أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم منصوري - رأس كبش العيد تصبح رأس فتنة














المزيد.....

رأس كبش العيد تصبح رأس فتنة


إبراهيم منصوري

الحوار المتمدن-العدد: 3143 - 2010 / 10 / 3 - 00:28
المحور: الادب والفن
    


اقترب عيد الأضحى فسيطرت حمى الكبش على النفوس والعقول في تلك المدينة المغربية العريقة. رغم ضيق ذات اليد لدى أغلبية الشعب والارتفاع المهول لأسعار الأنعام الناتج عن الجفاف الذي ضرب أطنابه أينما رحل المرْء’ وارتحل، تكلف الناس وباعوا أمتعتهم واقترضوا لشراء أضحية العيد. كان قانون العرض والطلب يتحكم في أسعار الخرفان التي اشتعلت وتفاقمت حتى صنع منها الناس نكتا ومستملحات. كان الناس يشترون ولو كلفهم ذلك قروضا يستوجب أداء أقساطه أيام عمل طويلة.

كان أيوب معلما وأبا لثلاثة أطفال يدرسون في مدرسة ابتدائية خاصة مما أنهكه ماليا نظرا للمستحقات التي كان يدفعها شهريا لمالك المدرسة. كان أصدقاؤه يسمونه "كوعلما" على شاكلة "كومندار" و"كوبيلوت" إلا أن آخرين كانوا يطلقون عليه اسم "جوعلم" نظرا للجوع المرافق للمعلم طيلة حياته. رغم ذلك لم يبخل أيوب على زوجته وأبنائه بكبش أقرن أملح يسر الناظرين، دفع لشرائه ضعف مصاريف التمدرس الشهرية.

أشرق يوم العيد فبدأت المجازر الرهيبة وانتعشت سوق الجزارين غير النظاميين الذين كانوا يطالبون بأسعار خيالية لقاء ذبح وسلخ الأضاحي. صبر أيوب وصمد أمام كل التحديات حتى تمر الأمور كما خطط لها ويفرح الأبناء. ذبحت البهيمة وسلخت فبينت عن كرم لحمها وشحمها وبدأت طقوس الشواء. أليست طقوس الشواء كلا في كل ما دام عيد الأضحى ممارسة اجتماعية أكثر منها دينية في هذا الزمن الرديء؟

امتلأت البطون وبدأت بوادر تشحم الأبدان تلوح في الأفق وأحس الجميع برغبة في النوم. في اليوم الأول من عيد الأضحى، جرت العادة أن يشوي الناس رؤوس أضاحيهم في الهواء الطلق بواسطة شبان يشعلون النار في أخشاب ومواد مطاطية ونفطية من كل الأنواع. في هذا اليوم تكون سوق النار مزدهرة فتمكن الشباب من ربح دريهمات لقاء شي رؤوس أنعام من طينات مختلفة. موسم عيد الأضحى تجتمع فيه أسواق مختلفة ألوانها؛ أسواق الحيوان والسكاكين والدم والفحم الخشبي والنار والتوابل وما جاورها.

نام أيوب على أن يستيقظ لتقديم رأس كبشه للشي في سوق النار. بعد نوم طافح بالكوابيس، استفاق بصعوبة تحت إلحاح زوجته بضرورة الذهاب لشي رأس الخروف. وضع الرأس والحوافر في كيس بلاستيكي وخرج مسرعا لعله يجد من الشبان في سوق النار من سيسلط عليها لهيبا. لف أيوب كل دروب حيه الفسيح ممسكا بكيسه البلاستيكي الذي كانت تتدلى من خارجه قرون الخروف المذبوح لتوه، فوجد كل مواقع النار خامدة. في طريق عودته إلى البيت، شعر بضجر كبير وهو يحمل تلك الرأس البينة ففكر في ابتياع كأس ساترة إلا أن المتاجر كانت كلها موصدة. "أليس من المستحب التصدق بهذه الرأس الملعونة عوض الطواف بها في أزقة المدينة لشيها في سوق النار؟ سأعيدها أولا إلى الزوجة لعلها تجد حلا يرضيها !"، هكذا كان أيوب يتمتم لوحده في الطريق.

دخل أيوب بيته حاملا كيسه وكأنه مجرم عتيد. بعد التحية والسلام، بدأ الحديث واثقا: "يا زوجتي العزيزة، لقد بحثت في جميع أرجاء سوق النار فلم أجد أحدا لشي هذه الرأس، فافعلي ما بدا لك!". لم ينس أيوب قط تضخم مزاج زوجته في ذلك اليوم المقدس وكان يعرف حق المعرفة مدى مزاجيتها. حنقت المرأة وأزبدت أمام أعين أبنائها الصغار وأختها الكبرى التي كانت تقضي معها العيد السعيد: "ألم أنهك عن النوم ولو أثر عليك شحم ولحم الخروف؟ ألم اقل إنك بعد النوم لن تجد أحدا يحرق رؤوس الأنعام؟ إنك لا تنصت لنصائحي وها أنت تعود خائبا بعد بحث مضن ولم تجد من يشوي الرأس..."، هكذا كانت الزوجة تتحدث بصوت مرتفع يسمعه الجيران وهي في أوج غضبها.

ملأت الزوجة الدنيا غضبا وصخبا وكأن شيئا هاما جدا قد وقع وزعزع ميزان القوى على المستوى العالمي . حاول أيوب تهدئتها وتوعيتها فقال: "يا سيدتي، سوف نقوم بكل الإجراءات الضرورية لشي هذه الرأس هذا اليوم ولو خمد لهيب كل أسواق النار في البلد، ما دام شي الرأس الخروفية مهما بالنسبة لك إلى هذا الحد! وإذا تعذر علينا شيها، أليس حريا بنا مثلا أن نتصدق بها عوض النزاع حول شيها؟" زاد حنق المرأة عن اللزوم فصمت أيوب واستعد للخروج إلى الزقاق وفي عقله أشياء من شتى. في ذلك الوقت، نزلت أخت الزوجة التي كانت تقضي معها العيد السعيد من سطح المنزل معلنة أنها وجدت أخشابا قديمة على السطح تصلح لشي أكثر من رأس خروفية. أخذت أخت الزوجة رأس الكبش وقوائمه وصعدت الدرج لتحرقها حرقا على السطوح. خرج أيوب إلى الزقاق متسائلا: "ألرأس الخروف كل هذه القوة الخفية لتصبح رأس فتنة تنغص على الأزواج والأولاد عيدهم؟ هل العيب في شي رأس الكبش أم العيب فينا؟..."، مجرد قصة للتفكير....



#إبراهيم_منصوري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بابليون حول قطر المربع
- عندما تتسطح القدمان ويلام الغدير
- رجل سلطة يفلسف تاريخ القمح
- أحمق يهزم عاقلا
- عندما يحتضر الفرس وتلام المرأة
- ...وسار على الدرب عاما حافي القدمين
- أربع وعشرون ساعة في أمستردام
- قصة قصيرة ولكنها من الواقع: (الفحام الوقح الجريء: زوجته وأتا ...
- بوكماخ في بلاد السنغال
- ذكرى الوالدة
- في مدح النمو: أشعار في مفهوم غير مفهوم
- قصيدة شوق جديدة: من اللسان الأمازيغي إلى لغة الضاد
- في مدح صاحب الجلالة أصل النمو: حفنة أشعار في مفهوم الادخار
- شركات الأمن الخاص بالمغرب: احترافية متدنية واستغلال بشع للعم ...


المزيد.....




- البروفيسور عبد الغفور الهدوي: الاستشراق ينساب في صمت عبر الخ ...
- الموت يغيب الفنان المصري عماد محرم
- -محاذاة الغريم-... كتاب جديد في أدب الرحلات لعبد الرحمن الما ...
- -أصيلة 46- في دورة صيفية مخصصة للجداريات والورشات التكوينية ...
- -نَفَسُ الله-.. هشاشة الذات بين غواية النسيان واحتراق الذاكر ...
- جبل كورك في كردستان العراق.. من خطر الألغام إلى رفاهية المنت ...
- لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟ ...
- الذكاء الاصطناعي يختار أفضل 10 نجوم في تاريخ الفنون القتالية ...
- شباب سوق الشيوخ يناقشون الكتب في حديقة اتحاد الأدباء
- الجزيرة 360 تشارك في مهرجان شفيلد للفيلم الوثائقي بـ-غزة.. ص ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم منصوري - رأس كبش العيد تصبح رأس فتنة