مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 3146 - 2010 / 10 / 6 - 16:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الدين و الثورة
بقلم واين برايس *
"وطني هو العالم . ديني هو أن أفعل الخير"
توماس باين
ديمقراطي ثوري أمريكي شمالي و ربوبي ( يؤمن بالألوهية دون الأديان ) .
هناك تزايد في عدد الكتب التي تنتقد الدين . تسمى هذه في بعض الأحيان "بالإلحاد الجديد" . اجتذبت هذه الكتب جمهورا من القراء جزئيا بسبب ردة الفعل ضد اليمين الديني . دخل الأصوليون المسيحيون مجال السياسة كمخالب لليمين المتطرف , داعمين لأصحاب الأعمال الكبار , و التدخل العسكري , و قمع النساء و ... . استفز هذا ردة فعل عند الكثيرين . في نفس الوقت , لم يعد العدو الحالي لإمبراطورية الولايات المتحدة الأمريكية هم "الشيوعيون الذين لا رب لهم" , كما كان الحال أثناء الحرب الباردة . إنه بدلا عن ذلك الجناح المتعصب السلطوي من الإسلام , الذي يستخدم الله ليبرر القتل الجماعي . بينما يدفع هذا البعض للقول بأن هذا يثبت أن المسيحية أو اليهودية متفوقتين على الإسلام , يستنتج آخرون أن كل أشكال التعصب و السلطوية الدينية سيئة . ( ملاحظة : لا أعني بكلمة "الدين" البحث عن معنى أو هوية حضارية , بل الاعتقاد بكائن فوق طبيعي , إله ) .
إن إرث أقصى اليسار الثوري هو عموما معادي للدين , و هذا لأسباب وجيهة . فإن الأديان , عبر العصور , على الأقل تلك الأديان الثابتة , المنظمة , و ذات الكتب المقدسة , قد دعمت الدول القائمة و الطبقات الحاكمة ( إلى جانب قمع النساء و القمع الجنسي عموما ) . حتى تلك التي تتضمن نقدا للمؤسسة القائمة فإنها قد دعت إلى السلبية و الانسحاب . إن فكرة "طاعة" سلطة عليا ذاتها مثيرة للاشمئزاز لكثير من محبي الحرية .
بالتعريف , تتطلع الأديان إلى عالم آخر و إلى تحولات داخلية , روحانية , داخل الأفراد للتخفيف من المعاناة . لكن الراديكاليون يعتقدون أن الحل لهذه المعاناة يكمن في النشاط العملي الأرضي ( مقابل السماوي – المترجم ) للجماهير بهدف تغيير النظام الاجتماعي الواقعي ( أو بقية الطرق المادية لإنهاء تلك المعاناة , مثل الطب العلمي لشفاء الأمراض ) . هذا هو توجه مختلف بشكل أساسي عن المقاربة الدينية .
لا يثير الاستغراب أن المدارس المعاصرة من الاشتراكية الثورية , الأناركية و الماركسية معا , قد أوجدها أشخاص يلتزمون بالإلحاد . هذا يشمل ميخائيل باكونين إضافة إلى كارل ماركس و رفاقهم و المفكرين المشابهين لهما . كره باكونين الدين و الكنائس , و دعا إلى "إلغائهم" , إلى جانب الرأسمالية و الدولة . بينما طور ماركس مفهوما "ماديا" عن العالم لا مكان فيه للإله . على عكس باكونين , لم يدع ماركس إلى التركيز على الدين بينما كان يعارض الرأسمالية , معتبرا إياه قضية شخصية . لكن فيما بعد , أصر لينين و أتباعه على محاربة الدين , مسمين ذلك "بالإلحاد النضالي" .
• الدين الثوري
لكن كان هناك أيضا إرث صغير من التمرد الديني . استعمل هذا التمرد شعارات مثل "لا سيد إلا الله" و "مقاومة الطغاة هي طاعة للإله" . في أثناء الثورات البرجوازية الديمقراطية ( التي وضعت الأساس للرأسمالية الصناعية ) , عبرت عدة حركات ثورية عن نفسها بألفاظ دينية . بعضها , مثل الأنابابتسيت ( فرقة مسيحية من الهراطقة في القرون الوسطى دافعت عن شيوعية بلباس ديني – المترجم ) في أوروبا الوسطى , البنائين في بريطانيا , كانوا تباشير الاشتراكية المعاصرة .
إن وجهة النظر المادية عن العالم تقول أن الدين ليس مادة خام من الجهل بل هو استجابة الكائنات البشرية على ظروف وجودهم المادية , على وجودهم الواقعي . هذا يشمل واقع أن هناك الكثير من المعاناة و الظلم في حياة معظم البشر . مع ذلك طوال معظم الوجود الإنساني , لم يكن من الممكن موضوعيا إنهاء المجتمع الطبقي , أخذا بالاعتبار المستوى المنخفض من الإنتاج ( حتى بداية الثورة الصناعية ) . لكن الرغبة في الحرية , التعاون , و إنهاء الكدح بقيت موجودة دائما . جرى التعبير عن مثل هذه القيم الإنسانية بالطريقة الوحيدة الممكنة , من خلال الدين . هكذا إلى جانب تعبيرها عن القبول بالاضطهاد , عبر الدين أيضا عن أمل البشر في وضع نهاية لهذا الاضطهاد , عن عالم من السلام و الوفرة , من الحرية و المساعدة المتبادلة . حافظ الدين على هذه المثل إلى وقت يمكن أن تصبح فيه ممكنة في الواقع – و ما يزال التعبير عنها يجري بألفاظ دينية .
عندما أشار ماركس إلى الدين على أنه "أفيون" الشعب , فقد أسيء تفسير قوله بأنه كان يعني أن الدين يسبب الإدمان . لكن في أيامه , كان الأفيون يستخدم على نطاق واسع كقاتل للألم , و كان هو يقول أن الدين قد استخدم للتخفيف من معاناة الشعب تحت الرأسمالية – لكن أنه من الممكن الآن إنهاء المعاناة التي تسببها الظروف الاجتماعية .
في تاريخ الاشتراكية , كانت هناك أقلية من الاشتراكيين الدينيين ( أو المتدينين ) , مثل الأنصار الحاليين الأمريكيين الجنوبيين الكاثوليكيين "للاهوت التحرير" أو بعض الأنصار من الأفارقة الأمريكيين البروتستانت "للاهوت تحرير السود" . بين الأناركيين , فإن المسيحي الأكثر شهرة كان ليو تولستوي , رغم أن جاك إيلول الأكثر شهرة في انتقاده للتكنولوجيا , كان من هؤلاء أيضا . ربما تكون أكثر النشرات الأناركية انتشارا في شمال أمريكا هي العامل الكاثوليكي , التي أسسها دوروثي داي . عالم اللاهوت اليهودي مارتن بوبر تأثر بالأناركية الشيوعية . لم يكن غاندي الهندوسي أناركيا ( فقد أسس الدولة الهندية ! ) لكنه كان لا مركزيا , و تبادل الرسائل مع تولستوي .
أيضا , ففي هذه الأوقات المعاصرة أصبحنا نعرف أن يمكن للملحدين أن يصلوا إلى السلطة , بنسختهم الخاصة من "المادية". و أن هؤلاء الملحدين , هؤلاء الماركسيين – اللينينيين , قد خلقوا اضطهادا , ظلما , و معاناة كما في كل عصور السلطة أو الحكم المرخصين من الرب . الإلحاد , بحد ذاته , ليس هو الحل .
• لماذا لا أؤمن بالإله ؟
بينما أرفض "الإلحاد النضالي" حسب مفهوم باكونين أو لينين , فإنني شخصيا لا أؤمن بالإله . إنني أفضل أن أدعو هذا "بالإنسانية" , باعتبار أن "الإلحاد" هو مفهوم سلبي ( ما لا أؤمن به ) أكثر منه مقاربة إيجابية ( ما أدافع عنه ) , طبيعية و تتمحور حول الإنسان للقيم و طرق الحياة . تتركني المقاربة الإنسانية منفتحا على العمل مع الناس المتدينين . لكن أولا , لماذا لا أؤمن بالإله ؟
عدا عن النقطة في أننا لم نعد نحتاج إلى الإله لتفسير ما يجري في العالم , هناك حقيقة أن العالم الذي نعيش فيه لا يتوافق مع فكرة الإله . يفترض أن الإله كلي القوة , خالق كل شيء . في نفس الوقت , يفترض أن يكون كله خير , مصدر كل الخير , الطيبة والعدالة : "الإله هو الحب" كما يقولون . من الواضح أننا لا نعيش في عالم يديره إله كهذا . دون أن ننكر وجود الحب و السعادة , فإن هناك الكثير جدا من البؤس و الظلم في هذا العالم ليكون من يديره كائن هو كل الخير و كامل القوة . هذا شيء لا يمكن تمريره .
يسمي علماء اللاهوت هذه "مشكلة الشر" . إنهم يفسرونها بالإشارة إلى "الإرادة الحرة" . إنهم يقولون , أنه حيث أن الإله يمنح البشر إرادة حرة , فيجب أن يكون البشر قادرين على اختيار الشر بدلا من الخير . قد يفسر هذا لماذا "سمح" هذا الإله لميليشيا الهوتو في رواندا بارتكاب جرائم التطهير العرقي ضد التوتسي ( رغم أنه قد يكون من الصعب القول بأن أطفال التوتسي امتلكوا إرادة حرة لم يترك لها أي مجال لتتطور ) . لكنها لا تفسر المعاناة التي تتسبب بها الحوادث الطبيعية , مثل التسونامي في المحيط الهندي أو الأوبئة . ليس للإرادة الحرة أي علاقة بذلك . مفترضين أن الأفعال البشرية يمكن أن تجعل الكوارث الطبيعية أكثر سوءا أو أفضل , لكن هذه هي القضية , أن الأفعال البشرية فقط ( التطور في العلم , التكنولوجيا , و التنظيم الاجتماعي ) يمكنها أن تخفف من المعاناة , و ليس الاعتماد على الإله .
- لماذا لا أعتقد ب"الإلحاد النضالي" ؟
لكن هذا كله لا ينهي الجدل . فبغض النظر عن الإله , استمر البشر بالبحث عن , و صنع , المقاصد . إننا نسعى وراء , و نلتزم ب , قيم و أهداف لأنفسنا و لمجتمعاتنا . سواء نسجت هذه القيم و الأهداف من نسيج الكون أم لا ( الأمر الذي أعتقده ) , فإننا نطور هذه القيم و الأهداف من مادة العالم و علاقاتنا الإنسانية . و العلم يساهم فيها ( العلم نفسه يقوم على قيم الحقيقة و المعرفة ) لكن العلم لوحده لا يقدم الأجوبة .
لا يستخدم البشر دماغهم الأيسر , المنطقي , التحليلي , ذا الأسلوب المستقيم , فقط في عملية التفكير , بل أيضا دماغهم الأيمن , شمولي , ذا الطريقة العفوية . إننا نعبر عن آرائنا في العالم و المجتمع بتشبيهات , استعارات , صور , و طقوس , بفن فردي و جماعي , بالموسيقا و الشعر . مقارنة بالعلم , فإن طريقة التفكير هذه ليست خاطئة و لا صحيحة , إنها مختلفة فقط .
إن مجتمعا حرا سيخلق فنه الخاص , استعاراته الفلسفية الخاصة , و طقوسه العامة , سواء أكانت تشبه أديان اليوم أم لا .
لكننا اليوم نعيش تحت الرأسمالية إلى جانب العنصرية , و التمييز و القمع الجنسي , و طريقة مغتربة ( قائمة على الاغتراب ) من الحياة . ينظر الكثيرون بالطبع إلى الدين ليخففوا آلامهم و يمنحوا حياتهم معنى . يشعر الكثيرون أنهم يحتاجون إلى صورة أب محب لكنه قوي ليحميهم , مهما كان الواقع . إذا كان علينا أن ننتظر لكي يصبح أكثر الناس ملحدين لتقوم الثورة , فإننا سننتظر إلى الأبد . من وجهة نظر مادية , تخلق الرأسمالية دينا شعبيا , و الدين لن يموت حتى تنتهي الرأسمالية نفسها و يخلق واقع اجتماعي جديد .
ما هي بالفعل المشكلة مع الدين ؟ ليس أن العمال يؤمنون بكائن فوق طبيعي . إنه ما يأتي مع ذلك الإيمان . معتقدين أنهم يعرفون أفكار الله , فإن كثيرا من المؤمنين يدعون حق فرض آرائهم على كل شخص آخر . بمعرفتهم الحقيقة المطلقة أو ما يعتقدون أنه الحقيقة المطلقة ( بشكل تعوزه ( تنقصه ) فضيلة التواضع ) , فإنهم يشعرون أنه يمكنهم أن يحرموا النساء من حق الإجهاض , يحظرون على الشباب ممارسة الجنس , و أن يمارسوا التمييز ضد المثليين جنسيا ( أو قتلهم ) , أن يطلقوا العنان لحمى الحروب , و أن يشجبوا كل من يعارض الرأسمالية . يجب أن نقول أن هذا ليس أسوأ ( و لا أفضل ) من الملحدين الماركسيين اللينينيين الذين يعتقدون أيضا أنهم يعرفون الحقيقة المطلقة , كما كشف عنها كارل ماركس , و كما تمارسها العملية التاريخية – و أن هذا يسمح لهم بإقامة الديكتاتوريات و قتل الملايين من البشر .
طالما وجدت هناك دول , فإننا نرفع الشعار البرجوازي الديمقراطي القديم عن "فصل الكنيسة عن الدولة" . إن الكنيسة حرة في أن تقول أي شيء تريد عن الحق في الإجهاض و أن تحاول إقناع أتباعها . لكن يجب ألا تكون قادرة على فرض آرائها بقوة البوليس و المحاكم . فصل الكنيسة عن الدولة يعني أيضا أنه يجب ألا يكون هناك إلحادا مفروضا من قبل الحكومة كما كان الحال في ظل ما كانت تسمى بالدول الشيوعية .
في النهاية , فإن الفصل الكامل بين الكنيسة و الدولة سينجز فقط إذا ألغيت الدولة . في مجتمع أناركي اشتراكي , سيكون البشر أحرار في الاتحاد مع بعضهم البعض في جمعيات ( اتحادات ) دينية , ثقافية , أو فلسفية , إذا أرادوا ذلك . لكن برأيي , فإن الأديان الموجودة اليوم ربما تموت و ستظهر آراء جديدة لا تعتقد بالآلهة عن العالم .
أما الآن , فيجب على اللاسلطويين Antiauthoritarians الإنسانيين أن يكونوا مستعدين للعمل جنبا إلى جنب البشر من كل دين و فلسفة . يجب ألا تقام هناك أية حواجز في منظماتنا الثورية . لكن يجب أن يكون هناك نقاشات عن قضايا سياسية حقيقية . كثير من الأناركيين المتدينين هم مسالمون في نفس الوقت . بينما أحترم آراءهم , مع استعدادي للعمل معهم , فإنني أعتقد أن هذا خطأ سياسي . كما لا أعتقد أنه يجب أن نكون في نفس المنظمة الثورية . عند التعامل مع المتدينين الراديكاليين من الضروري معرفة آرائهم عن حقوق النساء الإنجابية و حرية مثليي الجنس . قد تكون هذه القضايا ( أولا تكون ) نقاط هامة للاختلاف . على أية حال , إنها تلك القضايا الراهنة تلك التي يجب مناقشتها و ليس كيف نعتقد أنه يجري تنظيم الكون في نهاية المطاف .
* واين برايس : عضو في NEFAC , منظمة أناركية – شيوعية في أمريكا الشمالية .
كتبت لصالح الموقع الأناركي الالكتروني http://www.anarkismo.net
مأخوذة عن موقع الأناركيين الجنوب أفريقيين http://www.zabalaza.net
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟