أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله العقيل - الكلب














المزيد.....

الكلب


عبدالله العقيل

الحوار المتمدن-العدد: 955 - 2004 / 9 / 13 - 11:39
المحور: الادب والفن
    


أخذت اللهفة تعج في قلبه قُبيل قدومها إلى غرفته الصغيرة المطلة على صندوق قمامة و ثلاجة موتى! جرع قليلاً من الماء البارد محاولاً به نزع جفاف بليد ينبت على لسانه كلما قرعت رائحتها بابه.
هذه المرة يجب أن يتكلم-هكذا قرر- يجب أن يقول ويهذي بأي شيء..لا يهم, المهم أن يحكي, أن يرقص ويغني! تمنى لو يقدر على نزع صمته من فمه ويدوس عليه بنعليه للأبد...
لماذا يلتصق لسانه في حلقه, وينمو الشوك بين شفتيه؟ لماذا تغفوا الحكايات عند قدومها, وتهرب ضحكاته إلى طريق مظلم؟
يعرف أن لها سطوة مخيفة, وصوتها يشق قلبه كما تعويذة إغريقية مقدسة, لم تكن-أبداً- امرأة مألوفة كبقية النساء, كان يخمن دائما أنها خرجت من التحام بطئ بين أشجار شامخة وغيوم زرقاء مكتنزة, أو كأنها نتاج لآلافٍ من القُبل المحمومة, وارتعاشات أبدية بين أجساد مرتجفة تتعارك بحدة على أسرِّة مخملية تحت سماء مظلمة ونديّة!

-مرحبا أستاذ, كيف أنت اليوم؟
ترقرق نور صباحي من عينيها, وبزغت ابتسامة سخية من فمها المعقود على حافة نهر عريض, أخذت ترسم بكفيها المترعين بالبياض دوائر صغيرة من الياقوت وهي تحكي بشراهة كبيرة, وأغنية رقيقة رفّت من عينيها كزنبقة بنفسجية!
-أظن أني بخير!
تفصّد العرق من رأسه وجبينه, ونضح عنقه وصدره عن ماء مالح أخذ يحرق جلده الرقيق المتهالك, لم يعد بإمكانه أن يراها جيداً, حالت بينهما غابات مديدة من الصنوبر, وتراءى له أن ساقيها تحولتا إلى عمودين من المرمر استراحت عليهما نجوم تشعُ بألوان صاخبة, وقمر حزين يحرس عنقها المصبوب فوق كتفين من العاج المشرئب بعناقيد من التوت.
باغتته رهبة مريرة انتشرت على عينيه, بدأ يرتعش, تهيأ له أن قدميه تنزفان دماً أزرقاً ينفث رائحة شعر يشيط, أخذ يرتجف, وازداد فمه أتساعاً, وتحول أنفه إلى ثقب كبير داخل جمجمة صماء هشة, وأخذ يتقيأ عُصارات حامضة, وسقط أرضاً!

-لا بأس يا أستاذ, سآتي إليك في وقت آخر!
نَهَضتَ, وارتسم ظلها على هيئة سمكة صفراء -مشوبة بسواد خفيف-يستحم داخل بقعة من النبيذ مضمخ برائحة جوافة طازجة, وتحولت أرضية الغرفة تحت قدميها إلى تربة ناعمة ورطبة...
جحظت عيناه –فجأة-وتدلتا على خديه, وتدحرج من فمه كلب أسود صغير لزج!
-هل أنت مُتعَب, لماذا لا ترد؟
اقتربت نحوه بخوفٍ يتأجج كأنها ورقة تين ترتعش, وجلست القرفصاء بجواره وهي مكبلة بالقلق والرهبة. استطال الكلب برأسه وأخذ يلتهم قدميها بلسانه, ويلعق رائحة فوضى عارمة دبّت ما بين ساقيها النحيلين, نظر إلى عينيها نظرة ماكرة, وأخذت تربت على رأسه وهو يهز ذيله ويشع بين أسنانه غناء طويل وشهي! استحوذ عليها التعب, وتأملته بكربٍ قاسٍ, وتمنت لو أن السماء تسقط مع أول حرف ينزلق من بين شفتيه!
نهض على قدمين متداعيتين, وأحسَّ أن الطريق إليها يذوي وينجرف نحو هاوية مملوءة بالشوك والأحجار المدببة, وأنه أشدُّ حلكة وسواداً من عيني ثور هائج! اقتربتْ منه, وحملته برقة مفرطة واضعةًً رأسه تحت ثدييها النافرين كغيمة شمالية مترعة بالماء البارد. غرس أنفه تحت عنقها الخصب, واشتَّم زهرة ليمون دُعِكتْ في أبطيها الدافئين, وتسربل جسدها برائحة حقول تتلألأ بأغنيات رتيبة ومطر خفيف, انفطر قلب الكلب من بين أضلعه, فانزلقت قدمه اليسرى بين فخذيها الطريين...
فاحت رائحة قرفة ساخنة من بين منخريه, وخُيِّل له أنه عريس!



#عبدالله_العقيل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صور مُعلقّة
- حِوار طارئ - مشهد تصويري
- طيف قديم
- صراع
- صوت العريش تحت غناء رق الحبيب
- تسع لعنات لمرأة مستحيلة- 1
- حلم خفيف
- تفاصيل امرأة
- حلم يتدحرج
- الإرهاب الجديد في الفلوجة
- أحلام مؤصدة
- حجر
- الشارع
- حصة


المزيد.....




- لا تفوت أحداث مشوقة.. موعد الحلقة 195 من قيامة عثمان الموسم ...
- أزمة فيلم -أحمد وأحمد-.. الأكشن السهل والكوميديا المتكررة
- بي بي سي أمام أزمتي -والاس- و-وثائقي غزة-... هل تنجح في تجاو ...
- من هم دروز سوريا؟ وما الذي ينتظرهم؟
- حسان عزت كما عرفناه وكما ننتظره
- -الملكة العذراء-: أسرار الحب والسلطة في حياة إليزابيث الأولى ...
- مكتبة الإسكندرية تحتفي بمحمد بن عيسى بتنظيم ندوة شاركت فيها ...
- زائر متحف فرنسي يتناول -العمل الفني- المليوني موزة ماوريتسيو ...
- شاهد فنانة إيرانية توظّف الفن لخدمة البيئة والتعايش
- إسرائيل تحتفي بـ-إنجازات- الدفاع الجوي في وجه إيران.. وتقاري ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله العقيل - الكلب