أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عفيف إسماعيل - الخريف يأتي مع صفاء















المزيد.....

الخريف يأتي مع صفاء


عفيف إسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 963 - 2004 / 9 / 21 - 09:25
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


الخريف ياتي مع صفاء: رواية عربية
المؤلف: الروائي السوداني: أحمد الملك
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر-بيروت
تصميم الغلاف والأشراف الفني: شايب
لوحة الغلاف: جولياو سارمنتو/ البرتغال
عدد الصفحات:262 من القطع المتوسط
الطبعة الأولي:2003
"موقف الطاغية، هو موقف ذلك الذي يقطع الشجرة لكي يقطف ثمرة"
مونتسكيو

يفتتح الروائي احمد الملك روايته بمجتزاء من نص "غناء العزلة ضد العزلة" للشاعر الصادق الرضي،ويشكل هذا النص ملمحاً لا يغيب عن الذاكرة الثقافية السودانية حيث يعتبر واحداً من اهم النصوص الشعرية في العقدين الاخرين من نهاية القرن العشرين، وتحفل جمل النص وصوره الشعرية بجمالية تصورية فائقة الدقة لخلق التصورات عن الحلم والواقع وتستشرف أفق غد يحمل جينات وراثية من الماضي، ويعج النص بنبواءت مازالت تعتمل،وذاك احد شفرات هذا النص التي جعلت تمدده مستمر في كمون الواقع السياسي والاجتماعي السوداني وأزماته المستديرة. وقد خلق أثراً جديداً في العمل السياسي الطلابي في التسعينات فصار أحد ادوات التعبئة الإحتشادية للندوات السياسية في الجامعات والمعاهد العليا السودانية، مشكلاً ذاكرة جديد بعيدة عن شعر الجهارة الثورية الذي يخص هذه التظاهرات السياسية. وكثيراً ما تجد مجتزاءات من هذا النص المدهش مزينة بالرسوم والالوان علي جرائد كل القوي الديمقراطية وبطاقات تضامنهم ودعمهم الشعبي. وحصافة الروائي احمد الملك جعلتة نافذتة الأولي للقاري لكل يطل إلي عالم المشير الدكتاتور في عزلتة وفراغه الروحي الرهيب.
يتقصي الروائي احمد الملك في خيوطة روايتة سيرة المشيرالدكتاتور الذي جثم علي انفاس شعبه لعقود متتالية، عبر ثلاثة ازمنة من عمر المشير ، فترات الدراسة وطفولة، اوج الاستبداد بالسلطة، الوحدة والفراغ الروحي والنسيان.هذه الأزمنة ليس بهذه التراتبية التصاعدية المذكورة، إنما تتداخل بين خيوط السرد المحكم لتبني نسيج الرواية في تناسق يتركز علي سيرة الدكتاتور في اوج قمعه وجبروته، وفي وهدة فراغه الروحي والنسيان، وتتقاطع أزمة الدراسة، والطفولة بينهما لتعمق ترابط السيرة الزمني. وهي سيرة تتكئ السيرة علي احداث واقعية سياسية يعرفها كل أهل السودان، للوهلة الاولي قد تلمح بين السطور ميل نحو التأرخة لكنة يتجنب ذلك ببراعة حرفية بخلق شخوص جديدة ينحو بها نحو أسطرة هذا الواقع المهيمن، ويستلهم في ذلك كل المخزون الأسطوري السوداني الثقافي المتنوع مثل "الأميرة مينيساي التي تتحول الي ريح،وتختفي تماما كما حدث لجدها الملك نيكانج العظيم، والعقيد خليفة أحمد بركات الذي تحول الي كجور ذو مقدرات خارقة فقد استطاع ان يخرج من يد المشير وهو يصافحه ثلاثة أحجار وعصا صغيرة من الأبنوس ومجموعة من العظام النخرة والفردة اليسري لبوت عسكري وعنكبوتاً صغيراً ولي هارباً بمجرد ان خرج من جسد السيد المشير،العصا التي ارسلها الي السيد المشير الشيخ الحسين ود الضرير لكي تحمية من الرصاص..."
عبر سرد متزامن تتشكل ملامح الرواية لسيرة المشير الدكتاتور وفظاعة ممارسته للسلطة، وتنكيله بكافة خصومه بشهوة عارمة في التقتيل، والاستلذاذ بمشاهدة الاعدامات، ويصدر اوامره علي حسب مزاجه الدموي ودرجة إقتراب الانقلاب العسكري من إقتلاع سلطته، احياناً شنقاً حتي الموت وحينا رمياً بالرصاص، والارامل والثكالي صرن نصف سكان الوطن،فبين كل إنقلاب وانقلاب مذبحة بشرية، وأجهزة امنه تمده بالاكاذيب المستمرة وتزيف له ما يحدث في الواقع، يتحدثون عن الرخاء بينما المجاعة تأكل كل أطراف الوطن وسكان الريف هجروه بعد ان نفقت ماشيتهم وجف زرعهم وصاروا يشكلون أحزمة للفقر تطوق المدن الكبرى، يدبجون التقارير عن مشاريع التنمية التي تعمل بكفاءة بينما العنكبوت والغبار يغطي جدران تلك المصانع،والصحافة الرسمية تنسج الأكاذيب لم يعد احد يشتريها فقط باعة السندوشات لكثرة عدد ورقها وقلة ثمنها، يقولون الأمن مستتب، وقبل ان يكمل قراءة التقرير يسمع دوي الرصاص، فيعرف انهم بصدد دحر محاولة إنقلابية اخري الذي يليها مزيداً من الدماء والسجون التي اكتظت بالمعتقلين مما حدا بالسيد المشير با ن يصدر قراراً بالافراج عن كل اللصوص والمجرمين حتي يتسني له حشر خصومه السياسيين فيها.
يتجول الروائي احمد الملك عبر سياحة تاريخية جغرافية فلكلورية تراثية في خارطة السودان، مما اعطي الرواية طقسها السودانوي المميز كما اشار الي ذلك د. الصاوي يوسف في مقدمة الرواية. وهذه السياحة تستهلم المكان بذاكرة شاهد العصر لسلطة المشير وهو يغرق يوماً بعد يوم في الاستبداد وفي وحدته وعزلته ووهدة النسيان التي صارت تسيطر علي كافة أوقاته، وهو الزمن الممتد الذي من خلاله تتداعي ذاكرة المشير لتكون تفاصيل هذا النسيج الممتع وهو في تلك الحالة المزمنة ينسي حتي القرارت التي يصدرها، لقد اضمحلت ذاكرته فهو يقول فجأة اثناء أجتماع مجلس الوزراء :" انا متأكد أنني وضعت ذلك الحذاء فوق المنضدة. او يقول فجاة أثناء إجتماعة مع الوزير الياباني لتسلم دعم دولته لضحايا الجفاف والتصحر:" اليوم فقد زوج من الجوارب، يبدو ان لصاً استطاع الدخول إلي البيت وسرقهما!!أو يعين وزير قبل ان يقيل خلفه، او ترشيح الموتي للوزارت، وابرز تمظهرات النسيان ذهابه الي قريته للتعرف علي بيت اسرته فيخف سكان القرية لإستقباله وهو غارق في دوامة معرفة الرموز القديمة التي كان يعرف بها بيتهم وعبر سبع ليال يحكي لهم عن كل المآسي التي مارسها خلال توليه السلطة بمزاج معتدل وليس برغبة التطهر بذكر تلك الحقائق الدامية الموجعة التي تبين بأن كل ما اهّله لتولي السلطة ما يمتلكة من ماضي ملاكم استطاع ان يحول وطنه إلي حلبة كبري هو وحده المنتصر فيها وتنال لكمته حتي مقاعد المتفرجين.
تظل صفاء ذلك الحلم المورق له وجاء بإبيها الفاقد للذاكرة ايضاً،ويعلق اللافتات التي تحدد وجهته، وعيّنه وزيراً للرعاية الاجتماعية واقترح عليه ان تكون الدكتورة صفاء بنته سكرتيرة له والتي تنثر مظاهرالخريف المبكر بقدومها للقصر مقر الوزارة، ويقوم باعتقال خطيبها المحامي وتصفيته بعد ذلك ، وكان يظن بان هذا هو الطريق الي قلبها، وتختفي صفاء فجاة بإرادتها لتشكل ذاك الارق المزمن الذي استعان بكافة جبروت سلطته للبحث عنها ثم بالمشعوذين والدجالين، لكنه فشل إيجاده وتظل هي الرمز أن قوة السلطة مهما كان صلفها وغرورها بان تنال بطغيانها كل من تريد يستطيع ان يهزمها اي فعل يتم بارادة واعية.
"الدكتورة صفاء التي ذابت في الوطن كانها لم تكن موجودة أصلاً، والتي بسببها تم أحصاء سكان الوطن ثلاثة مرات خلال عام واحد لكي يتسني لرجال الآمن البحث عنها في كل بيت في الوطن.عثروا علي كل سكان الوطن، عدا الدكتورة صفاء، عثروا علي لصوص هاربين، وموتي منسيين من قبل اشتعال الحرب الاهلية الأولي،وتجار ومزارعين مختبئين منذ سنوات من ملاحقات البنوك والضرائب، وشيوعيين وحزبيين قدامى".
لا ينس الروائي احمد الملك ان يتذكر اشراقات الوطن عندما يقدم تلويحة زكية للروائي الطيب صالح عندما يتذكر المشير عمله كبحار في مركب انجليزي في فترة وجيزة من صباه يحكي في أحد الليالي مقابلته للدكتور مصطفي سعيد في لندن ووصفه بدقة للتفاصيل ملامح الفتاة التي كانت برفقته وهي" جين مورس" وايضاً تلويحتان للفنان مصطفي سيد احمد ، الاولي عبر السياحة الجغرافية والثانية التي يفيد بها الانتقال من زمن الي آخر عندما يتسال المشير في وهدة فراغة الروحي ونسيانه : لمن هذه الجنازة العظيمة؟ فيأتيه الجواب: إنها لفنان الشعب مصطفي سيد احمد.عبر هذا الرصد التاريخي الكارثي لأهوال الوطن الانسانية السياسية والبيئوية والاقتصادية ويتجول الروائي ليس بقصد التأرخه بل بتحديد موقفه من هذا التاريخ باسلوبه الساخر من كل هذا العبث.
"الخريف ياتي مع صفاء" رواية لها خصوصويتها السودانوية،ببراعة اسلوبيتها الساخرة الممسكة بخيوط وشروط الدقة الفنية سوف تجد مكانها بسهولة في المكتبة العالمية بين "السيد الريئس" لـ استورياس و"خريف البطريك" لـ غبريال غارسيا ماركيز.
بيرث
20/9/2004



#عفيف_إسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دوامات التجاعيد والريح
- الميدان شمعة فينيقية
- سِِفر الصراخ
- مواء غريب
- الشهيد/ عبد المنعم رحمة
- الصداع النصفي رسالة إلي صديق يدعي -أوفا-
- نص شعري
- جبهة متحدة !
- كوابيس
- أزرق
- دفوف
- أوتار ظامئة
- رغبة
- متي
- شرود
- إلي لوممبا ومحمود محمد طه بواسطة مصطفي سيد احمد
- أغلال
- أحداق
- إمبراطورية جدتي
- مساء خامد وابتسامات وريفه لطفلة اسمها - رفيف-


المزيد.....




- أحذية كانت ترتديها جثث قبل اختفائها.. شاهد ما عُثر عليه في م ...
- -بينهم ناصف ساويرس وحمد بن جاسم-.. المليارديرات الأغنى في 7 ...
- صحة غزة: جميع سكان القطاع يشربون مياها غير آمنة (صور)
- تقرير استخباراتي أمريكي: بوتين لم يأمر بقتل المعارض الروسي ن ...
- مسؤول أمريكي يحذر من اجتياح رفح: إسرائيل دمرت خان يونس بحثا ...
- شاهد: احتفالات صاخبة في هولندا بعيد ميلاد الملك فيليم ألكسند ...
- مليارات الزيزان تستعد لغزو الولايات المتحدة الأمريكية
- -تحالف أسطول الحرية- يكشف عن تدخل إسرائيلي يعطل وصول سفن الم ...
- انطلاق مسيرة ضخمة تضامنا مع غزة من أمام مبنى البرلمان البريط ...
- بوغدانوف يبحث مع مبعوثي -بريكس- الوضع في غزة وقضايا المنطقة ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عفيف إسماعيل - الخريف يأتي مع صفاء