مهند البراك
الحوار المتمدن-العدد: 3178 - 2010 / 11 / 7 - 22:56
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
و على ما تقدّم يرى متخصصون . . ان الحلول للوضع الإستثنائي المستعصي القائم، قد ترتكز على " تقسيم السلطة الفعلي " و ليس مركزتها بيد مكوّن واحد و بالتالي حزب واحد يؤدي الى سلطة حاكم فرد . . و ترتكز على اساس دولة اتحادية فدرالية كما في فقرات و جوهر الدستور ـ تقوم على فدرالية الوحدات الإدارية العربية وفدرالية كوردستان ـ و على الغاء نظام المحاصصة الطائفي، الذي انتفت الحاجة اليه و صار عائقاً مدمّراً يقسّم البلاد و مكوّناتها و يؤدي الى تصادمها بدلاً من هدف : احقاق حقوقها و تساوي تلك الحقوق على اساس المواطنة . .
الاّ ان " تقسيم السلطة و ليس مركزتها " يصطدم بما تدفع اليه الأنظمة المتحكمة من دول المنطقة الشديدة المركزية، التي جعلت من الحكم الذي بيدها كما لو كان حقّاً مقدّساً للحاكمين و لعوائلهم، بأشكال و طرق و آليات متنوعة بتنوع تلك الأنظمة ـ سواء كانت جمهورية شمولية، مدنية او دينية، فردية معلنة او خبيئة وراء دستور من كرتون . . او ملكية .
الأنظمة التي تؤدي التدخلات العنفية لدوائر تعود لها و التي لاتتوقف منذ اكثر من سبع سنوات، للضغط نحو مركزة السلطة في العراق و نحو عودة نظام (القائد الضرورة) على غرار نظام الدكتاتورية السابق، في سعيها للحفاظ على نظامها الإقليمي . . و اتّقاءً من عدوى التغيير و التحديث الذي تخوض غماره البلاد، او سعيها لإفراغه من محتواه، مخافة احتمالات تسربه الى داخلها هي، وهي تواجه معارضاتها الداخلية التي تطالبها بالتحديث و التمدن . .
مسخّرة و مشجعة لذلك . . العنف و القتل الجماعي على الهوية، بالنفخ بالفتن و إشاعة صراع الأديان و الطوائف و الأعراق في البلاد (1)، متخذة من حالة العراق القائمة اليوم . . " صورة عدو " تعمل على ادامتها ـ إدامة حالته المؤلمة الراهنة ـ ، و تعمل على تحشيد نشاطات معارضاتها الداخلية للمشاركة بها، بتوجيهها للنشاط ضدّ ـ صورة ذلك العدو ـ و تسهيل تجنيدها و التسلل لتخريب ـ ذلك العدو الخارجي (الشبحي) ـ الذي يهدد (الأيمان و الشرف)(2)، لأمتصاص النقمة الداخلية عليها من ناحية، و تحويلاً لنشاطات تلك المعارضات الداخلية من مواجهتها لها في دارها، الى النشاط خارجها لتحقيق شعاراتها المطالبة بـ (الحرية و العدل) و لكن في الخارج و ليس في دارها ؟!(3).
من جهة أخرى . . و بعد تجارب مريرة لأكثر من سبع سنوات . . ترى اوساط واسعة ان تشكيل الحكومة الجديدة بشكل ناجح لابد وان يشرك كل قوى التغيير الساعية لعراق قوي موحد ذي سيادة، من داخل و خارج العملية السياسية، يأخذ بالأعتبار نتائج الإنتخابات ولا يلتزم بها حرفياً ! على الأقل الآن . .
مقابل الإتفاق على برنامج وطني يعمل على تحجيم و ابعاد مخاطر الأطماع و الهيمنة الإقليمية و الدولية اللامحدودة من جهة، و على ابعاد مخاطر الإرهاب و شبح اندلاع حرب جديدة . . و تحقيق انسحاب ناجح للقوات الأميركية، من جهة اخرى .
تشكيل حكومي يقوم على اساس الوطنية و الكفاءة المهنية و النزاهة، من كل الهويات الوطنية و الأجناس، يتبنى و ينفّذ المطالب المعيشية الأساسية للعراقيين بكل مكوناتهم و يعمل على اعادة بناء الإنسان العراقي و البلاد المخرّبة بالحروب و الفساد و النهب، و يرفع قدرتها على مواجهة و انهاء الإرهاب، ويجسّد تساوي الحقوق لأوسع الجماهير الكادحة بالوان طيفها على هوية الإنتماء للوطن، على اساس احترام الأديان و المذاهب و السعي لتعايشها بأمن و سلام . . تشكيل يخرج بالبلاد من اطار المحاصصة الطائفية الخانقة المدمّرة، التي ادّت الى نتائج تعيشها البلاد نكبات . . طيلة اكثر من سبعة اعوام و صارت مطالباً تعكسها نشاطات شعبية متصاعدة . .
و ترى اقسام أخرى ان ذلك يمكن ان يتحقق عبر اتفاق سياسي بين كل القوى السياسية الناشطة، وعبر مؤشرات نتائج الإنتخابات الأخيرة . . اتفاق على تشكيل حكومة جديدة قائمة على ضمان وجود معارضة دستورية تشارك في الحكم و تعمل من موقعها كمراقب مسؤول . . على اساس كتلة حكم (من كل المكونات القومية والدينية و المذهبية . .) و كتلة معارضة ( من كل المكونات عينها) تحت قبة البرلمان (4)، على اساس نبذ العنف و الثارات التي لاتنتهي .
و على حقيقة ان الدكتاتورية لم تسقط من قبل طرف عراقي بذاته و لوحده ليستأثر وحده بالحكم، مهما قدّم من تضحيات في زمن معارضة الدكتاتورية الظالمة، و على ان الدكتاتورية تكونت في حينها من فئات من كل المكونات، فئات ارتضت و ائتمرت بأوامر الدكتاتورية لتحقيق مصالح انانية لها على ابناء جلدتها، و توزّع ظلمها بالتساوي على كل المكونات . . الأمر الذي يتطلب فرز مجرمي الدكتاتورية من كلّ المكونات العراقية و سوقهم للقضاء، عن المغرر بهم و الضحايا .
حيث رغم اختلاف حجم التضحيات، و جريان تعويضها المتفاوت و اعاقة قسم منها منذ سقوط الدكتاتورية و حتى الآن، وفق معاني الدستور و بفقرات واضحة بشأنها . . الاّ ان التعويضات اخرجها متنفذون كبار عن حدودها القانونية بأسم المكوّن المظلوم، و استأثروا بها بأنانية خطيرة صارت تهدد بمخاطر اكبر مما جرى و يجري .
الأمر الذي قد يشهد اعادة تنظيم حقيقي لقوى البناء الموجودة، و اعادة لقاءها و اجتماعها على اسسٍ و علوم و معارف للحكم وليس لتحقيق مكاسب فردية و فئوية . . الذي سيحتّم الكف عن الأستمرار بالنشاط على ذات الأسس التي ناضلت و عبّئت بها لأسقاط الدكتاتورية، من جهة . . و يؤدي الى تفتيت و عزل الفئات و الشخصيات الأنانية و المصلحية التي تتضرر من وجود و تطوّر نظام قانوني و قضاء مستقل .
و ترى اوساط واسعة بان على القوى المتنفذة القائمة على اساس تمثيل طائفة بعينها، عليها ان تستجيب لمطالب كادرها لتجديد بنائها ، على اساس احزاب ذات برامج سياسية تتنافس على اهداف و مشاريع سياسية و ليست طائفية ـ راجع ماتنشره وسائل الإعلام الداخلية و الإقليمية و غيرها ـ . . كي تستطيع تحقيق ما ترفعه من اهداف، و تجنباً للمخاطر التي تنجم من التناقض بين سياستها المعلنة و بين اسس بنائها الطائفية، الأسس التي ان نجحت في التحشيد لتحدي الدكتاتورية فإنها قد لاتنجح في بناء بلد يشهد تكالباً دولياً و اقليمياً هائلاً . . الأسس التي قد تجرّ الى نكبات جديدة للبلاد . .
وعلى ما مرّ فإن تشكيل الحكومة الجديدة لابد وان يأخذ بنظر الإعتبار اهمية التعايش مع دول الجوار و تطوير الروابط و المنافع المتبادلة معها على اساس التوافق، و مع الدول العربية و مظلة الجامعة العربية . . على اساس احترام السيادة الوطنية العراقية، و اعادة تقييم و توثيق المعاهدات معها بإشراف هيئة الأمم المتحدة و جامعة الدول العربية، على طريق تطوير النظام الإقليمي و المساهمة في النظام الدولي وفق المبادئ و المواثيق المعمول بها دولياً، على اساس السلم و ابعاد خطر الحرب و الأسلحة النووية و اسلحة الدمار الشامل، من اجل رفاه و ازدهار للجميع . . و اسهاما في اقامة نظام دولي اكثر عدلاً . (انتهى)
7/ 11 / 2010 ، مهند البراك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. سائرة ومشجعة ـ شاءت ام ابت ـ مخططات و سياسات الدوائر العسكرية الأكثر عدوانية الغربية و الصهيونية . . و خططها الستراتيجية في تحويل الصراعات الإجتماعية و الطبقية الى صراع الحضارات و الأديان و المذاهب و الطوائف و تطبيقاتها في المنطقة، مستغلة عواطف و موظفة نتائج سياسات تجهيل اوساط فقيرة واسعة من الأكثر تعصباً و حاجة .
2. لأن العدو الحقيقي لأبناء تلك الدول هو في داخلها و يكمن في اجهزة انظمتها و قوانينها المتنوعة التعصب، اللابسة رداء الدين و الدين منها براء . . ولأن عدوها الحقيقي هو الإستغلال و الجشع و قمع حرية الفكر و التجهيل، وقمع التنوير و الإطباق على الدين الداعي الى التسامح و التعارف و الإجتهاد و العلم و المعرفة .
3. كما حصل و يحصل من آليات حاولت و تحاول بها توظيف القضية الفلسطينية لتلك الأهداف، و آليات توظيفها للقضية الأفغانية و تجنيد " المجاهدين الأفغان "، وآلياتها في قضايا البلقان و الشيشان، والإسلام السياسي في المنطقة و الغرب . . كطرف في لعبة دولية كبرى .
4. و هي ليست تجربة جديدة او فريدة في البلاد . . فقد عاشت البلاد في الزمان الملكي برلماناً تشكّل ـ على نواقصه ـ من كتل تحكم و كتل تعارض.
#مهند_البراك (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟