أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم كاصد - مكان يهرب..بداية تبتعد















المزيد.....



مكان يهرب..بداية تبتعد


عبدالكريم كاصد

الحوار المتمدن-العدد: 3211 - 2010 / 12 / 10 - 13:43
المحور: الادب والفن
    



أجرت الحوار : مجلة (بيت) الصادرة عن بيت الشعر العراقي

البداية:

* ما البداية التي وضعتك في أجواء القصيدة؟

** لا أبالغ أبداً إذا قلت إن البداية رافقتني دوماً وقد لا تشهد لها نهاية أبداً وما بدا أليفاً يوماً ما لا أدري لم يبدو الآن غريباً .. من أين جاءت الغرابة؟ من الشعر؟ من تقادم الزمن؟ من الواقع نفسه؟ أم من كلّ هذه الأشياء مجتمعة، وحين أقول بداية فلابدّ من نهاية تسبقها. . نهاية تسدل الستارة، لترتفع ستارة أخرى .. بداية أخرى .. هل هي بداية حقّاً؟
ومثلما أسدلتُ الستارة على تجربةٍ ما هي تجربتي في الغربة لأودعها في (الحقائب)، أسدلت الستارة أيضاً على طفولتي حين أدركت أن هذا الواقع لا فسحة فيه لطفولة أخرى، ولا امتداد لطفولة ماضية حيث الحاضر لا يترك لأحدٍ أن يستعيد ماضياً أو يتأمل مستقبلا .. شعارات وضجيج يخفي توجساً ورعباً بل وصمتاً أيضاً..
كتبت( النقر على أبواب الطفولة) إثر عودتي من الخارج بَرِماً بما أراه سائداً، سالكاً ذات ليلة دروب البصرة القديمة في طريقي إلى البيت وقد علتْ اصوات مغنين وراقصين لم أدر مبعثها، وقد كنت منتشياً، التلفزيون أم البيوت التي اعتادت أن تحيي حفلاتها في مثل هذه الساعة من الليل. كانت هذه الشرارة الأولى التي أيقظت ما كان غافياً في ذاكرتي ليتقدم البشرُ والبيوتُ والأشجار في موكب لا ينتهي من الأحداث والوجوه. و ما يثير الغرابة حقّا أن هذه الوجوه والأحداث عادت إليّ ثانية وثالثة رغم غرائبيتها بلا ضجيج، وكأنها فعل طبيعةٍ لا بشرٍٍ.. جموع حاشدة تجتاز الجادة العالية باتجاه السدّ الهائل حيث تبتدئ الصحراء وحيث لا بشر هناك أو أثر غير (دوغة) لقوالب الطين، بحثاً عن امرأة ضائعة تدعى (ميزة)... جموع تمارس طقسها، طقس البحث، وكأنه طقس اعتيادي للطبيعة ذاتها بهدوء بل وبمرح ترافقه حكايات عن الذئب الذي تأبط (ميزة) ورحل بها بعيداً في الصحراء.. أحداث تقدم نفسها إلى الشعر على طبق من الشعر. ماذا يُيقي الواقع للشعر؟ أين حدودهما أو هذا الطقس اليومي الذي يضم هذه الجموع في طريقها الصباحي إلى المدينة:حيث يختلط الأطفال بالكبار والنساء بالرجال والصرر بالحيوانات وعربات الخيول والنخيل السائر معهم دوماً .. مواكب لا تنتهي مثل مواسمهم التي لاتنتهي وولائمهم التي لا تنتهي


وقورون
كآلهة من سومر
تحفّ بهم النراجيل كالجواري
في مقاهي المدينة

مُنحنون أبداً
على ميّت أوقتيل
عاقدين العباءات عند الركب
في حديث لا ينقطع من الصمت
والنواح


بيوتهم قد تخلو من الخبز
ولكتّها نادراً ما تخلو من الضيوف

ولائمهم لا تنتهي:
ذاهبون إلى الحجّ
قادمون من الحجّ
زائرون
ناذرون
عاقدون
نادبون
وقد تمتدّ ولائمُهم ثلاثين يوماً
ثلاثين عاماً
ثلاثين قرناً
هؤلاء
آلهة سومر
وأحفادُها
المتوّجون بالسنابل
ذوو الأفواهِ المفتوحةِ أبدا
المغلقةِ أبداً
العاويةِ في صحراء من الأبدية...

.........................................
.........................................

يدخلون المدينة كلّ صباحٍ بأقفاصهم
وطوابيرهم
وقاماتهم المشدودةِ دوماً
بأحزمةٍ من خيش
ناثرين الشتائمَ فوق الرؤوس
مجلجلة بالضحك
وحين يعودون آخر النهار
ويفتحون للّيل أبوابهم
لا يجدون
غير نهارٍ آخر
ومسيرٍ أطول


من ديوان(الفصول ليست أربعة)



وفي الخريف يحملون بيوتهم الخفيفة ليرحلوا صوب الأنهار هناك يضعونها ثانية: أكواخاً من قصبٍ، وحبالاً لغسيل تتدلى منها الأسماك الملسوعة بالزنابير، وفي الليل حين يسمرون يقلبون صناديق التمر طبولاً ليبتدئ الرقص. لن أنسى ذلك الشاب الوسيم المتأود كالأنثى وهو يرقص بدشداشته السوداء وسط فرح زوجتيه الواقفتين وسط الحشد.
هذا العالم الهشّ ..عالم الجراديغ (مكابس التمور) يحوطه عالمٌ يذكّرنا بهشاشتنا كلّما ارتحلنا عنه أو أقمنا فيه. له علاماته المؤنسة لإقامتنا العابرة: الجسر الذي تقطعه سارية سفينةٍ نصفين، المقهى ذو الكراسيّ المصفوفة على حافة الجرف المبقّعة بالذباب وريش العصافير، الشجرة الغليظة التي تمدّ أذرعها داخل النوافذ، الغرف العابقة برائحة الخلّ والصبايا الخادمات، البيوت القديمة المنحنية على النهر وكأنّها خيولٌ تهمّ بالشرب، والتي تكاد تلامسها القوارب عند ارتفاع المدّ ... وغيرها وغيرها من العلامات.
كنّا نجتاز الجسر في طريقنا إلى مدرسة (باب سليمان) في (أبي الخصيب)، وذات مرّة أوقفتني سفينة تريد أن تقطع الجسر الذي كان يرتفع ببطء، فتأخرتُ، وكان نصيبي ضربات عديدة من المسطرة على راحة اليد. وفي قلب هذه العلامات لم نكن وحدنا العابرين، فمع هبوطنا الصاخب يقدم النوتيّون والبحّارة والعمّال والعاملات من القرى النائية. ويا لدهشتي، أنا الطفل، عندما علمتُ من نوتيّ – كان يحدّث أبي – أنّه لم يرَ البصرة في حياته قطّ، وهو الشيخ الذي ينوف على السبعين والذي خاض جميع الأنهار.

غير أن عالمي الذي أعود إليه لم يكن أقلّ غرابة من عالم الأنهار، فقد تفتّحتْ عيناي على الباحات الرطبة، والأبواب المفتوحة على السراديب، والعميان الذين يرقصون حول النيران، والمباغي المغلقة، والعاهرات اللواتي يرحلن باكيات وسط سباب القوّادين وضحكات المارّة، والأمهات اللواتي يندبن بناتهنّ القتيلات رغم الفضيحة، والأطفال الذين يموتون، والقبور التي تضئ للموتى، والبلهاء الذين اخضرّت لحاهم ولم يهرموا، والرواة الذين يعبرون مقاصير (ألف ليلة وليلة) في الأحلام ليدخلوا المصحّات في الواقع، وجامعات الملح في الصحراء يقلن تحت العباءات المنصوبة بالعصيّ، والحمّالين الذين كنّا نكنس طريقهم من الحصى لئلاّ تنغرس أقدامهم الثقيلة تحت الأحمال، والأطفال الذي يُحملون فوق رؤوس النسوة ملفوفين بالعباءات السود، في المآتم أيام عاشوراء المقدّسة، والسجناء الذين يخرجون مصفرّي الوجوه من هواء السجون وهم يتحدّثون عن أسماء وأحداث نجهلها نحن الأطفال.

هل كان الناس في عيدٍ دائم؟ وأين اختفى شقاؤهم إذن؟ هل كان ما استعدته فردوساً؟ وكيف يكون الفردوس من بيوت طين وناس فقراء لازمهم الفرح حتى كادوا يجنوّن وبالفعل كان لهم مجانينهم حتى في المسافة القريبة من بيتي: مريم تخرج متوجة بأكليل زفافها الوهميّ كأوفيليا لتنادي على (معن) الذي مات منذ أكثر من ثلاثين سنة. المهرب الأعمى الذي يُخجل الكبار بفصاحته وما هو غريب أيضا أننا نرى هذه الطقوس وهؤلاء المجانين بلا دهشة، وقد لا نحفل بهم حين يمارسون أدوراهم الحقيقية أو المزيفة. كنا نستمر في اللعب حين تمر مريم بأكليلها الوهمي أو المهرب الأعمى بعصاه الساحرة التي تخيف حتى الكلاب، بل إن امرأة مجنونة في بيت مجاور تخرج وتضع أكوام تراب في الساحة لتعيدها ثانية إلى باحة بيتها، مراتٍ ومرّات، ا دون أن يوقفها أحد. لم نرها تبتسم أو إن لابتسامتها غموضاً يخفيها فلا تبين أبداً ولعلني أتصورها أنا الآن متوهماً.
ذات يوم مرّ الملك في الجادة العالية في سيارة مكشوفة ومعه خاله الوصيّ وقد اصطف الناس مهذبين كأطفال المدارس لم يبدر منهم أي هتاف أو صراخ. كانوا وديعين وداعة الملك الذي كان يضع نظارات شمسية على عينيه ويبتسم ابتسامة خفيفة للواقفين.
لم تشهد الجادة الملك وحده. لقد شهدت السكير الذي كان يصرخ ليصل صوته أبعد بيت: "أنا امرأة"، والأعمى الذي كان يتطلع في الشمس ليعلن لنا الوقت، والممسوس الذي يعتلي حصاناً وينثر نقوداً يتزاحم عليها الناس وكأنه بطل من أبطال ديكنز، وأهم من كلّ ذلك القطار الأصفرالذي كان يبعث البهجة بصفيره العابروهو يهزّ البيوت حين يمرّ.
ما أزال أتذكر ذلك اليوم الذي حملت الزاد فيه إلى أبي وهو يصلح السكة في هذه الجادة مع غيره من العمال:


عمال السكك الحديد


ألمحُهم في الشمس
صفّاً كقطار الشحنِ المكشوفِ العربات
أهرعُ بالصرّة حافي القدمين
مكشوفَ الرأس
ترفعني كفّ أبي وسط الضحكات
فأشدّ الصرّة بالكفين
وأقاسمهم كِسَر الخبز اليابس والتمر
آهٍ، لو أتعلّقُ في قاطرة الشحن..
وألبسُ بدلتهم في الحرّ


من ديوان (النقر على أبواب الطفولة)


وللجادة كرنفالها أيضاً حين يتوقف كلّ شئ: السيارات، الحافلات، وتنخفض السماء وترتفع الرايات سوداء مخشخشة في الهواء، وكأن قيامة حدثت وكأن التابوت سيرتفع بعد قليل ليشق طريقه إلى هناك. رايات سوداء لا يقف في وجهها أحدٌ: ملك أو غير ملك.. الكل يتوقف حتى الطيور. هل يمكن أن يحدث هذا في زمن آخر.. زمن سيأتي.. أزمان ستأتي لتشهد أن أيّ أميّ يحمل السلاح يمكن أن يبيد عائلة بلا مساءلة.




الطبول تدقّ
الطوابير تأتي:
لقالقها وهي تعرج
أطفالها
صرخاتُ النساء
الكلابُ تسدّ الطريق
بيارقُها الخضر
أبواقها
(توقظ الميْت)
عميانُها
والعصا تتقدّمهم
وتشيرُ
(إلى أين؟)
خزّانُها المتطاول
(أشجارُها تستظلّ بهِ)
قارئاتُ المناحات
أعلامُها السود
والنعشُ يهتزّ فوق الأكفّ
ويعلو ذراعين
انظرْ!
ملائكة في الهواء
أ تبصرُهم؟
أ تبصرُ تلك الطوابير:
أحصنة
أم ترى
بشرٌ بقوائمَ أربع؟
أغربة وخفافيش
أجنحة لطيورٍ تحطّ
وأخرى تطير
وفي آخر الموكبِ الآن
يأتي
النخيلُ بشَعرهِ،
أشعثَ،
يهتزّ
طول الطريق

من ديوان (الفصول ليست أربعةً)


أستطيع أن أقول إن هذه المرحلة، مرحلة طفولتي، شهدت نهايتها في 14 تموزحين غدت الكرنفالات حشوداً والحياة شعاراً والكلمات ضجيجاً:


لماذا تتقدم
الرايات
ويتقهقر البشر؟


كنت عائداً من مخبزأبو ناجي المأخوذ بالفتيات الصغيرات، دون أن يعير انتظارنا، نحن الأطفال، التفاتاً، حاملاً أرغفة الخبز حين سمعت بنبأ الثورة فجننت من الفرح وهرعت إلى البيت ..بيت خالتي (أمي الثانية) في محلة الفيصلية ( الجمهورية لاحقاً) لأسرّهم بالنبأ ولأخرج بعد ذلك أجوب البصرة وأنا الطفل ذاهبا آيبا في هذا الحشد وذاك الحشد لأجد ابن خالتي الهادئ وهو يصرخ مبحوحاً والعرق يتصبب من جبينه.. يعيش.. يسقط .. ولا أنسى ذلك الطفل أو الرجل الذي له قامة ووجه طفل وهو يصرخ في الحشود. أينما ذهبت رأيته أمامي محمولا على الأكتاف . لقد انتهت كرنفالات الطفولة أو كرنفالات الشعر ليحل محلها الاحتشاد والضجيج والصراخ وبعد ذلك العنف.
كتبت (النقر على أبواب الطفولة) حين عد ت من غربة دامت سنوات ثلاثاً، وكتبت قصيدة أو ديوان (الفصول ليست أربعة) "طبع هذا الديوان أول مرة بعنوان (صبخة العرب)" بعد غربة دامت ثلاثين سنة، وإذا كان الأول عن طفولتي فالثاني هو عن طفولة محلتي (صبخة العرب). إنه كتاب سيرتها هي لا سيرتي ومن يدري أين هي حدود سيرتها وأين هي حدود سيرتي؟. وبين هذه المجموعة وتلك مجموعة ثالثة بعنوان ( غيمة سوداء .. حصان أبيض) أهديتها إلى ابنتي سارة وولدي زياد. غير أن الطفولة حاضرة في دواويني الأخرى بشكل أو بآخر تظهر وتختفي، تختفي وتظهريخرافاتها الواقعية، وواقعها الخرافيّ الأغرب من الخرافة ذاتها أحياناً.




أثر المكان والارتحال:

* ما أثر المكان والارتحال في تجربتك؟

** دائماً نبحث عن أثرٍ للمكان وكأن ليس للمخيلة أثرها. أ ثمة مكان - وهنا أتحدث عن الشعر- بلا مخيلة، أثمة مخيلة بلا مكان. وفي أيّ نص؟
ما الذي نعنيه بالمكان؟ ما من مكان بلا ذاكرة، وما من مكان بلا نسيان أيضاً. وبين الذاكرة والنسيان يغيب المكان أو يحضر وقد يغمض متنقلا بين ضوءٍ وظلّ، بين ذاكرةٍ و نسيان. وحتى لو كان المكان واضحاً غير ملتبسٍ لا بزمانه ولا ذاكرته فأنّى للشاعر أن يستحضره واضحاً وهو صاحب الكلام الملتبس الغامض القائم على المجاز، حيث الأشياء حقيقية لا بمظهرها، وإنما بما يختفي فيها من جوهر، مثلما هي حقيقية لا بجوهرها المفارق وإنما بمظهرها أيضاً .. مظهرها الملوّن الغنيّ .
لعلّ من بين الأشياء التي تحدّ من أفق الفنان هو تصوره أن الجوهر ثابت وأعراضه أيضاً دون أن يتحول أحدهما إلى الآخر في ظرفٍ ما .. في زمنٍ ما . وفي هذا التصور لم يعد الفنان خالقاً بل مفسرا وشارحاً . ليس الجوهر وجوداً صرفاً لكي يعثر عليه الفنان وليس العرض ثابتاً لكي يصفه الفنان بتفاصيله وألوانه وغناه. إنهما متغيران أبداً وإدراك هذا التغير الذي قد يبدو فوضى عارمة هو ما يميز فناناً عن آخر في قدرته على إمساك اللحظة قبل أن تختلط الأشياء وتتبادل ادوارها. ولا يعني إمساك الفنان باللحظة أنّ ثمة تسلط توحي به لفظة إمساك، وإنما تعني نفاذ نظرة الفنان وعمقها في إدراك المعنى القائم في تلك اللحظة وامتداداتها. ولن يتم ذلك إلا عبر ما هو نقيض كلمة تسلط : الخضوع للموضوع وليس التعالي عليه والاحتشاد له دون اعتبار له بالذات، أي دون اعتبارلمكانه وأعراضه المعبرة عن جوهره في تلك اللحظة. وقد تتجاوز المخيلة المكان ذاته لا لتلغيه بل لتعطيعه امتداداته من خلال تحوله هو لا تحول جوهره وأعراضه، حسب، فيتخذ شكل مكان آخر يظهرهُ ويخفيه في آن واحد. ولكن مهما تحول المكان واتخذ أشكالا أخرى فهو لن يفقد سماته التي تميزه عن غيره في القصيدة لا في الواقع، وهذا فارق مهم. حين كتبت قصيدة (سراباد) وهي رحلة وهمية في مكان وهميّ .. هل كانت وهمية حقّاً؟ أم كان لها أثر في واقعٍ ارتحلتُ فيه، وصحارى شهدتها، وجموع ارتحلتُ معها، ومدن واقعية وغير واقعية شهدتها. لا أدري كيف يحضر المكان؟ لماذا يحضر المكان العابر بقوة أحياناً ويغيب المكان الذي تقيم فيه طويلا؟ كنت في زيارة للمغرب بدعوة من اتحاد كتاب المغرب هناك وقد كان احتفاؤهم بي مؤثّراً إثر صدور كتاب "الشاعر خارج النص". أرونني مدنهم، ودعوني إلى بيوتهم، ولم أكن أظن أن سأكتب شيئاً عن رحلتي ولكن فجأة وجدتني أكتب ديواناً كاملاً لم أنشر قصائده متفرقة بل نشرتها مجموعة في المغرب في مطلع السنة الماضية بدعوة أيضاً، لكن هل يعني هذا أنني أكتب بأحاسيسي فقط. للمكان تاريخه من المعارف والتجارب والأسئلة والأحداث وباختصار له عمقه. هناك شعراء يكتفي من المكان بسطحه، لكنني لستُ من هؤلاء. كلما وجدتني باحثاً في ذاكرة المكان كلما وجدتني أشدّ احساسا به وتنبّهاً له. نعم كانت رحلتي أسابيع ولكنني صرفت زمناً طويلاً لمعرفة المكان عبر تاريخه وكتّابه وناسه وأحداثه. ومن بين هذه المعارف مجلدات كاملة. هل التجربة تكفي؟ أم أن فهمها يعادل معايشتها ويعمق الإحساس بها؟ ولأن للمكان حضوره في شعري تراني أبداً مسحوراً بالأمكنة التي أراها والتي تفاجئك دوماً ببشرها وأحداثها وعلاقاتها التي لا تستنفد أبداً كالحياة. وهذا في رأيي دافع الشعرالرئيسي: قدرة الأشياء في الواقع على التأثير في الشاعر صاحب المخيلة الحاضرة دوماً. نعود إذن إلى بدء ما قلناه عن المخيلة والواقع اللذين لا يفترقان أبداً في الشعر. ما من مخيلة محض. مثلما ما من واقع محض ، ولكن مثلما للمخيلة عالمها الذي لا ينتهي كذلك للواقع غناه اللانهائيّ. خاصة للعابر مثلي الذي يحتشد بالأشياء والبشر والوجوه.


التحولات:

أين وصلتَ بالقصيدة وإلى أيّ مدى إبداعي أخذتك؟

لعل الشق الثاني من السؤال هو الأصحّ. لم آخذ القصيدة أو أوصلها بل هي التي أخذتني وأوصلتني. لكل مجموعة شعرية لديّ عالمها المختلف عن بقية المجموعات الأخرى، بل وأشكالها أيضاً. وليس في هذا التحول أو الاختلاف وربما الافتراق أحياناً ما يبعث على الغرابة لا سيما إنني أعيش حياتي بكل اتساعها واختلافاتها وتحولاتها. كما إنني لم أكن ماسوراً يوماً لشكل ما. كلّ قصيدة لها شكلها الخاص بها خفيّاً وظاهراً. وما يبدو بسيطاً في الظاهر هو ليس كذلك في جوهره، لاسيما وإن صنعة الشعر في غاية الخفاء. وقد يكون العكس فكثير من الأشكال الضاجة في ظاهرها هي ليست سوى أشكالٍ ساذجة سرعان ما تختفي كما الإعلانات تماماً. ولعلّ الأشكال نفسها هي موضع بحث دائم فما من شكل منجز تماما لانّ كلّ شكل مهما تقادم له امكانياته التي لا تستنفد أبداً. ما من شكل ميت في الشعر. وقد يكون التجديد نفسه في إحياء أشكال معينةٍ منه. وقد يكون اللاشكل نفسه هو الشكل بعينه، حين تمتزج الأشكال وتتجاوز أو تتداخل فلا تعود هناك مسميات لقصيدة تفعيلة أو قصيدة نثر أو نثر بل نص له كلّ مواصفات القصيدة الجيدة التي لا يحدها شكلٌ أبداً. لا يشغلني تطوير قصيدتي وما يشغلني هو كتابتها. ما يشغلني هو القصيدة نفسها لا شكلها أيّاً كان. وليس معنى هذا أنني غير معني بالأشكال إن لم تكن لي حساسية شبه موسوسة بها، فأنا لا أطيق القصيدة بلا بناء وتصميم مهما احتوت من شعر. ثمة قصائد تقرأها وقد تحتوي شعراً وزخما في بعض مقاطعها لكنها ليست قصائد لأنها بلا موضوع ولا بناء وإنما هي أشبه بتداعيات لا معنى لها. قد تكون التداعيات ضرورة حين تكون جزءاً في القصيدة يحتّمه موضوعها ولكنها تصبح ثرثرة وفقراً حين تكون كلاّ لا يجمعها جامع بموضوعها.
إن جلّ ما أفعله من أجل أن أسهّل مهمة القصيدة، في إيصالي كما قلت إلى ما أريده من مديات أو مدارات إبداعية جديدة أخرى، هو أن أقطع لها نصف الطريق من خلال بحثي الدائم عما يقربني من فهم الواقع والفكر وتجارب الآخرين الشعرية، عبر اللذة والدرس معاً. وأنا حين أمارس هذا البحث لا أمارسه كباحث عقلاني جاف بل بلذة من يستمتع ببحثه وتذوقه وإعادة نظره بالأشياء وتحولاتها واختلافاتها التي تبدو لي أنها كثيراً ما تتخفى تحت أشكالٍ لا حصر لها من الأقنعة. وهذا ما ساعدني على اكتشاف ما حولي من واقع لا أرى فيه ما يراه غيري. ليس أبعث على الشك أكثر من الأشياء المألوفة في الحياة في كلّ شئ. لا يعني هذا أنني أتخذ الشك منطلقاً أو مقياساً عاماً. إنني أتحدث هنا عن الواقع الآخر الواقع الشعريّ المحمل بالتأويلات والإمكانات في كلّ شئ . لا أحب التفاصيل الزائدة ولا الثرثرة في الشعر ولا المخيلة المفارقة لموضوعها والتي تبدو في كثير من الأحيان لعب أطفال أكثر مما هي غنى وإبداعاً، حتى ولا المفارقات حين تتصنع الذكاء والكشف. وأجدني شديدا مع نفسي في النأي عما يتبادله الآخرون من تقريض ليس هو سوى بضاعةٍ في سوق.
يريد بعض الشعراء أن يستحضر الشعر كلّ الشعر في القصيدة الواحدة وهذا وهم. لكل قصيدة شعرها الخاص. شعرها الذي يأتي ساذجاً أحياناً. بريئاً حتى من أي مخيلة وألوانها. للشعر عالمه الذي يمتدّ من أغاني الأطفال التي كنا نرددها في طفولتنا إلى القصائد الكبرى التي كتبها شعراء كبار. يتقدم البعض من قصائدهم كأنهم في حرب وكأن دونكيشوت قادم إليك في القصيدة. لندع قصائدنا تحملنا ولنتقدم إليها بتواضع المحب لا بعجرفة الفارس المتوهم.


الوطن- المنفى

* ما الذي تغيّر من مفهوم الوطن- المنفى بالنسبة لشاعرٍ مثلك؟

** لم أكن أتصور أن علاقتي بالوطن ستكون بمثل هذا التعقيد. حين غادرته استحال فجأةً ذكرى بعيدة، مثلما استحال مستقبلاً بعيداً أستحضرهما كأنهما مظهران لشيء واحد. فماذا أفعل بمستقبلٍ لا أدري متى يأتي؟ وماذا أفعل بماضٍ لا أدري متى ينتهي؟ لم أكن أريد من المستقبل غير أن يكون ماضياً، فإن لم يكن فليكن إذن مستقبلاً لا يريده المنفيّ غير مسرح يدخله متفرّجاً لا ممثلاً وقد أتعبته الأدوار وضاق بالتمثيل، وأصوات ممثليه العالية بعد أن اعتاد صمت المنافي وضجيجها الذي لم يكن مهلكاً، كما في وطنه الذي عاد إليه ليشهد أن المتفرج هو الضحية والممثل هو الجلاد و أنّ للفرحة شعائرها السوداء.
كان الماضي بعيداً والمستقبل بعيداً، غير أن ما يحدث الآن لا يمكن تصديقه: كيف يكون الحاضر بعيداً؟
ثلاث مرّات عدت إلى الوطن وفي كلّ مرّةٍ يزداد الحاضر ابتعاداً، وقد يبتعد أكثر. ما الذي يتبقّى لي عندئذٍ وقد فقدتُ ماضياً ومستقبلاً وها أنا أفقد حاضراً؟


أجناس أدبية الأخرى:

* ماذا عن الشاعر حينما يكون قاصّاً، مسرحيّاً، مترجماً أديباً. هل يضيف ذلك لشعريته شيئاً أم يأخذه منه؟

** على امتداد تاريخ الشعر كان الشعراء من بين طلائع من ترجموا الآداب الأخرى. لقد أسهم في ترجمة الإلياذة إلى اللغة الإنجليزية خيرة الشعراء الإنجليز وهذا ما يمكن قوله أيضاً بالنسبة إلى النقد والمسرحية والرواية والأجناس الأدبية الأخرى التي برز فيها أعظم الشعراء: دانتي، فكتور هيجو، كوليردج، درايدن، إليوت، اكتافيو باث، بودلير، غوته، شيللر، بول فاليري، باسترناك، ناظم حكمت وفي تراثنا هناك الأمثلة العديدة على هذا التنوع كأبي العلاء المعري وبشار الذي يقول عنه الحاجظ: "كان راجزاً سجّاعاً خطيباً صاحب منثور ومزدوج، وله رسائل معروفة" وهذا ما يقال أيضاً عن أغلب شعرائنا المحدثين. كلّ تعدّد هو غنى لاسيما إن الأجناس الأدبية آخذة بالاقتراب من بعضها بعضاً. لكنّ هذا لا يعني أن ما قلته قانوناً عاماً ليس هناك ما ينقضه فقد نجد كتاباً يمارسون الكتابة في أنواع شتى من الأدب دون أن يستطيعوا أن يجدوا أنفسهم في أي نوع منها. والحقيقة أنّ ما كتبته لا يعدو أن يكون مجموعة قصصية واحدة ومسرحية واحدة. الأولى كتبتها في مطلع الثمانينات وأضفت إليها قصتين أو ثلاثاً حين نشرتها ولم أعد للقصة القصيرة من بعد، أما المسرحية فقد تكلمت عنها بإسهاب في كتابي الشاعر خارج النص وهي أصلا مسرحية مكتوبة شعراً باللغة الفرنسية وقد ترجمتها شعراً أيضاً مستخدماً فيها كل أشكال الشعر المعروفة و النثرايضاً ولأن مترجم النص الفرنسيّ إلى اللغة الإنجليزية تصرّف بالنص وأضاف إليه أحداثاً من مخيلته طلب إليّ المخرج الإنجليزي أن أعمل مخيلتي في تطويع النص ليكون ملائماً في لغتي وهذا ما فعلته فأضفت له ما أملت عليّ مخيلتي ولم ألتق بالنص الإنجليزي إلا بما هو عام على المسرح.
لديّ الآن أعمالٌٍ تحت الطبع يمتزج فيها النثر بالشعرأحدها بعنوان: (أحوال ومقامات) وآخر بعنوان: (باتجاه الجنوب شمالاً) كما أن لديّ عملاً نقديّاً بعنوان: (متن أم هامش؟) وفيه أتناول أكثر من عشرة شعراءً بالدراسة منهياً كلّ دراسة بقصيدة عن الشاعر. أي أنّ كتابي هذا لم يغادر الشعر رغم طابعه النقديّ.

أيديولوجيا:

* إذا كان قدر العراق أن يظل رهينة للتقلبات السياسية والفوضى فكيف أفلتت قصيدة عبدالكريم كاصد من قبضة السياسة والإيديولوجيا وكيف كانت إطلالتها على الهم العراقي المتجدّد؟

** منذ قصائدي الأولى وأنا لا أتعامل مع الأفكار في الشعر في تجريدها بل في خصوصيتها وفي تجسدها واقعاً، أي أن ثمة عملية مقلوبة تماما: كيف تنعكس الأفكار في الواقع وليس الواقع في الافكار؟ أليس للأفكار جدلها الخاص مثلما للواقع جدله الخاص وحركتها التي تنأى بها عن الواقع كثيراً. في هذا الجدل الدائم قد يفترق الواقع عن الفكر أو الفكر عن الواقع وقد يتناقضان رغم تطابقهما الظاهريّ الخادع. في أثناء أعراس الجبهة التي رأيتها مأتماً كتبت نقيض ما هو سائد وهذا ما هو واضح في قصائدي (كلهم مخلصون) و(القطار) و(كاطع سبهان) وغيرها ونأيت عمّا هو حاضر لأقيم أعراسي الخاصة .. أعراس طفولتي في (النقر على أبواب الطفولة)، ساخراً ومحذّرا مما يجري ونظرتي هذه لا تجعلني أنا نفسي الشاعر بمنأى عن التحديق في داتي وفي اخطائها. لا فكرة على الأطلاق مهما كانت منزلتها تبرر واقعاً أوممارسة.

بعض النقاد يتساءل لماذا كثرة الأسئلة في شعري، حتى أن بعض القصائد تبدو كما لو أنها تساؤلات محضة. هل الأسئلة دوماً دلالة على تردّد وضعف أم هي من جانب آخر دلالة على الرؤية الأوسع في النظرة إلى الإشياء في تحولها الدائم عرضاً وجوهراً معاً، فلا جوهر ثابتاً ولاعرضَ مستديما بل نار تصهر وتحوّل.
كلّ تساؤل هو تساؤل عن حقيقة و معنى هاربين ينتظر جوابه وقد يتضمنه إشارة غامضة أو واضحة إلاّ أنه يبقى تساؤلاً وليس جواباً حتى لو تضمن الجواب نفسه .
كل قصيدة هي موضع اقتراح مستمر للمعنى مادامت القصيدة ليست أفكاراً جاهزة ولا أحاسيس جاهزة بل واقعاً من أحاسيس وأفكار له ما للواقع من تعقيداتٍ وتعرجاتٍ ومدلولاتٍ وأسئلةٍ لا تنفد،
وقد يصمت الواقع أمام أسئلة الشاعر وقد يظلّ الجواب نائياً أبداً حتى لو اقترب من الواقع والشاعر معاً، لأنه لا معنى نهائياً هناك ولا حقيقة في مجتمعات تتكسر كمستنقعات يابسة.
ولكن هل يعني هذا أن الشاعر كاهن الحقيقة وحده الخارج بنبوءاته وأسئلته وألغازه، بل وبأجوبته أحياناً أم هو ذلك السائر بين الناس بأحاسيسه وأفكاره ؟ قد يكون الاثنين وقد يكون الآخر وحده ولكن لن يكون الكاهن أبداً لأنّ هذا يعني موته وخواءه وافتراضاته وتعلقه بالفراغ.
قد تكون التساؤلات تعبيراً عن عجز الشاعر ولكنها قوته أيضاً .. قوته في الإشارة إلى ما يختفي تحت القوة من عجز، وتحت العجز من قوّة ، فما يبدو أنه عجز الشاعر هو في حقيقته ليس سوى عجز الواقع نفسه، وما يبدو قوياً لن يكون ذلك مستقبلاً أبداً.
عجز الشاعر هنا فعل فهو يسحب الأشياء من ظلالها .. من عتمتها لتكشف عن بهائها أو خوائها إن كانت ممتلئة بالظلام.
منذ اليونان والقانون موضع شبهة والفرد العاجز هو الأقوى من جبروت القانون الذي سرعان ما ينكشف عن ضعف.
ربما كان لدراستي الفلسفة بشكل مبكر أثرها في تعاملي مع الأفكارمن مسافة من دون ذلك الحماس الذي وصم مراحل بأكملها ولم يقتصر تأثيره على الأفراد وحدهم. أما عن الواقع العراقي وعلاقته بقصيدتي، فهو لم ينأ عني يوماً مثلما لم أنأ عنه يوماً وليس أدلّ على ذلك من هذا الحوار ذاته ومن قصائدي المتواصلة عن الهمّ العراقيّ .


مراجعة:

* لو أتيح لك أن تراجع منجزك الشعريّ، ما الذي ستعيد النظر فيه (بروح الناقد) وتتمنى اليوم أن تكتبه من جديد؟

** قد تستغرب إذا قلت لك أنني لا أودّ أن أعيد شيئاً ولا أتمنى أن أكتب قصيدة من جديد لأنّ من المستحيل أن أستعيد تلك اللحظة التي عشتها سابقاً بكل عمقها وبهائها وجدّتها وضوئها. كيف أستعيد ما فات وهو تجربة خاصة بل شديدة الخصوصية حتى لو اتصفت بعمومية ما. إنّ لها عصبها الخاص، شكلها الخاص الذي لا يمكن أن يحل محله شكل آخر. ولو منحتها شكلاً آخر لاستحالت قصيدة أخرى. وهذا يرجع لسبب بسيط هو أنني لا أكتب أفكاراً لأعدلها أو أحولها أو أواريها بل أكتب تجارب لها حدودها وشكلها الخاص الذي لا يمكن حتى للشاعر نفسه أن يستبدلها بشكل آخر. لأن للقصيدة نظامها الخاص بمعزل حتى عن الشاعر. لا يقود الشاعر القصيدة وإنما هي التي تقوده. أحيانا تنتفض القصيدة ذاتها على الشاعرمن أجل تغيير مسارها الذي يريدها له بسبب فكرة ما أو أيديولوجيا ما، يريد أن يرغم قصيدته على التطبع بها. إنّ للقصيدة مسارها الخاص وتطورها مثلما إنّ للشاعر مساره وتطوره الخاصين، فالقصيدة ليست هي ذاتها بمرور الزمن مثلما الشاعر ليس هو ذاته بعد كتابة القصيدة. إذا كان ثمة تغيير فهو تغيير هامشي في لفظة ربما أو تركيب وهذا يحدث نادراً أيضاً. وليست نظرتي هذه من منطلق تقييمي بل من منطلق الرؤية الشعرية ذاتها.. وتجربة الشاعر ذاتها، بل وتجربة القارئ أيضاً.



دوافع:

ما دافعك لكتابة القصيدة؟ وهل من فرق بين دافعها في الأمس واليوم؟

ثمة دوافع عديدة لكتابة القصيدة وهذه الدوافع تتسع وتضيق تبعاً لتجربة الشاعر وقدرته على التقاط ما هو جوهريّ فيها في لحظة ما هي لحظة القصيدة. وهذه الدوافع ليست بعيدة دوماً بل قد تكون أقرب الأشياء إلى الشاعر وألصقها به في عاديتها التي تخفي دهشة كبيرة لن يكتشفها إلا الشاعر الحقيقيّ المتمرس بالتعامل مع الأشياء من زاويتها غير المرئية. في كلّ شئ دافع للشعر، أليفاً كان أم غريباً والشاعر الحقيقيّ هو القادر أن يجعل هذا المألوف جديدا في غرابته وذلك الغريب مألوفاً بعاديته، أما البحث عن الغرابة من أجل الغرابة فهو العادية تماماً واللعب الطائش في الشعر حين تستحيل الجمل كلمات والكلمات ألفاظاً والكلام لغواً. وحين يتقدم العمر بالشاعر تتسع الدوافع فتشمل لا الحاضر وحده بل الماضي وربما المستقبل أيضا بهواجسه وآماله وتوقع خيباته ربما، وتصبح للتفاصيل مهما دقت في الماضي والحاضر أثرها في الروح وليس في الذاكرة حسب ويصبح للغياب والحضور لعبة أخرى هي لعبة الشعر المجبولة من الظل والضوء، من الماء والنار، حين تنصهر الألفاظ فتشف لتصبح نافذة أوسع لا تطل على الذات وحدها بل على الوجود وإن شئت على الغياب أيضاً.
حتى الفلسفة أصبحت تكمن في رأي البعض في ذلك الاحتكاك الدائم في اللافلسفة فمابالك بالشعر الذي لا يوجد إلا في احتكاكه بما هو ليس بشعر. وإذا كانت اللغة كما يورد ذلك (فوكو) في أحدى مقالاته تتجاوز صورتها اللفظية الصرف لانّ هناك أشياء أخرى في العالم تتكلم دون أن تكون لغة، فما أحرى الشاعر باستنطاقها قبل الفيلسوف.



#عبدالكريم_كاصد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شمس عبر الأوراق: شينكيجي تاكاهاشي
- ما الذي نفتقد؟
- الديوان المغربيّ
- القصيدة-النص
- لا وجود لداخلٍ أو خارج بشكلٍ مطلق
- باتجاه الجنوب.. باتجاه لوركا
- مختارات شعرية: نوافذ
- عن المسرح الشعريّ
- ديوان: وردة البيكاجي
- عن الملائكة- رافائيل ألبرتي
- ديوان الأخطاء
- ديوان : ولائم الحداد
- قصيدة طائفية
- مقاهٍ لم يرها أحدٌ
- هايكو: جاك كيرواك
- لعبة واحدة، اثنتاعشرة قصيدة، والشاعر العربيّ في المنفى
- من مختارات هارولد بنتر الشعرية
- الشاعر خارج النص: قصائد مختارة
- الشاعر خارج النص:الفصل الخامس
- الشاعر خارج النص: الفصل الرابع


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم كاصد - مكان يهرب..بداية تبتعد