزاء.
وللنوروز حكاية تلذ للأطفال وترعبهم أيضاً. فالعادة جرت أن يتهيأ له الناس، ويعدون العدة اللازمة للساعة المحددة،الحلوى، والكليجة، والخس والشربت. ولكن الحذر كل الحذر أن نصاد للحجامة كأننا فئران، تجذبها رائحة الطعام الشهي في المصيدة. النوروز كلمة فارسية وكردية وهو يرمز إلى اليوم الذي تتحول فيه الشمس إلى برج الحمل الذي يشير إلى حلول فصل الربيع. والأكراد يعتبرونه رمزاً لخلاصهم من ظلم ملك كان لهم على يد "كاوه". والفرس عندنا يهتمون بهذا اليوم اهتماما كبيراً، فيحضرون الشموع ويزينون البيت ويتحلقون حول المائدة تأهباً للحظة التي عينها المنجمون في التقاويم التي يصدرونها لعام كامل، عما يتم –حسب معتقدهم- لسكان هذه الأرض من خصب أو جفاف وحرب أو طواعين أو سعادة ورفاه.
وأشد ما نعانيه إذا مرضنا، فلا طبيب غير العجائز ووصفاتهن لأمهاتنا. السعال الديكي يعالج عندهن بالماء يصب على قبر المصلوب، يتلقاه إناء آخر فإذا ما شربه المصاب، شفي؟! أو تهيأ دمية كبيرة من جريد النخيل والقماش يحملها واحد من الأطفال، ونتوجه بمسيرة إلى المقابر نهزج خلف حاملها:
يا حْمير الشيجو روح وتعال أحنه دِفنّه الشيجو وراح السعال؟!
وللوقاية من مخاطر الشتاء، السعوط والجفت؟!
رحم الله جداتنا، ليس الذنب عليهن، انه ذنب الآباء الذين يعتمدون عليهن في كل شيء دون أي تفقد أو أرشاد، وإلزام مؤكد. أنهن في كل ما يعملن بدافع اللهفة والحب، فقد يكون علاجنا وهذا أيسر وأخف من كل ما عرفناه –البخور- عند المساء، وماء سبع آبار. أما إذا عجزن فالمنجم والمطوّع وما يقدمه من عوذة تعلق برقابنا. ومع إن النجف كان فيها عدد غير يسير من أناس يقومون بعلاج المرضى وفقاً للطب اليوناني معتمدين على الأدوية العشبية، وأشتهر في هذا المجال أسرة الخليلي الذين أدّوا الخدمة المشكورة للنجفيين. وكانت كل عائلة تلجأ إلى الأطباء من آل الخليلي كأنهم يلجأون لأقرب إنسان في عطفه وحنوه دون أن يسألهم عن أجر إلا ما يقدمونه من ذات أنفسهم. ولكن العجائز كثيراً ما يلجأن إلى العجائز اللائي يدعين القدرة على ما يذهب المرض؟!.
يعتمد الفقراء في شراء الأقمشة من اليهود الجوالة، يشترون منهم قماش، الزفيري، روح الأفندي، روح الحمال وضلوع المسعدة، وما يناسب الأطفال. وكثير ما يكون هذا نسيئة، من أم سمحة، أو كرجية، أو حسقيل، أو شاهين، حين يمر أحدهم يرفع عقيرته معلناً عن بضاعته. ولكنا نحن الأطفال لنا معهم شأن آخر رغم أن أمهاتنا لا يرضين عنا عما نقوم به ضدهم. كم كنا نكيل لهم الصفعات الخاطفة، أو نخطف حمولتهم ونرميها على الأرض، أو نرميهم بالقشور القذرة، أو نهزج خلفهم "يهودي ماتت أمك، اجه الجلب يطمك، طمك بالعاقولة"
أوه. لقد تعبت. الفجر آذن بالظهور. الديكة أخذت تصيح. ودب النعاس في عيني وساعة الذهاب إلى المدرسة لا تسمح بالغفوة التي راحت تصارع أجفاني.


يتبــــــــــع

ألناشر
محمد علي الشبيبي



#محمد_علي_الشبيبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليس هكذا يا مجلس الوزراء يتم القضاء على الفساد
- 2- الدرب الطويل/ 8
- 2- الدرب الطويل/ 7
- 2- الدرب الطويل/ 6
- 2- الدرب الطويل/ 5
- 2- الدرب الطويل/ 4
- 2- الدرب الطويل/ 3
- 2- الدرب الطويل/ 2
- 2- الدرب الطويل/ 1
- خطأ في موقعي الشخصي
- 1- معلم في القرية/ 22
- 1-معلم في القرية/ 21
- 1- معلم في القرية/ 20
- 1- معلم في القرية/ 19
- الحوار المتمدن تميز وتطور مستمر
- معلم في القرية/ 18
- 1- معلم في القرية/ 15
- معلم في القرية/ 17
- 1- معلم في القرية/ 16
- استفسار واتهام حول القطع الأثرية


المزيد.....




- شاهد حيلة الشرطة للقبض على لص يقود جرافة عملاقة على طريق سري ...
- جنوب إفريقيا.. مصرع 45 شخصا جراء سقوط حافلة من على جسر
- هل إسرائيل قادرة على شن حرب ضد حزب الله اللبناني عقب اجتياح ...
- تغير المناخ يؤثر على سرعة دوران الأرض وقد يؤدي إلى تغير ضبط ...
- العدل الدولية: على إسرائيل -ضمان مساعدة إنسانية عاجلة- لغزة ...
- زلزال بقوة 3.2 درجة شمالي الضفة الغربية
- بودولياك يؤكد في اعتراف مبطن ضلوع نظام كييف بالهجوم الإرهابي ...
- إعلام إسرائيلي: بعد 100 يوم من القتال في قطاع غزة لواء غولان ...
- صورة تظهر إغلاق مدخل مستوطنة كريات شمونة في شمال إسرائيل بال ...
- محكمة العدل الدولية: على إسرائيل -ضمان توفير مساعدة إنسانية ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - محمد علي الشبيبي - 2- الدرب الطويل/ 9