غرائب من -مملكة العجائب-3

خسرو حميد عثمان
كاتب
(Khasrow Hamid Othman)

الحوار المتمدن-العدد: 3164 - 2010 / 10 / 24 - 15:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

ويستمرالطالب المبتدء بالسرد أمام مُعلمه الغنى بالتجارب: من ردود الأفعال لما حدث فى بغداد يوم 14تموز1958 تبين بأن الجالس على عرش الطاووس محمد رضا بهلوى كان من أكثر المدركين لأبعاد التغيير الذى حصل والهدف النهائى من ورائه "الذى تلدغه الحية يخاف من جرة حبل". فان فى تجارب والده المريرة مع القوى الكبرى والتشابه الكبير لتأريخ العائلة البهلوية فى ايران و العائلة الهاشمية فى العراق، فى كثير من الأوجه، الكثير من الأيحائات و كان المصدر الأساسى لهذا الأدراك. كان والده رضا بهلوى قد نصب نفسه شاها متسلطا (ملكا) لحُكم ايران عنوة بمساعدة الأنكليز عام 1925 للقيام بمحاربة الشيوعية فى الداخل وايقاف المد الشيوعى عند حدود مملكته( ايران). وبعد أن نجح رضا بهلوى فى اكمال مهمته الى حد كبير وبسط نفوذه على جميع الأقاليم والحلم بزعامة (الشعوب الأرية) فى المنطقة واحلال كلمة ايران بدلا من فارس انصب أهتمامه على تطوير ايران ونهوضه حسب مفهومه الخاص للتطور والنهوض بطريقة مشابه لما فعل أتاتورك فى تركيا. لكنه فوجئ بمعارضة رجال الدين من جهة و بمحاصرة بلده من الشمال والغرب واحتلاله بصورة مشتركة من قبل دولتين عظميين احداها كانت سندا له وهو خادم مطيع لها وأخرى كان عدوا شرشا لها؛ بريطانيا العظمى والأتحاد السوفياتى من جهة أخرى. قررتا نفيه الى جنوب افريقيا، كما نفى الأنكليز الشريف حسين بن على الى القبرص، وهل يكون الشعور بالأذلال والأهانة والمرارة أكبر من أن تكون ملكا متوجا أو شاها على عرش الطاووس ووالدك يذوق مرارات وعذابات المنفى. كما وان الشا ه محمد رضا بهلوى يتذكر جيدا، بدون شك، الوعد الذى قطعوه على أنفسهم الثلاثة الكبار فى العالم( روزفلت، ستالين و تشيرشل) فى مؤتمرهم الصحفى المشترك على هامش مؤتمر طهران نهاية عام 1943، حيث أصدر المؤتمر بيانا خاصا حول ايران أعلن فيه المشاركون في مؤتمرطهران عن رغبتهم فى الحفاظ على استقلال وسيادة ووحدة أراضى ايران، وهل التزم السوفيت بهذا الوعد عند اعلان جمهورتى اذربيجان وكوردستان ومن ثم.... الأنسحاب تحت ضغط أمريكا. كما وان الشاه محمد رضا بهلوى يدرك جيدا بأن اذعانه المطلق لأمريكا، بعد عودته الى الجلوس على العرش عام 1953 نتيجة الأنقلاب العسكرى الذى قام به الجنرال زاهدى على رئيس الوزراء المنتخب مصدق بدعم من أمريكا، يثير استياء وغضب السوفيت والأنكليز معا. ويعرف جيدا ألية مراقبة العسكريين صغارهم قبل كبارهم مما يحُول استحالة القيام بانقلاب عسكرى فى العاصمة من دون تغاضى الأنكليز النظر عنه، وقد يكون غير خافيا عليه التوجه الحقيقى، الكامن، للعائلة المالكة فى العراق "لا يُكابر الشوق من لا يُعانيه". كل هذه الحقائق المرعبة أدت الى دق ناقوس الخطر لدى الشاه محمد رضا بهلوى والتدخل فى العراق ولو بشكل سافر. من بين ما قام به نقل خلية عمل من ثلاثة أشخاص ، مقيمة فى سوريا الى الأنتقال الى بغداد أحدهم أحتل موقع الملحق العسكرى فى السفارة الأيرانية فى بغداد والأخران ليجدا، بسرعة البرق، موقعهما فى مواقع متقدمة وقريبة من مصادر القرار فى الحركة السياسية الكوردية التى كانت لها الحضور الفاعل فى الساحة السياسية العراقية، وعندما انشطرت هذه الحركة الى قسمين أصبح كل واحد منهما مع طرف من طرفى الصراع بحماس منقطع النظير. وبالتوازى كان الملحق العسكرى الأيرانى يرأس اجتماعات اسبوعية فى مسكنه فى بغداد مع عدد من الكوادر المتقدمة فى هذه الحركة، والحكومة لا تُحرك ساكنا كأن الموضوع لا يخص أمن العراق من قريب أوبعيد. وهكذا تمكن هذا الملحق العسكرى من ابعاد جميع العناصر السياسية التى لا تتلائم توجهاتها الفكرية مع التدخلات الأيرانية من الساحة السياسية الكوردية من جانب واقناع طيف واسع بضرورة حمل السلاح بوجه الحكومة من جانب أخر، ليُضيفوا الى جمهرة واسعة من المتضررين من الحكم الجديد، وتهيئة جميع الأجرائات اللوجستية لنقل الأسلحة
والعتاد والأموال الى داخل العراق دون أن يعرقله أحد. هكذا أصبح الشاه، مسنودا من أمريكا، لاعبا مهما فى اللعبة الداخلية فى ظل العهد الجديد بهدف تحويل العراق الى نموذج فاشل غارق فى العنف و الصراعات الدموية بين ابنائه لابعاد الخطر عن العرش الأيرانى. وبهذا أصبحت مقولة بريشت: "حقا أنني أعيش في زمن أسود.. الكلمة الطيبة لا تجد من يسمعها.. الجبهة الصافية تفضح الخيانة.. والذي ما زال يضحك.. لم يسمع بعد بالنبأ الرهيب.. أي زمن هذا؟" حقيقة واقعة على قطعة أرض تُسمى العراق.
• ملاحظة: لقد طرحتُ هذه الأراء على المهندس غسان عبد الجليل العانى أوائل عام 1972 فى بيته، عندها كنت أعمل بصفة موقتة فى معمل استخلاص الكبريت ــ كركوك وكان الأستاذ غسان رئيس قسم الصيانة فيه، ومما يجدر بالذكر أن الأستاذ غسان عندما سلمته الأمر الأدارى المدون عليه هامش مدير المعمل عدنان العانى قرأه حرفا حرفا مرات ومرات ويتأمل ويُدقق فى ملامح وجهى بين قراءة واخرى وبعدها رمى الأمر الأدارى باتجاهى وانا واقف و رفض قبولى العمل فى القسم الذى كان يُديره لأول وهلة و بدون سابق معرفة و بطريقة خشنة كانت فيه الكثير من الأهانة ؛ مما اضطرت ادارة المعمل الى تنسيبى الى قسم أخر. للوقوف على سر هذا الموقف غير المتوقع من زميل لزميله ، وان تفاوتت المركز الوظيفى، حبكت خطة دقيقة و محكمة بحيث لم تمضى عشرة أيام من مباشرتى بالعمل الا وكان الاستاذ غسان يقبل، على مضض، مرافقتى له الى موقع العمل فى ناحية دبس لأنه لم يكن لقسمه الصلاحية لتنفيذ الأعمال التى فيها المخاطر من دون حضور ممثل من القسم الذى نُسبت اليه وكان قسم السلامة والتفتيش. وبهذا سنحت لى الفرص لدراسة هذه الشخصية عن قرب وأكتشفت، مندهشا، أن القربة مملوئة بالعسل الصافى وليس الحنضل المُر كما يقولون. ومن ثم أعطيته كتاب جاك لندن (The Call of the Wild) وبهذا أزيلت الحواجز و أٌُختصر الزمن.

#خسرو_حميد_عثمان (هاشتاغ)       Khasrow_Hamid_Othman#          

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل