أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - البنت التي لم تعرف انها ماتت














المزيد.....

البنت التي لم تعرف انها ماتت


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 3189 - 2010 / 11 / 18 - 19:11
المحور: الادب والفن
    


البنت التي لم تعرف أنها ماتت
قصة قصيرة

ظنّتْ نفسَها نائمةْ، حدث هذا في الحربِ الأخيرةِ على مدينتِها الصغيرةْ والوادِعةْ في حضنِ البحرِ، لم يختلِفْ مشهدُ الغرفةِ، طاولتها القديمة التي ورثَتْها عن أختِها التي تزوّجتْ، المرآة الملصقة بالأسمنت على الحائط، وحقيبتِها الملقاةِ بإهمالٍ جوار خزانةِ الملابس ذات البابِ الواحِدْ.

أيامٌ طويلةٌ والنومُ لا يريدُ أن يذهبْ، والليلُ لا ينطفئ، حاولتْ أن تحرِّكَ ذراعَها الذي أصابهُ الخَدَرْ، لم يستجبْ لها جسدها، حاولتْ أن تقلبَ جسدَها لأن الاستمرارَ على وضعيةٍ واحِدة أتعبَها، لكنها لم تستطع ذلكَ أيضاً، لم تكن تشعر بالاختناق، لكنها لاحظتْ أن صدرها لم يعد يعلو ويهبط، ولا هواءَ يدخلُ أنفها، وهي التي اعتادت أن تراقب كل حركةٍ من جسدِها وكل زاويةٍ فيه، فمنذ بلغت الثامنة قبل أربع سنوات، وهي تراقبُ كل بثرةٍ تنبتُ هنا أو هناك، وكل تغيّرِ لونٍ في أي مكانٍ من جلدِها.

لم تسمعِ الصوتَ الهائلْ، لم ينشطرْ جسدُها ولم تنزفْ من أي مكان، ولم تشعر بالألمِ أيضاً، كانت تتملّكُها أمنيةٌ واحِدة، أن تنتهي هذه الحرب قبلَ العاشر من الشهر القادمْ، لأنها إن استمرّتْ لما بعدَه فهذا يعني أنها ستفقد الهدايا التي وعدتْها بها صديقاتها، فعيد الميلاد يأتي مرةً واحدةْ في العام، وهي لا تملكُ الصبرَ لتنتظرْ عاماً آخرْ، فهي بحاجة إلى دفتر المذكرات الذي وعدتها به أمها، وبحاجة إلى حقيبة جديدة كما وعد والدها، هي في الحقيقة بحاجة إلى كل الهدايا التي يمكن تلقيها، وكان هذا ربما دافعها الوحيد كي تتمنى انتهاء هذا الجحيم.

عندما تنتهي هذه الطائرات من عملِها، سوفي تحكي لصديقاتِها عن كل ما حدث، فهي تسجّلُ كلَّ شيء يوماً بيوم، وستخبرُهُم بالتحديد عن الحالة التي تشعر بها الآن، من خمول وعدم إحساسٍ بالجسدْ، وستضحك كثيراً معهن، ومن المؤكّدْ أن صديقتَها سماح الجبانة ستحاول الادعاء أنها لم تَخَفْ، مع أنها متأكدةْ أنها قد تكونْ بللت فراشها أكثر من مرة في لحظات القصفْ، هي لن تفعل ذلك، ستكونُ طبيعيةً وتخبرهنّ عن خوفِها، وعن هروبِها إلى سلّم البناية كلما سمعَتْ صوتاً كأنّهُ الرّعدْ، كانت تحبُّ الرعدَ لأنّهُ رسولُ المطرْ، لكنها تكره الأصوات التي تشبهه لأنها رسولة موت.

أبوها أخبرَها مرةً أن الصوتَ الذي تسمعُهُ يعني أنها لن تموت، لأن الانفجار الذي يقتلكِ يا ابنتي، لن تسمعيه، شدةُ الانفجارِ وقوّته تحدثُ أسرعَ بكثير من الصوتْ، لذا فقد صارَ الصوتُ يطمئنُها قليلاً، ومع ذلك ظلّ الرعبُ يتملّكُها بعدَ كلِّ غارة.

بعدَ أيامٍ لم تعدّها، لأنها فقدت قدرة العد، دخلَ كثيرونَ إلى غرفتِها، أحستْ بالخجلْ لأنها لا تحبُّ أن يراها أحدٌ بملابسِ النومِ، أو بشعرها غير المسرّحْ، حاولتْ أن تصرخَ فيهم مؤنّبةً إياهُمْ على قلّةِ ذوقِهِمْ، لكنَّ صوتَها لم يخرجْ، كانت صديقاتها جميعهنّ هناك، أمُّها، أبوها، ومعلمةُ المدرسةِ أيضاً، صديقاتُها حملنَ الهدايا وسط دموعٍ كثيفةٍ وآهاتٍ عظيمةْ، أبوها لم يحتملْ فخرجَ من الغرفةِ كي يخبئ دموعَهُ عنها كما اعتادَ أن يفعل دائماً.

تساءلتْ، لماذا يبكون؟ ربّما قُتِلَتْ إحدى صديقاتي في الحرب، ولكن صديقاتي كلهن هنا، وإذا قتِلتْ إحداهن في الحرب، فلماذا يتجمّعونَ في غرفتي أنا، لماذا لا يتكلمون؟ ربما جاؤوا ليأخذوني لأذهبَ معهم، كم مرة عليّ أن أخبرهم أنني لا أحبُّ المقابر ولا الجنازات؟ المرةُ الوحيدة التي دخلتُ فيها مقبرةً كانت لأنَّ وردةً صفراء أعجبتني فقفزتُ من فوق السورِ لأقطِفَها، فوجود مقبرةٍ بكلّ هذه الورود داخلها على طريق المدرسة ـ البيت، شيء مستفزٌّ فعلاً.

لكني لم أفهم بعد، لماذا سمح لهم أبي بدخول غرفتي دونَ أن يوقظني؟ عندما يذهبنَ، سوفَ أتكلّمُ معهُ وأخبرهُ بأنني صرتُ كبيرةً الآن، ويجب أن يستأذنَ من يريدُ أن يدخلَ غرفتي، لأنني لم أعدْ تلك الطفلة التي لا تهتمُّ بالتفاصيل الصغيرة.

18 تشرين ثاني 2010



#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن المرأةِ والنايات
- ظهرها لشرفتي ووجهها للبحر قصة قصيرة
- ]45[
- يدان من خجل
- نصائح غير مجدية
- أدراجها الخفيفة كصوت النوم
- جاءت، وما زلت في انتظارها
- يُحكى أن
- أيها القلب: أخرج من قلبي
- أتْرُكُني خلفي
- المدن في غيها
- خمس أغنيات للخريف السادس
- كأنّكِ هنا
- كأنك هنا
- ومضى وحيداً
- قلتُ... أقولُ
- ما سيأتي لم يأت بعد
- أما كرمي فلم أنطره
- هل قلت إني لا أحب القدس؟
- حقل موسيقى


المزيد.....




- أول فنانة ذكاء اصطناعي توقع عقدًا بملايين الدولارات.. تعرفوا ...
- د. سناء الشّعلان عضو تحكيم في جائزة التّأليف المسرحيّ الموجّ ...
- السينما الكورية الصاعدة.. من يصنع الحلم ومن يُسمح له بعرضه؟ ...
- -ريغريتنغ يو- يتصدّر شباك التذاكر وسط إيرادات ضعيفة في سينما ...
- 6 كتب لفهم أبرز محطات إنشاء إسرائيل على حساب الفلسطينيين
- كفيفات يقدّمن عروضًا موسيقية مميزة في مصر وخارجها
- عميل فيدرالي يضرب رجلًا مثبتًا على الأرض زعم أنه قام بفعل مخ ...
- انقطاع الطمث المبكر يزيد خطر الإصابة بمتلازمة التمثيل الغذائ ...
- إشهار كتاب دم على أوراق الذاكرة
- مثنى طليع يستعرض رؤيته الفنية في معرضه الثاني على قاعة أكد ل ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - البنت التي لم تعرف انها ماتت