أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فلورنس غزلان - الطفولة الضائعة بين الوهم والواقع















المزيد.....

الطفولة الضائعة بين الوهم والواقع


فلورنس غزلان

الحوار المتمدن-العدد: 3209 - 2010 / 12 / 8 - 21:29
المحور: حقوق الانسان
    


ــ أستضيف اللغة العربية على أطراف المقاهي المرمية في أزقة متربة أو موحلة، أرهقت السنين كراسيها وطاولاتها لطول مرافقتها لشباب متعب وكهولة مهدودة، تنجب طفولة محكومة بالموت البطيء، أُدخلها عنوةً لمشاهد الخرائب في الأزقة السخية جداً بالطفولة المهملة، أسلخها عن ثيابها الأنيقة ومجلداتها الضخمة...علَّها تنسخ بعين ثاقبة تعدد الفصول والشجون، علَّها ترسم بدقة كل المراثي، حجم المآتم، وأعداد القرابين الصغيرة المرسلة إلى حتفها على أطراف المدائن الكبرى في مساحة شاسعة تنطق " الضاد"...أتركها لمرآة الحقيقة، لضميرها يخطو ويعبر الغيوم الداكنة دون مطر، أو الصحراء، أو واحة من الواحات، أو قبو من الأقبية الممتدة بين الماء والماء..أتركها تنعم بالنوم فوق هذا السطح الكبير على باب خيمة أو تحت سماء تفتعل الحب وتنتعل لغة الكراهية..أتركها ربما تختار موقعاً أقرب لما أريدها تصويره ..خلف صناديق خشبية مقطعة الأوصال استهلكها أغنياء العصر والصهر والإمساك بزمام المستقبل ، ورقبة الحاضر، أتركها تقرأ وتعيد النظر بعد أن تفرك عيونها بالماء والملح جيداً ..بأبجديتها ..أن تترجم إن امتلكت الجرأةــ ماترى وتنقل بيقين وصدق إلى العالم الآخر...عالم يقدس الطفولة ويرسم لها في السماء كواكباً سيارة تعبر وتتألق لتصنع...الحلم.
ـــ فأي حلم ستصنعه لغة باتت عتيقة، تُحجُم أمام هول البؤس، وتُختَصَر بمفردات محدودة أمام قدرة القمع على رسم الحدود والدوائر كي لايتخطى أعتابها الناطقين باسمها المميز، فتستدير عائدة إلى وكر الخوف، خجولة ، مستباحة، مغتصَبة من ريح صفراء أغرقت المدن كما هَجَّرت الريف، ثم احتلت أجمل الجبال وأكثرها شموخاً، وعبثت في الأودية والحقول راسمة لها نهايات محتومة، ألقتها في سجن العبودية لطاغوت يقطع حبال الوصل وكل وسائل الأنسنة ، بين شروق الشمس وغروبها، بين الأب وابنه، بين الجار وجاره، بين المعلم وتلميذه....اتسعت المسافات وازدادت الخنادق عمقاً، فهوت الطفولة ضحيةً إلى قاع الاهمال والنسيان، تغتسل بدمائها وتصغي من خلال أنينها لقلبها المتعوس حين جعلها ابنة لهذه الأمكنة أو لهذه الطغمة السائدة...ترفع عيونها نحو الشمس علها تحمل شعاع أمل لوطن يائس، يولد فيه الحلم ميتاً ، وتولد فيه الطفولة شائخة.
ــ ألا تهتز أركان وطن تقف خلف أبوابه وأمامها سواطير تغتال البراءة؟، وتلقي بها إلى حفرة المجهول، تسلخها عن حليب أمها لترضعها من منهج دراسي لايسمح إلا بالتعليب والصهر في قوالب جبسية العقل ، محنطة الانتماء لعالم ولى وأدبر ..ترسل بالطفولة إما إلى جحيم الشارع والجهل،أو تحملها الصدفة إلى ريح نقية مغسولة بماء المحبة، لأن المدرسة في هذه المساحة تحمل السيف مع القلم، والكتاب مع الحجاب، والقيد قبل المعرفة، والمقص قبل الكلمة..فكيف للطفولة أن تصمد؟، إن لم تجد قانوناً لايقف صامتاً ولا يغمض العين على القذى ، ولا يحمي الصغار على المعابر الوحشية ، أو على أيدي تجار البؤر المسمومة، وصيادي المنابر المؤهلة لتتحول لمقاصل حين تغري الطفل بعرسٍ سماوي يلغي الفوارق ويبشر بالأحلام الغيبية...لكنها تحتضن الخيال الصغير وتشعل فيه التوق إلى حرية دون حدود، وجنات عدن لم يقرأ عنها ولم يرها في عالم الحقيقة والوجود..
ــ فحين تتحالف المدرسة مع الأب الجائر المحكوم بعقل التقليد ولغة السياط والعبيد، ويتستر القانون على الأيدي القاسية والعقول المأزومة، فمن ينقذ الطفولة؟
ـــ حين تبلغ أعداد الأطفال المعاقين في سوريا إلى مليوني طفل، كنتيجة علمية تصل نسبتها إلى 80 بالمئة منهم بسبب زواج القاصرات وزواج الأقارب، حين يطرد أب أسرة مؤلفة من خمسة عشر فرداً ولده ابن الثانية عشر ربيعاً ليأتيه كل يوم بمبلغ 500 ليرة سورية ، وإلا فلن يدخل المنزل!...حين يتمنى أحد الأطفال أن ينام على فرشة أو في سرير، أن يذهب للمدرسة كما الآخرين، أن يتناول وجبة حارة من يدي أمه، أن يغتسل ويرتدي ثياباً نظيفة...كل هذه البديهيات تصبح حلماً لطفل محروم، معرض للعنف في البيت والشارع وأيدي العابثين...فمن المسؤول؟ أين قوانين العصر التي تحمي الطفولة؟ أين قانون التعليم الإلزامي ومن يسهر على تطبيقه حين يتسرب الطفل ويتسكع بحقيبته على أبواب السينمات ومقاهي الأنترنت؟ ــ راجعوا صحيفة الوطن السورية ــ حين تضطر الطفلة ابنة التاسعة لبيع علب المحارم الورقية أو قطع الشوكولا..تلحق بأي شخص وترجوه أن يتشري منها بعض ماتبيع...إلى ماذا يمكنها أن تتعرض؟...منذ متى صارت هذه المظاهر جزءاً لايتجزأ من مشاهد الحياة اليومية في أسواقنا وشوارعنا؟
ــ أصدقكم القول، أني لا أستطيع الاستمرار في الحديث بهذا المجال...لأن وجعي لاأملك له علاجاً ..ولا شفاء منه...حين تقع عيناك على أطفال ينبشون أكوام المزابل القادمة من أحياء الثراء، بينما تمر مسرعة سيارات فارهة سوداء تنقل أبناء البيك إلى مدارسهم الراقية..
ــ تحدثنا طويلا عن العنف ضد المرأة في المنزل والعمل والشارع والمجتمع..والظلم قانونياً، ألا ينطبق كل هذا على الطفل ضحية الجميع؟...لماذا إذن يكثرون من الإنجاب؟ لماذا يباهون الأمم في أعداد فقراء يأكل عيونهم الذباب؟ لماذا يغزو الجنوب الفقير الشمال الغني؟...لماذا... يكمن خلفها مليون سؤال يتعلق بأبناء المستقبل أبناءنا...فكيف نخلصهم كضحايا لعنف قانوني، منهجي ، مدرسي، أسري ، مجتمعي ، جنسي؟..يكفي أن تلعنوا الظلمة، يكفي أن تعدوا للعشرة قبل أن تهوي يديكم، يكفي أن تقولوا لا لمناهج تعليب العقل، يكفي أن ترقبوا مسيرة أطفالكم وتتابعوا دروسهم، يكفي أن تنصفوا يتيماً أو فقيراً....يكفي ألا تجعلوا الطفل ضحية خلافاتكم الأسرية وتتخذوا منه وسيلة ضغط أو مساومة، يكفي أن تبعدوا الأطفال عن حروبكم الطائفية وخلافاتكم المذهبية فلا تحشوا أدمفتهم الغرة والغضة بمتاهات خزعبلاتكم وهوامكم..، أن تعملوا ضميركم وعقلكم قبل النطق، يكفي أن تحترموا الطفولة وألا تقولوا " أنه طفل لايفهم ولا يفقه"! ، يكفي أن تتخذوا من الرحمة والرأفة رفيقكم في معاملة الطفل، والكلمة الحسنة خياركم في مناقشتة ، والثقة واحترامه ككيان إنساني هي شغلكم الشاغل حين تودون اللجوء للعقاب، وألا يكون عقابكم نابع من طقوس العادة والتقليد الأعمى...معتقدين أن العصا هي سلاح التربية الصالحة!، يكفي أن تطَّلعوا وتقرأوا قوانين بلادكم المتعلقة بالطفل، أن تزوروا أو تطلعوا على أحوال معاهد ومراكز التأهيل للأحداث ، وعلى أي حال هي وكأن الأمر لايعنيكم، يكفي أن تكونوا مواطنين لا رعايا..
ــــ في الختام أقترح على أي تنظيم أهلي أو مدني يولي الطفولة رعاية وعناية، أن يضع خطاً هاتفياً أخضر تحت تصرف كل أطفال الوطن وبمتناولهم ، أن تعطيه لهم المدرسة ، أن يكتبه له أولياءه...أن يحفظوه عن ظهر قلب، وألا يترددوا في الاتصال به حين يتعرضوا لأي نوع من أنواع العنف..وبالطبع أن تهيأ له أسرة خاصة مؤهلة للإجابة على كل اتصال وللمبادرة في اتخاذ خطوات تحمي الطفل المعنف
هذا كبداية يجب أن نطلقها بمناسبة اعتبار الثاني عشر من الجاري يوماً خاصاً مفتوح الباب أمام الجميع للنضال ضد كل أنواع العنف الواقع على الطفولة .
ــ باريس 07/12/2010



#فلورنس_غزلان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التصحر وفوضى التخطيط يعيد تشكيل المدن السورية
- اللعنة السورية
- ممَ نخاف وعلى ماذا؟!
- أوركيسترا عربية تغني الموت أو السجن
- ( المسلمون يقتلون أبناءهم، الذين من صلبهم)!
- ماذا يقول الجيل الثاني في المنفى؟!
- من حديقة - مارون الراس- إلى - حديقة إيران - دُر.
- حرية الفرد( المواطن السوري)!.
- قناديل طل الملوحي ومعاول البعض
- الحكاية ، حكاية صراع وجود وبقاء
- سيدا- آيدز- أو - نقص المناعة- الوطنية السورية
- الحب = العهر = الموت !
- الوجوه المتعددة لانتصارات الإسلام الاجتماعي والسياسي الجديد!
- هل يمكن الغفران؟
- اعتراف واعتراض موجه للمعارضةالسورية
- حساسية
- حجاب، نقاب، جلباب، تشادور، برقع، بوركة، قناع، ملاية...!
- مَن سيدفع ثمن الحرب القادمة، وأين ستقع؟
- ذئاب تشن حرباً على الكلام
- جنتهم ونارنا!


المزيد.....




- مساعد وزير الخارجية الأسبق: عرقلة منح فلسطين عضوية بالأمم ال ...
- اعتقال أكثر من 100 شخص خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين في جامعة كو ...
- السعودية تأسف لفشل مجلس الأمن في اعتماد مشروع عضوية فلسطين ا ...
- فيتو أمريكي يمنع عضوية فلسطين في الأمم المتحدة وتنديد فلسطين ...
- الرياض -تأسف- لعدم قبول عضوية فلسطينية كاملة في الأمم المتحد ...
- السعودية تعلق على تداعيات الفيتو الأمريكي بشأن عضوية فلسطين ...
- فيتو أمريكي في مجلس الأمن يطيح بآمال فلسطين بالحصول على عضوي ...
- حماس تحذّر من مساع -خبيثة- لاستبدال الأونروا
- الجزائر تتعهد بإعادة طرح قضية العضوية الفلسطينية بالأمم المت ...
- إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فلورنس غزلان - الطفولة الضائعة بين الوهم والواقع