أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - و. السرغيني - تاكتيك النضال الديمقراطي، والنضال من أجل الحريات















المزيد.....



تاكتيك النضال الديمقراطي، والنضال من أجل الحريات


و. السرغيني

الحوار المتمدن-العدد: 3145 - 2010 / 10 / 5 - 23:45
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


تاكتيك النضال الديمقراطي، والنضال من أجل الحريات
تقديم:
1. في خضم الصراع الفكري الإيديولوجي والسياسي الذي تخوضه الحركة الثورية المغربية، والذي انخرطت فيه تياراتها ومجموعاتها الماركسية اللينينية بكل حمية وإيجابية رفاقية، طفت إلى السطح مفاهيم الديمقراطية والحريات الديمقراطية، السياسية والنقابية في شكل شعارات جدٌدت الدعوة للنضال من أجلها وتكثيف الجهود الوحدوية خدمة لها، لما تشكله من قنطرة ومن مدخل لتوسيع مكاسب الجماهير الشعبية في اتجاه الظفر بالحرية التامة والكاملة.
وغني عن القول أن موضوع الديمقراطية سبق وأن تناولته أقلام ماركسية عديدة بالمغرب وخارجه، وقد عرف النقاش أوجه خلال فترة المراجعة أواخر السبعينات بالمغرب، حيث احتد الصراع على أشده داخل المنظمتين "إلى الأمام" و"23 مارس"، وفيما بين "المراجعين" و"المتشددين"، وفيما بين "الشباب" و"الشيوخ"، "القيادة" و"القواعد"..الخ حول "الديمقراطية" و"خط النضال الديمقراطي الجذري" و"النضال من أجل الحريات الديمقراطية"..الخ
2 هدفنا من خلال هذه المساهمة المتواضعة، لن يكون بالطبع إعادة لاستنساخ الصراع القديم، ولن يكون هدفنا كذلك إعادة التذكير بالمواقف الماركسية اللينينية الثابتة من هاته الموضوعات وفقط.. بل ستجذبنا هذه الأهداف في سياق العرض لتصورنا حول خط النضال الديمقراطي الجذري والنضال من أجل الحريات الديمقراطية، لا محالة، لنقاش بعض الأطروحات اليسارية الثورية التي تعتد نفسها ماركسية لينينية وشيوعية.. بالرغم من انغماسها في الشعبوية واهتدائها بشعاراتها وأساليبها في الصراع من أجل التغيير ومن أجل بناء مشروعها المسمى بـ"الديمقراطية الجديدة" و"دكتاتورية الطبقات الأربعة" كبديل عن "الديمقراطية العمالية" و"دكتاتورية البروليتاريا"، "إنها الدكتاتورية المشتركة لعدة طبقات ثورية على الخونة والرجعيين.." وفق المنظور الماوي عوض ديمقراطية المجالس حيث "الناخبون هم الجماهير الكادحة والمستغَلة والبرجوازية مشطوبة" حسب التوجيه اللينيني.

مقدمات ومنطلقات:
3. وللإشارة سيكون حرصنا شديد من خلال هذه المساهمة المتواضعة، تجنب التبريرية والتأويل كمنهج، والابتعاد عن التجني والنرجسية التي احترفتها بعض الأقلام المدٌعية لـ"العلمية والموضوعية"، والتي لا تستعمل ماركس، إنجلس ولينين إلاٌ استنجادا، بامتطاء البعض من أفكارهم ومواقفهم، وكذا طوقا للنجاة من النقد والصراع الفكري الجدي فيما بين الأطروحات اليسارية والاشتراكية الثورية العاملة في الميدان.. فكل أفكارنا ومواقفنا وخلاصاتنا وتفسيراتنا.. ليست سوى نسبية ومحدودة التأثير في صفوف المعنيين بالماركسية وبمشروع التغيير وبخططه التاكتيكية..الخ
4. لذا كان لا بد من التذكير بمنطلقاتنا الفكرية والمرجعية التي تتعرض باستمرار للتشويه، والتي ليست سوى الماركسية اللينينية كفكر اشتراكي طبقي مرتبط أشد الارتباط بمشروع الطبقة العاملة الثوري، القاضي بالإطاحة بسلطة البرجوازية وتحطيم نظامها الرأسمالي التبعي، وبناء الاشتراكية عبر حسم السلطة السياسية لمصلحة الطبقة العاملة ـ دكتاتورية البروليتاريا ـ وبالتالي فمفاهيمنا ومصطلحاتنا لا تلزم إلاٌ المعنيين المقتنعين بالفكر الطبقي الماركسي اللينيني الذين نشاطرهم النضال الميداني والعملي بكل أساليبه المؤدية لهذه الأهداف.
5. لسنوات خلت، حاربتنا بعض الأقلام التي تدعي استيعابها وفهمها لوحدها، الماركسية اللينينية، وثارت ثائرتها حينها بسبب من استشهادنا بين الفينة والأخرى بنصوص ماركس، إنجلس ولينين، وبسبب من دعوتنا الشباب والطلبة للاطلاع على الأدب الماركسي اللينيني من مؤلفاته الأصلية، حينها عابت علينا، بالتحريفية والديماغوجية، وبأننا لا نفهم الماركسية اللينينية إلاٌ من خلال النصوص والكتب.. ولولا شفاعة ميدانيتنا التي تعتبرها الغالبية المخالفة والمعادية لنا، بأنها "مفرطة" لأصبحنا نكرة ضمن قرٌاء الكتب والمجلدات حسب خلاصات الرفاق الذين حبٌذوا ويحبذون الإطلاع على الماركسية واللينينية من كتب ومجلدات "ملخٌصيها ومبسٌطيها" العباقرة النبهاء..!
6. ما يهم من خلال هذه الإشارة، هو أن تلك الأقلام ناهضت الكتب والنصوص والتوجيهات الماركسية اللينينية والعمالية الصريحة.. لتسقط بعدها في نصٌية عقيمة، متخذة أساليب مغرقة في الفقهية، بالاستناد على شروحات للماركسية من طرف ماو تسي تونغ، وتفسيرات للماوية من طرف "الرئيس غونزالو" وزعماء وأتباع آخرين من الهند والنيبال.. تلك الماركسية المفرغة من محتواها الطبقي العمالي، والمبتعدة بوضوح عن مجالات اشتغال واهتمام مناضلي الحركة العمالية في إطار البحث والكفاح من أجل إجابات وحل للتناقضات داخل مجتمع يسود فيه نمط الإنتاج الرأسمالي التبعي، حيث تتعرض خلاله الطبقة العاملة منتجة فائض القيمة لأبشع استغلال.
وللتوضيح مرة أخرى، ولكي لا نتعسٌف على أحد، فمن جهتنا كمناضلين ماركسيين لينينيين ـ أنصار الخط البروليتاري ـ نشيد بنضالية وكفاحية التيارات الماوية والمتعاطفين معها أينما وجدوا وتواجدوا.. وبالنسبة للرفاق المغاربة فلهم كامل الحق في الإعلان عن ماويتهم، لهم الحق في الاستماتة في شرحها وفي الدفاع عنها داخل الأوساط اليسارية المعارضة والمناهضة للنظام الاستبدادي القائم، وهم بممارستهم وكفاحيتهم لن يلقوا سوى التأييد والمساندة والمؤازرة الرفاقية والوحدوية من جميع الرفاق والمناضلين من داخل الماركسية اللينينية المغربية، ضد العدو الطبقي المشترك.. لكن أن يتمادوا في تقديم أفكارهم وأطروحاتهم كأرضية لتوحيد "الشيوعيين والشيوعيات" باعتبارها هي الماركسية اللينينية، فنعتقد أن الأمر محسوم داخل مناضلي الحركة الماركسية اللينينية المغربية باعتبارهم اشتراكيين شيوعيين مرتبطين أشد الارتباط بالفكر العمالي الطبقي، مستندين في ذلك على إسهامات وتجربة ماركس، إنجلس ولينين وسط الحركة العمالية المناضلة.
7. ومرة أخرى نعلن في هذا الصدد، ولا نستحي أحدا، "بأننا نقف على أرضية ماركس.. علمتنا أن نرى النضال الطبقي، النضال بين مختلف أصناف الطبقات المالكة وبين سواد غير المالكين، والبروليتاريا التي تسير على رأس جميع غير المالكين. وأوضحت مهمة الحزب الاشتراكي الثوري الحقيقية، أن هذه المهمة لا تقوم في اختلاق المشاريع لإعادة بناء المجتمع، ولا في وعظ الرأسماليين وأذنابهم بتحسين أوضاع العمال، ولا في حبك المؤامرات، بل في تنظيم نضال البروليتاريا الطبقي وقيادة هذا النضال الذي هدفه النهائي هو ظفر البروليتاريا بالسلطة السياسية وتنظيم المجتمع الاشتراكي"، لماذا؟ لأنه بدون هذا التوضيح، سيصبح من غير الملائم أن نسقط على البعض مفاهيمنا وأن نلزمهم بتصوراتنا حول العديد من القضايا باعتبارها قضايا مشتركة مثل "الديمقراطية" والنضال من أجل الحريات، والوحدة النضالية الميدانية..الخ
8. أما الماوية فلها منظورها الخاص للثورة والتغيير والتحالفات..الخ بحيث ومن خلال منظورها "للجبهة" و"الوحدة حتى النهاية" و"الدكتاتورية المشتركة لعدة طبقات" فتقول "إننا نعادي فقط العدو والذين يصرون على الاستسلام ومعاداة الحزب الشيوعي، أما جميع من سواهم فمن واجبنا أن نعمل بصورة جدية للاتحاد معهم".. "ولهذا الهدف، فإننا ننادي، فيما يتعلق بالسلطة السياسية، بتأسيس السلطة السياسية الخاصة بالجبهة المتحدة، أي أننا لا نوافق على دكتاتورية الحزب الواحد من قبل أي حزب آخر، ولا ندعو كذلك إلى دكتاتورية الحزب الواحد من قبل الحزب الشيوعي، وإنما ندعو إلى الدكتاتورية المشتركة لمختلف الأحزاب والجماعات السياسية ومختلف الأوساط وجميع الجيوش، أي السلطة السياسية الخاصة بالجبهة المتحدة" وعدا هذا يعني "سياسة القضاء على البرجوازية اقتصاديا، والقضاء على الفلاحين الأغنياء، والقضاء على ملاكي الأراضي، وتوجيه الضربات إلى المثقفين، واستئصال العناصر المعادية للثورة، واحتكار أعمال السلطة من قبل الشيوعيين، واتخاذ الشيوعية كهدف للتعليم الوطني.." كلها انحرافات يسارية في نظر ماو والماوية.. وهي شذرات وفقط من كتابات وتوجيهات ماو، وجب على الرفاق والرفيقات الاطلاع عليها لمقارنتها مع الماركسية ومع التوجيهات اللينينية والخبرة العمالية العالمية بما تشكله من إفادة وبوصلة لتوجيه عملنا ونضالنا خلال عصر الإمبريالية وطغيانها كنظام عالمي معولم، قائم على الاستغلال والاستبداد وحروب الإبادة..الخ
9 وللمزيد من التوضيح، لا بد للإشارة كذلك، أن نضالنا ونضال جميع الكادحين المناهضين للنظام الرأسمالي الإمبريالي ولوضع الاستبداد القائم بالمغرب، لن يستقيم إلاٌ بوجود حزب الطبقة العاملة المستقل، حزب طبقي بكل ما في الكلمة من معنى وتوجيه ماركسي، حزب ليس ثوريا ولا راديكاليا يطالب بإسقاط النظام وتغيير شكل الحكم وفقط، بل حزب طبقي يمتلك مشروعه الثوري من وضوحه الفكري وسدادة خطه السياسي، أي لما يستند عليه من تحليل علمي للمجتمع المغربي، وعلى التقدير الدقيق لمختلف طبقاته بما تمثله طموحاتها المختلفة، بمعنى السير وراء الطبقة العاملة في اتجاه الإستراتيجية الاشتراكية، منافستها على القيادة، الاستماتة في الحفاظ والمحافظة على الوضع القائم، التراجع والرجعية لأوضاع قروسطية ظلامية متخلفة عن الوضع القائم بكثير..الخ
10. واعتبارا لخبرتنا الميدانية، يمكن أن نجزم بأن مجموع مكونات الحركة الاشتراكية المغربية بجناحيها الإصلاحي والثوري، لا تشكل سوى تيارات ومجموعات صغيرة لا تأثير لها داخل حركة الطبقة العاملة، إن لم نجازف ونقول أن غالبية المجموعات والتيارات الصغيرة منعدمة الاتصال بالطبقة العاملة.
فلا بد، وبعد هذه الملاحظات أن يحضر التواضع في نقاشاتنا وردودنا وألاٌ يحسب علينا الانتقاص من نضالية أحد، إذ لا يستحق النقد سوى المناضلين الممارسين، وعداهم لا يستحق حتى الالتفاتة من لدننا..
صحيح أن الحملم موجودة، وعن جدارة نضالية، منذ أواخر الستينات، وصحيح أن لها ارتباط ببعض القطاعات الشبيبية في الثانويات والجامعات، ومن داخل حركة المعطلين وبعض نقابات الموظفين والمستخدمين..الخ لكنها من جهة أخرى، وهذا هو الأهم، ظلت ضعيفة ودون المستوى المطلوب في علاقتها بالطبقة العاملة، بالرغم من التضحيات التي قدمها وما زال يقدمها مناضلوها باستمرار، فقد عجزت وظلت مكرسة لهذا العجز بفعل من منزلقاتها النظرية والسياسية، الشيء الذي منع عليها أي تقدم يذكر، لتحقيق أي شكل من أشكال الارتباط بالطبقة العاملة وبمؤسساتها الطبقية الحقيقية.
11. لماذا ظل العجز قائما بالرغم من كفاحية الحركة، الملموسة؟ ذلك ما نعتبره مغيبا من جميع التقاييم، رغم ادعائها أو ادعاء أصحابها الالتزام بالعلمية والموضوعية..الخ وقد نادينا منذ مدة بفتح النقاش النقدي والتقويمي الجماعي لتجربة الحملم، بغية استخلاص الدروس لتجاوز وضعية العجز هذه، وللتقدم في بناء حزب الطبقة العاملة المستقل، ذلك الشرط الذي لا بد منه لتحقيق أي تغيير جدي وملموس لمصلحة جميع الكادحين المغاربة. ولم نتوقف لحد الآن عن المطالبة بهذه المهمة، لتظل عالقة لأجل غير مسمى، تاركة المجال للتقاييم السطحية، الجاهزة والسهلة، تقاييم التمجيد، أو التأبين أو التأويل..الخ
التمجيد بمعنى أن المنظمة "إلى الأمام" الماركسية اللينينية حينها، أنجزت كل ما كان يستحق ويستوجب الإنجاز، في الفكر والسياسة والتنظيم، ليبقى القمع والاختراقات الانتهازية والتحريفية، هي المسؤولة على فشلها وتحللها!
التأبين بمعنى التصفية والمحو من الذاكرة الجمعية للحركة ومناضليها وقواعدها، لشيء أطلق على نفسه الحملم أواخر الستينات، بمنظماتها "إلى الأمام"، "23 مارس"، "لنخدم الشعب" ومختلف الفعاليات والحساسيات الماركسية الأخرى..، على اعتبار أن التجربة كانت في مجملها شبابية حالمة، مراهقة، مندفعة.. سرعان ما أثبت التاريخ والوقائع، محدودية تأثيرها في تاريخ صراع الطبقات بالمغرب.
التأويل، والذي لا نشك في صدقية أصحابه، والذين لا يتوانوا عن تضخيم حجم الإنجازات السبعينية بغض النظر عن الانزلاقات الفكرية والسياسية للحركة، محاولين بكل ما لديهم من جهد إلباس التجربة لبوسا فكرية غير محسومة بشكل واضح، بحثا لكل منهم عن مشروعية تاريخية يبرر بها وجوده وادعاءاته الحالية.. إرث تاريخي تدافع عنه جميع التيارات والمجموعات، الماركسية اللينينية، الستالينية، الماوية وكذا بعض الفوضويين والتروتسكيين..الخ

النضال الديمقراطي، تاريخه، حاضره والبديل:
12. ولكي لا يدعي البعض أننا نختلف من أجل الاختلاف وفقط، أو أننا نعمل على خلق مواضيع للنقاش دون أن تكون ذي موضوع.. نوضح للرفاق والرفيقات المعنيين بالأوضاع الكارثية التي يعيش في ظلها شعبنا، وبأوضاع الحركة الثورية وضمنها نواتها الضاربة الحملم، بأن مواضيع "الديمقراطية البديلة" و"خط النضال الديمقراطي" ليست للمزايدة أو الترفيه الفكري والثقافي، فالنقاش وإعطاء الرأي حولها أصبح ذو ملحاحية قصوى، الآن أكثر من أي وقت مضى، ولن يفيد التهرب من إثارتها في شيء.
فما زال العديد من المناضلين، يرفضون إثارتها حتى، وما زالت بعض الأصوات الثورية، باسم الماركسية والخطاب الجذري، متمسكة بشعاراتها عن "الديمقراطية الشعبية" الموعودة، دون أدنى شرح لمضامينها، ودون إجراء أي تقييم للنماذج الفاشلة التي كانت أساسا ونموذجا يحتدى به إبان صياغتها.. ليستمر الصمت والمراوغة حول أسئلة الوضع الراهن وما يتطلبه من أساليب نضالية تعترف ضمنيا بموازين القوى الطبقية المختلفة لصالح البرجوازية وحلفائها، وموضوعيا بأوضاع ومستوى الوعي في صفوف الطبقة العاملة التي من المفروض أن تكون في قمة اهتماماتنا كماركسيين بالنظر لرسالتها التاريخية كقائد طليعي، لا بديل عنه، لمجمل الطبقات الكادحة والمحرومة، من أجل التغيير الاشتراكي والديمقراطية البديلة المنشودة.
13. فـ"الديمقراطية" كلمة ذات أوجه، وبتعبير أدق، هي مفهوم وممارسة طبقية سنبحث عن أصولها قصد الشرح والتوضيح، ودون أن نبتعد كثيرا عن اهتماماتنا الميدانية والمباشرة وحتى لا يتشعب الموضوع ويتعقد، أي بدون الغوص في أعماق التاريخ عن أصل الكلمة، وعن سيرورة الممارسة الديمقراطية داخل مسار الشعوب على اختلاف تجاربها، لما شكلته اجتهادات مفكريها من تنوع وصراع حول مضمون وجوهر الكلمة، الشيء الذي وجد له انعكاسا داخل الصراعات التي عرفته مكونات هذه الشعوب حول مضمون الديمقراطية المرغوب في تحقيقها.. سنختصر المقال ونقتصر الكلام عن الديمقراطية في مجتمعاتنا المعاصرة، أي المجتمعات المرتبطة والخاضعة لنمط الإنتاج الرأسمالي.
14. فمنذ ظهور الطبقة البرجوازية على الميدان الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، خاضت حربها الشرسة بضراوة من أجل تحقيق الديمقراطية حسب منظورها الطبقي، الشيء الذي جسدته في قيادتها لنضالات مريرة وصلت لحد الثورة ضد الأنظمة الإقطاعية وضد جميع أشكال الحكم الاستبدادي المطلق، بأوربا وغيرها، من أجل هدفها المبدئي هذا.
لقد ناضلت الطبقة البرجوازية بدعم من الطبقة العاملة ومن جميع الطبقات والفئات الكادحة داخل المجتمع القديم، أي السابق عن الرأسمالية، من فلاحين وحرفيين وتجار صغار..الخ من أجل قيم ومبادئ غيٌرت مجرى حياة المجتمعات والبشرية بشكل عام، وقد رفعت من أجل هذا ومن داخل هذا النضال، شعارات ذات قيمة تاريخية مثل الإخاء والمساواة والعدل..الخ وناضلت بدون هوادة، وبشكل خاص لحظة صعودها على المسرح السياسي والاجتماعي، من أجل القضاء على جميع أشكال الحكم المطلقة، الاستبدادية والكهنوتية، وناهضت الملكيات مطالبة بالجمهورية المبنية على التمثيلية والانتخابات وحكم "الشعب"..الخ
ولتجسيد هذه الديمقراطية، التي نعتبرها بورجوازية ارتبطت ولادتها بمرحلة تاريخية معينة من حياة ومسار الشعوب، شكلت البرجوازية مؤسساتها ولم تتوقف عن دعمها بمؤسسات أخرى جديدة، أو بإصلاح القديمة وتحسين أدائها ووظائفها، أو بتعديل قوانينها ودساتيرها.. حسب موازين القوى ومستوى الصراع بين الطبقات ونسبة الاستفادة من شكل ومضمون هذه الديمقراطية.
فإلى جانب الجمهوريات التي أقامتها البرجوازية بالعديد من بلدان أوربا، تم تعديل بعض الملكيات الأوتوقراطية بإدخال قوانين الحكم البرجوازية التمثيلية والبرلمانية، لتصبح ملكيات شكلية تدير شؤونها ملكيات "الملك يسود ولا يحكم" أو "الملكيات البرلمانية" أو"الدستورية"..الخ من منوعات الأسماء التي ليست بطبيعة الحال اعتباطية، بل هي معبرة عن أوضاع طبقية جديدة بعد المسار الذي بموجبه هيمنت الطبقة البرجوازية ونظامها الاقتصادي على الشعوب، خاصة بعد التحالفات الجديدة التي أبرمتها الطبقة البرجوازية الصاعدة مع بقايا الطبقات القديمة المنهارة، حفاظا على مصالحها ومصالح حلفاءها.
في مجرى هذا النضال، أنتجت الديمقراطية البرجوازية عبر مفكريها ومثقفيها وقادتها السياسيين.. مؤسساتها الحزبية والجمعوية والصحافية، وكرٌست بذلك اختياراتها الانتخابية والتمثيلية البرلمانية، عملا بمبدأ الأغلبية تقرر والأقلية تخضع لحكم الأغلبية.. وأنتجت في هذا السياق الدساتير والأحكام والقوانين ومعايير سير اللعبة الديمقراطية، إلى حين تبيان وانفضاح شكلية الديمقراطية المتغنى بها، ومحدودية المساوات، ونفاقية الأخوة داخل الشعب الواحد وفيما بين الشعوب، واكتشفت، بالتالي الأغلبية الحقيقية داخل الشعوب، التي ظلت إلى يومنا هذا، عدا فترات تاريخية محدودة أي خلال تجربتي كمونة باريس وأكتوبر 1917 المجالسية، مغيبة عن شيء اسمه التسيير والتدبير والتنفيذ الشعبي الديمقراطي.. زيف هذه الديمقراطية ورياءها.
15. ومنذ صعود الطبقة العاملة العصرية، منتوج الرأسمالية ونقيض طبقتها البرجوازية، وحفٌارة قبرها، للمعترك السياسي أي ابتداء من أربعينيات القرن التاسع عشر، خاضت في إطار نضالها من أجل تغيير أوضاع البؤس المأساوية التي كانت تعيشها، وما زالت، في ظل المجتمع الرأسمالي الجديد وفي ظل حكمه الديمقراطي المزعوم، نضالا لا هوادة فيه من أجل تصورها الخاص للديمقراطية، حيث اكتفت بداية باستغلال الديمقراطية البرجوازية لتوسيع مجال الحقوق والحريات، كحرية التجمع والتظاهر والتعبير والتنظيم والإضراب..الخ بما فيها الحق الانتخابي الذي بقي لسنوات مغيبا في حق العمال وفقراء الفلاحين والنساء والأقليات القومية والعرقية والدينية..الخ وقد خاضت الطبقة العاملة مدعومة ومسنودة بحلفائها من كادحين وصغار المالكين في المدن والأرياف، نضالا ضاريا من أجل الحق في المشاركة السياسية ساعدتها في ذلك تجاربها النقابية والصحافية والسياسية الناجحة، داخل بعض البلدان الرائدة كإنجلترا وفرنسا وألمانيا..الخ
حيث حققت من خلال نضالها هذا بعض المكتسبات القيمة، كالحق في إصدار الصحف، والحق في إنشاء النقابات والجمعيات والنوادي والأحزاب العمالية، والحق في عقد الاجتماعات والتجمعات الجماهيرية والمؤتمرات، والحق في خوض الإضرابات والاحتجاجات..الخ الشيء الذي ألهب حماس الجماهير الكادحة وساعدها، بالتالي، على إدخال ممثليها للبرلمان من بابه الواسع، واستغلاله كواجهة للصراع.
في هذا السياق تم إنشاء الأحزاب العمالية، أي من داخل وفي حضن الديمقراطية البرجوازية، بل يمكن اعتبارها إلى حد ما جزء لا يتجزء من هذه الديمقراطية نفسها، وإذا كانت الديمقراطية البرجوازية قد عرفت مسارا تخلله التقدم والتراجع، الصعود والهبوط والالتواء.. فكذلك الشأن داخل الحركة العمالية وأحزابها.
فالديمقراطية البرجوازية كما عرٌفناها، ديمقراطية طبقية تبنٌت وكرٌست مصالح طبقية معينة هي في الأصل نقيضة لمصالح الطبقة العاملة والغالبية الساحقة من الشعب الكادح.. وعبر مسار التاريخ، لم تكن موازين القوى ومصالح الفئات والطبقات ثابتة، فيما يخص المطالبة والنضال من أجل ديمقراطية حقيقية تضمن حقوق الأغلبية الساحقة من الكادحين، محدودي الملكية وغير المالكين.
وخلال السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر، تبدٌدت أحلام العمال وسائر الكادحين في العديد من البلدان، وتبخرت أحلام العديد من المثقفين المتنورين حول مدى صدقية الديمقراطية المزعومة، حيث انطلق مسار العنف والاضطهاد من جديد في حق المثقفين والمناضلين المعارضين، ومنعت الجرائد وأغلقت مقرات الأحزاب والنقابات والنوادي، واعتقل من اعتقل، وحوكم من حوكم، وهاجر العديد من المناضلين من بلدانهم مضطرين، هاربين أو منفيين بقرار بوليسي أو قضائي، سيان..الخ
16. في هذا الإطار انطلق النقاش حول أهمية الديمقراطية البرجوازية ومدى استفادة الحركة العمالية من قوانينها ومؤسساتها، وانخرط منظرو الحركة الاشتراكية في النقاش، آنذاك، حول المزاوجة بين أشكال النضال الشرعية واللاشرعية، العلنية والسرية، واحتد الصراع بين الآراء فيما يخص المشاركة السياسية بالنسبة للأحزاب العمالية، يعني الانخراط في الانتخابات البرلمانية أو مقاطعتها، وبالتالي حول أشكال النضال السلمية أو العنيفة المسلحة..الخ
وبين طرفي الحركة، أي ما بين المستسلمين والمتشددين، ما بين الراكعين للديمقراطية البرجوازية بكل مساوئها، والرافضين لها ولكل محاسنها بشكل مطلق، انتصب الماركسيون من أتباع مذهب ماركس وإنجلس، بزعامة لينين والبلاشفة الروس، مشكلين بعطاءاتهم النظرية والسياسية الميدانية، الاختيار الثالث، المراعي للظرفية التاريخية وللحسابات السياسية، ولموازين القوى الطبقية داخل البلاد وفي محيطه.. بما يراعي ويأخذ بعين الاعتبار حدة التناقضات في صفوف الحاكمين من جهة، ومن جهة أخرى درجة ومستوى الوعي في صفوف الطبقة العاملة وحلفاءها في صفوف الكادحين. وهو ما يعنيه الماركسيون باللحظة الثورية، بما تشكله من قفزة نوعية في مسار الصراع الطبقي ونضال الكادحين تحت قيادة الطبقة العاملة الواعية، والمنظمة في حزبها المستقل عن جميع الطبقات والفئات الاجتماعية المعارضة: "إنها هدم بالعنف لبناء فوقي سياسي ولى عهده، وأدٌى تناقضه مع علاقات الإنتاج الجديدة في لحظة معينة إلى إفلاسه" هذا الهدم الذي لن يصل إلى نهايته القصوى، بما تقتضيه هذه النهاية من حسم للسلطة لمصلحة الطبقة العاملة، وبناء ديمقراطية المجالس العمالية والشعبية ثم الشروع في عملية البناء الاشتراكي، بدءا بمصادرة الأملاك البرجوازية في المدينة والريف، وتأميمها، والانخراط في ثورة زراعية حقيقية.. لينطلق مجتمع المنتجين المتضامنين، في بناء تجربة جديدة ينتفي فيها الاستبداد والاستعباد والاستغلال والطبقية واللامساوات..الخ
فالثورة عملية معقدة تحتاج لشروط لكي تلقى النجاح، إنما هي النضال الطبقي وقد بلغ الذروة من الوعي والتنظيم والعنف، وشروطها كما حددها الفكر العمالي الماركسي اللينيني هي باختصار كالتالي: أ. أن يستحيل على الطبقات السائدة الاحتفاظ بحكمها وسيادتها دون تغيير، وأن تتفاقم الأزمة وسط الحاكمين لحد الانفجار.
ب. أن يتفاقم كذلك بؤس المحكومين ويشتد شقائهم لحد لن تعد فيه الطبقات المضظهَدة قادرة على العيش في ظل أوضاع الأزمة.
ج. أن يتعاظم ويتقوى نشاط الجماهير المتضررة احتجاجا على هذه الأوضاع وأن يرتقي وعيها ويشتد عزمها نحو إحداث تغيير تاريخي لمصلحتها.
وطبيعي جدا أن الثورة لا تنشئ عن كل وضع ثوري، إنما تنشأ فقط إذا انضم إلى جميع التغييرات الموضوعية المذكورة آنفا تغير ذاتي، وأعني به قدرة الطبقة الثورية على القيام بأعمال ثورية جماهيرية قوية إلى حد تحطيم الحكم القديم الذي "لن "يسقط" أبدا في فترة الأزمات إن لم يتم إسقاطه عمليا".
17. اعتبارا لهذا التحديد، فالماركسيون اللينينيون المغاربة وغيرهم، مقتنعون أشد الاقتناع، بأنه في ظل النظام الرأسمالي، وفي ظل السيطرة الطبقية البرجوازية، يتعين على الطبقة العاملة بقيادة حزبها المستقل، وبدعم من حلفاءها الطبقيين في صفوف الكادحين وصغار المالكين بأن تناضل من أجل تثبيت وتوسيع الحريات الديمقراطية.. ويتعين كذلك على الأحزاب العمالية بالبلدان المختلفة التي ما زالت تحكمها أنظمة استبدادية، بأن تنخرط في النضال وتقود نضال جميع الكادحين والمضطهدين، من أجل توفير الحريات الديمقراطية.
فمن تصورنا الماركسي اللينيني، يعرف النضال من أجل الحريات الديمقراطية تنوعا حسب المرحلة وحسب البلد المعني، فالنضال الديمقراطي في بلد مثل فرنسا التي حققت ثورتها البرجوازية، ليس هو النضال الديمقراطي في بلد مثل مصر، تونس أو المغرب.. والنضال الديمقراطي في ظل روسيا القيصرية ليس هو النضال الديمقراطي في ظل الجمهورية الروسية الأولى تحت قيادة الحكومة المؤقتة، ولا هو النضال الديمقراطي في ظل سلطة الطبقة العاملة ومجالسها السوفياتية بقيادة البلاشفة الشيوعيين بعد ثورة أكتوبر 1917..الخ
18. في ظل أوضاعنا بالمغرب، يلاحظ وبشكل صارخ، ضعف الوعي في الأوساط العمالية، لما يُجسده هزالة انخراطها في العمل النقابي والسياسي، وابتعادها عن لعب أي دور قيادي مؤثر في مجال الصراع الطبقي الذي تخوضه الجماهير الشعبية الكادحة ضد النظام الرأسمالي التبعي القائم.. مكتفية ببعض النضالات الدفاعية المناهضة للتسريحات والإغلاقات التي تعرفها العديد من المعامل والمصانع والشركات، والطرد التعسفي الذي يلقاه النقابيون بسبب من تأسيسهم لمكاتب نقابية أو بسبب التحريض على الانخراط في الإضرابات..الخ
فلا يوجد حزب عمالي جماهيري بالمغرب، ولا توجد منظمة سياسية تحمل وتتبنى فكر الطبقة العاملة بوضوح والتزام، كلما هنالك حركة تيارات ومجموعات وحلقات وفعاليات.. تدٌعي إلى هذا الحد أو ذاك ارتباطها بالمرجعية الماركسية اللينينية وبالتراث السياسي الذي خلفته منظمات الحملم السبعينية.
فبالرغم من كل التضحيات الجسام التي قدمها المناضلون والمناضلات منذ أربعينيات القرن الماضي، من أجل استقطاب وتنظيم الطبقة العاملة في حزب خاص بها، عبر تجارب الحزب الشيوعي، وفيما بعد الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ومنظمة إلى الأمام ومنظمة 23 مارس بداية السبعينات، ظل الشعار يراوح المكان، واستمرت الأصوات تردد وتعيد ترديد المطلب، دون جدوى ودون تقدم يذكر، لحد الساعة والآن، مكتفية بتشكلها في تيارات ومجموعات تناحر بعضها البعض، في الوقت الذي ما زالت الغالبية الساحقة داخلها تتحفظ من حق الطبقة العاملة في استقلالها السياسي والنقابي، متمادية في نشرها للفكر الشعبوي الراديكالي باسم الفكر البروليتاري الماركسي اللينيني تارة، وباسم الفكر الثوري الشيوعي تارة أخرى.
19. فإلى جانب بعض الأصوات الشعبوية، والفوضوية إلى حد ما، المناهضة لأي شكل من أشكال الارتباط بالطبقة العاملة وعموم الكادحين عبر طلائعهم المنظمة في إطار نقابات وجمعيات وتنسيقيات، اعتمادا على نظرية الأنوية الثورية الطاهرة التي تنتهي مدة صلاحيتها، على ما يبدو، مباشرة بعد مغادرة الحياة الطلابية الجامعية.. ما زلنا نلاحظ تردد التيارات الأخرى المدعية جميعها استنادها للمرجعية الماركسية اللينينية، في عملية ارتباط هذه وفي تسجيل انخراطها الجدي إلى جانب الحركة الجماهيرية المنظمة تحت تبريرات لا أساس مرجعي لها.
20. لم يشكل التحاق العديد من المناضلين الماركسيين اللينينيين، القدماء والجدد سيٌان، للنقابات أية إضافة نوعية، خدمة لمهمة بناء حزب الطبقة العاملة المستقل، وبقيت النقابات ولحد الآن عبارة عن فدراليات مهنية تجمع الموظفين والمستخدمين والعمال والأجراء وبعض المالكين من الأوساط البرجوازية المتوسطة..الخ ولم تطرح في الأوساط الماركسية ولحد الآن أية خطة تمشي في الاتجاه الذي يصون ويحمي استقلالية الطبقة العاملة، بل لا وجود لنقاش أو تفكير في هذا الاتجاه الذي يروم لبناء نقابات عمالية قوية تلعب أدوارها تطويرا ورفعا لمستوى الصراع الطبقي، بما تتطلبه مهمة القضاء على الرأسمالية من نشر واسع للفكر الاشتراكي داخل النقابات والإطارات الجماهيرية وبما تتطلبه عملية التغيير نحو البديل الاشتراكي والمجالسي الديمقراطي من أدوات طبقية عمالية ـ مدارس الشيوعية ـ من جمعيات ونوادي ونقابات مستقلة وحزب سياسي بروليتاري مستقل.
21. فمن الصعب جدا خوض النقاش داخل الأوساط المرتبطة بالفكر الماركسي اللينيني، حول أهمية النضال من أجل الحريات الديمقراطية، النقابية والسياسية، وكل ما يرتبط بها من حريات في التعبير والتنظيم والاحتجاج..الخ والحال أنه ما زالت العديد من القيادات النظرية تعتبر النقاش، مغامرة غير محسوبة قد تصنف المنخرطين فيه ضمن مختلف المصنفات المنبوذة: التحريفية، التصفوية، الانتهازية، خيانة الشهداء..الخ
فبالرغم من التواجد الكثيف والملحوظ لمجموع الحساسيات المعلنة عن انتمائها للحملم، داخل حركات اجتماعية محدودة الأدوار والعطاء، على مستوى العملية الثورية ـ الحركة الطلابية، حركة المعطلين، الحركات الاحتجاجية المناهضة للغلاء..ـ يتضح عجز مناضلي الحركة ومكوناتها، على صياغة برامج وشعارات للنضال الديمقراطي بالمنهجية الماركسية المطلوبة، عكس هذا نجد بعض أطرافها تعادي أي إعلان من هذا النوع باعتباره تحريف للمرجعية الماركسية اللينينية، وانحراف عن الخط الثوري البروليتاري..الخ
22. كثيرا ما تحاول بعض النزعات والحساسيات، البحث عمٌا يسند مواقفها واختياراتها الغريبة، داخل بعض الأرضيات والبيانات الخاصة بمنظمة إلى الأمام لحظة انطلاقها، أي فترة 70/74.. وقد وصل بهم الاجتهاد لتفسير معاداتهم للنضال الجماهيري، ودعوتهم لهجر الإطارات الجماهيرية، وتبخيسهم، بل محاربتهم للعمل الوحدوي مع الأطراف السياسية التقدمية المخالفة..الخ بالرجوع إلى هذه الأرضيات والبيانات السبعينية المقدسة، والحال أننا لم نجد جذورا لهذه الأفكار والادعاءات في الأوساط الماركسية اللينينية السبعينية كما يدٌعي هؤلاء، إذ لا يمكن إلاٌ الإشادة بالمجهودات التي قدمها المناضلون المؤسسون للحركة من خلال منظمتي إلى الأمام و23 مارس، بل يمكن اعتبار مواقفهم آنذاك بمثابة نقطة ضوء أبعدت عنهم كل الادعاءات المتجنية التي وصفتهم حينها بالعدمية والانعزالية والتطرف..الخ
لقد انخرط أطر ومناضلو وقواعد الحملم منذ بداية التشكل في تنظيمات سياسية سرية، في النقابات التعليمية والعمالية، وفي اتحاد الطلبة والتلاميذ، وأنشئوا الجمعيات والنوادي الثقافية، وساهموا في تأسيس اتحاد المهندسين..الخ وعملوا بكل ما لديهم من جهد وقناعة إبان هذه التجربة، على الوصول إلى الأوساط العمالية المعنية بمشروع التغيير الثوري، دون أن يستخفوا بأشكال النضال الديمقراطي المتوفرة حينها.. ولم يمنعهم عن هذا حملات القمع المتشددة في حقهم، ولا حصار القوى الإصلاحية والرجعية في حق حركتهم المكافحة والمبدئية.
23. والأرجح، هو أن يُعْزى هذا التردد والتذبذب الذي تعرفه مكونات الحملم في تعاطيها مع برنامج النضال من أجل الحريات الديمقراطية، هو ردة الفعل الرفضوية واليسراوية ضد التشويه والانحراف الذي لحق بالبرنامج من جراء انزلاقات المكونات المؤسسة للحركة: تجربة مجموعة "أنوال" ومنظمة العمل الديمقراطي خلال الثمانينات، ثم تجربة "النهج الديمقراطي" من التسعينات إلى الآن.
ليبقى هذا التقدير في نظرنا نسبيا ونسبيا جدا لما يحتاجه من تعميق للنقاش حول الموضوع، إذ لا يمكننا حسم الموقف بشكل نهائي أمام شح المعطيات وقلة الكتابات الجدٌية حول مواضيع من هذا النوع، وحول مواضيع مشابهة ومن نفس الأهمية.. فغالبية النقاشات تتحول إلى هجومات، والانتقادات إلى تهجمات، حيث يغلب التجني، والسباب وأحكام القيمة التي تخرج المنتقدين من ملٌة ماركس ولينين.. وحيث تطمس الحقائق، وتقدم بدلها المغالطات والادعاءات باعتبارها حقائق مطلقة.. وحيث تغيب، بالتالي، الجدية والمسؤولية، وعدم الاستقرار بالنسبة لأطر الحركة، فقليل من الأطر الجديدة هي التي حافظت على استمرارها داخل الحركة بكل مبدئية وميدانية، بل هناك الكثير ممن ينسحب مباشرة بعد مغادرته الجامعة وحصوله على منصب شغل يقيه "وجع الرأس" ـ الجذرية والتزاماتها ـ مجمدا عطاءاته في الميدان، أو موظفا إياها في الحرب العدوانية التي تخوضها مختلف القوى الرجعية ضد المشروع التقدمي والتحرري بشكل عام.
24. لقد شكل مطلب الحق في تأسيس جريدة علنية، والحق في تأسيس نقابة أو اتحاد عمالي، والحق في تأسيس حزب سياسي عمالي، والحق في إصدار المنشورات والمجلات العلنية، والحق في الانتخابات المحلية والبرلمانية، والحق في الإضراب والاحتجاج والتظاهر.. إلى جانب حقوق أخرى كالحق في الطلاق وفي تقرير المصير والانفصال، وفي يوم العمل من ثماني ساعات والحق في الشغل وقاية من البطالة، والسلم وقاية من الحروب الإمبريالية والتوسعية..الخ وكلها مطالب ديمقراطية يمكن أن ترفع في ظل نظام حكم استبدادي لا يعترف بهذه الحريات.. محفزا لمناضلي الخط البروليتاري، لنسج خيوط الارتباط بمختلف الحركات والطبقات الاجتماعية المناضلة ضد الظلم والاضطهاد.
25. وقد لعب الماركسيون في هذا النضال، منذ تجربة ماركس/إنجلس داخل الحركة الديمقراطية الألمانية إلى تجربة لينين ورفاقه البلاشفة داخل الحزب الاشتراكي-الديمقراطي الروسي، الأدوار الطلائعية في هذا المجال، قاطعين الطريق على كل التيارات والمجموعات الفوضوية والتآمرية والشعبوية العدمية.. التي كانت تنتقص من أهمية هذا النضال، حيث ادعت حينها، استحالة تحقيق هذه المطالب في ظل أنظمة استبدادية قروسطية ومطلقة، مطلقة العنان للأطروحات النخبوية، واختياراتها وأساليبها الإرهابية، بما فيها تصفية رموز الدولة عبر الإرهاب الفردي، لتحقيق التغيير والقضاء على الاستبداد.
"إن العاجزين كليا عن التفكير أو غير الملمين إطلاقا بالماركسية هم وحدهم الذي يستنتجون من هنا: إذن لا داعي إلى الجمهورية، لا داعي إلى حرية الطلاق، لا داعي إلى الديمقراطية، لا داعي إلى حق الأمم في تقرير مصيرها. أما الماركسيون، فإنهم يعرفون أن الديمقراطية لا تقضي على الاضطهاد الطبقي، ولا تفعل غير أن تجعل النضال الطبقي أكثر نقاوة واتساعا وسفورا وحدٌة، وهذا بالذات ما نريده" بهذه الطريقة التهكمية ردٌ لينين على معارضيه، منتقدا هذه الأصوات الماركسية خلال عرضه لبرنامج النضال الديمقراطي بما تضمنه من نقط ومطالب معقدة احتدٌ النقاش حولها بقوة، وبشكل خاص، النقطة المتعلقة بحق الشعوب في تقرير مصيرها، أي بما فيه الحق في الانفصال وإقامة الدولة المستقلة.
لقد وصفهم، بسبب من تعنتهم وامتناعهم عن الانخراط في النضال من أجل الدعاية لهذا البرنامج، ومن أجل تحقيق بعض المطالب الديمقراطية المتضمنة، بشتى الأوصاف والتصنيفات، التي من المفروض أن تحرك وتعيد فتح النقاش في أوساطنا نحن الماركسيين المغاربة،.. إذ لم يتردد حينها بوصف الرافضين بأنهم غير ماركسيين، وغير اشتراكيين وغير ديمقراطيين حتى.. على اعتبار "أن كل "الديمقراطية" تتلخص في إعلان وتحقيق "حقوق" قابلة للتحقيق قليلا جدا ونسبيا جدا في ظل الرأسمالية، والواقع أن الاشتراكية تستحيل بدون مثل هذا الإعلان، بدون النضال في سبيل الحقوق على الفور وفي الحال، بدون تربية الجماهير بروح مثل هذا الإعلان"
26. فلا بد من التمييز وعدم الخلط بين النضال من أجل الحريات الديمقراطية في ظل النظام الرأسمالي وفي ظل حكم استبدادي كما هو الحال في بلدنا المغرب، وبين النضال من أجل الديمقراطية الحقيقية، الديمقراطية العمالية البديلة، التي لن تستقيم إلاٌ بعد القضاء على النظام الرأسمالي وشكل حكمه الاستبدادي، يعني حين تحقيق الطبقة العاملة انتصارها بتسلهما لسلطتها السياسية، بدون منازع.
ويستند الماركسيون في تصورهم هذا، على رصيد الحركة العمالية في هذا المجال، على تجربة كمونة باريس التي أبهرت تاريخيا جميع المفكرين والمناضلين الثوريين، وكذلك الشأن بالنسبة لمجالس ـ سوفييتات ـ العمال الروس سنوات 1905 و1917.
بدون هذه الديمقراطية لا يمكن الكلام عن الثورة بأبعادها الاشتراكية. فهي التي تجسد السلطة العمالية وهي الضامنة لقيادة طبقية عمالية، سديدة ومحكمة، لمختلف الفئات والطبقات الكادحة التي لها مصلحة في القضاء على الرأسمالية.
هي ديمقراطية جديدة بالمعنى التاريخي للكلمة، ديمقراطية نتشبث بها كتصور وكأطروحة، لما تشكله في نظرنا من نقد وتصحيح لمسارات التجارب العمالية التي انزلقت في اتجاه تدعيم البيروقراطيات وعزل البروليتاريا عن سلطة الدولة، وبالتالي تعبيد الطريق نحو بعث الرأسمالية من جديد كما وقع خلال التجربة الروسية، أو بتجديد البيعة لنظامها بالنسبة للتجارب الأخرى في الصين وفي أوربا الشرقية.
27. "ليست سلطة المجالس سوى الشكل التنظيمي لدكتاتورية البروليتاريا، لديكتاتورية الطبقة الطليعية التي ترفع إلى ديمقراطية جديدة، إلى الإشراك الذاتي في حكم الدولة لعشرات الملايين من الشغيلة والمستَغَلين، الذين يتعلمون من تجربتهم أن يروا في الطليعة المنظمة والواعية للبروليتاريا، أوثق زعيم لهم"
هي سلطة المجالس العمالية، المسنودة بشكل قوي وعملي بمجالس الأحياء الشعبية، ومجالس عموم الكادحين في المدن والأرياف. وفي تطبيقها الملموس، تنحصر وتتلخص فيما يلي: "أن الناخبون هم الجماهير الكادحة والمستغَلة، والبرجوازية مشطوبة وممنوعة من الحق في الانتخاب.." هي الديكتاتورية بمفهومها ومضمونها الطبقي التي لا تعني سوى استعمال القوة لقمع كل مقاومة برجوازية، بالقوة.. هي جمهورية مجالس نواب العمال، والأجراء الزراعيين، والفلاحين الفقراء، والتجار والحرفيين الصغار، والموظفين والمستخدمين الصغار..الخ
ليست سوى الماركسية، هي من يشمل اعترافها بصراع الطبقات الاعتراف بدكتاتورية البروليتاريا، كما عبٌر عن ذلك لينين "ولن يمتلك ناصية نظرية ماركس عن الدولة إلاٌ من يدرك أن دكتاتورية الطبقة الواحدة لازمة لكل مجتمع طبقي بوجه عام.. لازمة خلال المرحلة التاريخية الكاملة التي تفصل الرأسمالية عن المجتمع اللاطبقي: الشيوعية"
28. بهذا التعريف اللينيني المقتضب للماركسية، نضيف ونؤكد بأن جل التاكتيكات اللينينية لم تكن في اعتباره ونظره سوى عرضية، نصح، ولعشرات المرات، الجميع بعدم اعتمادها حرفيا، بل ثارت ثائرته، وكما يعلم الجميع، ضد التيارات الشيوعية الصبيانية التي أخذت بحذافير التاكتيكات البلشفية، محاولة ودون نجاح إسقاطها على الواقع الألماني والنمساوي والهولندي والإيطالي..الخ مشيرا على من تشبث حرفيا بتاكتيكات البلاشفة في غير محلها، بأنه متخلف عن الحياة، على اعتبار أن التاكتيكات المعنية، كانت مرتبطة بوضع ملموس، محدد بظرفية تاريخية خاصة بمجتمع معني، وبموازين قوى طبقية وسياسية محددة، وبدرجة وعي وحنكة عمالية سياسية وتنظيمية مميزة..الخ
"إن دكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الديمقراطية الثورية ليست، بلا جدال، سوى مهمة عرضية، مؤقتة، بالنسبة للاشتراكيين، بيد أنه من باب الرجعية على وجه الضبط تجاهل هذه المهمة في عصر الثورة الديمقراطية" لقد سبق وأن انتقدنا هذا الشعار/البرنامج، الذي تخلى عنه لينين لحظة انتفاء الشروط التي أملته، فمكانة ومكان المتشبثين به حينها، هو المتحف حسب وصفة لينين.
29. إلاٌ أن الأوضاع الجديدة لما بعد الحرب العالمية، والتي أسفرت عن تقاسم جديد للمستعمرات فيما بين الضواري الإمبريالية، أنتجت أوضاعا ثورية تحررية في قلب المستعمرات، ساعدت على احتضان البرنامج من لدن الحركات الديمقراطية الثورية والشعبوية في داخل هذه البلدان التي ما زلت الحركة العمالية والشيوعية بداخلها ضعيفة أو منعدمة.
حينها تقدمت "جبهات التحرر الوطني" عن الأحزاب العمالية والشيوعية، بل عوضتها في غالب الأحيان والتجارب، وتعززت تجارب الجبهات هاته، من خلال الدعم الفكري والسياسي والعسكري الذي كانت تتلقاه من دولة ستالين وأمميته آنذاك.
خلال هذه المرحلة تطورت وتوسعت أطروحة الجبهات السياسية والطبقية، في البلدان المستعمرة والشبه مستعمرة، واندمجت الحركة الشيوعية فيها لحد الذوبان، واختلطت البرامج وتعددت الإستراتيجيات في شكل ثورة ديمقراطية برجوازية، وثورة وطنية أو قومية ديمقراطية، وثورة وطنية ديمقراطية شعبية.. وكنتيجة لهذا الإجراء التصفوي، فقدت الأحزاب الشيوعية، في ظلها، استقلالها الداخلي والخارجي، الداخلي في علاقة بمكونات الجبهة، البرجوازية المهمينة، والخارجي في العلاقة بالتوجيهات والوصفات الستالينية المميتة في غالبها.
لقد كانت لهذه التوجيهات الأثر الكبير في التجربة الصينية التحررية، وفي تجربة حزبها الشيوعي الذي تلقف بحماسة فكرة الجبهة الطبقية، وعمل على تطوير نضال الشعب الصيني ضد الاستعمار الياباني، على هذا الأساس، حيث ذهب بعيدا في اجتهاداته التي ما زالت محط صراع ونقاش داخل الحركة الثورية المغربية وغيرها، خصوصا فيما يتعلق بدكتاتورية الطبقات الأربعة كبديل عن دكتاتورية البروليتاريا، ومشروع الديمقراطية الجديدة كبديل عن الديمقراطية العمالية المجالسية.
30. ولا بأس أن نستغل هذه المقالة لعرض البعض من أفكار هذه الأطروحة، التي وعلى ما يبدو لها أنصارا في المغرب، لكي يتمكن الرفاق الشيوعيون المغاربة من قياس المسافة الطبقية بين اللينينية من جهة، والماوية من جهة أخرى، ولما لا بين الماركسية كفكر طبقي بروليتاري، والماوية كفكر موجٌه "للشعب والأمة وللمعادين للإقطاع والاستعمار".
وإذا جدٌدنا النقاش والصراع ضد الرفاق الماويين، فليس من باب التجني أو الاستفراد، بل لاعتبارهم الخط الأكثر دفاعا وتشبثا بالموروث السبعيني، والأكثر ارتباطا بمشروعه وشعاراته وبرنامجه.. إضافة لكونهم التيار الوحيد الذي تجرأ وتقدم بمنظوره لخط النضال الديمقراطي، وإن كان محتشما ومرتبكا بعض الشيء، فطرح شعار الدفاع عن الحريات، بهذه القوة وفي هذه اللحظة، يعتبر تقدما ملموسا في تجربة الحركة الثورية المغربية.
الإثارة أو التجديد في طرح بعض الملاحظات، وفي هذه المرحلة بالذات، لا يسئ للنقاش الديمقراطي في شيء، فبالنظر لما ميز المرحلة، من انفتاح جميع التيارات اليسارية المناضلة عن بعضها، في إطار نقاش ديمقراطي ورفاقي يتجه نحو عقد بعض التحالفات والاتفاقات في إطار تصور للعمل، وحدوي وميداني، على أرضية النقط المحددة والمشتركة.. فالنقاش لن يزيد الاتفاقات إلاٌ الرسوخ، وموضوعات الخلاف لن يزيدها النقاش سوى الوضوح.
31. وحول "الوحدة حول نقط مشتركة محددة"، نهمس في أذن بعض الرفاق الذين يرفضون هذه الصيغة، بطريقة سفسطائية غريبة ومثيرة، بأن من يدعونه رفيقهم ومعلمهم الأول ماو تسي تونغ، فقد نسج خلال مسيرته تجارب وحدوية غريبة، وستبدو كذلك، حتى بالنسبة للعديد من الرفاق المنبهرين بالماوية، وسنحيلهم في هذا الصدد إلى بعض نصوص ماو عن الوحدة، وهي وحدة مع الجميع، من العامل إلى الإقطاعي والكمبرادوري المستنير، في إطار ما كان يسميه بـ"الوحدة حتى النهاية"، "إننا نعادي فقط العدو والذين يصرون على الاستسلام ومعاداة الحزب الشيوعي، أما جميع من سواهم فمن واجبنا أن نعمل بصورة جدية معهم" إنه نموذج للوحدة حتى النهاية من أجل نقطة واحدة ومشتركة هي القضاء على العدو.
هناك من جهة، الدعوة للعمل الوحدوي والنضال من أجل الحريات النقابية والسياسية، بما يتطلبه من انفتاح وعقد اتفاقات وتحالفات.. وهناك من جهة أخرى، الاستمرار في ممارسة نوع من التحايل النظري البئيس، يحاول أصحاب الموقف، من خلاله، الحفاظ على هامش للمزايدة السياسية، عبر التظاهر بالرفضوية والعدمية والعداء للأطراف السياسية التقدمية..الخ مما سيؤدي لا محالة بأصحاب هذا النهج، بفقدانهم لأية مصداقية نضالية، بالرغم من التضحيات التي يقدمونها في الميدان.
32. صحيح أنه لا توجد ببلادنا أية "ماوية" تذكر، يعني ماوية بالشكل الذي أنتجته الحركات التمردية المسلحة في بعض البلدان، كالصين سابقا خلال ثلاثينيات القرن الماضي، أو في البيرو والهند والنيبال والفلبين.. في ثمانينيات وتسعينيات نفس القرن.. لكن هناك من أصبح يطلق على نفسه التيار الماوي، وينسب نفسه للحركة الماركسية اللينينية والحركة الشيوعية المغربية، وهو تيار تشكل في غمرة النضال الطلابي، بعد أن خبر أطره النضال بالجامعة داخل الأوساط الطلابية، وارتباطا بحركة الطلبة القاعديين، وبفصيل "أنصار البرنامج الطلابي المرحلي".. إلى أن استقرت بهم الأمور تحت اسم "الطلبة الماركسيين اللينينيين الماويين" أو "الطلبة الماويين" فقط.
فلحدٌ الآن، لا يمكننا أن نعتبرها سوى نزعة ضمن نزعات أخرى، تظهر وتختفي، فالمنبهرين بأفكارها ومواقفها وأطروحاتها وأساليب عملها.. لا يتميزون، من الناحية النضالية، في شيء، عن أشد خصومهم وأعدائهم في الميدان الفكري والسياسي داخل الأوساط الإصلاحية.. ولا يختلفون عن الماركسيين اللينينيين وعن التروتسكيين والستالينيين.. في ضرورة الارتباط باتحاد الطلبة إوطم، وبالعمل في صفوف الحركة الطلابية، وبمناهضتهم بقوة لكل المخططات المحاكة ضدها، وفي الارتباط باتحاد النقابات، وأساسا نقابات الموظفين والمستخدمين التي لم يتأخروا عن الانخراط فيها جنبا إلى جنب جميع المناضلين التقدميين واليساريين، بغية تطوير النضال النقابي ورفع الوعي السياسي داخل هذه الإطارات، لم يتخلفوا كذلك عن الانخراط في جميع الحركات الاحتجاجية المناهضة للبطالة والغلاء.. مناصرون وبدون هوادة لجميع قضايا التحرر وعلى رأسها قضية فلسطين والعراق..الخ
فلا يجادل أحد في كون "الرفاق الماويين المغاربة" يشكلون تيارا من بين التيارات والمجموعات الأكثر تماسكا، والأكثر مواكبة لما يعترض مجرى النضال الفكري من أجل الثورة والتغيير، في أكثر من مستوى، وعلى الأخص المستوى الفكري الإيديولوجي.. لقد أحسنوا القرار والاختيار، بابتعادهم عن الأسماء التي لا تجلب سوى الضبابية والتضبيب، وبجرأة نادرة، وغير معهودة في صفوف حركة اليسار الجذري، بدأ التداول في أسماء جديدة مثل "الطلبة الماويين" بدل الطلبة القاعديين، وحركة الشيوعيين والشيوعيات بدل الحركة الماركسية اللينينية، والاستشهاد بالرفاق ماو، كونزالو وبراجندا، بدل الثلاثي ماركس، إنجلس ولينين.. وهو تقدم يحسب لهم.
33. ما يميز الأطروحة الماوية حقيقة، كونها أكثر الحركات السياسية جذرية وثورية في تمثيل مصالح الفلاحين، خلال القرن الماضي، بما يعني ذلك، أنها كانت ولا زالت من أشد الحركات ارتباطا بساكنة البوادي، والأرياف، حيث عملت على تأطيرهم وتنظيم تمرداتهم ضد الأنظمة الاستبدادية على اختلاف أنواعها.
تستند الماوية في نضالها على "طبقة الفلاحين" مستعملة النضال المسلح كشكل رئيسي للنضال ولحشد جميع القوى الطبقية والسياسية والمناهضة "للعدو" في حربها الشعبية الطويلة الأمد، وخلال التجربة الصينية لم يكن "العدو" سوى "الإقطاع والإمبريالية"، الإقطاع عدا جزءه المستنير والمعادي للإمبريالية اليابانية فقط.
خلال جدالاتهم النظرية مع خصومهم، يحاولون ويجهدون النفس في الترويج لفلسفة "ماركسية" خضعت للتأويل والتبرير والتجريد من أي مضمون طبقي عمالي، على طول تجربة الحزب الشيوعي الصيني إبٌان الزعامة والريادة الماوية، ولا يترددون في التباهي بالإنجازات والإضافات المشحونة بالأحاجي والخرافات الكنفوشيوسية، المقدمة على أنها إبداعات.. ولا يتوانوا في الترديد لنقاشات قديمة علاها الصدئ، ولم تعد تقنع أحدا في الأوساط الماركسية الثورية، والتي تحاول بكافة الوسائل والتبريرات البحث عن أصول ماركسية أو لينينية للأطروحة الماوية كي تتقي حالة اليتم والعزل داخل الأوساط الثورية.
قد لا يجادل ماركسي، في كون الأطروحة الماوية لعبت أدوارها الثورية والتقدمية لمصلحة الكادحين الصينيين، ولا يجادل عاقل في كون ماو يعتبر أحد الثوريين القلائل الذين أبدعوا سياسيا وعسكريا لتحقيق النصر ضد الإقطاعية الصينية والإمبريالية اليابانية، بأن مثل بعمق مصالح الحركة الديمقراطية الثورية وضمنها الحركة الديمقراطية الفلاحية.. ولن ينفي إلاٌ جاحد كون الثورة الصينية لعبت أدوارها لمصلحة نضال الطبقة العاملة الصينية ونضال الشعوب التواقة للتحرر من الإمبريالية، في العالم بأسره..
لكن أن ندٌعي أنها أنجزت الثورة الاشتراكية، أو أن حزبها الشيوعي مثل في مرحلة من المراحل مصلحة الطبقة العاملة، أو أنه اعتمد الفكر الماركسي كفكر طبقي عمالي، أو أنه استعمل اللينينية البلشفية في تاكتيكاته، وخططه التنظيمية، ووسائل عمله، أو انتشاره، وارتكازه في صفوف الطبقة العاملة وحلفائها من الكادحين في الأوساط المدينية والريفية.. فذلك ما يحتاج إلى تبيان وتوضيح.
35. لم يتوجه الحزب الشيوعي الصيني في بناءه، نحو الطبقة العاملة سوى خلال الفترة الأولى من تأسيسه في العشرينات من القرن الماضي، انطلاقا من بناء منظمة الكوادر الثورية إلى تجربة المجالس العمالية بشنغاي.. ولا صلة للحزب في تصوره بالتصور الماركسي اللينيني لبناء الحزب الطبقي الخاص بالطبقة العاملة، كحزب مستقل عن باقي الطبقات التواقة للتغيير، بل ذهب الحزب بتحالفاته لحد الاندماج بأحد أحزاب الحركة الوطنية البرجوازية ـ الكيومنتانغ ـ المعروف بعدائه الشرس للطبقة العاملة، ولمشروعها التحرري الاشتراكي، ولكافة إطاراتها التمثيلية ـ الحزب، النقابات، المجالس..ـ
لينطلق للبادية والجبال في اتجاه معانقة جماهير الفلاحين، مستندا على آلية "الجبهة" متعددة الطبقات، وفكر الجبهة اللاطبقي، الذي ينفي الصراع بين الطبقات، معتمدا شكل الكفاح المسلح كشكل رئيسي للصراع.. بعبارة أخرى إخضاع النضال الطبقي لصالح النضال الوطني ضد اليابان، كمبدأ أساسي "للجبهة المتحدة" مغيبا بالتالي، أدوات الصراع الطبقي المرتبطة بالطبقة العاملة والتي تشرفها مكانة القيادة لنضالات الكادحين في اتجاه تحرر سياسي اقتصادي اجتماعي حقيقي، يتم تتويجه بدكتاتورية البروليتاريا، كديمقراطية عمالية بديلة، كفيلة بضمان مصلحة وتحرر جميع الكادحين والمضطهدين من طرف الرأسمالية وحكامها البرجوازيين.
36. لا، ولم تناهض الماركسية سياسة الجبهات والتحالفات الطبقية المؤقتة، بل ظلت، منذ تقييمها لتجربة الكمونة، وفية لهذا الخط، وحثت، وفق هذه الخلاصة، جميع التيارات العمالية على الأخذ بعين الاعتبار لأوضاع فقراء الفلاحين والمعدمين بدون أرض، في ارتباطهم بمسار الثورة ومستقبلها.
واستمر لينين وحزبه، وفيٌا لهذه الخلاصة مترجمين إيٌاها على أرض الواقع والتجربة السياسية الكفاحية، وقد أبان حزبه منذ بداية التأسيس وفك الارتباط بالفكر الشعبوي الفلاحي الروسي، عن اجتهاده في تحليل الأوضاع في البادية، وفي تقديم البرامج، وبخوض النقاش، عبر الكتابة وعبر المناقشة من داخل مؤتمر الحزب، وبتوجيهه داخل قاعة البرلمان، معبٌرا بقوة عن مدى استيعاب الدور القيادي الذي لا بد أن تحتله الطبقة العاملة، عبر تمثيليتها السياسية ـ الحزب الطبقي ـ، في التعبير عن مصالح الطبقة وعن مصالح حلفاءها الكادحين الذين يعتبرون سندها في عملية التغيير.
37. على العكس، فالماويون الذين ادعوا ويدعون دائما استنادهم لماركس وإنجلس ولينين، فقد وجٌهوا "الجبهات" في اتجاهات أخرى ووفق تصورات أخرى، معروفة ومعلن عنها صراحة، حيث يشترط "بألاٌ تؤدي المطالب السياسية والاقتصادية لمختلف الطبقات في مرحلة تاريخية معينة إلى تخريب التعاون".. "فمن جهة يجب أن تقتضي سياساتنا في الوقت الحاضر بأن يقوم ملاك الأراضي بتخفيض إيجارات الأراضي وفوائد الديون.. ومن الجهة الأخرى يجب أن تقضي سياستنا بأن يدفع الفلاحون إيجارات الأراضي وفوائد الديون..".. ولن يحتاج الماركسيون لذكاء خارق حتى يتبينوا الفرق بين هذه التوجيهات التعاون ـ طبقية، وبين توجيهات لينين المحفوظة عن ظهر قلب من طرف الجميع، أي بما فيهم الماويون المغاربة، "لنسر على حدة ولنكافح معا، ولا نخفين الاختلاف في المصالح، ولنراقب الحليف بقدر ما نراقب العدو"
38. ووفقا لهذا التصور، تقدم ماو بتصوره للسلطة السياسية البديلة، "ديكتاتورية الطبقات الأربعة" وديمقراطيتها الجديدة "إنها الدكتاتورية الديمقراطية المشتركة لعدة طبقات ثورية على الخونة والرجعيين" وللشرح والتوضيح أكثر، يقول "بأنه إذا كان ثمة طعام فليتقاسمه الجميع، واعتقد أن هذا القول ينطبق على الديمقراطية الجديدة، فما دام على الجميع أن يتقاسموا الطعام الموجود، يجب ألاٌ تحتكر السلطة من قبل حزب واحد أو جماعة واحدة أو طبقة واحدة"، "إننا لا نوافق على دكتاتورية الحزب الواحد من قبل أي حزب آخر، ولا ندعو كذلك إلى ديكتاتورية الحزب الواحد من قبل الحزب الشيوعي، وإنما ندعو إلى الدكتاتورية المشتركة لمختلف الأحزاب والجماعات السياسية ومختلف الأوساط وجميع الجيوش، أي السلطة السياسية الخاصة بالجبهة المتحدة".
ومن الأفيد الإطلاع على أطروحة "الجبهة المتحدة" و"الديمقراطية الجديدة"، مباشرة من كتابات ماو، لكي لا يتهمنا أحدهم بالانتقاء أو التأويل، من جهة، ولكي نقطع الطريق من الجهة الأخرى، على بعض المتخصصين الذين لا ينشرون إلاٌ ما راق لهم من النصوص والخطابات الماوية، غاضين الطرف عن كوارثها في مجال النظرية التي ادٌعت الارتباط بالماركسية واللينينية والشيوعية.. وبهموم الطبقة العاملة ومشروعها التحرري الاشتراكي! وسيكون من السهل مرة أخرى، بعد قراءة هذه المقتطفات لمقارنتها مع النصوص الماركسية واللينينية في هذا الصدد، أي فيما يتعلق بالديمقراطية الجديدة وفق التصور البروليتاري الماركسي اللينيني "وتؤدي نظرية الصراع الطبقي الذي طبٌقها ماركس على مسألة الدولة والثورة الاشتراكية، يؤدي لا محالة، إلى الاعتراف بسيادة البروليتاريا السياسية وبدكتاتوريتها أي بسلطتها التي لا تقتسمها مع أحد والتي تستند مباشرة إلى قوة الجماهير المسلحة".
39. فلا معنى للتباهي بالشيوعية، وإصدار الفتاوي للشيوعيين والشيوعيات، إذا لم يكن هدفنا كما حدده "البيان الشيوعي" هو تشكل البروليتاريا في طبقة، الإطاحة بسيطرة البرجوازية واستيلاء البروليتاريا على السلطة السياسية، فبمجرد أن يتجاهل المرء الفوارق الطبقية داخل "الشعب" وداخل الجماهير الشعبية والشعب الكادح، ويطنب الكلام عن الشغيلة والمنتجين وعن الشعب العامل بصفه عامة.. يعتبر خارج الماركسية باعتبارها فكر طبقي بروليتاري لا جدال في انتماءه، فكر يربي حزب العمال، يربي طليعة البروليتاريا القادرة على استلام السلطة والسير بكل الشعب إلى الاشتراكية وتوجيه وتنظيم النظام الجديد وعلى أن يكون المعلم والقائد والزعيم لجميع الكادحين والمستغلين في تنظيم حياتهم الاجتماعية بدون البرجوازية وضد البرجوازية".
على هذا الأساس والعمق الطبقيين، صلبت الحركة الماركسية، والحركة البلشفية اللينينية فيما بعد، عودها وسط الحركة العمالية المناضلة والحركة الاشتراكية الثورية عامة، "فنحن حزب طبقة بقدر ما تكون فعلا الطبقة العاملة كلها أو معظمها بطريقة اشتراكية-ديمقراطية".
نضالنا الديمقراطي غير منفصل عن إستراتيجية الثورة الاشتراكية:
40. إن الثورة، كما أوضحنا فيما سبق، مستحيلة دون وضع ثوري وليس كل وضع ثوري يؤدي إلى الثورة، هذا ما علمتنا إيٌاه الماركسية بعد أن أثبتته الوقائع التاريخية الملموسة.. لأن الثورة لا تنشئ عن كل وضع ثوري، فإلى جانب الشروط الموضوعية المرتبطة بالأزمة على مستوى الطبقة الحاكمة وجهازها الحاكم الذي لم تعد له القدرة على مباشرة الحكم بالشكل الذي هو عليه، هناك الغليان الاحتجاجي وسط الطبقات الكادحة والمحرومة، التي لم تعد لها القدرة على الاستمرار في العيش في ظل الأزمة الخانقة، وتحت ظل نفس الحاكمين ونفس شكل الحكم القائم.
ورغم كل هذا الوضع لا يمكن للثورة أن تقوم دون تغيير على مستوى وعي وتنظيم الطبقة العاملة، وهو التغيير الذي يؤهلها ويؤهل حزبها الثوري للعب أدواره الثورية والقيادية لتحفيز وحشد جميع الكادحين في قوة معارضة متأهبة ومستعدة للحظات التغيير الحاسمة.
41. إذا، ففي غياب حزب الطبقة العاملة كأداة ثورية منظمة، وفي غياب أي دور مؤثر للطبقة العاملة في مجال الصراع وفي مجال المطالبة ببعض الإصلاحات والتغييرات.. لا يمكن تأجيل النقاش والنضال من أجل المطالبة ببعض الحقوق الديمقراطية التي تتميز بصعوبة تحقيقها في ظل الرأسمالية وفي ظل أنظمة حكمها الاستبدادية.
هي مطالب معروفة بنسبيتها ومحدودية تحقيقها، بل تظل غالبيتها معلقة بالرغم من خوض الصراع الدامي والشرس من أجلها.. ومع ذلك فضراوة الصراع لم تدفع قط الماركسيين، وكل مناضلي وقادة الحركة العمالية الاشتراكية، إلى التراجع عنها، وإلى الاستنكاف عن طرحها، ولم تكن الديمقراطية والنضال الديمقراطي في قناعتهم سوى تلك المدرسة التي تربي الجماهير على خوض النضال إلى حد النصر والانتصار.
فمن قلب الاحتجاجات، وإلى جانب جميع الاستياءات، وفي صفوف جميع الكادحين والمضطهدين.. تتعرف الجماهير عن مصادر بؤسها واضطهادها، وتتعرف عن أعدائها وحلفاءها، وعن أخطاءها ونجاحاتها، تتعرف عن كذلك عن طلائعها المؤهلة لأدوار التوجيه والقيادة، وتتعرف أنوية وخلايا الحزب المنشود عن أصدق وأوثق المناضلين، تتعرف كذلك عن أهمية وجود الطبقة العاملة في ميدان الصراع، وعن أهمية وقيمة أدوارها القيادية، وأشكال نضالها الحاسمة في التعبئة والضغط من أجل تغيير موازين القوى، تتعرف عن الإضرابات وحركات التضامن الملازمة للإضرابات، هذا الشكل النضالي الذي ابتدعته الطبقة العاملة خلال نضالاتها المريرة، والذي بدأت تستنزفه بانتهازية، العديد من فئات الطبقة البرجوازية الصغيرة وتغير مجراه، لتخنقه في مستنقع المساومات والسلم الاجتماعي، حفاظا على سمعة البلاد!
42. فماذا يميز الماركسيين وحزب الطبقة العاملة عن باقي التيارات الأخرى، اليسارية والاشتراكية المعارضة، المناضلة كذلك من أجل الديمقراطية؟
* نتميز أولا، بالدعوة للحفاظ على الاستقلالية التنظيمية للطبقة العاملة في هذا النضال وفي مجرى جميع النضالات الأخرى، بحيث لا يتم خلال هذه الفترة، وتحت أية دعاوي أو مبررات، التفريط في استقلالية الحزب المشكل أساسا، وخلال عملية انصهار تاريخية، من العمال المنتجين لفائض القيمة، طلائع الحركة النقابية والاحتجاجية، والمثقفين الثوريين الذين فرٌطوا وتخلوا بلا رجعة عن مواقعهم وتطلعاتهم الطبقية البرجوازية الصغيرة.
فلا "الجبهات الموحدة" ولا "الكتلة التاريخية" ولا "التحالف العمالي الفلاحي" ولا "الجماهير الشعبية أو الجماهير الكادحة".. يمكنها أن تثنينا عن مواقفنا الداعية إلى استقلالية الطبقة العاملة عن باقي الطبقات الشعبية المناهضة للرأسمالية، وبالتالي استقلالية حزبها عن بقية الأحزاب اليسارية والتقدمية المعارضة.. وفق ما دعى له "البيان الشيوعي".
ولا يمكننا الدعوة إلى الذوبان في "الشعب" و"الأمة" و"جبهة الطبقات الأربعة" كما دعى له ستالين وماو، لا يمكننا بأي شكل من الأشكال، تجاهل الفوارق الطبقية داخل الجماهير الشعبية، وداخل الجماهير الكادحة، وداخل جماهير الشغيلة.. وإلاٌ سقطت ماركسيتنا ولينينيتنا في الحضيض، بعد فقدانها لجوهرها وأساسها الطبقي البروليتاري الواضح.
* نتميز ثانية، بتشبثنا بمرجعيتنا الفكرية، الماركسية اللينينية، كفكر طبقي، مرتبط أشد الارتباط بمهام ومطامح الطبقة العاملة، من أجل تنفيذ رسالتها التاريخية كطبقة من أشد وأعتى الطبقات خصومة وعداوة للنظام الرأسمالي ولطبقته البرجوازية وحلفاءها من المالكين.. وبالتالي فهدفنا نفس الهدف الذي سطره "البيان الشيوعي" للشيوعيين، تشكل البروليتاريا في طبقة بهدف الإطاحة بسيطرة الطبقة البرجوازية، ثم الاستيلاء على السلطة السياسية، والقضاء بالتالي على الاستغلال والطبقية والملكية الفردية والخاصة.. في إطار عملية ثورية طويلة ومعقدة، تقود خلالها الطبقة العاملة عبر حزبها الماركسي اللينيني، وعبر مختلف مؤسساتها ومنظماتها.. مجموع الطبقات والفئات الاجتماعية المناهضة للرأسمالية، المعركة من أجل الاشتراكية، تكون انطلاقتها عبر إعادة تنظيم المجتمع وفق علاقات جديدة، وديمقراطية عمالية جديدة، معروفة بدكتاتورية البروليتاريا، وأساسها المجالس التمثيلية في المعامل والأحياء الشعبية والضيعات والمنشآت الصناعية والاقتصادية المؤممة..الخ
* نتميز ثالثا، خلال نضالنا هذا من أجل الديمقراطية، سواء الديمقراطية البرجوازية التي يجب الاستفادة من محاسنها لتطوير الوعي العمالي والجماهيري، ولجعل الصراع الطبقي أكثر نقاوة وصفاء خدمة لعملية التغيير الإستراتيجية.. بأننا لا نخفي هويتنا الطبقية العمالية والاشتراكية، ولا نمجد الديمقراطية البرجوازية بالرغم من جميع محاسنها، بل نعمل كل ما في جهدنا لفضح محدوديتها وكنهها كدكتاتورية موجهة أساسا ضد الطبقة العاملة.. وبالتالي لا نخفي تطلعاتنا وطموحاتنا الثورية من أجل تحقيق الديمقراطية البديلة، الديمقراطية العمالية في خدمة الكادحين.
* نتميز رابعا، بعدم تأجيلنا لمطالب النضال من اجل الحقوق الديمقراطية، كيفما بدت صعوبتها ونسبيتها ومحدوديتها، متشبثين بتصورنا الطبقي، المناهض للتصورات البرجوازية اللاطبقية، الداعية لحقوق الإنسان المجرد عن وضعه وظروفه وانتماءه الطبقي.. نتميز بربط وبإخضاع النضال من أجل جميع الإصلاحات السياسية والاقتصادية والدستورية.. بوصفه جزء من كل، للنضال الثوري من اجل الحرية والديمقراطية التامة والاشتراكية.
وبالتالي، فالنضال من اجل الحريات الديمقراطية، ومن أجل مناهضة سياسة الغلاء والخوصصة، ومن أجل مواجهة البطالة والتسريحات العمالية، من أجل صد نهب المال العام والأراضي والأملاك العمومية.. كلها نضالات وجب ويجب على جميع الماركسيين تقلد المواقع الطليعية لقيادتها، تطويرا ورفعا لمستوى الوعي الطبقي وسط الجماهير الشعبية عامة وداخل الأوساط العمالية بشكل خاص.
فلا نستخف كماركسيين لينينيين، أنصار الخط البروليتاري، بالنضال الإصلاحي، ولا نعاديه إلاٌ إذا تم تحويله إلى هدف في حدٌ ذاته، بتقديمه كسقف للنضال لا يجوز تجاوزه، حيث يحاول الخطاب البرجوازي الصغير نشر الأفكار الإصلاحية المعادية للثورة، تحت ذريعة إمكانية تحقيق جميع المطالب الديمقراطية دون الحاجة إلى تغيير في هرم السلطة البرجوازية، في حين يتخذ وجهه الآخر صفة اليسراوي المتمرد الرافض لأية استفادة نسبية من تاكتيكات النضال الديمقراطي، بدعوى عدم الجدوى منه وبأنه ليس سوى مضيعة للوقت، وإشهار للمناضلين الثوريين الذين يجب التحفظ عليهم في السرية بعيدا عن القمع وعن أعين المخابرات.. ناسيا أو جاهلا بأن لينين هو من اعتبر النضال الديمقراطي كتاكتيك ضروري لتربية الجماهير وصقل تجربتها استعدادا للمعارك الحاسمة من أجل الديمقراطية الحقيقية، الديمقراطية التامة، ديمقراطية الجماهير، من الجماهير وإلى الجماهير، دكتاتورية البروليتاريا.

في النقد اللينيني لليسراوية:
43. وحين ننتقد اليسراوية كاتجاه وكأفكار وممارسات.. فإننا ننتقدها من منظورنا الماركسي اللينيني، واستنادا على التجربة التاريخية للحركة العمالية، باعتبار أن النزعة مثلت وما زالت، حساسيات عمالية مرتبطة أشد الارتباط بمشروع الطبقة العاملة الاشتراكي، حساسيات وتيارات وفعاليات تحاول اختصار الطريق بتجنبها لأشكال النضال المعقدة التي تحتاج الصبر والمثابرة وطول النفس.
وبدون تجني، ننتقد ونعارض بشدة، الخلط الذي ينشره الماويون في هذا الصدد، باستعمالهم لمفاهيمهم وشروحاتهم الخاصة لليسراوية التي ينعتون خصومهم بها، باعتبار المفاهيم ماركسية.. وسنحاول التوضيح، بله المزيد في التوضيح، أخذا بعين الاعتبار لما سبق وأن أسهمنا به أكثر من مرة في هذا المجال، أي فيما يتعلق بالفروقات الجوهرية بين المفاهيم الماركسية اللينينية، الطبقية والعمالية، من جهة، وبين المفاهيم الماوية الشعبوية، من جهة أخرى.
44. ومن خلال المرجعية الماوية، نجدها واضحة في منطلقاتها ومراميها، في نقدها للسياسة "اليسراوية" حسب تصورها، التي تعرٌفها كالتالي:
 سياسة القضاء على البرجوازية اقتصاديا (السياسة "اليسراوية" بشأن العمل والضرائب).
 سياسة القضاء على الفلاحين الأغنياء (بتوزيع الأراضي الرديئة عليهم).
 سياسة القضاء على ملاك الأراضي (بعدم توزيع أي أرض عليهم).
 سياسة توجيه الضربات إلى المثقفين .. واتخاذ الشيوعية كهدف للتعليم الوطني.
 ولا يجوز في هذا الصدد المطالبة بزيادة الرواتب والأجور أو تخفيض ساعات العمل.. ومن الضرورة أن نسمح بتحديد يوم عمل في عشر ساعات في بعض القطاعات.. وينبغي للعمال، بعد أن يتعاقدوا مع الرأسماليين، أن يراعوا نظام العمل، كما ينبغي السماح للرأسماليين بتحصيل بعض الأرباح. وإلاٌ فالمصانع ستغلق أبوابها.. أما العمال في الأرياف فلا يجوز لهم بصورة خاصة أن يرفع مستوى معيشتهم وأجورهم أكثر مما ينبغي، وإلاٌ فسيتسبب ذلك في معارضة الفلاحين، وحدوث البطالة بين العمال، وانخفاض الإنتاج.
45. هي توجيهات ماوية لا نشك في مصادرها، نصوص بقلم الزعيم ماو تسي تونغ، ردٌ خلالها بشراسة على التوجيهات المعارضة التي برزت في صفوف الحزب الشيوعي الصيني، والتي اعتبرها حينها "يسراوية"، وانحراف يساري يهدد مشروع الحزب، الذي شبٌهه، كما أسلفنا بـ"الطعام الذي يكفي الجميع".. لكن وبعد توضيحه هذا، نلاحظ جيدا غياب الإنصاف والمساواة، حيث استمرار الطبقة العاملة وسائر المنتجين في وضع الاستغلال والاضطهاد، تحت رحمة البرجوازية والمالكين، وحيث الحكم على الغالبية الساحقة من الكادحين، بالقبول بالفتات والانصياع لدكتاتورية الطبقات المالكة.
فكل هذه الإجراءات والسياسات هي في نظر ماو تسي تونغ أيامها، وأتباعه في المغرب وغيره، سديدة ومحقة لصدٌ الانحراف اليساري الذي يجب محاربته، وغني عن البيان أن مثل هذه الأفكار والتوجيهات، لا تمت للماركسية وللسياسة البروليتارية بصلة، لا من قريب ولا من بعيد، توجيهات نعتبرها رجعية ومتخلفة عما نادى وعمل به الشعبويون الروس إبٌان الثورة الروسية، أي عمٌا نادى به الحزب الاشتراكي الثوري ضمن برنامج الإصلاح الزراعي الروسي، بما هو برنامج للمصادرة والتأميم وإعادة التوزيع للأراضي الفلاحية، وبما يتضمنه من تنظيم للتعاونيات وللتمثيليات الديمقراطية الفلاحية في البوادي..الخ
46. سيكون من المفيد، بالنسبة لجميع الرفاق الذين يتبنون الفكر الماركسي، والذين تبهرهم اللينينية بأفكارها الثاقبة وبخططها السديدة، بأن يطلعوا على كتاب "مرض اليسارية الشيوعي" لصاحبه لينين، بما شكله من شرح مسهب ومدقٌق لنقط الخلاف بين الماركسية الثورية، وبين اليسارية الشيوعية أو اليسراوية الصبيانية كما لقبها حينها.
لقد كان الرفاق اليسراويين حينها، بلاشفة أكثر من البلاشفة، ولينينيين أكثر من لينين نفسه.. مناضلون عماليون لم يخونوا قط مشروع الطبقة العاملة وإستراتيجيتها الاشتراكية الثورية في شيء، ولم يتنازلوا عن عدائهم للبرجوازية ولكافة الطبقات المستغِلة والمالكة، وللنظام الرأسمالي الذي يحميها.. تشبثوا بقوة بفكرة المجالس العمالية وبشعار دكتاتورية البروليتاريا.. لكنهم انبهروا بإنجازات الثورة الروسية، فاشتعل حماسهم الزائد وبشكل مبالغ فيه، أنساهم ظروف بلدانهم وأوضاعها، معتقدين أن الثورة على الأبواب، ولن تحتاج سوى لإجراءات معينة، كالانسحاب من الأحزاب والنقابات الشرعية، ومقاطعة الانتخابات البرلمانية، وإعلان الانتفاضة..الخ
وبالتالي لم يعد لزاما عليهم، وفق هذا التصور، الانضباط لتاكتيكات النضال السابقة عن الوضع الثوري والأزمة الثورية، بما يتطلبه من تحالفات طبقية وسياسية، واستغلال لواجهة النضال الديمقراطي الجماهيري، واتخاذ العلنية كمسلك في الظروف السلمية، واعتماد خط الارتباط بالإطارات الجماهيرية النقابية وغيرها..الخ
47. وبالرغم من انتقادات لينين اللاذعة لهاته التوجيهات اليسراوية، والعفوية، والفوضوية.. استمرت الأيادي البلشفية ممدودة لاحتضان جميع التيارات الثورية العمالية، داخل مؤسسات الثورة الأممية وملتقياتها، وبقي الوطن السوفياتي الاشتراكي مفتوحا في وجه جميع الثوريين المناهضين للإمبريالية والرأسمالية، لإيوائهم واستضافتهم واستضافة اجتماعاتهم ومؤتمراتهم.
ومن باب تواضعه وحدسه النظري الثاقب، أجاب حينها، منتقدا هاته الأصوات والاتجاهات التي حاولت نسخ التجربة البلشفية في نتائجها، دون أن تأخذ بتاكتيكاتها وتعرجاتها وتنوع أسلحتها وأشكال نضالها "سيكون من المضحك أن نقدم ثورتنا كنوع من المثال والنموذج لكل الأقطار، متصورين أنها قد حققت سلسلة كاملة من الاكتشافات، وكدست الإبداعات الاشتراكية، لم أسمع أبدا شيئا كهذا، وآمل و أرغب ألاٌ أسمعه قط، لدينا خبرة الخطوات الأولى من تهديم الرأسمالية في بلد تتخذ فيه العلاقات بين البروليتاريا والفلاحين شكلا خاص، ليس لدينا أي شيء أكثر من ذلك، إذا أردنا أن نلعب لعبة الضفادع فننفخ بأنفسنا مبالغين بأهمية ذلك، فسنصبح سخرية العالم بأجمعه ولن نكون إلاٌ متحذلقين".

عدم التعارض بين خط النضال الديمقراطي
وخط الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية
48. نظريا وعمليا، فالنضالين مرتبطين أشد الارتباط، بالرغم من نكران العديد من المجموعات والتيارات الثورية المغربية المتحمسة لمشروع الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، وسنعمل ضمن ما تبقى من فقرات المقال، على توضيح المأزق النظري والسياسي الذي سقط فيه أنصار الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، من خلال مناهضتهم الشرسة لخط النضال الديمقراطي الجماهيري باعتبار تعارضه مع الثورة كما يدعون..! والحال أن هذه التيارات مكبٌلة بإحكام من خط النضال الديمقراطي، بمواقفه وشعاراته ومؤسساته وأشكال كفاحه..الخ وسنحاول حسب إمكانياتنا المتواضعة، البحث في خلفيات هذه التنظيرات الرفضوية المتناقضة.
49. برأينا، فإن تحديد إستراتيجية عمل واضحة تدفع بالمسلسل الثوري إلى أقصاه، أي نحو الاشتراكية ودكتاتورية البروليتاريا، تعتبر من أهم المسائل النظرية والسياسية، التي يجب علينا البحث فيها، وتقديم الرأي الواضح بصددها، كماركسيين لينينيين، قبل البحث في أي تاكتيك كان، والذي لا يمكن تحديده، وفق وجهة نظرنا الماركسية، إلاٌ بناء على هذه الإستراتيجية، وبدون التعارض معها "ومن لم يفهم، وهو يطالع ماركس، أنه لا يمكن في المجتمع الرأسمالي ـ والحال أننا نعيش داخل مجتمع رأسمالي تبعي ـ لدن كل، ظرف خطير، لدن كل صراع طبقي جدٌي، سوى دكتاتورية واحدة، إمٌا دكتاتورية البرجوازية وإما دكتاتورية البروليتاريا، لم يفهم شيئا لا من مذهب ماركس الاقتصادي ولا من مذهبه السياسي".
50. لقد مرٌت سنوات على التقاط الماركسيين المغاربة لبرنامج الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، وانتظر الكثير من أتباعهم، والعديد من المنبهرين بتجاربهم، شرح البرنامج وتوضيح منطلقاته الطبقية.. فتعددت الشروحات والاجتهادات، وإن ظل الاتجاه السائد، هو اتجاه القبول بالبرنامج مستنسخا بدون تعديل، حفظا له من التحريف والسقوط في الانحراف والخيانة، بما تعنيه من خيانة للشهداء، وخيانة للجماهير، وخيانة للشعب المغربي ككل..الخ
51. من الضروري إذن لحركتنا أن تؤسس تجربتها الوطنية الخاصة، أن تساهم بكل قواها وإضافاتها في تشكيل تجربتها الثورية والنوعية، لبلادنا ولشعبنا الكادح، تجربة تبني خصائصها دون التفريط في التراكم الذي أنتجته الشعوب خلال معاركها التحررية ضد الإمبريالية والرأسمال، بما تشكله تجربة الحركة العمالية والحركة الماركسية اللينينية العالمية، من ريادة في هذا الإطار والمجال.. بهذا نستطيع تجسيد الصفة الثورية والارتباط الحقيقي بالجماهير الكادحة، بوصفنا طليعة شيوعية أفرزتها الصراعات والنضالات الطبقية، لقيادة الطبقة العاملة التي تقود في نفس الوقت، جميع الكادحين والمضطهدين المناهضين للرأسمالية وحكمها الاستبدادي البائد.
52. فالحركة الماركسية اللينينية المغربية، وككل الحركات الثورية، ستظل عاجزة عن إنجاز دورها التاريخي في التغيير الثوري وفي الإطاحة بنظام الاستبداد القائم بالمغرب، لمصلحة الطبقة العاملة وحلفاءها من جماهير الكادحين، إذا لم تكن على دراية ومعرفة علمية بالواقع المعني بالتغيير، وبالطبقات التي من مصلحتها التغيير، وبالطبقة المؤهلة لقيادة معركة التغيير..الخ بدون هذه المعرفة ستظل الحركة غير قادرة على تحديد تاكتيكاتها ومهامها المرحلية بدقة.
ونعتبر هذه المقالة، مناسبة لتجديد النقاش حول هذه المهمة المغيبة بغرابة صادمة، عن جدول أعمال الرفاق الماركسيين وجميع الأصوات الثورية القريبة من الاشتراكيين، مهمة التحديد والبحث في طبيعة البنية الاقتصادية والسياسية القائمة، وفي طبيعة السلطة والطبقة أو الطبقات التي تمتلكها.
فبدون الإنجاز لهذه المهمة الجوهرية، مع الاكتفاء بترديد الشعار الخالد، شعار "الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية" الذي استند، إبٌان إعلانه، على تحديد معين لطبيعة النظام القائم، ولنوعية نمط الإنتاج السائد ببلادنا، ولطبيعة التحالف أو الكتلة الطبقية السائدة والممتلكة للسلطة السياسية.. اجتهدت المنظمات الماركسية اللينينية السبعينية، "إلى الأمام" و"23 مارس"، في "توطينه" و"مغربته" وتكييفه، إن لم نقل استنساخه، بعد نقله من التجربة الصينية وزرعه في الأرض المغربية.. لن يتقدم اليسار الماركسي اللينيني في مهامه الثورية، وسيبقى يسارا معزولا، ببغاويا، وعرضة للتهكم في جميع محافل النضال الفكري والسياسي.
53. فلا غرابة أن تجد الآن، بعد سنوات عديدة من النضال والصمود وتضحيات جسيمة في صفوف حركة اليسار الماركسي اللينيني، العديد من القواعد والأتباع في صفوف هذا اليسار، جاهلة كل الجهل طبيعة وأسس ومضمون البرنامج الخالد، محوٌلة إيٌاه إلى شعار تنافسي وفقط.. وبشكل خاص بعد تدخل بعض الأقلام التي لا تمتلك في رصيدها سوى بضع سنوات من النضال الطلابي الجامعي، مدعوم برصيد معرفي جد محدود، ثم ميدانية بسيطة، لا ولن تؤهلها لرصد حركة الصراع الطبقي بالمغرب، ولا لتحديد الشكل التاريخي الذي يتخذه الصراع خلال هذه المرحلة المحددة، بالذات.
ولا غرابة كذلك أن تجد في الميدان هروب الرفاق الواضح من هذه المهام، بتفضيلهم فتح واختلاق الصراعات، ضد الماويين والتروتسكيين والإصلاحيين والتحريفيين والظلاميين والأمازيغيين.. والأشباح أحيانا! حول مسائل، لا نقول بأنها هامشية أو غير ذات موضوع، بل كل ما في الأمر، أننا نعتبرها غير ذات أولوية في الظرفية الراهنة، بالنسبة للمناضلين العماليين الماركسيين، حيث ما زالت حلقات النقاش التنظيمية ضعيفة، وحيث ما زال التكوين النظري والسياسي دون المستوى، بمعنى أنه، بدون المعرفة النظرية العلمية لواقعنا وواقع صراع الطبقات، وبدون اعتماد المنهج الماركسي اللينيني كأداة للتحليل وكمنهج عمل في الممارسة السياسية الميدانية، كما أوضحنا ذلك سابقا، لن تتقدم هذه الحلقات في عملها النظري والسياسي والتنظيمي، ولن ترتقي بالتالي، من مستواها البدائي إلى مستوياتها العليا، في اتجاه بناء التنظيم السياسي الماركسي اللينيني، ونسج علاقات الارتباط والإنغراس وسط الطبقة العاملة من أجل تنظيمها وبناء حزبها السياسي المستقل وما يرتبط به من تنظيمات طبقية أخرى ـ جمعيات، نوادي، نقابات، اتحادات شبابية ونسائية.. ـ ذات نفس الهدف التحرري الاشتراكي.
54. لقد كتب الكثير في ما يخص التحريض على الثورة، والتشهير بسياسة النظام القائم، وبارتباطاته الواضحة بالقوى الإمبريالية.. لكن ومع ذلك، ما زلنا لم نعثر على وجهة نظر تستحق التفاعل، فيما يخص دراسة الواقع المغربي، من زاوية الدياليكتيك الماركسي القادر، ولوحده، على كشف وفهم النظام القائم ببلادنا، يعني النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، أي ما يعنيه من علاقات متشعبة مرتبطة بالنظام الإمبريالي في إطار من التبعية البنيوية، التي بدونها، بدون هذه الدراسة، لن نتمكن من تحديد أي مشروع للتغيير يقنع الجماهير بجدوى النضال والتضحية من أجل هذا النضال.
55. فإذا كان الماركسيون، فيما سبق، قد حددوا إستراتيجية التغيير الاشتراكي، بناء على تحليل مدقق لمكانيزمات النظام الرأسمالي، وما ولـٌده من استغلال وبؤس في الأوساط العمالية وكافة الأوساط الكادحة والحرفية البسيطة، في المدن والأرياف..
فقد اجتهدت حينها، التيارات الشعبوية الفلاحية والشعبوية الاشتراكية، بعد التحليل كذلك، في طرح مشروعها للتغيير، عبر الرهان عن الطبقات ذات الأغلبية العددية داخل مجتمعاتها، أو على بعض الفئات الاجتماعية ذات المؤهلات الخاصة ـ المثقفين، العاطلين، قطاع الطرق..الخ ـ
وخلال العديد من التجارب، عملت على طرح مشاريعها وإستراتيجيتها التحررية باسم الاشتراكية، باسم الماركسية، والماركسية اللينينية حتى.. وقد نجحت بعضها في تحقيق الانتصار ضد أعداءها الإمبرياليين. فارتباطها بظروف خاصة متميزة، ساعدها على حشد القوى وجماهير الشعب للدفاع عن هذه الإستراتيجيات التحررية التي لم تكن على أية حال، اشتراكية إلاٌ من حيث النوايا الصادقة لبعض زعماءها المنبهرين بالمشروع الاشتراكي وبإنجازاته على الأرض.
56. ولن نذكر الرفاق الشيوعيين والشيوعيات، بحدة الصراع الفكري والسياسي الذي خاضه الماركسيون الروس بقيادة بليخانوف ولينين، ضد هذه الاتجاهات الشعبوية، داخل الحركة العمالية وخارجها.. فلا غرابة في زمن الفقر النظري الرهيب الذي نعيشه الآن، بأن تعتبر بعض الأقلام المبتدئة ـ مبتدئة في مجال الإنتاج النظري وليس في أشياء أخرى ـ وتنعت من يدافع عن الاشتراكية وعن مهمة بناء حزب الطبقة العاملة، بأنه تحريفي زاغ عن الطريق المرسوم سلفا من طرف الحزب الشيوعي الصيني، بالرغم من تأكيد زعيمه ماو تسي تونغ على خاصية الوضع المعقد الذي كانت تعيشه الثورة الصينية آنذاك، باعتبارها "خاصية لم يشهدها تاريخ الثورة في أي بلد رأسمالي. ثم إن الصين بلد شبه مستعمر وشبه إقطاعي.." وشهد شاهد من أهلها، فليست بلدنا بالبلاد المستعمرة، وفق التحديد الكلاسيكي لكلمة الاستعمار، وليست بلدنا بالبلاد الفلاحية التي يعيش بها 90% من الفلاحين، ولا وجود للشبه إقطاع أو الأنماط الإنتاج السابقة عن الرأسمالية إلاٌ في بعض الجيوب والأقاليم المهمشة والنائية.. فما يسود ببلدنا هو نمط الإنتاج الرأسمالي بالمفهوم الماركسي للكلمة، تبعي لكنه رأسمالي، متخلف لكنه رأسمالي، هش لكنه رأسمالي.. لأنه يعتمد البضاعة الموجهة للسوق، ويعتمد العمل المأجور ويرتكز على احتكار ملكية أدوات ووسائل الإنتاج.
57. فالماركسية اللينينية والشيوعية، وفق منظور الرفاق الماويين هي التشبث بضرورة التحالف في إطار جبهة متحدة، وموحدة بهدف تحقيق الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية التي لن تنتزع، ولن تصادر، ولن تؤمم، ولن تقضي على العمل المأجور ولا على الملكية الفردية..الخ لأن الجبهة، التي ستقيم دكتاتوريتها في إطار الديمقراطية الجديدة، تضم في صفوفها تحالفا شعبيا عريضا، إنهم عامة الشعب، إن لم نقل الأمة كلها، البروليتاريا وطبقة الفلاحين والبرجوازية الصغيرة في المدن والبرجوازية الوطنية والوجهاء المستنيرين من إقطاع وبرجوازية كمبرادورية..الخ
58. ويضيف الرفاق تكييفا لهذا الاجتهاد مهمة بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الجماهير الكادحة، يتشكل خلالها الحزب اعتمادا على الكوادر الشيوعية في إطار عملية استعارة فكرية غريبة، حزب يحمل الأفكار الشيوعية، أفكار الطبقة العاملة لكنه يستند في بناءه إلى الفلاحين أو "الطبقة الفلاحية" ومجموع الكادحين.
والحال أن لينين، قد نبٌه الجماهير العمالية خلال التجربة الروسية، بأن تبني مجالسها السوفياتية في البوادي، بعيدا وباستقلال عن الفلاحين الصغار والمتوسطين.. وبالأحرى أن يشير عليهم ببناء حزب الخليط الطبقي، المغلف بصيغة "الكادحين" الغامضة.. فلا يمكن لحزب الطبقات ولجبهة الطبقات الموحدة، بأن تصادر جميع أراضي الملاكين العقاريين الكبار، ولا يمكنه أن يؤمم جميع الأراضي المنتزعة، ولن يمكنه بالتالي أن يقبل بالثورة الزراعية التي سيتحول مركز ثقلها إلى مجالس العمال الزراعيين، باعتبارهم المشرفين المباشرين على الإنتاج والتوزيع، وباعتبارهم ممثلي الديمقراطية الجديدة، ومجسدي دكتاتورية البروليتاريا في البادية.
59. فبسبب من معارضتنا لهذا التصور، وبتشبثنا بحزب الطبقة العالمة المستقل الذي لا ينفي إمكانية التحالف الطبقي أو بناء الجبهات السياسية والطبقية في مرحلة من المراحل، دون الاستناد على الوصفات السحرية المستنسخة، بل باعتماد واستيعاب علم السياسة الماركسي اللينيني، علم التحليل الملموس للواقع المحدد والملموس، وعلم التاكتيك والإستراتيجية الثوريتين.. فغالبية التيارات الشعبوية تصنفنا في خانة التحريفية.
ومن ينادي، في نظرهم، بالثورة الاشتراكية وبدكتاتورية البروليتاريا، كضمانة وحماية لسلطة الطبقة العاملة، وللديمقراطية العمالية التي ليست سوى، مجالس العمال الصناعيين والزراعيين، ومجالس الأحياء الشعبية، ومجالس الحرفيين والمهنيين البسطاء، ومجالس صغار الموظفين والتجار والمستخدمين، ومجالس الفلاحين الصغار والفقراء والمعدمين..الخ فيعتبر منحرفا وزائغا عن الخط الثوري المستقيم.
60. فالثورة الاشتراكية التي يرفض أو يتجنب جميع الثوريين المغاربة الكلام عنها، لن تسحق الملكية الفردية العزيزة عند البعض، بشكل نهائي، ولن تلغي بقرار جميع الطبقات التي يخاف على زوالها البعض.. وبحكم انتقالية المجتمع الاشتراكي، وبحكم ما يسوده من اقتصاد خليط من قطاع خاص وقطاع تعاوني وقطاع عام، أي ما بين الرأسمالية والشيوعية، فهو ليس بنمط إنتاج وفق التحديد العملي والماركسي للكلمة، هو تخطيط اقتصادي يقضي بالتدريج على الرأسمالية في اتجاه الشيوعية التي لن تتحقق في بلد واحد، ولو كان البلد هو أمريكا.. فالثورة الاشتراكية في مفهومنا ونظرنا، لن تتحقق خارج سلطة الطبقة العاملة، ولن يكتب لهذه السلطة العيش إذا لم تكن مسنودة من جميع الفقراء الكادحين، فهي الكفيلة لوحدها بأن تحل جميع قضايا الثورة البرجوازية العالقة والمؤجلة، وأساسا الثورة الزراعية.
ستحافظ الثورة الاشتراكية، مرغمة، على الإنتاج الصغير وستقيم التعاونيات، وستعمل على تصنيع الاقتصاد وعصرنته.. لكنها لن تفعل ما فعله بول بوت ورفاقه الخمير الحمر بكمبودجيا، الذين ألغوا بقرار اقتصاد السوق بأن ألغوا الأسعار والنقود والأجور.. وفي نفس الوقت لن نفعل ما فعله الصينيون بامتناعهم عن المصادرة والتأميم.. واكتفاءهم بمعاقبة المثقفين.
61. وبالتالي، يتعين على معارضي الثورة الاشتراكية ودكتاتورية البروليتاريا، يعني المدافعين والمتشبثين بالثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية كمشروع بديل، بأن يوضحوا مضمون ونوعية السلطة التي يحلمون بها، هل هي مجالسية مجسدة لديكتاتوريا البروليتاريا، أم جمهورية جبهوية وفق الديمقراطية الجديدة المجسدة لدكتاتورية الطبقات الأربعة.. كذلك الشأن بالنسبة للمقدمات والمنطلقات، التي من المفروض أن يأتي برنامج الثورة كخلاصة وعصارة لتحليل الواقع الذي انبنت عنه هذه المقدمات.
فلا معنى أن يستمر التباهي بالمقولة العلمية "التحليل الملموس للواقع الملموس" ويغيب في نفس الوقت الكلام، عن طبيعة البنى القائمة، وعن الأزمة التي تعيشها هذه البنى، ليتوارى الموقف وراء الشعارات العامة والجافة، مثل "وطنية الثورة" في هذه الأوضاع الطبقية، ارتباطا ومن داخل هذه البنى بالذات.. يعني هل ما زال الرهان على "وطنية" القوى البرجوازية في ظل بنية الرأسمالية التبعية؟ وهل ما زال الاعتقاد بإمكانية بناء اقتصاد وطني مبني على علاقات الإنتاج الرأسمالية، يمكن أن تسوده الديمقراطية ونتجنب الاستبداد؟ وهل يمكنه في ظل البنيات التبعية القائمة وفي ظل العولمة الإمبريالية وعلاقات السوق.. أن يحظى بالاستقلالية وأن تتاح له فرصة شق الطريق نحو التحرر الفعلي الاشتراكي؟
62. فمن حيث التاكتيك أجمعت كل قوى اليسار الاشتراكي الماركسية وغير الماركسية ـ عدا المجموعات التي تكلمنا عنها، الماويون والستالينيون وبعض المجموعات الرفضوية الطلابية..ـ على أهمية خط النضال الديمقراطي، باعتباره جسرا ضروريا لإنجاز مختلف الإستراتيجيات الثورية سواء الوطنية الديمقراطية الشعبية أو الاشتراكية، بما يشكله هذا الجسر من قناة تحضيرية لشروط التغيير المنشود، الموضوعية والذاتية.. فعبر هذا الجسر يتحقق الارتباط الفعلي والعملي الميداني مع الجماهير المعنية بالتغيير، خلاله تتعلم التضامن مع المضربين من العمال، والمسرحين من معاملهم.. تتعلم المساندة والمناصرة لحركات النضال الطلابية، والاحتجاجية الخاصة بالمعطلين، وبالجماهير المتضررة من الغلاء والخوصصة.. خلال هذا النضال يمكنها امتحان قوتها لفك الحصار، عن الأحياء الشعبية المهمشة، وعن القرى المنكوبة، وعن الجماهير المطالبة بأراضيها الفلاحية والمسلوبة.. تمتحن قوتها كذلك في قدرتها على استرجاع المكاسب، وفي الضغط على قوى الحروب الإمبريالية، لإيقاف الإبادة الهمجية وفك الحصار عن الشعوب المنتفضة..الخ فلا يمكن لهذا النضال إلاٌ أن يكون خديما لإستراتيجية التغيير وللإطاحة بنظام الاستغلال والاستبداد القائم.
63. وبالنظر لمميزات الحركة الثورية بالمغرب، وأساسا أوضاع الحركة الماركسية اللينينية المغربية داخلها، والتي لا تدعو إلى التفاؤل في المرحلة الحالية، لما تعيشه من شتات وتفتيت وتهتك غير مسبوق.. فلن يضر انخراطنا في هذا المسار، مسار النضال الديمقراطي، في شيء، أوضاعنا الذاتية، بل سيقوي من تجربتنا ومن استمرارية وجودنا كحركة، في الاتجاه الذي يخدم مهمة بناء أدوات التغيير الطبقية ـ حزب الطبقة العاملة المستقل، وما يرتبط به من منظمات نقابية، شبيبية، نسائية..الخ ـ كشرط لا بد منه لتطوير هذا النضال، ولتكريس قيادة الطبقة العاملة لمجمل مجالاته واتجاهاته.
فلا جدوى من عفوية النضالات الجماهيرية العديدة، وإن اتخذت شكل انتفاضات شعبية، وإذا كان البعض منها يتم بمساهمة أو تحت قيادة بعض الرفاق من هذه المجموعة أو تلك فلن ينزع من عفويتها وردٌة فعلها شيئا.. وستظل عفوية وبدون أفق، إذا غاب عنها الوعي السياسي المنظم، الذي يضع القضايا ويؤطرها وفق تاكتيكات مدروسة وغير منفصلة عن مشروع التغيير الشامل،الذي لا بد أن تعرفه وتعلم بكل تفاصيله الجماهير التي تقدم نفسها للتضحية بمصدر قوتها وبحريتها، وبحياتها في أغلب الأحيان.. من أجله.
64. فبالرغم من تعنت أصحاب "الجملة الثورية" وتنكرهم ونفيهم لجدوى هذا النضال.. يجب مراعاة التفاوتات بين التيارات والمجموعات وإلاٌ سقطنا في التعميم ـ يمكن اعتبار وبشكل جازم، على أن جميع المجموعات والتيارات الثورية الناشطة بالمغرب، ولٌدها وأفرزها النضال الديمقراطي وليس شيئا آخر، وليكن في علم الرفاق الماركسيون العرب، المتابعين لنقاشاتنا وصراعاتنا الفكرية، على أن الماركسيين المغاربة، لم يسبق لهم أن شاركوا في أي عمل مسلح بالمغرب، وعلى أن أول وآخر تجربة للعمل السياسي المسلح بالمغرب، بهدف الإطاحة بالنظام القائم، كانت للحركة اليسارية الاتحادية سنة 1973، حركة الشهداء عمر دهكون والملياني ورفاقه المنتمين حينها للجناح اليساري لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية قبل أن يغير اسمه وجلدته، للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
جميع المجموعات والتيارات الماركسية في المغرب أفرزها النضال الطلابي، اشتغلت وما زالت، في اتحاد الطلبة إوطم، في جمعية المعطلين من خريجي الجامعات والمعاهد، وفي بعض النقابات الإصلاحية، وفي جمعية أطاك المناهضة للعولمة، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وكذا في بعض الجمعيات الثقافية، ومن داخل التنسيقيات المناهضة للغلاء، أو المنددة بالاعتقال السياسي والمساس بالحريات، أو المناصرة للقضية الفلسطينية..الخ
65. فباب المزايدة مقفول منذ البداية، فنحن نفتخر ولا نستحي أحدا، في كوننا أبناء خط النضال الديمقراطي الجذري طرحا وممارسة، بما يشكله من تاكتيك وقنطرة خدمة للإستراتيجية الثورية بغض النظر عن طبيعتها، ثورة وطنية ديمقراطية شعبية منفصلة عن الثورة الاشتراكية، أو ثورة وطنية ديمقراطية كمقدمة تحضيرية للثورة الاشتراكية دون أن تنفصل عنها، أو ثورة اشتراكية بما تتضمنه من حل لجميع القضايا الديمقراطية البرجوازية العالقة.
هذا الخط النضالي الذي تبنته وما زالت تتبناه جميع القوى اليسارية الثورية، وضمنها بالطبع القوى العمالية الاشتراكية، الماركسية اللينينية وغيرها.. واعتبارا لانتماءنا ومرجعيتنا الماركسية اللينينية البروليتارية، سنظل منسجمين مع خط النضال هذا، بناء على منهجية التحليل الملموس للواقع المجتمعي الملموس، أي بما يتضمنه من اعتراف بالأزمة الثورية، وباختلال موازين القوى الطبقية لصالح الرأسمالية ونظامها وطبقاتها، ومع الاعتراف كذلك بالغياب الواضح والملموس للطبقة العاملة ولدورها في تغيير كفة الميزان لمصلحة قوى الشعب الكادح وجميع المتضررين من استمرارية النظام القائم وحكمه الاستبدادي الغاشم.
66. بهذا نكون واضحين في تصورنا فيما يخص خط النضال الديمقراطي، وعبر هذا التوضيح نكون أغلقنا المجال والباب أمام أية مزايدة، إذ لا مجال لزرع الأوهام حول إمكانية تحقيق اللبرالية عبر مراكمة المكاسب والحقوق في اتجاه بناء "دولة الحق والقانون" كما يروج له الخطاب الإصلاحي عبر إطاراته السياسية و"الحقوقية".. وليس هناك من طريق لمراكمة الوعي الثوري، وتوسع مجاله ضمن الفئات والطبقات الشعبية ـ أساسا الطبقة العاملة ـ سوى بارتباطنا بنضالاتها، وبانغراسنا بمواقع تواجدها، كماركسيين لينينيين وكشيوعيين بروليتاريين، في اتجاه استقطابها لتنظيمات وأدوات التغيير الأساسية الحاسمة، التي بدونها لن يكون هناك تحضير جدي لثورة جدية تقضي على بنيات الاستغلال والاستبداد ببلادنا، في اتجاه بناء نظام مجتمعي ديمقراطي جديد، بكل ما في كلمة الجديد من معنى تاريخي، يتجاوز وبشكل جذري لكل الديمقراطيات المرتبطة بنمط الإنتاج الرأسمالي.
67. فكيفما كان خط النضال، والذي لا تحدده الرغبات، والإرادات كيفما كانت درجة صدقها، سلميا أو عنيفا، سريا أو علنيا، ضيقا أو جماهيريا.. تبقى مسألة النضال الديمقراطي، مسألة تاكتيك مرتبطة أشد الارتباط بالظروف الملموسة التي تعرفها البلاد ومحيطها.. فمسألة الوصول إلى السلطة وتحقيق الاشتراكية، أي مهمة التغيير الثوري، لا تحل بغير العنف، ولا يمكن، والتاريخ شاهد، بأن تتنازل البرجوازية وحلفاءها عن الحكم بدون عنف دموي ومقاومة شرسة، ولا يمكنها بالتالي أن تتنازل عن مبدأ العنف والتخريب والتآمر.. حتى بعد انهزامها وقلب نظام حكمها، لذا كانت الحاجة للتأكيد على هذا المبدأ، نظريا من خلال "البيان الشيوعي" وعمليا من خلال تجربة العمال البارسيين خلال الكمونة، وما تبعها من تجارب العمال الروس خلال ثورات 1905 و1917 المجالسيتين.. إلى نظام حكم جديد اسمه ديكتاتورية البروليتاريا، بما يشكله من إعادة بناء لسلطة الدولة الجديدة، دولة المجالس الشعبية الديمقراطية، حيث يسود حكم المنتجين والفقراء والبؤساء والمهمشين.. في اتجاه إعادة بناء مجتمع المنتجين، حيث لا يوجد استغلال، ولا طبقات.



#و._السرغيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معركة عمال -سميسي- بين شراسة القمع وأشكال الدعم البئيسة
- في الصراع ضد -التيار التنموي-.. مرة أخرى
- -تنسيقية- جديدة بطنجة تنضاف للحركة المناهضة للغلاء
- إسهال -التنسيقيات- بمدينة طنجة
- الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وخرافة التنمية المستدامة
- ملاحظات أولية فيما قاله عبد الرحمان عن الأممية الاشتراكية بي ...
- اليسار الاشتراكي بطنجة يقاطع الانتخابات
- الهيئة الوطنية لدعم المعتقلين السياسيين مكسب تنظيمي وجب التش ...
- الأزمة المالية العالمية.. بين خطاب الحلول الممكنة وإستراتيجي ...
- فاتح ماي طنجة فاتح ماي الطبقة العاملة فاتح ماي الطلائع الشيو ...
- مشروع الإطار المرجعي لتنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات
- نشطاء -الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بطنجة- يقيمون -نشاطا- ...
- الوجه الآخر للنقابات والنقابيين في المغرب
- الحركة الماركسية اللينينية المغربية بين واقع التفتيت، وطموحا ...
- عن الحزب والنقابة والمؤسسات.. و-النهج الديمقراطي-
- من أطاك النضال والاحتجاج إلى أطاك التهجير والسفريات
- تضامنا مع معتقلي مراكش
- في ذكرى الشهيد عبد الحق شباضة
- عن أية جبهات وعن أية أهداف تتحدثون؟
- عودة الانتفاضات للواجهة


المزيد.....




- سقط سرواله فجأة.. عمدة مدينة كولومبية يتعرض لموقف محرج أثناء ...
- -الركوب على النيازك-.. فرضية لطريقة تنقّل الكائنات الفضائية ...
- انتقادات واسعة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريح ...
- عقوبات أمريكية جديدة على إيران ضد منفذي هجمات سيبرانية
- اتحاد الجزائر يطالب الـ-كاف- باعتباره فائزا أمام نهضة بركان ...
- الاتحاد الأوروبي يوافق على إنشاء قوة رد سريع مشتركة
- موقع عبري: إسرائيل لم تحقق الأهداف الأساسية بعد 200 يوم من ا ...
- رئيسي يهدد إسرائيل بأن لن يبقى منها شيء إذا ارتكبت خطأ آخر ض ...
- بريطانيا.. الاستماع لدعوى مؤسستين حقوقيتين بوقف تزويد إسرائي ...
- البنتاغون: الحزمة الجديدة من المساعدات لأوكرانيا ستغطي احتيا ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - و. السرغيني - تاكتيك النضال الديمقراطي، والنضال من أجل الحريات