أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - و. السرغيني - الحركة الماركسية اللينينية المغربية بين واقع التفتيت، وطموحات الوحدة الميدانية















المزيد.....



الحركة الماركسية اللينينية المغربية بين واقع التفتيت، وطموحات الوحدة الميدانية


و. السرغيني

الحوار المتمدن-العدد: 2501 - 2008 / 12 / 20 - 09:34
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    



I. تقديم
"إنه لمن المحزن أن يرى المرء أناسا، مما لا ريب فيه، أنهم يعتبرون أنفسهم ماركسيين ويريدون أن يكونوا ماركسيين، ينسون الحقائق الأساسية للماركسية" لينين.
في إطار النقاش الدائر داخل الحركة اليسارية الاشتراكية وبشكل خاص ما بين تيارات الحركة الماركسية اللينينية، وبعد اطلاعنا على فحوى مقالين صادرين بشبكة الانترنيت ـ"دفاعا عن البلشفية" أم تحريف لها؟ـ بقلم رفيق زروال وـ الماركسية اللينينية الماوية.. منطلقات للنقاش ـ بقلم خالد المهدي.. حاولنا قدر المستطاع تقديم الرأي فيما يخص الصراع بين التيارين "الستاليني" و"الماوي" من جهة، ومن جهة أخرى طرح تصورنا ومفاهيمنا الماركسية بخصوص قضايا نظرية وسياسية تهم مشروع الثورة الاشتراكية.
فالمقالين يعودان لفترة مرت عنها حوالي الثلاثة سنوات، ارتأى أصحابهما، بالنظر لأهميتها أو لراهنيتها، إعادة نشرها لتعميم الفائدة، فمقال المهدي حاول خلاله تقديم تعريفه للماركسية اللينينية من زاوية ماوية معتبرا حسب رأيه أن الماوية تتمة وإضافة للماركسية اللينينية التي لم ولن تتوقف عند لينين واللينينية.. مدٌعيا أن المرحلة الإمبريالية انتهت وبأننا الآن بل ومنذ عصر ماو تسي تونغ نعيش طورا جديدا ما بعد إمبريالي! أما مقال زروال فاستند في مقاله ردا على إحدى المقالات السابقة للمهدي "دفاعا عن البلشفية" على بعض الممارسات والتحالفات السياسية التي سبق وأن نسجها التيار الماوي مع بعض فصائل الحركة الاشتراكية في الشمال.. مما اعتبره الرفيق زروال "تحريفية وتصفوية"..الخ

II. ستالينيون وفقط يحاجٌون المخالفين
وبدون الحاجة إلى نقاش البوليميك الذي لا يفيد في جميع المواقف واللحظات بل قد يشوه أو ينتقص مما قد نصبو إليه، وبالرغم من أن الرفاق أنصار الاتجاه الستاليني داخل الحملم حاولوا وبشراسة إبراز خطهم وهويتهم من خلال هذا المقال ليس بالتعريف لما يستندون عنه من مرجعية ولا بما يتبنونه من شعارات وبرامج عملية وميدانية.. بل بالصراخ والزعيق بـ"نحن هنا" وبالعويل والتهديد بمحاولة "الطرد" التي قد تلحقهم من "الزاوية" أو "القبيلة" الماركسية اللينينية بالنظر للسبق الإشهاري "لأعدائهم" الذين ادعوا بأن الماركسية اللينينية هي الماوية وفكر ماو هو الماركسية اللينينية!
فالمقال منذ بدايته إلى نهايته لم يتعدى منطقة 18.50 متر من خلال محاولاته الدفاعية اليائسة، من نفس الزاوية وبنفس العقلية الماوية، عن حقه في الوجود ليس كتيار من داخل الحملم بل ليثبت أن التيار هو الحركة نفسها.
أشكال الدفاع التي التجأ إليها الرفيق واستعملها كانت في غالبيتها بئيسة ومحتشمة، وأحيانا حقيرة ومتجنية.. همُها الوحيد تثبيت الخط الستاليني كوريث أوحد ووحيد "للتركة" القاعدية ولترات وتجربة وتضحيات الحملم سواء بسواء.. مهاجما العديد من التيارات والمجموعات الاشتراكية والماركسية اللينينية إما بتلميح أو بشكل واضح ومباشر، دون أدنى عناء للتوضيح ومسح الغبش عمٌا سماه بنفسه "بالضبابية الفكرية" التي تنهجها التيارات غير البلشفية "التحريفية" و"التصفوية"..الخ حسب ادعاءاته.
بحثنا جيدا من خلال المقال عن شيء يميز الرفاق من خلال قراءاتهم للتجارب الثورية الميدانية، بلشفية كانت أم غيرها، لينينية، ستالينية، تروتسكية، ماوية..الخ لكن دون جدوى.. بحثنا عن أدنى تقييم للتجربة القاعدية ـ حركة الطلبة القاعديين المغاربة ـ أو لتجربة الحملم أو إحدى منظماتها، لنجد أن التقييم أصبح ادعاءات وفقط، وفي أحسن الحالات يتحول للتباهي بالحصول على إحدى وثائق المنظمات السبعينية ـ منظمة إلى الأمام بشكل خاص ـ لنشر بعض الأسطر منها وتقديمها كحجة "مقدسة" ضد المخالفين الخارجين عن "الملٌة القاعدية".
فالنقاش بما هو نقاش نظري يحاول بهذا القدر أو ذاك، المساهمة في تطوير وعي الجماهير ووعي الحركة الثورية وتقديم مسيرتها نحو أهدافها الثورية خدمة لمصالح الكادحين.. يفترض فيه شرح مفاهيمه وبسط وتبسيط انتقاداته للأفكار والتيارات التي يعتقد أنها تخطأ الأهداف بطرقها الملتوية أو بوسائلها الضعيفة المردودية..الخ
وبالتالي بات لزاما على جميع الآراء المتناظرة أن تغير من أساليبها، وأن تقطع مع جميع الأشكال المحبطة والمدمرة للمجهودات الوحدوية التي لا يمكن أن تعود سوى بالنفع على نضالات ومصلحة الكادحين المغاربة.

III. الطلبة القاعديون المغاربة حركة أم تيار؟
بين الخطاب والممارسة نجد داخل أطروحة الغالبية من مكونات الحركة القاعدية نوعا من التناقض والتيه من خلال محاولاتهم للتعريف بهويتهم ومرجعيتهم.. فمن طنجة إلى أكادير، مرورا بالقنيطرة، الرباط ومراكش، ومن وجدة إلى الراشدية مرورا بتازة، فاس ومكناس.. نجد مجموعات طلابية تدعي الانتماء إلى شيء اسمه "النهج الديمقراطي القاعدي" وليس "التيار القاعدي".. مجموعات متفانية في النضال لمصلحة الجماهير الطلابية وأساسا أبناء الكادحين منهم، مدافعة عن حقهم في التعليم وعن حرمة الجامعة وعن الحريات الديمقراطية بها، متخذة أساليب جذرية في النضال لتطوير تجربة الحركة الطلابية ولتطوير وعي الجماهير الطلابية استنادا على مراكمة التجربة الطلابية التقدمية منذ ستينات وسبعينات القرن الماضي، دون أن تفوتها مهمة الربط بين نضالات الحركة الطلابية والحركة الجماهيرية التقدمية الطموحة لتغيير يخدم مصالح الكادحين ويقضي على أسس الاستبداد والاستغلال والظلم والطغيان الذي يمارسه النظام القائم بالمغرب.
وبغض النظر عن الطريقة التي يتم بها ذلك التعريف الخاطئ لحركة الطلبة القاعديين على أنها نهج وفي نفس الوقت فصيل ماركسي لينيني محصن ضد المتربصين، بكامل العزم والحزم ضد كل الخطوط "التحريفية والتصفوية" التي تحاول اختراقه.. تحصينات وقلع ستقي النهج من الغرباء والدخلاء قبل وجودهم!.. تصوروا، فالفصيل حسب ادعاءات "الرفيق زروال" يحارب التيارات قبل "ولادتها التنظيمية"..
سنتجاوز الترهات والمهاترات والعنتريات الصبيانية وسنحاول تغيير اتجاه ولغة النقاش وسندعوهم كافة لخوض النقاش الديمقراطي، الرفاقي الهادئ والمنصف.. فقط لأننا مقتنعون بأنهم رفاق وليسوا أعداء، رفاق طريق يكافحون ويناضلون ضد نفس أعدائنا، بنفس القوة والحزم، ويقدمون نفس التضحيات في هذا السبيل أو أكثر.. وبالتالي فمنطلقاتنا يجب أن تكون حاسمة ومحسومة في هذه النقطة، أي في كون الرفاق الذين نخاطبهم مناضلون ورفاق طريق وليسوا أعداء، رفاق يساريون معارضون لنظام الظلم والاستبداد، اشتراكيون مناهضون للاستغلال البرجوازي والإمبريالي، ماركسيون مناصرون للطبقة العاملة ومدعمون لمشروعها التحرري الاشتراكي الطامح للقضاء على نظام المِلكية الفردية والخاصة، الرأسمالي.
فإذا كانت الرغبة قائمة لتقديم الفعل النضالي القاعدي فلا بد من الانطلاق من الرؤية الوحدوية التي لا بد وأن تحدد لنفسها إطارا مرجعيا وأرضية توجيهية وبرنامجا نضاليا يعبر بصدق عن مصالح الحركة الطلابية وعن تطلعات الكادحين وأبناء الكادحين، في التعليم والجامعة التي يرغبون فيها، وفي المجتمع ونظام الحكم الذي يتطلعون إليه، فإذا كانت أرضية "التوجه القاعدي" 2004 تكلمت ومن منطلقات وحدوية عن الفصائل القاعدية الثلاثة، فالحالة الآن فاقت الستة فصائل ممن تعلن عن انتمائها وتشبثها بالتراث القاعدي والخيار الماركسي اللينيني الثوري، أما إذا أضفنا لها مجموعات "الكراس" و"الممانعين" و"الخيار".. فسنقارب العشر أو ما يزيد من المجموعات التي تدعي كلها الانتماء للحركة القاعدية.
فكما أوضحنا بأن الاستمرار في تجاهل الضرورة التي نحتاجها للتدقيق في بعض المصطلحات والتعريفات، سيحول الحركة، لا محالة، من حركة تعتمد تياراتها ومناضلوها على المادية والديالكتيك العلمي إلى حركة رهبان همهم الأساسي هو الإفتاء وإصدار الأحكام ونبذ الاختلاف مخافة من "التكتل"، وتحويل العجز عن تطوير الممارسة النضالية والثورية إلى صراع ضد الأشباح.
فتاريخ الحركة القاعدية، تاريخ زاخر بالمعطيات والإنجازات والتضحيات، ومن حق جميع المناضلين سواء من المؤسسين أو المنخرطين اللاحقين الملتحقين بأن يضع لنفسه تصورا لهذه الحركة كماضي وكحاضر وكمستقبل لما يتطلٌع له من حيث الشكل الذي يمكن أن تتخذه الحركة في المستقبل القريب أو البعيد.
فالحركة لها مواقفها وبياناتها وأرضياتها وورقاتها المقدمة للمؤتمرات الطلابية الوطنية، لها تقاييمها وتقديراتها، إنجازاتها وفشالاتها، توافقاتها وصراعاتها..الخ صحيح أن لكل مرحلة ظروفها وملابساتها المطبوعة بعدد وتنوع المتدخلين فيها.. فخلال كل مرحلة أفرزت الحركة مناضليها ومناضلاتها، حراسها وأطرها وقواعدها، المتوافقين والمتمردين.. ومن داخل هذا التنوع الذي عرفته مكوناتها عبر المراحل ومن داخل المرحلة نفسها، نجد التفسير العلمي والواقعي الذي عرٌفوا من خلاله المناضلون حركتهم باعتبارها حركة أو نهج وليس خطا أو تيارا.. لأن الحركة كانت ومنذ بدايات التأسيس حركة تضم العديد من وجهات النظر الفكرية والسياسية المختلفة، صحيح أنها كلها يسارية معارضة، جذرية وثورية، اشتراكية بكل تأكيد، لكنها لم تعلن، أي الحركة، قط عن مرجعيتها بأنها الماركسية اللينينية أو غيرها من الإضافات الستالينية أو الماوية.. لم تشترط الحركة في انتماءات وانخراطات الطلبة المناضلين فيها سوى الممارسة والفعل والتبني لأرضياتها وبرامجها الطلابية المعلنة لعموم الجماهير الطلابية.. ومن يدٌعي غير هذا أو له ما يفنٌد كلامنا فليقدمه برهانا ليفيدنا ويفيد الجميع.
فللحقيقة والتاريخ، لا أنكر بأنني شخصيا ساهمت في توزيع بعض البيانات باسم "الطلبة الماركسيين اللينينيين" أو "الطلبة الثوريين" خلال الذكرى الأربعينية لاستشهاد المناضلة الماركسية اللينينية سعيدة المنبهي، وكذا خلال ذكرى الحظر القانوني للمنظمة الطلابية إوطم 24 يناير، قبل ولادة الحركة القاعدية في شكلها الجديد أي الحركة التي انخرطت في النضال الطلابي العلني بعد رفع الحظر القانوني خلال نونبر 78 عن المنظمة إوطم، وفي هيكلة الاتحاد وفي التحضير للمؤتمر الوطني السادس عشر باسم لائحة "الطلبة القاعديين"، "المجالسيين"، "أنصار المجالس"
لا أنكر كذلك وجود العديد من المناضلين والأطر القاعدية التي تبنت الفكر الماركسي اللينيني كمرجعية لها، بل هناك من انخرط في الحركة ماركسيا لينينيا بالنظر لارتباطات العديد من المناضلين، التنظيمية بمنظمات الحركة الماركسية اللينينية المغربية.. ومع هذا لا يمكن الحكم بأي شكل من الأشكال عن الغالبية الساحقة من النشطاء والفاعلين الذين لم تكن تجمعهم سوى أرضيات وبرامج طلابية لا تتعدى مشاكل التعليم والجامعة واتحاد الطلبة إوطم كإطار جماهيري، تقدمي، ديمقراطي ومستقل يسمح لجميع الطلبة حسب قانونه الأساسي بالانتماء له، الطلبة المغاربة في الداخل والخارج، والطلبة الأجانب الذين يدرسون بالجامعة المغربية.
فتربة الحركة هي الجامعة وقواعدها هي الجماهير الطلابية بدون شك، لكن هذا لم يمنع بطبيعة الحال ارتباط مكوناتها بأهم قضايا الكادحين المحلية والقومية التحررية.. وبحكم طبيعة الطلبة وبالنظر لارتباطهم واطلاعهم على أجدى مناهج البحث العلمية، تيَسٌر لأبناء الكادحين منهم الاقتراب والتبني للنظرية الماركسية، خاصة بعد البصمات الذي تركته مساهمة طلبة الحزب الشيوعي المغربي و"الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين" في الساحة خلال الفترات الستينية والسبعينية.
فالفكر الماركسي الشيوعي ظل حاضرا وبقوة داخل التجربة القاعدية وعبر جميع مراحلها، لكن لم يكن مرجعيتها الوحيدة ولا الرئيسية، ولم يسبق البوح بأن الماركسية اللينينية هي مرجعيتها، وحتى إن وجدنا بعض الإشارات في بعض الأدبيات الفردية والجماعية المحدودة، فالإعلان عن المرجعية داخل الأرضيات الرسمية الموجهة للجماهير الطلابية ولاتحادهم إوطم كمرجعية ماركسية لينينية، ليس له أي سند سوى الادعاءات الشفوية والتشبث به مجرد مزايدة وتلفيق ليس إلاٌ.
فلكم كنا من المتشددين، والتاريخ يشهد على هذا، من أجل تحويل الحركة إلى شبه شبيبة لمنظمات الحملم وبشكل خاص منظمة "إلى الأمام"، وكم كنا من الصادقين والمخلصين لتجربة المنظمة، ومن المساهمين في نشر وثائقها وأرضياتها ومجلاتها ونشراتها وبياناتها على أوسع نطاق وسط الحركة القاعدية.. لكننا سنظل كذلك مخلصين للتاريخ ولحقائقه بأن الحركة ضمٌت في صفوفها وأحضانها الماركسيين اللينينيين والتروتسكيين والفوضويين والعدميين والماويين والغيفاريين والماركيوزيين والإباحيين من أنصار الثورة الجنسية، والمناهضين للحزبية والتحزب..الخ وخلال مسيرة الحركة وأمام صمود المناضلين والمناضلات، اكتسبت الحركة الأنصار تلو الأنصار وأصبحت قوة لا تضاهيها قوة داخل الساحة الطلابية والتلاميذية، وكسبت تعاطفا جماهيريا غير مسبوق مما فرض عليها الصراع ضد الأطروحات الحزبية الإصلاحية والبيروقراطية التي حاولت توظيف الاتحاد لمصالحها الحزبية الضيقة والخاصة، وبسط هيمنتها عليه وعلى قيادته لما له من إمكانيات في الاستقطاب والتأطير وكذا في ممارسة الضغط خلال مفاوضات أقطاب المعارضة الإصلاحية مع الحكم.
لم يكن إعلان المرجعية يحتاج إلى قرار أو تدبيج في أرضيات الطلبة القاعديين، والغالبية الساحقة لحركات الشباب والطلاب آنذاك كانت يسارية ومعارضة، وغالبية اليساريين كانت ولاءاتهم ماوية وضد خروتشوفية، وهذا طبيعي جدا بالنظر للمآل الذي عرفته التحريفية السوفياتية في سياساتها الداخلية والخارجية، وفي علاقتها بحركة التحرر العمالية والوطنية.
فالحركة كانت في توجهها العام، كما ذكرنا سابقا، يسارية اشتراكية، معارضة معارَضة جذرية للنظام القائم، ارتكزت في أغلب كتاباتها وبياناتها ومواقفها وشعاراتها على التجربة اليسارية السبعينية ـ تجربة اليسار الماركسي اللينيني وامتداداته الطلابية عبر "الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين"ـ بمنظماتها ومجموعاتها وفعالياتها..
فما عرفته الحركة من صراعات وانشقاقات بداية الثمانينات لم يكن سوى انعكاسا للصراع الذي عرفته الحملم بفعل بداية التقييمات التي انطلقت بعد تجميع المعتقلين من قيادات المنظمات الماركسية اللينينية وكذا بعض القيادات الطلابية من فترة المؤتمر الوطني 15 وحظر المنظمة إوطم، أي ما سمي آنذاك بتجربة المجالس القاعدية وتجربة النقابة الوطنية للتلاميذ، السريتين.. بالسجن المركزي بالقنيطرة وبالسجن المدني بمكناس.
كانت أقوى الانشقاقات هي انشقاق "المبادرة الجماهيرية" سنة 81، ومجموعة "وجهة نظر بنيس" أواخر 82 وبداية 83، و"تيار الكراس" أواخر سنة 84.. ولم يكن النزاع قائم حول الهوية أو المرجعية وما إلى ذلك، في أي من هذه الانشقاقات، بقدر ما كان النزاع قائم حول تقدير وتدبير عمل القاعديين داخل إوطم، وتقدير كذلك لدورهم ولأدوار الأحزاب الإصلاحية العاملة داخل إوطم وبشكل أساسي التحالفات وخطة العمل الوحدوي وبرنامج الحركة الطلابية في مواجهة سلسلة الإصلاحات الجامعية والتعليمية، وكذا دور الحركة الطلابية في الصراع ضد الحكم ونظرة القاعديين لتاريخ وحاضر المنظمات الماركسية ولأدوارها وإنجازاتها داخل وخارج الجامعة.. حينها ذهب الرأي من الولاء المطلق إلى المحاربة الشرسة، مرورا ببعض المحاولات النقدية المحدودة والمحتشمة للتجربة.

IV. تقديراتنا للعمل الطلابي خلال المرحلة
وبدون أن نتيه في مواضيع أخرى سبق وأن قدمنا فيها الرأي، بدون أن نتلقى اعتراضا أو نقدا في المستوى المطلوب، عدا السباب والكليشيهات القدحية التي لا تعمٌر سوى لحظة كتابتها، والتي هدٌمت وقوٌضت أكثر مما صحٌحت وقوٌمت.
فلكي يتقدم النقاش في نظرنا، يجب على مجموع التيارات والمجموعات المناضلة القاعدية بأن تتقدم بتعريفها للقاعديين بالدقة اللازمة، أي بالإجابة عن سؤال، هل يشكلون حركة، تيارا أو منظمة؟
يجب عليها أن تفصح عن برامجها المرحلية والإستراتيجية، وعن التاكتيك والشعارات التي تراها ملائمة وقادرة على حشد الدعم من لدن الآراء المخالفة ومن لدن أوسع الطاقات الجماهيرية المناضلة، كما يجب التصريح بوضوح بالموقف من جميع القوى والتيارات والفعاليات الناشطة في الساحة الجامعية سواء تلك التي تنتمي للحركة القاعدية أو تلك المستقلة عنها، عوض استمرار البعض في محاربة القوى/الأشباح، بدعوى بيروقراطيتها وإصلاحيتها..
يجب على قوى الصف القاعدي تقديم الرأي في نشطاء الحركة الطلابية الحاليين، بمعنى هل يجوز من الناحية اليسارية أو من الناحية الماركسية اللينينية حتى، عقد التحالفات مع قوى تناضل أو تدٌعي النضال والمناهضة "للميثاق التربوي" ولجميع المخططات التي تستهدف حق أبناء الكادحين في التعليم والجامعة من قبيل الحرمان من المنحة والسكن والمطاعم والتطبيب والنقل ومساحات الترفيه.. قوى تضع في برامجها مهمة النضال من أجل استرجاع إوطم وهيكلته، والدفاع عن حرمة الجامعة وعن الحريات الديمقراطية في قلب الجامعة من قبيل حق التظاهر والتجمع وإصدار النشرات والمجلات الحائطية وإقامة الأسابيع الثقافية..الخ قوى تقدمية مناصرة لتحرر المرأة ولكل قوى التحرر المناهضة للإمبريالية ولكل قوى النضال العمالية والشعبية المناهضة للاستغلال والمدافعة عن المشروع التحرري الاشتراكي.
ولكي لا يتم التأويل لما نريد توضيحه، فتصورنا واضح وواضح جدا فيما يتعلق بنظرتنا لنضال الحركة الطلابية ومهامها داخل وخارج الجامعة، ويمكن الرجوع في هذا الصدد لبرنامجنا الطلابي المتضمن في ورقة "التوجه القاعدي.. المنطلقات والأهداف".. فسعينا من خلال مبادراتنا ونداءاتنا المتعددة، لتقوية نضال الحركة الطلابية وكذا لانخراط الجماهير على أوسع نطاق في ديناميتها بما يتطلب منا عدم البحث في ماركسية أو ثورية جميع الأصوات المناضلة ضد الأوضاع القاسية التي يعيشها الطلبة داخل الجامعة، حيث انعدام شروط الدراسة والبحث العلمي، وغياب الحقوق والحريات الديمقراطية وانسداد الآفاق في وجههم بما يعني ذلك من بطالة جماعية في حقهم بعد الجهد والكد ونيل الشهادات والتخرج.
ونعتقد أن تصورنا هذا يسهل استيعابه من طرف التيارات العمالية المناضلة التي يقوم ارتباطها بالنقابات والمنظمات والاتحادات العمالية على مبادئ لا تشترط ماركسية أو ثورية القواعد، بقدر ما تشترط الاستعداد للكفاح ضد العسف والقمع والاستغلال.. فحنكة الطلائع من المناضلين وقدرتهم على نشر الفكر الاشتراكي والرفع من الوعي الطبقي والسياسي للجماهير العمالية بما فيه مصلحتها في التغيير والقضاء على الاستغلال وبناء المجتمع الاشتراكي.. كافية لضمان وتأمين نجاعة وسدادة العمل اليساري الماركسي اللينيني داخل الإطارات الجماهيرية المتنوعة القواعد والتيارات.
وقد تقدمنا في هذا المجال باقتراحاتنا للخطوات العملية التي يجب إتباعها لتجميع القوى المناضلة في إطار للطلبة التقدميين، إطارات هدفها بالدرجة الأولى التنظيم والتأطير لنضالات الجماهير الطلابية داخل جميع المواقع وخلال جميع مراحل النضال..الخ، ويمكن في هذا الصدد الرجوع لمقالنا في إطار النقاش/الرد على إحدى المقالات الموقعة باسم "أحمد زيان"..
أما المجالات الأخرى، أي الخاصة بكل تيار تيار، بعمله ونشاطه وطموحاته في الاستقطاب وتوسيع قاعدته، فسيكون مدخلها هو توفير الحريات الديمقراطية داخل الجامعة مما سيسهل، لا محالة، التأطير والاستقطاب والمقارعة الفكرية والأيديولوجية.. بين جميع الآراء بشكل ديمقراطي تربوي، أي بالشكل الذي سيقدم الوعي الجماهيري وسيوفر الطاقات والقيادات السياسية والفكرية والتنظيمية للحركة الثورية والعمالية في المستقبل.
فما الداعي الآن وفي هذه الفترة بالذات، والتي باتت فيها قوانا محدودة جدا لا تتجاوز في غالبيتها بعض الكليات من بعض الجامعات.. والتي يتم فيها النشاط على مقاس التيار المتحكم والمتحصٌِِن داخل قلعته بالعدة والعتاد، ضد جميع "الخصوم والأعداء".. وبشكل خاص ضد المكونات القاعدية الأخرى المخالفة؟! "فرفيق زروال" الذي انهال على "خالد المهدي" بطلقاته "النقدية" والتجريحية المتجنية.. فقط، لأنه اتخذ خطوة أو مبادرة لفتح النقاش وقنوات التنسيق مع تيار طلابي يناضل من أجل استرجاع إوطم وهيكلته، ويناهض المخططات السياسية الهادفة إلى المساس بحقوق أبناء الكادحين في التعليم المجاني والعمومي.. فقط، لأن التيار المعني ينتمي "للأممية الرابعة التروتسكية" ويولي وجهته لأطروحات تروتسكي في ميادين نظرية وسياسية لا تهم الساحة الجامعية بشكل مباشر.
ولغرض في نفس يعقوب وبهدف التضبيب وخلق البلبلة وتضييق الحصار عن صوت الخط البروليتاري الماركسي اللينيني داخل الجامعة ـ"التوجه القاعدي"ـ يستمر "الرفاق" في العديد من مقالاتهم وانتقاداتهم وتشهيراتهم "للتوجه القاعدي" بممارسة الخلط بسوء نية ما بين "التوجه القاعدي" الذي تم الإعلان عن تأسيسه بداية 2000 في إطار مجهود ومراكمة جماعية تدخلت فيه العديد من الفعاليات القاعدية، إلى أن استقر الاتفاق على وثيقة 24 يناير 2002، لتعرف التجربة منعطفا آخر ابتداء من سنة 2005 خاصة بعد إعلان التيار التروتسكي عن نفسه من داخل هذه التجربة، ليفصح عن انشقاقه معلنا عن اختياراته وتحالفاته الداخلية والخارجية ـ الأممية الرابعة وتيار المناضلة التروتسكي/جناح تيد غرانت.. فاستقلت المجموعة وأعلنت عن توجهاتها واختارت، مضطرة، تطوان موقعا لها، لتدخل العلنية من بابها الواسع عبر منشوراتها وأنشطتها ومواقعها الإلكترونية.. محتفظة بنفس الاسم داخل الطلبة الذي هو "التوجه القاعدي" وباتخاذ اسم "رابطة العمل الشيوعي" في بعض الأنشطة والملتقيات الجماهيرية خارج الجامعة.
واستمر الرفاق أنصار الخط البروليتاري في مدينة طنجة في اتخاذ نفس الاسم، متميزين عن التجربة التروتسكية بتطوان التي لحقها الانقراض والتلاشي ابتداء من سنة 2006، غير آبهين بالضرر الطفيف والثانوي جدا لما يمكن أن يخلقه هذا التشويش.. وقد تميز الرفاق بمجهوداتهم الميدانية التي تجاوز صيتها المجال المحلي والجامعي، مخلفين بأطروحاتهم ومقترحاتهم، وبتحالفاتهم وتعاقداتهم الميدانية مع مكونات الحركة القاعدية والاشتراكية الأخرى، الاحترام والتقدير النضاليين.
أثرنا هذا النقاش للتوضيح للكيفية التي يجب أن يتخذها الصراع حول التسمية التي لا يمكن أن تكون بأي شكل كان وتحت أية ذريعة، هدفا للتطاحن وإراقة الدماء بين رفاق الكفاح والميدان، على اعتبار أن الاسم ليس هو الذي يعين مضمون الحركة أو التيار، حيث لم يعد مسموحا به أمام ضيق الرقعة التي نتحرك فيها الآن، وأمام ثقل المهام وتراجع الأداء وشيوع الانتهازية والانحراف..الخ التطاحن والتراشق والتلاسن بين رفاق الطريق والكفاح.. من أجل تعريف من هم القاعديين ومن هو "النهج الديمقراطي القاعدي"؟ ومن هو "التوجه القاعدي"؟.. فالنقاش الهادئ ونشر وثائق التيارات وإعلان مبادئ الخاصة بها والمعرفة لهويتها ومرجعيتها كافية وكفيلة بأن تعفينا من هذه الحالات الشاذة التي كادت أن تصبح قاعدة طبيعية لنشاط وصراعات مكونات الحركة الطلابية والقاعدية.
أعتقد أن للماركسيين نظرتهم المتميزة في ما يخص السياسة بمجملها، لقد اعتبروها دائما وأبدا وسيلة وفقط للوصول لأهدافهم في التغيير خدمة لمصالح الكادحين، فإذا كانت تجربة 2000 بطنجة وتطوان قد لعبت أدوارا مهمة في تحريك الأجواء الطلابية وخوض معارك جماهيرية في المستوى، داخل الجامعة وخارجها، نالت على إثرها الجماهير الطلابية العديد من المكتسبات وتعرفت خلالها الجماهير المناضلة على اتحادها إوطم بمبادئه وتاريخه ووسائله النضالية.. فلسنا نادمين كماركسيين وكخط بروليتاري عن هذه الخطوة الوحدوية التي ساهمت بشكل جلي في التعريف بوجهة نظر الاشتراكية داخل الحركة الطلابية، ساهمت كذلك في تقزيم دور القوى الظلامية وتضييق رقعة نشاطها واستقطاباتها، بعد أن كانت تعتبر الجامعة في الشمال مرتعها الخاص..
فتحت أية ذريعة تتم محاربة هاته التجربة إذن؟ فإذا كانت اتفاقات 2000 و2002 و2004 تمكنت من فتح النقاش بين قوى اشتراكية مختلفة وكان من نتائجها تعزيز الفعل الميداني داخل الحركة الطلابية وداخل حركة المعطلين، وفي مجالات سياسية فكرية ونقابية متنوعة.. فما المشكل إذن عند "رفاق زروال" أو غيرهم؟ فهل تخافون المبادرات الوحدوية وتحاربونها لحساب التجزئة والتفتيت والتشرذم..؟ هل تخافون الفعل والنضال وتشجعون الهدنة والانتظار؟!
أعتقد أن التيار الذي يملك هويته ومرجعيته الواضحة، ويتوفر على مقومات تنظيمية صلبة وأطر وقيادات كفأة وقواعد متمرسة ومستوعبة لوجهة نظر التيار، لن يخاف الوحدة في شيء، بل لا بد عليه أن ينشدها وأن يوسع من دائرة المنخرطين فيها، لأن الوحدة ليست بالضرورة اندماجا وذوبانا، فالوحدة أطوار ويمكن أن تختلف أطوارها من هذه التجربة لتلك، كما أنها ليست ولن تكون إرادية ولا مبنية على المجاملة وحسن النوايا.. بل لها شروطها الخاصة، الذاتية والموضوعية.. أما الوحدة التي نتكلم عنها الآن، وفي هذه الظروف السياسية، التنظيمية والطلابية.. وحدة الحركة القاعدية والاشتراكية والماركسية اللينينية.. فهي وحدة معبرة عن مرحلة محددة وليست أبدية مقدسة لا تقبل التعديل أو التغيير.
وسنظل نحن في "التوجه القاعدي" أوفياء لمنظورنا الوحدوي وسط الساحة الجامعية مع كافة التيارات السياسية اليسارية المعارضة للنظام القائم ولسياساته الطبقية في التعليم والجامعة، وسنمد الأيادي بكل صدق وجرأة ودون أية حسابات ضيقة.. لكافة التيارات الاشتراكية، الماركسية وغير الماركسية، الإصلاحية والثورية..الخ لن يهمنا في مبادراتنا سوى الصدق والميدانية والالتزام تجاه الاتفاقات المحددة والشعارات والبرامج المسطرة..
شرطنا في هذا ألاٌ تمنعنا اتفاقاتنا هذه من التعبير وبألاٌ تضع سقفا لطموحاتنا التي يمكن أن تتجاوز وتتعدى الاتفاقات، وبألاٌ تكون هذه الاتفاقات بمثابة عرقلة للسير نحو إستراتيجيتنا في التغيير الاشتراكي الذي نسعى إليه.
ذكرْنا بنظرتنا هذه ليس بهدف إلقاء الدروس أو تقديم الموعظة لأي كان، ولا بنية الوقوف إلى جانب هذا ضد مصلحة ذاك، ولا بفرض أي تصور أو أي شكل من الوحدة على أي كان.. فمقالاتنا السابقة وممارساتنا الميدانية تشهد على مبدئيتنا وانسجام طرحنا الوحدوي ونظرتنا للنقد الرفاقي والديمقراطي في حق المخالفين من التيارات كرفاق طريق وكفاح.. فنبل أهدافنا وصدق نيٌتنا لم يمنعنا نحن كذلك من السقوط بين الفينة والأخرى في ردود أفعال وتشنجات تبدو أحيانا عدوانية وانشقاقية، أكثر منها رفاقية ووحدوية، لكن ومع ذلك فنحن نحاول وبصدق تطوير علاقاتنا مع العديد من الأطراف والفعاليات التي نجدها منخرطة في الصراع إلى جانبنا وإلى جانب الجماهير الكادحة، ضد نظام الاستبداد والاستغلال القائم ببلادنا.

V. رهانات الوحدة وأسسها بين الماركسيين اللينينيين المغاربة
فما قيل عن حركة القاعديين يسري عن الحركة الاشتراكية والحركة الماركسية اللينينية، فاختيارات الرفاق والتيارات، للإضافات الما بعد لينينية، لا يمنع من الأخذ بتاكتيك الوحدة والتحالفات مع جميع التيارات والمجموعات التي تتقارب شعاراتها ومواقفها في لحظة معينة مع مواقفنا وتوجهاتنا.
فنداءات الوحدة ليست بالجديدة في تاريخ التجربة العمالية، فعدا بعض الدعوات اليسراوية اليائسة التي طفت للسطح خلال العشرينات من القرن الماضي وبشكل خاص بعد انتصار الثورة البروليتارية الروسية وبعد الهبٌات والانتفاضات والثورات العمالية في العديد من بلدان أوربا. كان مطلب الوحدة هو السائد والمهيمن داخل تنظيمات وحركات الطبقة العاملة النقابية والحزبية الاشتراكية، فالوحدة ليست مطلبا طوباويا، بل عمليا وواقعيا، هي غير ممكنة بدون تنظيم بل يمكن أن تساهم في بناء التنظيم أو تمتين التنظيم.. نواتها الصلبة سيؤسسها طبعا الماركسيون الاشتراكيون الثوريون وفق مضمون الرأي اللينيني التالي "إن بحث المسألة والإعلان عن الآراء والاستماع إلى مختلف الآراء واستيضاح رأي أغلبية الماركسيين المنظمين والتعبير عن هذا الرأي في قرار وتنفيذ هذا القرار بدقة ووجدان، إن كل هذا يسمى في كل مكان في العالم، بين جميع الناس العاقلين، بالوحدة. وهذه الوحدة عزيزة للغاية وهامة للغاية بالنسبة للطبقة العاملة. العمال المتفرقون لا شيء، والعمال المتحدون كل شيء"
فإذا كان لا بد من توضيح كل طرف لأطروحته وعرضها على المناضلين وعلى طلائع الحركة الثورية المغربية، فهناك أكثر من طريقة لذلك، طرق لا بد وأن تبتعد عن كليشيهات التخوين والتخويف من المؤامرة والاختراقات التروتسكية، الستالينية أو الماوية.. لا بد على جميع التيارات والمجموعات أن تجهد النفس قبل كل شيء لتوضيح علاقتها بالماركسية كفكر خاص بالطبقة العاملة وكتيار اشتراكي يؤمن بالطبيعة الاشتراكية للبروليتاريا وللبروليتاريا وحدها، وكمنهج علمي ونقدي، منهج للبحث والتحليل وليس لإصدار الأحكام والفتاوي ضد هذا التيار أو ذاك، ولتطوير النقاش لا بد كذلك من توضيح الموقف من الإضافات اللينينية وإبداء الرأي حول ما نعتبره إضافات لينينية نوعية أغنت الفكر الماركسي والتجربة النضالية لحركة الطبقة العاملة وللحركة الثورية جمعاء.
فالمعروف والمتعارف عليه، أن العديد من التيارات الشيوعية العالمية مقتنعة أشد الاقتناع بأن اللينينية هي ماركسية عصر الإمبريالية، وبأنها مؤمنة أشد الإيمان بأنها أعلى مرحلة في تطور الرأسمالية وبأنها عشية الثورة الاشتراكية، التي يجب على التيارات المناضلة داخل الحركة العمالية التحضير لها، فلا بد وحسب ما توصل له إدراكي وما استنتجته كخلاصة من ادعاءات الفريقين بأنها لم تعد صالحة، أو في أقصى الحالات لم تعد كافية لاتخاذها كمرجعية ومنهج وأداة للتحليل في هذا العصر.. أو على الأقل بأنها شاخت في بعض من جوانبها ولم تعد تلائم واقع الكادحين المغاربة بمن فيهم الطبقة العاملة، وبالرغم من ثوريتها و اشتراكيتها ورسالتها التاريخية.
هذا ما نطالب بتوضيحه من جميع الفرقاء الستالينيين، الماويين والغيفاريين.. لأن الاستمرار بالإدعاء والصراخ الهيستيري بـ"نحن القاعديون.. ونحن الماركسيون اللينينيون وفقط".. يثير الشفقة والاشمئزاز، بالنظر لخلفيته ومنطلقاته الصبيانية.. لأنه صراحة لا يتماشى مع حجم التضحيات التي قدمها ويقدمها المناضلون من كافة الاتجاهات والتيارات والمجموعات المكونة للحملم، فاختلافاتنا العديدة والمتعددة لم ولن تمنعنا من التواجد جنبا إلى جنب وسط المعارك الجماهيرية القوية، كانت طلابية أو عمالية، وسط المعطلين وضمن الحركة المناهضة للغلاء والحركات المناهضة للصهيونية وللعولمة الإمبريالية..الخ
لم تمنعنا خصوماتنا السياسية كذلك من الوقوف وقفة مناضل واحد ضد كل الانحرافات والتشويهات التي تتربص بتاريخ "الحركة السبعينية" السياسي والتنظيمي والميداني العمالي، التلاميذي والطلابي..الخ لن تمنعنا كذلك كتابات من هذا النوع وبشكل خاص اللهجة التي هاجم بها "الرفيق زروال" خصومه المفترضين.. بأن نستمر في خطنا ونهجنا التوحيدي الذي لا يجب ربط تجربته بأي تجربة تنظيمية تفوقنا خبرة وقوة ومتانة.
فتياراتنا لا تتجاوز حالة التيار المتحلل من أي التزام تنظيمي أو أية مسؤولية سياسية.. هذا ما يجب الاعتراف به بكل جرأة وصراحة.. إذ لا زلنا نعيش حالة النشطاء والفعاليات المستعدة، وبدون شك ولا تأخر، لتقديم أغلى التضحيات خدمة لقضايا الكادحين، وفقط.. أي ما زلنا بعيدين عن "الشرط الذي لا بد منه" لتطوير عملنا ونضالنا.
هذا الواقع لا يجب أن يشكل أية عقدة لدينا، ولا مطية للهجوم على بعضنا، فالجميع يتحمل المسؤولية في المآل الذي وصلت إليه أوضاع حركتنا، ولا يجب التنصل وإلصاق التهمة بالآخرين المتربصين.. فعلى العكس، فكل المعطيات الذاتية والموضوعية يجب أن تحفزنا أكثر، ليس للتضحيات وفقط وليس لمراكمة النشاط الميداني وفقط، بل لتطوير الفعل الثوري، أي بما فيه تطوير الوعي الطبقي لدى الكادحين وبشكل خاص لدى الطبقة العاملة باعتبارها الطبقة الثورية الوحيدة التي تتوفر على ما يكفي من القدرات لتجنيد وتجييش كافة الكادحين وراءها.. وطبعا لن يتأتى لها ذلك إلاٌ إذا توفرت على حزبها السياسي المستقل، حزب بمرجعية ماركسية لينينية وبخط سياسي ثوري واضح وناضج وقادر على مواكبة جميع النضالات وتأطيرها وقيادتها، من إضرابات واحتجاجات وعصيانات شعبية وتمردات فلاحية..الخ
كثيرا ما نتباهى بما اطلعنا عنه من كتابات ووثائق، وتقديمه كامتياز وسط عموم المناضلين في الدفاع عن الرأي ومحاربة الآراء المخالفة.. واعتباره نضالا فكريا..الخ وما نريد تصحيحه في هذا المجال هو أن النضال الفكري ليس محصورا في الإطلاع على الأدبيات وفقط، فالإطلاع واجب وأساسي لكنه ليس بكافي.. فلكم يبدو البعض مضحكا ومثيرا للشفقة حين يحاول استظهار بعض النصوص الماركسية في لقاءات عمومية وجماهيرية، لإقناع القواعد بقدراته النظرية.. فأعتقد بأن خبرتنا الميدانية كافية لتأهيل جميع المناضلين أو غالبيتهم لتقديم الشرح والتفصيل في جميع الإشكالات والقضايا اعتمادا على المنهجية العلمية وعلى المعطيات المعاشة والملموسة، دون الاستعانة بالنصوص وبشكل خاص داخل اللقاءات والتجمعات الجماهيرية التي تحتاج لإعادة الشرح والتبسيط لاشتراكيتنا التي لحقتها التشويهات بفعل من تكالب عليها من الاشتراكيين المزيفين، المدجنين والمستوزرين، المحليين والأجانب، "الأصوليين" و"المجددين"..الخ
فلا يمكن أن نفكر من الآن في الوحدة الفكرية والأيديولوجية.. والحال أننا مقتنعون باختلافاتنا على هذا المستوى، فالوحدة التي ننشدها هي وحدة عملية ميدانية نتفق على أرضيات توجيهية تمثل حدا أدنى لحشد الطاقات في جميع ميادين الفعل والصراع الطبقي، أرضيات نستخلص منها البرامج والشعارات التي ستضعنا لا محالة في موقعنا الطبيعي والطليعي الذي نستحقه، وستقدمنا في أعين الجماهير كقادة مؤطرين، وتمنحنا الثقة للدفع بالحركة لمستوياتها القصوى.
فمع احتراماتنا للرفاق "الستالينيين" و"الماويين" ولجميع المجموعات المتحصنة ضد الاختراقات وضد "المحرمات والمدنسات والمس بالمقدسات".. ألا ترون أن النقاش ما زال متخلفا في العديد من جوانبه؟ وبشكل خاص وبدرجة أولى في الجانب المرتبط بضرورة المواكبة لدينامية الصراع الطبقي ولحاجيات تطويره وتطوير وعي الجماهير المنخرطة في حروبه.

VI. على أية ثورية نستند، وما الاشتراكية التي نريد؟
فعجزنا كحركة وكتيارات عن تبوء موقعنا الطليعي هذا، تعكسه حالتنا المفتتة المتشرذمة التي لن تساعد بأي شكل من الأشكال في عملية الارتباط والانغراس وسط الطبقات الشعبية الكادحة، فهويتنا الاشتراكية لا بد وأن تكون أساسا لتوحيد صفوفنا داخل "حركة من أجل الاشتراكية" تتفاعل فيها الآراء وتتصارع داخلها الأفكار حول الاشتراكية التي نريد، وحول السبل الكفيلة للوصول للمجتمع الاشتراكي الذي نطمح إليه، مع التحديد الدقيق للطبقة أو الطبقات المؤهلة لخوض ثورتها وتشييد مجتمعها.
فما زلنا ننتظر من جميع التيارات، البوح ببرامجها وتصوراتها لطبيعة الثورة المغربية المنشودة، وللقوى المؤهلة لخوضها وللقوة الطبقية المعوٌل عليها لقيادة الثورة وقواها.. ما زلنا نلاحظ التهرب والتملص من الإجابة عن هذه الأسئلة الشائكة والمصيرية، بتفضيل الاختباء وراء الأسئلة التي لن تفيد الكادحين في شيء، من قبيل المصادقة أو التنازع على عضوية بعض القادة الثوريين من أمثال تروتسكي ستالين وماو.. للنادي الماركسي اللينيني، مثلا!!
فلا نرى من سبب في التأخر والتماطل والتلكؤ في الإفصاح عن موقفنا من نمط الإنتاج الرأسمالي التبعي السائد ببلادنا، وعن موقفنا من القوى الطبقية التي تؤيده سواء في شكله الحالي أو في الأشكال الأخرى المعدلة والمدعاة بـ"الرأسمالية الوطنية" أو "رأسمالية الدولة الوطنية".. هل حاجتنا الآن لثورة برجوازية أم لثورة اشتراكية؟
فما من إحراج للقوى الثورية ولجميع الأطراف المكونة للحملم أمام مطالبتها بالإعلان عن موقفها من برنامج الطبقة العاملة الثوري والملخص في:
 القضاء على الملكية لإعلان الجمهورية الديمقراطية المبنية على أساس مجالس العمال في المدن والأرياف، والمسنودة بمجالس الشعب الكادح في الأحياء الشعبية والبوادي، مجالس الفقراء من الفلاحين والتجار والحرفيين والمستخدمين والطلبة والتلاميذ..الخ
 مصادرة ممتلكات العائلة الملكية ومحيطها من المستشارين وذوي الامتيازات من كوادر الجيش والدولة والإدارة وقادة الأحزاب وسائر الرأسماليين والملاكين الكبار..الخ وتأميم المنشئات الإستراتيجية كالموانئ والمطارات والسكك والطرق السيارة والمناجم والغابات والمعامل والمصانع والضيعات الكبرى..الخ
 القيام بثورة زراعية ملائمة لواقع البادية المغربية، عبر مصادرة الأراضي الشاسعة والضيعات الكبرى ونزعها من أيادي الملاكين الكبار الملكيين وغيرهم.. ثم تأميمها وتحديثها مع تأميم مصادر ومنابع الماء لسقيها واستصلاح الأجزاء المهملة منها، وتشجيع الفلاحين الصغار على إقامة تعاونياتهم وإعاناتهم في مجال وسائل الري وتربية المواشي والزراعة ومكننتها.
 الإعلان عن برامج اجتماعية تضع الحد للجهل والأمية واللامساوات الجنسية والعرقية والدينية واللغوية، وتفشي الأمراض والبطالة والتشرد والسكن العشوائي غير اللائق، والحرمان من الأنشطة الثقافية والرياضية والترفيهية..الخ
 رفع اليد عن منطقة الصحراء الغربية وإعطاء الشعب الصحراوي حقه في تقرير مصيره بما فيه الاستقلال وإعلان الدولة.
بهذا نكون قدمنا الإطار العام لثورتنا المنشودة، أكيد أننا نختلف في البعض من عناوينه وشكليات سماته، لهذا اكتفينا بالمضمون لنبتعد عن النقاش البيزنطي الذي لن يقدمنا في شيء.
فهل المهم الآن هو أن نتشبث بأطروحتنا وبرنامجنا الثوريين، وبفكرنا المادي الديالكتيكي والتاريخي لنفرز طموحاتنا وتطلعاتنا المرتبطة طبعا بواقع وبمصالح الكادحين، ونحددها بكل دقة ووضوح؟ أم المهم أن تستمر المبارزة القبلية حول الانتماء للنوادي المختلفة وحول عدٌ الميراث الماركسي اللينيني.. لتوزيعه فيما بيننا؟!
فليست الثورية هي أن نتعامل بقدسية صنمية مع تجربة وأدبيات منظمة "إلى الأمام" كمنظمة ماركسية لينينية لا يتأخر أي من المناضلين، عن التقدير لإسهاماتها وتضحياتها، والتي يضعها الماركسيون وفق منهج التحليل الملموس للوضع الملموس ضمن الشروط التاريخية التي أنتجتها وواكبت مسارها بإخفاقاتها ونجاحاتها وبمنزلقاتها السياسية والنظرية.. فصمود الرفاق الشهداء والأحياء من منظمة "إلى الأمام" ومن غيرها من المنظمات والحركات ـ حركة اليسار الاتحادي والحركة القاعدية ـ لا يعني تقديسهم وغض النظر عن محدودية ما تبنوه من أطروحات، ولا يعني كذلك التغاضي عن مآل الأغلبية الساحقة من رفاق سعيدة وزروال الذين يتغنون الآن بتجربة "النهج الديمقراطي" ـ حزب سياسي شرعي أسسه ما تبقى من قيادات وأطر منظمة "إلى الأمام" إضافة لبعض خريجي الحركة القاعدية ومناضلين يساريين آخرين ـ وينتشون بخطه السياسي الإصلاحي الذي تراجع عن الماركسية وعن الثورة و"صُداعاتها".. ألا يعتبر دليلا قاطعا على أنهم "من الخيمة خرجوا مائلين"!؟
فدعواتنا للوحدة كماركسيين لينينيين وكخط بروليتاري نابعة من كون الأصل في حركة جميع مكونات الحملم هو ارتباطها بقضايا الجماهير والكادحين وتفانيها في الدفاع عنها، وبأنها أكيد ومؤكد ستتفهم وستقتنع بجدوى وأهمية العمل الوحدوي.. آنذاك سيكون لها حق النظر فيما إذا كانت الملائمة صحيحة بين الأطروحة ومختلف النظريات لتلبسها العباءة التي تشاء، تروتسكية، ستالينية، ماوية أو ماركسية لينينية.. عكس أن نختار العباءة مسبقا ونلبسها عنوة وبقسوة لواقعنا وواقع الكادحين رغم عدم التناغم والملائمة.. فظروفنا وواقعنا المعاش ككادحين هو الذي سيحدد وعينا وتفكيرنا وليس العكس، فالتجارب الثورية العالمية والمحلية.. بالرغم من قيمتها وأهميتها ومن ضرورة الإطلاع عليها، لا يمكن أن تسقط على واقع وشروط مغايرة لما عاشته التجربة الأصل.
فإذا ما اتفقت الفصائل الثورية على برنامج للعمل الثوري وجندت قواها بطلائعها وقادتها وقواعدها خدمة لهذا البرنامج، لن يكون من الضروري والمفروض في أي فصيل بأن يتنازل عن حقه في الدعاية لأطروحته النظرية ولتصوره لمشكل السلطة خلال مرحلة الثورة وما بعدها ولمسألة التحالفات ولكيفية البناء الاشتراكي..الخ
مع الإشارة والتذكير على أن اتفاقنا نحن معشر الثوريين على برنامج للعمل الثوري، لا يعني أننا سنهمل العمل الإصلاحي والجماهيري، العمل العلني السافر في النقابات والجمعيات واتحادات الطلبة والمعطلين.. بل يجب علينا الانخراط بقوة في هذه وبأن ننشر خبرتنا التنظيمية وسط الكادحين، وبأن نعقد التحالفات مع قادتهم وطلائعهم، وبأن نستقطب أحسنهم وأوفرهم تجربة ووعيا.. فلا قيمة لبرنامج الثورة ولكل تضحيات الثوريين إذا لم تتعرف عنه الجماهير عن قرب، وإذا لم تكن لنا القدرة على الشرح والتفصيل في كل القضايا والمشاكل لنبين للكادحين تصوراتنا الجذرية التي تتغيٌى القضاء على البؤس والحرمان والاستغلال والاستبداد والتهميش.. من أساسه، أي بالقضاء على النظام السياسي والاقتصادي الذي يحميه وينشره.
يجب على ثوريينا أن يبقوا جنبا إلى جنب الكادحين في نضالاتهم وإضراباتهم واحتجاجاتهم.. وبأن ينشروا ثقافة الرفض للأمر الواقع وثقافة الاعتماد على الذات لمحاربة الثقافة الاتكالية والنيابية الانتهازية.. التي أصبحت عرقلة في وجه مهمة تطوير الوعي الجماهيري. لابد كذلك من إجهاد النفس لتوضيح الفرق بين العمل الإصلاحي من منظور الإصلاحيين ومن منظور الثوريين، لا بد من توضيح محدوديته، ولا بد من شن المعركة ضد كل المعادين للثورة الاشتراكية وسط حركة ونضالات الكادحين.
فبالرغم من كل الكتابات والإسهامات التي تابعناها ونتابعها نجد الأغلبية الساحقة منها خالية من أي برنامج للنضال في قطاع من القطاعات، وبالرغم كذلك من كون جميع التيارات والمجموعات والفعاليات الثورية المغربية تربط نفسها بالماركسية اللينينية وتتخذها مرجعية لها باعتبارها تمثل فكر الطبقة الثورية الوحيدة، حاملة المشروع الثوري الوحيد، الطبقة العاملة ومشروعها المجتمعي والثوري الاشتراكي.. لا نجد برنامجا في الساحة يعكس هذا الارتباط الاستراتيجي، وليس هناك من برنامج جدي يراعي الأوضاع النقابية بما تعنيه من تفشي وسيادة للتعددية والبيروقراطية والانتهازية الإصلاحية..
برنامج يراعي كذلك شيوع العداء للاشتراكية والثورية في صفوف الجماهير العمالية.. برنامج يراعي سلسلة التراجعات التي عرفها ويعرفها النضال النقابي محليا وعالميا بعد سقوط جدار برلين وسقوط الأطروحات المحتمية به.

VII. الخلفية التاريخية لشعار الوحدة
ككل الشعارات التي نعتبرها جزءا لا يتجزأ من مرجعيتنا الماركسية اللينينية، عرف الشعار تطورا تاريخيا في ممارسته واستعمالاته من طرف الشيوعيين.. استعمال لم يخلو من معارضة ونبذ من ممن سماهم لينين باليسراويين الصبيانيين.. وبغض النظر عن بعض الأخبار التي تصلنا من منطقة شرق المغرب حول تجربة نقابة موظفي ومستخدمي الجماعات المحلية وحول تجربة بعض من فروع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وجمعية المعطلين حاملي الشهادات.. والتي نجد خلالها نشاطا "وحدويا" غير معلن وبقوة الواقع، انخرط فيه الرفاق "الستالينيون" "رفاق زروال" بمعية الإصلاحيين من "النهج" و"الاشتراكي الموحد" و"تروتسكيي لويزا حنون" وأحيانا مع الظلاميين حتى..! سنحاول إقناع بعض الأصوليين الاستئصاليين بالرجوع للمرجعية الأصل، التجربة الغنية التي عاشها ماركس إنجلز ولينين.. سنحاول إقناع الرفاق الذين يتجنبون النقاش والاحتكاك والاتفاق والوحدة.. مع المخالفين من الماركسيين، يعني مع المناضلين المناهضين لمخططات النظام الاستبدادي ولمخططات الرأسمالية الإمبريالية.. قولا وفعلا، مخافة على حركة الطلبة القاعديين من الاختراق! مقدسين بذلك نموذجهم الغريب والعجيب من الثورية والماركسية.
فإذا كان ولا بد، ومن واجب جميع التيارات القاعدية المناضلة تحصين التجربة والحركة من الاختراقات، فيجب تحصينها من التيارات الانتهازية واليمينية، المشككة في جدوى العمل الثوري والمناهضة "لوهم الاشتراكية" و"للتيارات الملحدة الهدامة" و"لأعداء وحدة التراب الوطني"..الخ أما تحصينها من مختلف التيارات الثورية الماركسية المخالفة، فلن نعتبره سوى خوف وعدم اقتناع بالطرح الذي نتبناه وندافع عنه كيفما كانت الظروف والفضاءات.
فتوزيع الكليشيهات هنا وهناك، على هذا وذاك، وكيفما اتفق.. لن يعفيكم من واجب التقديم لنظرتكم للماركسية التي يفترض أنكم تدافعون عنها، وللمشروع المجتمعي الذي تطمحون إليه، مرورا بأساليب وآليات وتاكتيكات الوصول إليه، فأحكام القيمة التي أصدرتموها بتجني غريب ووقح، لا يشجع على فتح النقاش الديمقراطي والموضوعي.
"إن المبادئ اللينينية للنقد الذاتي، النقد الصريح والواضح بين الشيوعيين تأكٌد على أن تفعيل النقاش المعمق على أرضية الماركسية اللينينية ومن زاوية المصلحة الطبقية للطبقة العاملة" "كما أن إعطاء الأهمية الأولى للمسائل التنظيمية على حساب المسائل النظرية السياسية، وليصبح الهم الرئيسي للبعض هو معرفة من مع أو ضد "بناء الحزب الثوري".. تجده يتماهى في الممارسة السياسية والإيديولوجية مع المسار الذي تسلكه التيارات التحريفية.."
نموذج من الفقرات التي اجتهد "رفاق زروال" وكدٌوا لصياغاتها وبالتالي عرضها على الرفاق القاعديين والماركسيين اللينينيين مخافة عليهم من الاختراق والانحراف.. ولإقناعهم "بطهرانية وصفاء سريرة" الماركسيين اللينينيين الذين لا يخطئون و"بقدسية" الشهيد زروال "المبشر بالجنة" وبمنظمة "إلى الأمام" "المعصومة من الأخطاء" والمعفية من النقد والنقد الذاتي..الخ من ترهات الفكر المثالي الأصولي نقيض العلم والفكر المادي النقدي.. فالماركسية اللينينية في عرف "رفاق زروال" أصبحت عدائية للتنظيم.. والمنادون بالتنظيم، الذي لم يعد ذي أهمية أولى بالنسبة "للرفاق"، زاغوا عن الطريق وانحرفوا بتماه مع التحريفية.. حسب رأي "الرفاق".. أما ما يبشر به "الرفاق" من اقتراحات تنظيمية، والتي يعطونها الأهمية الثانية أو الثالثة.. فستبقى سجينة الأطروحات الانتظارية والتعجيزية التي تفترض الانسجام والوحدة الفكرية والأيديولوجية قبل التنظيم.. وحدة في الهواء الطلق! وفي حلقات النقاش الطلابية الجماهيرية، وفي التجمعات العامة الخاصة بجمعية المعطلين..الخ!! متجاهلين ملاحظة إنجلز القيمة "بيد أن النقاش يحتاج هو الآخر إلى تنظيم".
إنه "الضمير" الماركسي اللينيني الحي الذي يحاول إنقاذ الرفاق اتقاء لهم من مجالسة ومحادات الأعداء المتربصين بالتجربة وبتراثها وبمنظماتها وبشهدائها، "فالتركة" أمٌنت وحفٌظت لتصبح ملكية خاصة! فحذار الاقتراب منها!
إنه التخلف والصبيانية في أبشع صورها.. فإذا اتفقنا واقتنعنا بأن الماركسية فكر نقدي وبأن مبادئها في النقد والنقد الذاتي، التي لا بد وأن تسري على الجميع بمن فيهم "زروال" ورفاقه، الأصليين والمزيفين.. فلن يسلم أحد من النقد، والجميع مطالبون بتقديم نقد ذاتي إذا ما لوحظ أو تبين بأن هناك تعثر في الأداء، أو انزلاق عن المسار المخطط له أو أن هناك سوء تقدير في أصل الخطط بالكامل..
فمنطلقات النقاش بين الرفاق الشيوعيين يجب أن تكون هي الصدق والاعتراف بنضالية وتواجد التيارات المناضلة في الميدان.. وحين ننتقد الرفاق في "النهج الديمقراطي" وفي تيار "المناضلة" التروتسكي بشقيه، وفي داخل مجموعات الحملم "بماوييها" و"ستالينييها".. فليس بهدف التخوين ولا التشكيك في صدق ونضالية رفاق الطريق، ولا بقصد التجني على أي كان رغم الانزلاقات والأخطاء، إلاٌ بما صدر منها وعنها كتيارات، أو بما تم التعبير عنه علنية وصراحة وبتشدد..
أهدافنا كانت وستبقى دائما هي التقويم بعد التقييم، لكل ما نعتبره اعوجاجا أو كبحا لمسار الثورة في بلادنا.. فالرفاق لا هم قدموا نظراتهم للأمور والقضايا المتعلقة بواقع ومستقبل الثورة، ولا هم انتقدوا بالطريقة الماركسية والشيوعية، آرائنا وآراء الآخرين.
وكم كنا نتمنى أن تقدم لنا شدرات من هذا الفكر الطبقي الذي يتبناه الرفاق وفق فتوى "إياكم والتماهي مع التيارات التحريفية"!
"ولدت جمعية العمال الأممية ـ الأممية الأولى ـ التي كان هدفها صهر الطبقة العاملة كلها بأوربا وأمريكا في جيش وحيد عرمرم قادر على الانخراط في الصراع.. ولذا لم يكن في وسع الأممية أن تنطلق مباشرة من المبادئ المعروضة في البيان.! إذ كان عليها أن تتبنى برنامجا لا يغلق الباب في وجه النقابات الإنجليزية، ولا في وجه البرودونيين الفرنسيين والبلجيكيين والإيطاليين والإسبان، ولا في وجه اللاساليين الألمان وهذا البرنامج ـ ديباجة نظام الأممية الأساسي ـ صاغه ماركس بمهارة استحقت ثناء باكونين والفوضويين أنفسهم" ـ إنجلز ـ
إنه "التماهي" مع الفوضوية والإصلاحية و"الخبزية" النقابية.. الذي اختاره ماركس وإنجلز عن وعي ودون ندم عن ذلك لما خلفته التجربة من أصداء إيجابية في مسار حركة الطبقة العاملة.
"فالشيوعيون هم إذن عمليا أحد فصائل الأحزاب العمالية العالمية الأكثر حزما.. هدفهم الفوري هو نفس هدف جميع الأحزاب البروليتارية الأخرى، تشكل البروليتاريا في طبقة، الإطاحة بسيطرة البرجوازية واستيلاء البروليتاريا على السلطة السياسية" ماركس/إنجلز.
"إلى حدود سقوط القيصرية، استفاد الاشتراكيون-الديمقراطيون الثوريون مرارا من خدمات البرجوازيين اللبراليين، يعني أنهم عقدوا معهم اتفاقات عملية متعددة، عقدت هيئة تحرير الشرارة حلفا شكليا مع ستروفه الزعيم السياسي للبرالية البرجوازية، وفي الوقت نفسه عرفت كيف تشن النضال السياسي والإيديولوجي بدون انقطاع ولا هوادة ضد اللبرالية البرجوازية وضد أدنى تمظهر لنفوذها في حركة الطبقة العاملة" لينين يتماهى هو الآخر مع تيار لبرالي تحرري عارض في لحظة ما، النظام الاستبدادي الحاكم في روسيا.
"إن على الشيوعيين أن ينتقلوا من سياسة الجبهة الوطنية الواحدة إلى سياسة الكتلة الثورية للعمال والبرجوازية الصغيرة. وتستطيع الكتلة أن تأخذ في مثل هذه البلدان شكل حزب وحيد، حزب عمالي وفلاحي على غرار الكيومنتانغ" ستالين في مسائل اللينينية.
سردنا هذه النصوص، وهي مجرد شدرات مما قيل في تاكتيك التحالفات والعمل الوحدوي والمشترك لنقطع الطريق أمام ترهات الرفاق المعادين لأي شكل من أشكال العمل الوحدوي، إلاٌ إذا بني على الرغبة في الدمج والاحتواء.. فمن له الخبرة في العمل السياسي والنضال الميداني جنبا إلى جنب الكادحين، داخل الإطارات الجماهيرية وخارجها، سيستوعب المبادئ والتاكتيكات الماركسية اللينينية بسلاسة، وسوف يستوعب الدرس الماركسي البليغ الذي لا يعتبر السياسة سوى وسيلة، أما الهدف كما قلنا سابقا، الهدف النبيل، هدف التغيير والقضاء على الاستبداد والطغيان والاستغلال والطبقية واللامساوات بين الجنسين والديانات والأعراق واللغات.. فهو ما يجب أن يوجهنا في عملنا.
أدرجنا كذلك نصا لستالين غالى فيه كثيرا في مسألة التحالفات لحد المساس باستقلالية الطبقة العاملة، منظرا للجبهة الوطنية ولحزب الكتلة الطبقية المتنوعة.. التي أوضحت بالملموس الفرق بين النظرة الماركسية اللينينية والنظرة الستالينية التي حاولت زورا الانتساب للينينية.. ليتبين أيهما يعبر فعلا عن مصالح العمال الطبقية باستقلال عن الطبقات الثورية والكادحة الأخرى.
لقد كان لينين واضحا تجاه "الحزب القومي الثوري" في الصين ـ الكيومنتانغ ـ خلال فترة القائد "صن يات صن"، حيث أوصى الشيوعيين ببناء الحزب البروليتاري المستقل.. فما بالنا بعد مجيء الدموي "شان كاي شك" لقيادة الحزب أيام ستالين، وهو المعروف بعدائه للاشتراكية وللشيوعيين الذين ذبح منهم مئات الآلاف في الصين.. فبماذا سيفسر "الرفاق" "كتلوية" القائد العظيم الداعية إلى التكتل الطبقي الأغرب في تاريخ التنظير العمالي الاشتراكي؟.. ماذا سيكون آنذاك الرد على ما "ادعاه" لينين "ليس من الممكن في أي حال من الأحوال اعتبار تحالف البروليتاريا والطبقة الفلاحية، كاندماج طبقتين مختلفتين أو حزبين للبروليتاريا والفلاحين. وليس فقط الاندماج، بل أن مجرد الاتفاق الدائم سيكون ضارا بحزب الطبقة العمالية، وسيضعف النضال الديمقراطي الثوري".
وليس من باب التواضع أن يصرح ماركس/إنجلز في برنامج الشيوعيين/البيان، أو من بعده لينين عمٌا يمثله التيار الماركسي "بأن مذهب ماركس أبعد من أن يكون المذهب السائد. إذ لم يكن سوى فرع أو تيار من فروع وتيارات الاشتراكية الكثيرة العدد"
لقد كان التيار الوحيد الذي آمن "بالطبيعة الاشتراكية للبروليتاريا وللبروليتاريا وحدها"
فإذا ما اطلع الرفاق على تجربة ماركس وإنجلز ولينين سيصعقوا بحقائقها، هذا إذا لم يدخلوهم في عداد التحريفيين ليعتبروهم هم كذلك تصفويين لشيء ما.. فقبل التأسيس للعصبة الشيوعية ببرنامجها الشهير، ألم يكن ماركس منخرطا في إحدى الحركات الديمقراطية الراديكالية التي كانت تضم في صفوفها الشيوعيين والبرجوازيين؟.. كذلك بعد التأسيس للأممية، ألم يكن ماركس وإنجلز كأحد الملتحقين بتجربة عمالية لجمعية لا تتوفر على أي برنامج، ولا تستند لأية مرجعية فكرية، ولا يوجهها أي خط سياسي.. قبل أن تنتقل قيادتها إلى ماركس الذي صاغ بيانها التأسيسي والعديد من قراراتها وبياناتها؟.. ألم يكن إلى جانب ماركس وإنجلز في التأسيس لتجربة الأممية الشيوعيون وغير الشيوعيين، الإصلاحيون والثوريون، النقابيون "الخبزيون" والفوضويون..الخ؟
كذلك الشأن بالنسبة للتجربة اللينينية، ألم يكن لينين من أشرس المناهضين للفوضوية والتروتسكية والشعبوية الثورية واليسراوية الصبيانية..؟ ألم يجالسهم قبل الثورة وخلالها وبعدها؟ ألم يستضيف جميع التيارات لإقامة مؤتمراتها داخل البلد الاشتراكي الأول؟.. الم يتناول برنامج الكريدو/الحد الأدنى من أيدي زعيم اللبرالية ستروفه، وبرنامج الثورة الزراعية من أيدي الاشتراكيين الثوريين /حزب البرجوازية الصغرى والشعبوية الثورية؟ ألم يستمر البلاشفة منخرطين في الحزب الاشتراكي الديمقراطي العمالي الروسي إلى حدود الشرارات الأولى من ثورة فبراير 1917؟ دون أن ننسى تحالفاتهم إبان الثورة داخل المجالس العمالية مع "الجناحين اليساريين لتيار المناشفة ولتيار الاشتراكيين الثوريين!!!
فإذا كانت أهدافنا حسب ما تمليه عنا مرجعيتنا وهويتنا وبرنامجنا الأصلي/البيان الشيوعي بأن "هدف الشيوعيين الفوري هو نفس هدف جميع الأحزاب البروليتارية الأخرى: تشكل البروليتاريا في طبقة، الإطاحة بسيطرة البرجوازية واستيلاء البروليتاريا على السلطة السياسية".. واضحة ومميزة لنا كوجهة نظر فكرية سياسية لها طموحاتها لقيادة مشروع التغيير وإنهاء وضع الاستغلال والظلم والاستبداد.. الذي يعيشه العمال والكادحون وسائر المنتجين الصغار والعاطلين والحرفيين والمستخدمين..الخ
فالنضال الوحدوي والمشترك بين فصائل الحملم وبين جميع الفصائل الاشتراكية الثورية والتقدمية اليسارية.. هو الكفيل بإرجاع الثقة في العمل السياسي لدى الجماهير البائسة والكادحة، كفيل كذلك بتجديد الأمل في القيادات الثورية الشابة، كفيل برد الاعتبار للمشروع الاشتراكي بعد تدنيسه وتمييعه من طرف القوى الانتهازية والوصولية.. من العناصر الاتحادية وبقايا الحزب الشيوعي ـ الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية ـ وكذلك العديد من قيادات اليسار السبعيني الجديد..الخ مع الإضافة لما خلفته تجارب البناء الاشتراكي الفاشلة، في روسيا والصين وأوربا الشرقية وبعض البلدان العربية والإفريقية..الخ
فإغفال هذه المعطيات والأمور سيكون من باب الجري والهروب إلى الأمام، وليس من شيمنا كثوريين أن ندير الظهر لمثبطات مسيرتنا، ولا أن نراوغ ردا على فشالاتنا، ولا بأن ندفن الرؤوس في الرمال.. بل واجبنا كثوريين، هو أن نعترف بحجمنا الحقيقي وبالمردودية المتواضعة لعملنا وأدائنا الميداني، وبعجزنا الذريع عن نسج التحالفات والتوافقات التي من المفترض أنها ستعود على حركة الصراع الطبقي بالنفع الجلي لمصالح الكادحين ولمسيرتهم التحررية من نظام ومجتمع الاستغلال والاستبداد القائم.
فالنضال الوحدوي والمشترك هو الذي سيبين بالملموس قوة الجماهير المرعبة حين تتوفر على قيادة مناضلة مبدئية قادرة على تنظيم الجماهير وتسليحها بالوعي والشعارات والبرامج.. يعني قادرة على إنارة الطريق وعلى التطوير من إمكانياتها الثورية.. عوض تركها عرضة للعفوية وبورصويي العمل النقابي ولسماسرة العمل الانتخابي ولدجالي القوى الظلامية، وكذلك لمافيا "العمل الاجتماعي" في إطار ما يسمى "بجمعيات المجتمع المدني"..الخ
فلينين نفسه، الذي نتنافس حول الانتماء لخطه ولأعماله ولتجربته.. والذي اتخذنا من تاكتيكاته الدروس البليغة التي وجهت وتوجه ممارساتنا العملية الميدانية، قال في إحدى مواجهاته لمهاترات اليسراوية المناهضة لتكتيكات "المساومة" و"التوافق" و"المراوغة" "بأن الرأسمالية لن تكون الرأسمالية إذا لم تكن البروليتاريا الصرفة محاطة بعدد كبير من النماذج البالغة التنوع التي تتوسط بين البروليتاري ونصف البروليتاري وبين نصف البروليتاري والفلاح الصغير، وبين الفلاح الصغير والفلاح المتوسط..الخ هذا إذا لم تكن البروليتاريا نفسها منقسمة إلى شرائح أكثر تطورا وأقل تطورا، حسب مسقط الرأس، المهنة، وأحيانا الديانة..الخ
وإنه ليترتب على ذلك، الضرورة، الضرورة وبدون شرط، وبشكل مطلق على طبيعة البروليتاريا، على القسم الواعي طبقيا منها، على الحزب الشيوعي أن يراوغ، أن يعقد اتفاقات، توافقات مع جميع الفرق البروليتارية، جميع الأحزاب العمالية وأحزاب الملاكين الصغار.
فالمسألة كلها هي القدرة على معرفة كيفية تطبيق هذا التاكتيك بغرض رفع، لا تخفيض، المستوى العام للوعي الطبقي البروليتاري، والروح الثورية، والقدرة على النضال والانتصار"
"فالزعيم السياسي للطبقة الثورية، العاجز عن "المراوغة، والمناورة والمساومة" كيما يتفادى معركة من الواضح أنها في غير صالحه، لهو زعيم عديم القيمة على الإطلاق"
مستمرا في التذكير بالتاكتيكات الماركسية القيٌمة وبمواقف ماركس في عدة لحظات وتجارب الصراع الطبقي سواء من خلال دعمه لحزب الثورة الزراعية في بولونيا، أو في مساندته للديمقراطية الثورية الألمانية المتطرفة أو في توجيهاته للشيوعيين من أنصاره خلال تجربة كمونة باريس البروليتارية.

VIII. بناء الحزب البروليتاري مهمة ماركسية لينينية
هي مهمة الماركسيين اللينينيين، وغيرهم غير معني بها بالبات والمطلق، فنحن حقيقة كماركسيين لينينيين وكخط بروليتاري، مهووسون بالمسألة التنظيمية وبمهمة بناء حزب الطبقة العاملة الماركسي اللينيني كأرقى مستويات التنظيمات العمالية ـ من نقابات، جمعيات، نوادي، لجن إضراب وتعاونيات..الخ ـ إلى جانب التنظيمات الأخرى الشبابية التلاميذية، الطلابية النسائية.. والشعبية المنظمة لصفوف الكادحين من حرفيين وفلاحين فقراء ومعدمين وتجار صغار وموظفين ومستخدمين..الخ
وكشيوعيين بروليتاريين، نضع المسألة التنظيمية ضمن اهتماماتنا الرئيسية وضمن أولى مهامنا النضالية التي ترتبط جدليا بمستويات النضال الأخرى الفكرية والسياسية.. وقد أوضحنا في مقالات عديدة ومن داخل فضاءات متنوعة، تصورنا لحزب الطبقة العاملة الذي يختلف عن الحزب الثوري، لأن العديد من الأحزاب، وكما أسلفنا القول، يمكنها أن تكون ثورية، بل منها من قاد الثورات في العديد من التجارب والبلدان، دون أن تكون ماركسية لينينية.. كذلك الشأن بالنسبة للأحزاب العمالية التي يمكنها أن تكون إصلاحية أو ثورية، اشتراكية أو لبرالية، شعبوية أو ماركسية لينينية..الخ توضيحات قدمناها، اعتمادا على تجاربنا واطلاعاتنا المتواضعة، عن تاريخ الحركة العمالية المحلي والعالمي..
هذه التوضيحات التي لا بد لها من أن تصل إلى الشباب المتحمس والذي يطمح إلى الارتباط بالطبقة العاملة وبفكرها ومشروعها التحرري الاشتراكي.. إذ لا بد من خوض النقاش الديمقراطي الهادئ والهادف لرد الاعتبار للترات الماركسي اللينيني عبر الرجوع إلى منابعه الصافية مع استحضار علمية منهجيته النقدية.. فلن يقبل أي عذر ولا أي تبرير، ممن يعتبرون أنفسهم مطلعين منظرين بأن يتغاضوا عن هذه الحقائق ويعملون على طمسها.. عكس ذلك، سيضعون أنفسهم في خانة المزورين والمحرفين لمبادئ الماركسية وتوجيهاتها في العمل السياسي الميداني والمباشر.
"إن الماركسيين اللينينيين أكدوا دائما، على أن التقدم في طريق الوحدة الإيديولوجية هي المدخل الضروري لأي وحدة داخل تنظيم واحد" نموذج من النماذج الحية التي تفقئ الأعين وتضرب عرض الحائط كل الخطوات الوحدوية الميدانية التي خلقت، خلال السنوات الأخيرة، الرعب والارتباك في صفوف خصوم وأعداء الحركة اليسارية والاشتراكية ككل.
إنها قمة الاستهتار بالمجهود الذي بذل من طرف العديد من مناضلي مختلف التيارات اليسارية والاشتراكية.. والذين اشتغلوا لسنوات من أجل التقدم والتطوير لخطواتهم الوحدوية، فالوحدة التي ينشدها الماركسيون اللينينيون ليست ذلك المطلب التعجيزي الذي أسميتموه بالوحدة الفكرية والإيديولوجية.. لأننا كماركسيين لينينيين وكخط بروليتاري، مثلا، لا نتهرب من حقيقة اختلافاتنا في العديد من النقط التي بات يعرفها الخاص والعام.. والتي تهم منطلقاتنا الفكرية وأهدافنا المستقبلية التي ليست، وعلى كل حال، هي الاشتراكية بالنسبة للجميع، أو على الأقل هناك من يعتبر أن المرحلة مرحلتها وهناك من يؤجلها إلى حين، أي إلى ما بعد مرحلة الثورة البرجوازية الملقبة "بالوطنية الديمقراطية الشعبية"!
كذلك الشأن بالنسبة للأداة السياسية الثورية، فهناك منظورات عدة تبلورت وتطورت قبل ارتباط ماركس بالاشتراكية والفكر الاشتراكي، منظورات تختلف من حيث الطبقات التي يجب الارتكاز عليها ـ عمال، حثالة، قطاع طرق، عاطلون، حرفيون، مثقفون، فلاحون..الخ ـ وهناك من تبنى حزب الطبقة العاملة المستقل ـ ماركس/إنجلز وأتباعهما ـ وهناك من اهتدى لفكرة حزب التحالف لطبقتين أو أكثر، حزب الطبقات أو جبهة الطبقات الوطنية والشعبية، حزب التحالف العمالي الفلاحي، حزب الجماهير الكادحة، حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين..الخ من الوصفات التنظيمية!
داخل هذا التنوع وهذا النقاش الذي لم يحسم في صفوفنا كحركة اشتراكية، ولحدود الآن.. بالنسبة لنا، أنصار الخط البروليتاري نؤمن وندافع عن أطروحة حزب الطبقة العاملة المستقل نظريا، سياسيا وتنظيميا، استنادا على ما بشر به ماركس/إنجلز من خلال برنامج الحركة الشيوعية الثورية/البيان الشيوعي.. وما خطط له لينين وحققه من خلال تجربة البلاشفة، وهي التجربة النموذجية التي نحاول أن نستلهم منها النموذج الملائم لواقعنا، لما وجدناه فيها من عدم التعارض مع تطلعاتنا وطموحاتنا.
بنفس القدر برزت الخلافات داخل الحركة الاشتراكية حول السبل الكفيلة لتحقيق الثورة والتغيير، هل هي عبر الانخراط في المؤسسات والرهان على مراكمة الإصلاحات لتحسين أوضاع الكادحين..؟ أم هي في الارتباط بالكادحين وبمؤسساتهم الديمقراطية والجماهيرية، من نقابات وجمعيات ونوادي واتحادات.. والدعوة للثورة على نظام الاستبداد والاستغلال للقضاء عليه..الخ على اعتبار أن الإصلاحات لا تعمل سوى على الحفاظ على النظام الرأسمالي وعلى مصالح طبقته البرجوازية وحلفائها من الملاكين.
بالنسبة للثوريين، وبالرغم من اقتناعهم واتفاقهم على أصل البؤس والقمع والحرمان.. بأنه هو نظام الاستبداد والاستغلال الرأسمالي القائم.. فقد برزت الخلافات حول مرتكزات الفعل الثوري، هل هو الريف أم المدينة؟ العمال أم الفلاحين؟ النقابات والجمعيات والاتحادات.. أم الجيش الشعبي والحرب الشعبية الطويلة الأمد، وحرب العصابات والغوار..؟
بالنسبة لخطنا كخط بلشفي بروليتاري، نتبنى ما دعى وخطط له البلاشفة بقيادة وبتوجيه لينين، أي الاستفادة من جميع الإمكانيات السرية والعلنية، السلمية والعنيفة.. والارتكاز على المنظمات العمالية والجماهيرية وبشكل خاص النقابات والاتحادات العمالية والشبابية.. والاعتماد على خط الإضرابات المحلية والقطاعية والإضراب العام والعصيان العمالي والشعبي المسلح، كوسيلة لحسم السلطة ولإعلان نهاية عهد النظام الاستبدادي القائم في المغرب، عهد نظام الاستغلال الرأسمالي المتعفن.. والدخول لعهد البناء الاشتراكي المرتكز على دولة مجالسية قيادتها عمالية وقاعدتها شعبية مرتبطة بأكثر الفئات والطبقات المضطهدة والكادحة والمهمشة خلال عهد الاستغلال الرأسمالي.

IX. بين التنظير والتبرير، الماويون يتيهون وسط الطريق
ننتقل الآن لمقال "خالد المهدي" الذي يدافع عن الخط الماوي والماوية باعتبارها، حسب رأيه هي الماركسية اللينينية، وهي إيديولوجية الطبقة العاملة.. مسجلين ومنذ البداية على أن الجديد والإيجابي في لغة "الماويين" الجديدة هو بداية الاعتراف بأن الماوية ليست سوى إيديولوجية كغيرها من الإيديولوجيات وبأن هناك شيء اسمه الماركسية ثم الماركسية اللينينية، لتأتي بعدها "الماركسية اللينينية الماوية" بالنظر لما قدمه ماو حسب ادعاءات الرفيق، من تطويرات للمصادر الثلاثة للماركسية، الفلسفة، الاقتصاد السياسي والاشتراكية.
تحدث المقال عن تبلور العديد من الأفكار والتصورات حول العديد من المسائل والقضايا، في خضم الصراع الذي تخوضه الطبقات وكذا الصراع الفكري الناتج عنه.. والحال أن الأوضاع غير هذا، إذ ما زلنا كتيارات شيوعية مناضلة نراوح المكان ولم نتمكن من تجاوز المستويات الدنيا في مجالات الإنتاج الفكري والنظري، ما زلنا نصارع من أجل تقديم مرجعيتنا وتوضيحها للرفاق والعموم من المتعاطفين والأعداء والخصوم، ما زلنا نتبضع من الإنتاجات الكلاسيكية الثورية وما زال التيه والتأرجح هو السائد وسطنا، ما زال العناد ولي عنق النظريات لملائمتها مع حناجرنا وأدمغتنا عوض ملائمتها مع واقع الجماهير الكادحة كما يتم ادعاء ذلك.
هدفي من خلال هذه الملاحظات البسيطة، ليس الرد على المقال في جوانبه المُعتدٌة على أنها نظرية وإسهام فكري، بل لتحفيز مناضلي الحملم وكافة المناضلين اليساريين والاشتراكيين.. بأن يوجهوا قدرا من جهودهم واهتماماتهم لقضايا الجماهير الكادحة والكتابة لها عوض الكتابة عنها.
فمن المهم جدا ان نقدم ما نؤمن به وما نروٌج له من النظريات والأفكار والإيديولوجيات.. لكن الأهم، وبشكل خاص حين ندٌعي العلم ونصبغ نظريتنا بالعلمية، والواجب هو أن نقدم أفكارنا وأطروحتنا بالوضوح والشرح والتفسير اللازم.. لكي نفيد ونستفيد.
فلا بأس إذن، وأمام تكرار هذا النوع من المقالات من شرح، ولو باقتضاب شديد، ما نعنيه بالماركسية؟ وما الشيوعية؟ وماذا أضافت اللينينية للماركسية؟ وما علاقة الماوية بالطبقة العاملة والفكر الاشتراكي؟ وماذا تعنون بالجماهير الشعبية الكادحة، الفلاحون، الحرفيون، التجار الصغار، المستخدمون..؟ كلهم؟ بعضهم؟.. أسئلة ما زالت بدون جواب وما زالت معلقة عند البعض، من باب الجهل أو من باب التجاهل والتهرب؟ لا نعرف، أو هذا ما نريد معرفته.
فعلى ما نعتقد فإن الشيوعيين أنصار وأتباع ماركس/إنجلز حسموا الأمر من زمان، أي منذ سنوات الأربعينات من القرن 19 بتبنيهم الفكر الطبقي، وبأن نبٌهوا بعد الدرس والبحث والتحليل لواقع صراع الطبقات داخل المجتمع الرأسمالي، لكفاءة وأهلية الطبقة العاملة وحدها ودون غيرها من الطبقات لقيادة الصراع ضد البرجوازية وضد نمط إنتاجها الاستغلالي بالرغم من تضرر العديد من الفئات والطبقات الشعبية من حكم وسياسة وهيمنة البرجوازية على المجتمع. خلصوا واستخلصوا كذلك بأنه "لا بد من توفر الشرط الذي لا بد منه" لتحقيق هذا التغيير وقيادته، يعني حزب الطبقة العاملة المستقل، نظريا، سياسيا وتنظيميا، عن باقي الفئات والطبقات الكادحة والمضطهدة الأخرى.
تميزت الماركسية كذلك، كخط شيوعي تبنى الفكر الاشتراكي العلمي، فكر الطبقة العاملة، بصراعها الفكري والسياسي ضد مختلف التيارات الطوباوية والإصلاحية والفوضوية.. وقد عاش ماركس وإنجلز هذه الصراعات في أوجها خلال المراحل الأولى لتجميع وتنظيم الطلائع البروليتارية في إطار تجربة العصبة الشيوعية وفي إطار التنظيم العمالي الأممي ـ الأممية الأولى والثانية ـ
بالنسبة للخط اللينيني، فقد برز أواخر القرن 19 وبداية القرن العشرين كخط بروليتاري متميز تحمل مشاق الصراع ضد الشعبوية الثورية ـ وتعتبر الماوية إحدى تمظهراتها وتجديداتها ـ وضد "الاقتصادوية" الإصلاحية، وكذا ضد خط "الإرهاب الفردي والمغامرة"..الخ وهي تيارات اشتراكية لم تعتمد كلها على الطبقة العاملة منطلقا وأهدافا، بل اعتمد بعضها على الرعاع والحثالة، والبعض الآخر على الحرفيين والمثقفين والفلاحين..الخ
اعتمدت اللينينية على طلائع العمال وعلى أخلص المثقفين الثوريين لفكر وإستراتيجية الطبقة العاملة. وبالقدر الذي اعتبرتها الحركة الثورية العمالية آنذاك، نعتبرها نحن كذلك، التتمة والتكملة للفكر الماركسي، بل هي ماركسية العصر الإمبريالي الذي نعيش أطواره الآن.
اجتهدت اللينينية في بناء التصور الملائم لتنظيم حزب الطبقة العاملة المستقل، من خلال تصورها لمنظمة المحترفين الثوريين، وتفوقت على جميع التيارات الانتهازية اليمينية واليسراوية، بقدرتها على نسج التحالفات السياسية والطبقية بين العمال والفلاحين، وعلى اعتماد السرية مع استغلال محسوب للشرعية وللعمل العلني، وعلى التخطيط وبناء التاكتيكات وباستغلال جميع الهفوات والمنابر والمؤسسات..الخ
تميزت اللينينية كذلك بعمق تحليلها للإمبريالية التي اعتبرتها كأعلى مرحلة من مراحل الرأسمالية في تطورها، واعتبرتها بالتالي عشية الثورة الاشتراكية حيث أشارت على الحركة العمالية الثورية بالاستعداد والتحضير لها.. في هذا الإطار وفي خضم هذا التحليل تقدمت اللينينية باجتهاداتها في مجال القوميات وحركات التحرر الوطني البرجوازية، مسطرة بذلك مبادئ الحق في تقرير مصير الشعوب وحق الانفصال بما فيه إعلان وبناء الدولة المستقلة.
في هذا الإطار ردت اللينينية بقوة على الفوضوية والفوضويين في مسألة الدولة ودكتاتورية البروليتاريا معمقة ومطورة ما قدمه إنجلز خلال أبحاثه وكتاباته القيٌمة في الموضوع.
وبدون أن نقدم رأينا بالمفصل عن الماوية، نود من رفاق الطريق بأن يتحملوا هم جهد التفصيل والتوضيح لإيديولوجيتهم لكافة المناضلين والمناضلات، وبأن يدققوا في نقط الخلاف، بدون لف ولا دوران ولا تهرب.. لأننا صراحة سئمنا التكرار وطرح الأسئلة التي تبقى معلقة بدون إجابات، فالقول بأن "الماوية أنتجتها مرحلة تاريخية أشد تعقيدا من المرحلة التي أنتجت اللينينية" دون أي تحديد للمرحلتين، ولطبيعة المرحلتين المختلفتين، ولا لتميزهما ببساطتها أو تعقيداتها، سيان..! "اجتهاد نظري" لا يمكن تجاوزه هكذا، فتصريح من هذه القيمة والشأن يحتاج لتفصيله الكتب والمجلدات، المرتكزة بالضرورة على العلم والأبحاث، وليس على عواهن الكلام القريب من الدردشات الافتراضية.. لأنه ليس بالتصريح الذي يتم في حلقات النقاش الطلابية.. تصريح كهذا لا بد وأن يشكل "أطروحة" ذات قيمة نظرية لن يستهان بها، إذا ما تبينت علميتها وجديتها.
فبروز الماوية خلال تجربة الثورة الصينية في مرحلة الثلاثينات، مثلت تعبيرا عن مرحلة ليست هي بالمرحلة اللينينية، بل أشد منها تعقيدا، حسب الرفاق "الماويين"، وبالتالي بات من المفروض على رفاق الطريق بأن يفيدونا بهذا الاكتشاف النظري العظيم! فارتباطنا بالمرحلة الرأسمالية ونمط إنتاجها الاستغلالي، والتي ما زلنا نعيش أحد أطوارها الأكثر تعقيدا، ألا وهو الطور الإمبريالي والذي اعتبره لينين في تحليله وبحثه لهذه المرحلة بالذات، بأنها عشية الثورة الاشتراكية التي وجب ويجب على الأحزاب العمالية التحضير لها وبدون إبطاء ولا تأجيل إلى حين.. يؤكد صحة الخلاصات اللينينية التي ما زالت صالحة وذات راهنية لحدود الآن، بدون منازعة ولا تشكيك..
فهل في نظركم أن المرحلة الرأسمالية في إحدى أعقد مراحلها وتطوراتها هي من أنتج الماوية بعد المرحلة اللينينية الإمبريالية، أم هي مرحلة سابقة عنها؟ فإذا كان جوابكم بالإيجاب سيكون من الواجب اللازم عليكم توضيح الخلفية الطبقية التي تستند عليها الماوية، ونمط الإنتاج الذي أفرزها.
فالكل يقر بالحقيقة التي لن يتناطح بسببها عنزان، حقيقة كون مرحلة الثلاثينات مرحلة لينينية بامتياز، مرحلة استسعر خلالها الصراع بين الضواري الإمبريالية لحد الحرب الدموية التي خلفت العدد الرهيب من الضحايا جراء التدمير والأمراض والجوع والعديد من الآفات.. التي لم تمحى أثارها لحد كتابة هذه السطور.
"كلنا نعلم أن اللينينية هي ماركسية المرحلة الإمبريالية، فهل انتهت هاته المرحلة؟" بهذا السؤال الذي بقي بدون جواب شاف ومقنع، حاول الرفاق به تبرير الإضافات الماوية وقلب الحقائق بطرق محتشمة وملتوية، لرمي الكرة في ملعب الماركسيين اللينينيين، على اعتبار أن السؤال يجب أن يوجه لهم وقبل غيرهم ـ أي الماويين ـ غاضين الطرف عن كون الفكر الشعبوي عامة هو نتاج لمرحلة سابقة عن الإمبريالية وعن الرأسمالية حتى.. فالفكر الماوي مجرد فكر شعبوي تم تكييفه ماركسيا بعد مخاض وصراع مرير في صفوف الشيوعيين الصينيين، فكر أنتجته المرحلة الإمبريالية في بلد كانت حينها تعيش تحت نير واضطهاد طبقي إقطاعي ونهب استعماري إمبريالي.. راهنت خلاله القيادة الماوية على "الطبقات الوطنية المستنيرة" من برجوازية صغرى وبرجوازية تجارية وصناعية كبرى وفلاحين أغنياء ومتوسطين وإقطاع "غير عميل" للاستعمار..الخ لمساندة الشعب الكادح في ثورته ضد الاستعمار وحلفائه من الإقطاعيين والملاكين الكبار والبرجوازية الكمبرادورية.
فالتصورات الشعبوية كانت قائمة قبل الفترة الرأسمالية أو قبل تغلغلها وسيادتها كنمط إنتاج، وقد ساهمت في العديد من التجارب والبلدان في إيقاظ الوعي وفي التحريض، وسط الفلاحين والكادحين عامة، على الثورات ضد الإقطاع وما يشبهه أو بقاياه.. استمر نضالها حتى في الفترة التي توطدت فيها حكومات التحالف بين البرجوازية والملاكين العقاريين الكبار.. وفي هذا الإطار قدمت تصوراتها الخاصة وبرامجها الخاصة، بل واشتراكيتها الخاصة كذلك.. لم تتخلف عن المشاركة في مؤتمرات واجتماعات الأممية منذ تأسيسها، لم تتخلف كذلك عن فتح نار الصراع ضد أنصار الاشتراكية العلمية، اشتراكية الطبقة العاملة، خلال تجربتي الأممية الأولى والثانية.. ومن سوء حظها أنها أنتجت خطباءها ومنظريها داخل الحركة الاشتراكية الروسية، وقد تحمل بليخانوف وتلميذه لينين القسط الأكبر في هذه المواجهة من بعد ماركس وإنجلز.
والشعبوية إذن، تعبير وإفراز لمرحلة سابقة عن الرأسمالية، مرحلة لا زال فيها نمط الإنتاج الرأسمالي في مرحلته الجنينية، لا زالت طبقته البرجوازية تملك كل أو بعض من مقوماتها الثورية لمواجهة الأنظمة الما قبل رأسمالية، وأحيانا لمواجهة الاستعمار أو الاضطهاد القومي من طرف القومية السائدة والمهيمنة داخل بلد ما.
فهذا الاجتهاد الذي فاجأنا به الرفاق "الماويون"، استوجب ويستوجب من أصحابه التوضيح ثم التوضيح، خاصة بعد تصريح الرفاق بمساهمة "ماو" في تطوير مصادر الماركسية الثلاثة، أي بما فيه الاقتصاد والاشتراكية، وهو جديد بالنسبة لنا ولم يسبق أن سمعنا به، وعصي على الفهم كذلك، إذا تجاوزنا البوليميك والكليشيهات.
فالمطلوب من الرفاق،إذن، المزيد من التفصيل بطرح نظرتهم للمصادر الثلاثة للماركسية وكيف قيٌمها الماركسيون، وبشكل خاص إنجلز ولينين؟ وما هي الإضافات التي ميزت الطرح الماركسي كإضافة ونقد وتطوير للاقتصاد الإنجليزي الكلاسيكي وللفلسفة الكلاسيكية الألمانية والاشتراكية الفرنسية؟ فمن المهم جدا أن نطٌلع على نظرة "ماو" و"عصابة الأربع" و"الماويين" أجمعين.. من النقد الذي تقدم به ماركس للاشتراكية الفرنسية، ولـ"الإضافات الماوية" في "نقدها للاقتصاد السياسي" أو في تحليلها للمرحلة الإمبريالية كطور من أطوار المرحلة الرأسمالية.
في إحدى الفقرات من مقال "خالد المهدي"، وفي خضم دفاعه عن الماوية التي اعتبرها إيديولوجية البروليتاريا التي طورت الماركسية اللينينية حسب اعتقاده.. حاولنا جاهدين متابعة الإجابات التي من المفترض أنها ستشفي غليل رفاقه قبل غيرهم عن الأسئلة المؤرقة مثل، لماذا الماوية؟ ما حاجة الشيوعيين للماوية؟ ما هي الإضافات الماوية المفترضة للشيوعية، وليس العكس ـ وهذا تصحيح منا ـ؟ ما المجالات والظواهر والقضايا التي لا يمكن تفسيرها إلا بالاستناد "لأداة التحليل" الماوية؟..الخ لكن دون جدوى.
سنعيدها وسنكررها، بأن اللينينية "هي ماركسية" العصر الإمبريالي، والإمبريالية هي أعلى مرحلة من مراحل تطور الرأسمالية وبأنها عشية الثورة الاشتراكية المنشودة.. حقائق لم يسبق أن تناطح حولها عنزان.. فالإمبريالية مرحلة أخيرة بعد نمو نمط الإنتاج الرأسمالي وتوسعه وانتقاله من مرحلة المنافسة والتنافسية إلى مرحلة الاحتكار ثم الدولة الرأسمالية الاحتكارية وهيمنة الرأسمال المالي "هي مرحلة تاريخية خاصة من مراحل الرأسمالية، فالإمبريالية هي  الرأسمالية الاحتكارية  الرأسمالية الطفيلية أو المتعفنة  الرأسمالية المحتضرة.
إن حلول الاحتكار محل المزاحمة الحرة هو ميزة الإمبريالية الاقتصادية الرئيسية، هو جوهر الإمبريالية" لينين، هل هي ذي الإمبريالية التي يتكلم عنها "الرفاق الماويون"، أم إمبريالية أخرى ما زال "الرفاق".. يجتهدون للتعريف بها؟..
ونعتذر للرفاق عن ترديدنا للمقولات التي لا تعبر سوى عن تواضعنا في الدفاع عن الإنتاج الأدبي لماركس، إنجلز ولينين.. ليس لدغمائيتنا كما يتهمنا البعض، بل فقط لمحدودية إمكانياتنا النظرية التي لا تتطلع في الوقت الراهن، للإنتاج سوى في الميادين التي راكمنا فيها كقوى مناضلة.. فقدراتنا في الفلسفة وعلم الاقتصاد محدودة جدا، وما زالت في نظرنا الحملم لم تفرز قادتها النظريين المنتجين بشكل خلاق بالقدر والمستوى المطلوبين، إذ ما زلنا نتنافس عن الترديد والصراخ واستظهار النصوص، من فترة أواخر الستينات إلى يومنا هذا.
نحن فقط اقتنعنا "بأن الجوهري في مذهب ماركس هو تبيان دور البروليتاريا التاريخي العالمي بوصفها بانية المجتمع الاشتراكي" وبالخلاصة التي استنتجها ماركس من الأحداث والصراعات والثورات الطبقية التي حسمت نهائيا "الطبيعة الاشتراكية للبروليتاريا وللبروليتاريا وحدها".
فما رأي الرفاق الماويين في هاته المحددات وبصراحة؟ أي قبل الادعاء بكون الماوية شكلت في يوم من الأيام فكرا طبقيا واضحا أو "إيديولوجية" للبروليتاريا! وقبل الخوض في أي نقاش حول الإمبريالية وفي علاقتها بالرأسمالية، وفي الفرق بين الاستعمار والإمبريالية، وبين الثورة البرجوازية والثورة الاشتراكية..الخ
فصراحة لم يقنعنا "الدرس الفلسفي السقراطي" الذي استعمله الرفيق لدحض خلاصة الماركسيين بكون اللينينية هي ماركسية العصر الإمبريالي.. وكنا نتمنى من الرفيق استعمال المنهجية الماركسية لا غير، بالنظر لنجاعتها وكفاءتها وقدرتها على التحليل دون الحاجة لستالين أو تروتسكي أو ماو أو غيره.
فهل عجز الإنتاج الأدبي الماركسي اللينيني عن الشرح؟ وهل استنفدت المنهجية الماركسية إمكانياتها للتحليل؟ هل تم إغفال تفسير المرحلة الإمبريالية بكل ما تحتاجه من بحث وتشريح؟ والحال أن من أروع الإنتاجات الاقتصادية اللينينية التي ما زالت تدرٌس لحد الآن في أعتى الجامعات الرجعية والعدائية للماركسية وللشيوعية.. هي كتاباته عن الحرب والإمبريالية.
فلا غرابة أن يستمر الخلط الفظيع بين الاستعمار والإمبريالية لدى الماويين وغيرهم.. حيث ما زال الاعتماد على النصوص الستالينية الخاطئة، والحال أن الجميع، ماركسيون وغيرهم.. يقر بأن الاستعمار لم يرتبط قط، ولم يميز المرحلة الرأسمالية، بل هو سابق عنها لارتباطه بمرحلة قديمة جدا، أي منذ ظهور المِلكية الخاصة وانشطار المجتمع إلى طبقات، مالكة ومتوسطة المِلكية ومعدومة وهي الأغلبية الساحقة.
استوقفتنا كذلك بعض الاستنتاجات المتجنية الأخرى.. التي ساعد على بروزها الدرس الفلسفي السقراطي البليغ، وهي ادعاءات ألصقت بالماركسيين اللينينيين كمثلا اعتبار "اللينينية كآخر مرحلة من مراحل تطور الماركسية" وهو ادعاء كاذب، نسي صاحبه أو تناسى بأن الماركسيون اللينينيون يعتبرون الماركسية بمثابة الفكر النقدي دائما وأبدا، ليست بالعقيدة الجامدة، بل هي أداة علمية للتحليل والبحث، هي فكر طبقي عمالي منخرط ضمن الحركة المناضلة الاشتراكية كتيار من بين تياراتها المتعددة، واللينينية كذلك تيار ضمن تيارات ماركسية عديدة والتي لم تكن دغمائية كما ادعى الرفيق ذلك، بل عاجزة عن ملأ الفراغات التي تركتها الماركسية في مجال الحزب والتحالفات والحروب الإمبريالية وإشكاليات العمل السياسي المباشر والقوميات..الخ وهذا ما توفقت وتفوقت فيه اللينينية عن خصومها داخل الحركة الاشتراكية والثورية في عصرها.
لم يتوانى الرفيق عن تحذير رفاقه من الاستنتاج اللينيني في شكل "إن الخطير في هذه المقولة أنها تسقط من اعتبار أصحابها مرحلة أعلى من الإمبريالية مرحلة من أعظم وأعقد مراحل تطور المجتمعات البشرية. إن هذه المقولة تغض النظر بشكل مؤسف على مرحلة كاملة من تطور المجتمع البشري ألا وهي مرحلة دكتاتورية البروليتاريا" مضيفا بأن "هناك ماركسيون لينينيون لم يستطيعوا بعد إدراك أن الإنسانية تجاوزت مرحلة الإمبريالية ودخلت مرحلة أعلى.."
لهذا الحد وصل "اجتهاد" الرفاق الماويين المغاربة، اجتهاد لحد الغرور الذي لم يترك المجال سوى للمعاندة وعدم التريث في إصدار "أطروحات" من هذا الحجم دون قدرة على شرحها وتبريرها.
فلأن الحركة الشيوعية لم تنتظر في يوم ما "اكتشافات" من هذا النوع، أي خواء الإدعاء بأن الإمبريالية هي آخر مراحل تطور التاريخ البشري.. سنعتبر إذا تصريحكم هذا من باب المزاح وفقط.. لأن جميع الماركسيين المبتدئين يعلمون جدا، بعد اطلاعهم على الحد الأدنى من إنتاجات الأدب الماركسي، دون الحاجة لستالين ولا لماو، بأن نظرية تطور المجتمعات، من المشاعة البدائية، العبودية، الإقطاع، الرأسمالية ثم الشيوعية.. لهي من صميم الأطروحة الماركسية.. فالاختلاف في الشكل وفي سرعة التطور من هذا المجتمع لذاك، ومع الإمكانية لتجاوز مرحلة من المراحل بالنسبة لبعض المجتمعات دون الأخرى، كمثلا مرحلة الإقطاع التي احتد حولها النقاش في ما بين الماركسيين، ليحسم بالارتكاز على الاجتهادات التي دشنها ماركس ببحثه في نمط الإنتاج الأسيوي وفي الأنماط الاستبدادية الشبيهة للإقطاع دون أن تكون إقطاعا بالشكل الذي عاشته مجتمعات أوربا واليابان.. لا يلغي القوانين العامة والثابتة.. جميع الماركسيون يعلمون بأن دكتاتورية البروليتاريا شكْل حكم وسلطة طبقية، تطبع المراحل الدنيا من الاشتراكية، وترتبط بها ولوحدها، أشد الارتباط، قبل أن تضمحل الدولة وتزول معها الطبقات والحاجة إلى الدكتاتورية.. فلا علاقة لدكتاتورية البروليتاريا بالإمبريالية والرأسمالية بل هي نقيض لها وتقويض لها في نفس الوقت.
وما دمتم مولعون بمصطلحات "الإرث" و"الوصية"..الخ "مخلصون" للوصية اللينينية "التحليل الملموس للواقع الملموس" فأتونا ببراهينكم إن كنتم صادقين فيما ادعيتموه تجاوزا للمرحلة الإمبريالية، بل خذوا العبرة فقط من الاجتهاد اللينيني عند كتابته لمجلد "الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" ولاحظوا مثلا عدد المراجع العلمية الاقتصادية والسياسية التي استند عليها في بحثه، لاحظوا كذلك عدد الجداول وقيمة الأرقام والإحصائيات.. التي اعتمدها في دفاعه عن أطروحته.. الشيء الذي لن تجدوه في كتابات الرفيق ماو تسي تونغ، حيث ستجدونها مليئة فقط بالحكايات والأحاجي والوعظ الأخلاقي والتربوي، والتوجيهات العسكرية الانضباطية، إلى غير ذلك..
فأن تكون لينينيا، فيجب أن تكون كذلك، من داخل اللينينية وفقط، وليس من خارجها، بمعنى أنه لا مجال بأن تصبح ماركسيا لينينيا عبر أو انطلاقا من الماوية أو من غيرها، كالتروتسكية أو الستالينية مثلا..
ما لاحظناه كذلك، واعتبرناه جديدا لدى الماويين، والذي سجلناه كتقدم إيجابي سيمكن الرفاق من الاقتراب أكثر من الماركسية اللينينية فكر الطبقة العاملة، هو اعترافهم بأن المرحلة مرحلة دكتاتورية البروليتاريا، وليست دكتاتورية الطبقات والتحالفات.. بالرغم من تفاديهم النقاش والتذكير بطبيعة الثورة الاشتراكية المرتبطة قطعا بهذه الدكتاتورية وبهذا النوع من السلطة والدولة..
من الإيجابيات كذلك اعترافهم بأن الماركسية اللينينية فكر طبقي عمالي بروليتاري.. هذا التنازل الذي يمكننا أن نعتبره بمثابة النقد الذاتي الجريء الذي قدمه الرفاق "الماويون" عن بعض الأفكار والمواقف السابقة من قبيل "دكتاتورية الطبقات الأربع" أو الطبقات الشعبية وغيرها من الطبقات "الوطنية".. الشيء الذي يمكن اعتباره تطويرا للفكر الشعبوي المغربي الذي بدأ يميل أكثر لجهة الطبقة العاملة ويقتنع برسالتها التاريخية لقيادة الجماهير الشعبية الكادحة نحو تحررها الاشتراكي.
فمرحلة دكتاتورية البروليتاريا ضرورية وحتمية في قناعة الماركسيين قبل أن يصبحوا لينينيين، ما دام استمرار وجود الطبقات المعادية والمضادة للثورة قائما في وجه الثورة وسلطتها، وما دامت جحافل الثورة المضادة، الداخلية والخارجية، تهددها في شكل دعاية وتجنيد للمرتزقة وإعداد للجيوش المتربصة بالأنظمة الثورية الفتية.. هي مرحلة مرتبطة بالأطوار الدنيا من مشروع البناء الاشتراكي، حين تكون الحاجة إلى الدولة ما زالت قائمة، قبل أن تنطفئ وتضمحل في أواخر الأطوار، أي حين ينتصب مجتمع المنتجين وتزول الطبقات وتعم الشيوعية، آنذاك سنتكلم عن البشرية المنتجة التي ستدخل صفحة جديدة من التاريخ، تاريخ الصراع والتناقض بين البشر والطبيعة، وفقط.
كتب ماركس في نقده لبرنامج غوتا يقول "بين المجتمع الرأسمالي والمجتمع الشيوعي تقع مرحلة تحول المجتمع الرأسمالي تحولا ثوريا إلى المجتمع الشيوعي، يناسبها مرحلة الانتقال السياسي لا يمكن أن تكون الدولة فيها سوى الدكتاتورية الثورية للبروليتاريا". ويمكن الاطلاع في هذا الباب، على كتاب إنجلز "أصل الدولة.." وكتاب لينين "الدولة والثورة" للفهم أكثر وبشكل أعمق، قصد الماركسيين "بدكتاتورية البروليتاريا.." دون أن نحرج الرفاق الماويين، الذين زاغوا عن السكة وخلطوا الأمور بمغالاتهم في تقدير بعض التصريحات وباستخفافهم بنتائجها الخطيرة على مستوى النظرية وعلى مستوى علاقاتهم بالماركسية والماركسيين.

X. خلاصة النقاش والرد على الرفيقين
خلاصاتنا لن تخرج عن جميع الخلاصات التي أنتجتها النقاشات والكتابات السابقة، التي ساهمنا بها كتيار وكخط بروليتاري، خلاصات ليست بالمطلقة ولا بالنهائية، خلاصات تعتمد وترتكز على مبادئنا وتصوراتنا الوحدوية التي لا تنتقص من نضالية أية مجموعة سياسية تطمح للمساهمة في الدعاية والتنظيم والقيادة لمشروع التغيير الاشتراكي..
فما ندعو له الآن، لن يخرج عن دعواتنا السابقة التي لن تدعي بأي شكل من الأشكال، الإجابة والحسم في جميع إشكاليات العمل الثوري.. فقط، وبدون تأخر، سنستمر في الدعوة للوحدة الميدانية بين جميع القوى الماركسية الاشتراكية على أرضية برنامجية واضحة، دون أن نلغي النقاش الرفاقي والديمقراطي بين منظري ومناضلي التيارات، النقاش الذي يفترض فيه احترام الآراء المخالفة واحترام مساهمة مناضليها في الميدان، بالعمل على نشر جميع الإسهامات وبنقل أخبار جميع المعارك الطبقية بغض النظر عن قادتها ومؤطريها والمساهمين في تنظيمها.
فالمطلوب الآن في نظرنا قبل أي نقاش نظري حول الماركسية التي عرٌفها لينين بكل بساطة على أنها "نظام نظرات ومذهب ماركس.. وتلك النظرات تؤلف بمجموعها المادية المعاصرة والاشتراكية العلمية المعاصرة بوصفها نظرية الحركة العمالية وبرنامجها في جميع البلدان المتمدنة في العالم"..
وقبل أي نزاع حول تركتها وحول أحقية أي طرف من الأطراف في الانتماء أو الولاء لجهة ما باسم الماركسية واللينينية.. فالواجب أن نقدم برامجنا التاكتيكية والإستراتيجية على جميع المستويات، أي المجتمعية والقطاعية المختلفة..
فحاجتنا الملحة أكثر من أي وقت مضى لتقوية التيار الماركسي اللينيني البروليتاري، لا تقل إلحاحا عن حاجتنا لتيار اشتراكي ثوري قوي يجمع مختلف الحساسيات والفعاليات والمجموعات المتطلعة للمساهمة في الثورة الاشتراكية، سواء خلال المرحلة الحالية أو بعد حين، كذلك الحاجة داخل المجتمع لقيام حركة يسارية قوية معارضة للدولة الاستبدادية ولحكم البرجوازية وحلفائها من قوى النهب والاستغلال.. إذ لا يعقل أن يستمر الجدال والقدح بين رفاق الطريق، والحال أن سلطة البرجوازية وحكمها بات مهددا في أية لحظة ومكان بفعل أزماتها المستمرة والدائمة، ولا يعقل كذلك أن يستمر التناطح والتنازع على الهوية والانتماء دون التوضيح لطبيعة هذه الهوية وبماذا تتميز، وبطبيعة إضافاتها ومميزاتها كذلك..الخ. فالأوضاع المزرية التي تعيشها جماهير شعبنا الكادحة تتطلب منا اهتماما أكبر وأكثر، وحركاتها الاحتجاجية والانتفاضية تتطلب منا التدخل والقيادة والتأطير والتنظيم بمسؤولية أكبر وأعمق.
فالارتباط بقوة، بما تزخر به الجماهير من طلائع وقيادات ميدانية تنقصها التجربة والوعي السياسي والتنظيمي.. ينقصها كذلك الإطلاع عن أهدافنا ومشروعنا الاشتراكي الذي شوهته دعايات وتجنيات الخصوم والأعداء، وأحيانا حتى بعض الأحزاب والتيارات والحركات التي تدعي ارتباطها بالفكر والمشروع الاشتراكيين.
فالحاجة الآن تفرض وبدون مواربة، "لجيش نظامي" كما عبر عنه ذات مرة، قدوتنا وأستاذنا الذي لم نجد لحد الآن خليفة له في مستوى إبداعاته ورؤاه الثاقبة، الرفيق لينين، الحاجة لجيش له من الأطر والقادة ما يكفي لمتابعة وقيادة جميع المعارك العمالية من إضرابات واعتصامات واحتلال للمعامل والمصانع.. متابعة جميع التمردات والعصيانات الشعبية والفلاحية،.. مساندة ودعم جميع المعارك التلاميذية والطلابية ومعارك المعطلين المطالبين بالشغل.. والانخراط في المظاهرات والاحتجاجات المناهضة للغلاء، والمدافعة عن مجانية التعليم والتطبيب..الخ
الحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى، لأطر وقادة ثوريين اشتراكيين في مستوى المسؤولية، قادة لن يتخلفوا عن الانخراط في الصراع الطبقي جنبا إلى جنب الطبقات الكادحة والمسحوقة، مع التأجيل لفك صراعاتهم حول "المقدسات والمدنسات" إلى حين، صراعات من شاكلة "أيهما أفيد لك رجلك اليسرى أم يدك اليمنى!" على حد قول لينين، التهكمي.
فخلال المبادرات الوحدوية الأولى، لن يكون الجيش النظامي في مستوى تطلعاتنا الكبرى، كما دعى له لينين.. لكن المؤكد هو أن الأداء، بفضله، سيرتفع من حيث الكمية والنوع، وسيزداد الحس النضالي بالمسؤولية بقوة أكبر وستزداد المنافسة بمردودية أكبر، بين التيارات والتكتلات المناضلة..الخ
ينبغي علينا كمناضلين، قادة ومنظرين.. في هذه الفترة بالذات، أن نطرح مهماتنا كحركة وكتيارات، بمزيد من الجرأة والوضوح وبألاٌ نخفي عجزنا وتقاعسنا عن الجماهير التي تسبقنا وتتحدانا بمبادراتها وعصياناتها وانتفاضاتها في أكثر من مناسبة وفي أكثر من موقع!.. إذ من المفروض أن نكون نحن السباقين، كقيادات ثورية، لطرح الشعارات والبرامج التي يجب أن تنير طريق الجماهير المناضلة، والتي لا علم لها ولا معرفة لها بماركس ولينين، ولا بالفرق بين اشتراكيتهما واشتراكية تروتسكي وستالين وماو..الخ
يجب الاعتراف بأن الجماهير واعية ومدركة أشد الإدراك بما تعيشه من ظلم واستغلال وقمع وحرمان واستبداد..الخ وفقط، تحررها وانتصارها على هذا الوضع يتطلب من يجمٌع جهودها ويوحٌد صفوفها وقواها، يتطلب التنظيم والبرنامج والخط السياسي السديد.
فماذا قدمنا كتيارات في هذا الاتجاه؟ هل فعلا استعملنا ووظفنا كامل قدراتنا خدمة لقضايا العمال والكادحين وأبناءهم؟ هل استخدمنا كافة إمكانياتنا الحركية، التي يعترف بها الجميع، من الخصوم والأعداء، سواء بسواء.. لاختراق جسم الحركة الاحتجاجية الجماهيرية وتوجيهها أحسن توجيه؟ هل استندنا فعلا خلال ممارساتنا اليومية على المبادئ والتوجيهات الشيوعية اللينينية على منوال "ذلك أن واجب الشيوعيين بأكمله هو أن يكونوا قادرين على إقناع العناصر المتخلفة، وأن يعملوا بينها، وألا ينفصلوا عنها بسياج من الشعارات "اليسارية" المختلفة والصبيانية" حين أعلن لينين حربه على "يسراويي" الحركة الشيوعية ضدا على كل شعاراتهم الطنانة، مقدما النصح لجميع أنصار الحركة الشيوعية والاشتراكية بألاٌ يتخلفوا عن حركة الجماهير وبأن ينخرطوا في إطاراتها وبأن يوطدوا علاقاتهم مع جميع أصناف قواعدها أي بما فيها الأصناف المتخلفة ناقصة الوعي والتجربة..الخ؟



#و._السرغيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الحزب والنقابة والمؤسسات.. و-النهج الديمقراطي-
- من أطاك النضال والاحتجاج إلى أطاك التهجير والسفريات
- تضامنا مع معتقلي مراكش
- في ذكرى الشهيد عبد الحق شباضة
- عن أية جبهات وعن أية أهداف تتحدثون؟
- عودة الانتفاضات للواجهة
- راهنية -البيان الشيوعي-
- دفاعا عن الحركة المناهضة للغلاء... تنسيقياتنا وتنسيقياتهم
- همجية القمع تنهزم أمام المقاومة الطلابية بمراكش
- الحركة من اجل مناهضة الغلاء في مواجهة التقييمات الانتهازية
- على هامش المعركة الطلابية الأخيرة بمراكش
- إلى صاحب ربطة العنق الحمراء
- الطبقة العاملة المغربية تخلد يومها الأممي للنضال ضد الرأسمال
- توضيح خاص للأوساط اليسارية التقدمية المغربي
- الحركة المناهضة للغلاء بالمغرب
- ضرورة الإضراب الوطني بين الحق والمزايدة السياسية
- حتى لا نعارض -التسيس الفج والاعتباطي- بالسياسة الانتهازية ال ...
- -ندوة وطنية- أم ملتقى ثالث ونصف لتنسيقيات الحركة المناهضة لل ...
- وجهة نظر في تجربة التنسيقيات المناهضة للغلاء
- تجربة حركة مناهضة الغلاء بين القتل المفضوح والقتل الرحيم


المزيد.....




- شاهد: دروس خاصة للتلاميذ الأمريكيين تحضيراً لاستقبال كسوف ال ...
- خان يونس تحت نيران القوات الإسرائيلية مجددا
- انطلاق شفق قطبي مبهر بسبب أقوى عاصفة شمسية تضرب الأرض منذ 20 ...
- صحيفة تكشف سبب قطع العلاقة بين توم كروز وعارضة أزياء روسية
- الصين.. تطوير بطارية قابلة للزرع يعاد شحنها بواسطة الجسم
- بيع هاتف آيفون من الجيل الأول بأكثر من 130 ألف دولار!
- وزير خارجية الهند: سنواصل التشجيع على إيجاد حل سلمي للصراع ف ...
- الهند.. قرار قضائي جديد بحق أحد كبار زعماء المعارضة على خلفي ...
- ملك شعب الماوري يطلب من نيوزيلندا منح الحيتان نفس حقوق البشر ...
- بالأسماء والصور.. ولي العهد السعودي يستقبل 13 أميرا على مناط ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - و. السرغيني - الحركة الماركسية اللينينية المغربية بين واقع التفتيت، وطموحات الوحدة الميدانية