أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - إبراهيم منصوري - شركات الأمن الخاص بالمغرب: احترافية متدنية واستغلال بشع للعمال















المزيد.....


شركات الأمن الخاص بالمغرب: احترافية متدنية واستغلال بشع للعمال


إبراهيم منصوري

الحوار المتمدن-العدد: 2904 - 2010 / 2 / 1 - 23:37
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    


مقدمة عامة

في إطار برامج التقويم الهيكلي التي فرضتها مؤسسات التمويل الدولية، اضطرت حكومات البلدان المتخلفة إلى صياغة وتنفيذ برامج واسعة للخوصصة والتحرير الاقتصادي. في الوقت الذي همت فيه البرامج الأولى للخوصصة شركات عامة كان من الطبيعي تفويتها للقطاع الخاص، امتد مسلسل الخوصصة بعد ذلك ليشمل احتكارات حكومية طبيعية (monopoles naturels d’Etat). وليس الأمن استثناء في هذا المضمار ما دامت برامج التثبيت الماكرو-اقتصادي والإصلاحات الهيكلية وتدهور الأمن واستفحال الإرهاب وتفاقم الصراعات قد أدت إلى خوصصة قطاع الأمن الإستراتيجي. ففي حالة المغرب، وخاصة بعد الأحداث الإرهابية التي دارت رحاها بالدار البيضاء بتاريخ 16 مايو 2003، عرفت ظاهرة شركات الأمن الخاص نموا مضطردا. وتشير الإحصاءات المتوفرة إلى أن قطاع الأمن الخاص بالمغرب يضم حاليا أكثر من 500 شركة تشغل ما يفوق 40000 عامل خاصة في قطاعي الحراسة ونقل الأموال، وهذا ما يناقض مبدأ الدولة-الدرك (ُEtat gendarme) التي يدافع عنها الليبراليون أمثال عالم الاقتصاد البريطاني أدام سميث.

إن ظاهرة الأمن الخاص تطرح إشكاليات كثيرة من قبيل مشروعية النظام السياسي القائم وسيادة وقدرة الدولة (légitimité du régime politique, souveraineté et capacité de l’Etat) (أنظر Holmqvist, 2005). وزيادة على هذا فإن آثارا أخرى لخوصصة الأمن كمدى جودة المنتوج الأمني الذي توفره شركات الأمن الخاص والفقر والفوارق الاجتماعية المترتبة عن خوصصة هذا القطاع ونوعية الحكامة قد أثارت اهتمام الباحثين والمحللين في بلدان الشمال كما في أقطار الجنوب. إلا أن كيفية اشتغال وتدبير مقاولات الأمن الخاص، خاصة في بلدان الجنوب، لم تسترع بالشكل الكافي انتباه المختصين في هذا الحقل المعرفي. يميل الباحثون في البلدان المتقدمة كما في تلك التي تتوق إلى اللحاق بركب التقدم والرقي إلى تهميش النبش في مستوى الاحترافية والاستغلال المفرط للطبقة العاملة لدى شركات الأمن الخاص على المستويين النظري والتطبيقي (Alexandra, Baker et Caparini, 2008). ففي حالة المغرب مثلا، لا يكاد المرء يعثر حتى على مقالات وصفية في الجرائد والمجلات الوطنية وما أكثرها (أنظر مثلا El Atouabi, 2005 ; Amourag, 2006 ; Le Matin, 2009 ; L’Economiste, 2009). هذا وتعتبر هاتان الظاهرتان مرتبطتين ارتباطا وثيقا نظرا لأن شركات الأمن الخاص تميل إلى تشغيل أشخاص ذوي تكوين متدني وذلك من أجل اجتناب التكاليف المترتبة عن التكوين الأولي والمستمر وأداء أجور هزيلة في قطاع يعتقد أن المردودية فيه متدنية بالمقارنة مع القطاعات الأخرى.

ترمي هذه المقالة بالأساس إلى تقييم مستوى جودة الاحترافية ومدى حقيقة وجود الاستغلال المفرط للعمال المشتغلين لدى شركات الأمن الخاص بالمغرب. كما أنها تهدف إلى تقييم العلاقات الممكنة بين مستوى الاحترافية والاستغلال المفرط للعمال من جهة ونوعية الحكامة في المغرب من جهة أخرى، وذلك من خلال اختبار قياسي للجسور الممكنة بين حكامة المقاولة (gouvernance de l’entreprise) وحكامة الدولة (gouvernance de l’Etat).

1. مكانة خوصصة الأمن داخل المنظومة العامة للخوصصة

إثر تبني برنامج التقويم الهيكلي في النصف الأول لثمانينات القرن الماضي، تم استصدار قانون للخوصصة نتج عنه حوار سياسي واسع داخل قبة البرلمان وخارجها في سياق تاريخي اتسم بتواجد معارضة سياسية مشتتة وأقل تجانسا ولا تحمل في جعبتها أي بديل حقيقي لبرامج التقويم الهيكلي (أنظر Mansouri et al., 2006). وفي الأخير، تم التصويت على القانون الجديد المرفق بلائحة للشركات والقطاعات الغير قابلة للخوصصة بما في ذلك ضمنيا قطاع الأمن ذو الحساسية الكبرى. ومع نهاية جدولة الدين الخارجي في نهاية سنة 1992، واصلت المعارضة السياسية والنخبة المثقفة انتقاداتها لمسلسل الخوصصة إلا أن هذا الأخير تعزز مع الإصلاحات السياسية (دستور 1992) والتوقيع على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي سنة 1995 والتي دعمت مسلسل الخوصصة نظرا لإلحاح الاتحاد الأوروبي على أهمية مواصلة المغرب للتحرير الاقتصادي. وبمجيء أول حكومة تناوب بالمغرب في مارس 1998، تآكلت المعارضة السياسية معلنة نهاية القطب المناهض لهيمنة الليبرالية الجديدة (contre-hégémonie au néolibéralisme). ومع تربع الملك محمد السادس على العرش في يوليو 1999، بدأ تكريس المفهوم الجديد للسلطة وشرع لاحقا في خوصصة قطاعات حساسة كالمواصلات والتبغ. وإثر أحداث 11 سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة الأمريكية والأحداث الإرهابية الدامية في الدار البيضاء سنة 2003، طفت على السطح تهديدات إرهابية يعتقد أن قوى الأمن النظامية غير مستعدة بما يكفي للتصدي لها. بالإضافة إلى ذلك فإن حالة الأمن قد تدهورت نظرا لبرامج التحرير الواسعة التي تم تبنيها والتي نتج عنها استفحال الفقر والإقصاء الاجتماعي مما أدى إلى بزوغ آليات للدفاع الذاتي والأمن الشعبي التي بلغت أوجها بالسماح بخلق شركات الأمن الخاص. وبالإضافة إلى الأحداث الإرهابية بالدار البيضاء سنة 2003، فإن أحداثا أخرى طرأت في البلاد بما في ذلك الهجومات المتكررة على الوكالات البنكية في مناطق متفرقة من المملكة. وتمخض عن هذه العوامل كلها بزوغ ونمو شركات الأمن الخاص ذات الطابع المحلي بالإضافة إلى الشركات المتعددة الجنسيات العاملة في هذا القطاع.

ترى العديد من الأدبيات النظرية والقياسية المتوفرة أن شركات الأمن الخاص تهدد مشروعية وسيادة الدول، خاصة في البلدان النامية (أنظر مثلا Pérouse de Montclos, 2008 ; Avant, 2005 ; Hibou, 1999 ; Ocqueteau, 1999). في الوقت الذي نحبذ فيه الفكرة التي ترى أن خوصصة الأمن تعكس عدم قدرة الدولة على استتباب الأمن لصالح مواطنيها، لا بد أن نذكر هنا أنه في بعض الحالات، لا يعني بزوغ شركات الأمن الخاص اندحارا تاما لقوة الدولة بل ترجمة لإعادة التحكم في احتكار الدولة للعنف المشروع (monopole de la violence légitime) كما وصفه عالم الاجتماع المعروف ماكس فيبر (Pérouse de Montclos, 2008 ; Max Weber, 1964). فمن المحتمل أن يكون بزوغ شركات الأمن الخاص بالمغرب انعكاسا لمدى ضعف النظام إزاء ضمان الأمن إلا أن الدولة لا زالت قادرة على التأثير في القطاع ككل وذلك من خلال القوانين التنظيمية والتدخلات المباشرة.

قبل متم سنة 2006، كان قطاع الأمن الخاص يسبح في بيئة فوضوية تفتقر لأي نص قانوني يقننه وينظمه. وأخيرا تنفس مهنيو القطاع الصعداء عندما تم استصدار قانون جديد ينظم ويقنن المهنة. إلا أن مزايا هذا القانون كتوضيح الشروط اللازمة للقيام بنشاطات الأمن الخاص والتدابير الجنائية في حالة الإخلال بالقانون والتفريق بين أنشطة الحراسة وتلك المتعلقة بالنظافة لا يجب أن تغطي عن مساوئها كما وضحتها تصريحات العديد من مهنيي القطاع. وبصفة خاصة فإن هؤلاء المهنيين يرون أن القانون المذكور لم يول الاهتمام المطلوب للتدابير التطبيقية المتعلقة بخلق شركات الأمن الخاص ولا بالإخلال بالقانون وقانونية حمل السلاح والتكوين الأولي والمستمر والحد الأدنى للأجور.
يرى بعض مسيري شركات الأمن الخاص أن القطاع يكاد يكون مفتوحا لأي كان وأن هذا القطاع الإستراتيجي والدقيق لا تتوفر فيه شروط التكوين الأولي والمستمر الضرورية لتحسين الاحترافية. حتى القانون المنظم للقطاع لم يركز على الدور المنوط بالتكوين في هذا المجال من أجل تدعيم أمن البلاد ككل.

يعتبر مستوى الأجور وضمان الأمن للعمال أنفسهم رهانا ذا أولوية قصوى وتحديا كبيرا لشركات الأمن الخاص. فكما تبينه تصريحات مسيري وعمال هذه الشركات، يمكن اعتبار الاستغلال المفرط للعمال عائقا كبيرا أمام الوضعية الاجتماعية لهؤلاء العمال وبالتالي أمام تفانيهم في عملهم اليومي الرامي إلى حراسة الأفراد والممتلكات ما دام أصحاب شركات الأمن الخاص يشغلون أشخاصا ذوي تكوين متدني حتى يتسنى لهؤلاء الرأسماليين الجدد اجتناب التكاليف الناجمة عن التكوين وتكريس الاستغلال البشع للطبقة العاملة من خلال أدائهم أجور بؤس.

2. مستوى الاحترافية لدى شركات الأمن الخاص في المغرب: محاولة تقييم

يعتبر التكوين الأساسي والمستمر أهم دعامة لشركات الأمن الخاص. يمكن تعريف التكوين الأساسي النظري والتطبيقي على أنه التكوين الأولي الهادف إلى منح الشباب المعرفة والمهارات اللازمة لتهيئه لتحمل المسؤولية. أما التكوين المستمر فيرمي إلى المتابعة النظرية والتطبيقية لما يجري في الحقل المهني المتعلق بقطاع الأمن محليا وجهويا ودوليا.

إن التكوين الأساسي في ميدان الأمن الخاص يجب أن يشمل منهجيا كل الشركاء والأطراف المعنية بمن فيهم المكونون الرئيسيون والزائرون وقوات الأمن النظامية. كما يجب تأطير التكوين النظري والتطبيقي من طرف احترافيين ذوي تكوين عال وأن يشمل هذا التكوين مجالات هامة ولازمة للأمن الخاص كعلم النفس وتقنيات التعبير والتواصل ونوعية السلوك في المجتمع واللغة ومهارات الكتابة والتحرير اللازمة لكتابة تقارير أمنية وتقنيات الأمن وإخلاء البؤر الساخنة والوقاية من النيران وكيفية إخمادها والمراقبة الذاتية. ويجب أن يتم تعليم كل هذه المجالات بالشراكة مع المؤسسات العمومية كالهلال الأحمر والوقاية المدنية وغيرهما. ولكن للأسف، كما تبينه تصريحات بعض مسيري وعمال شركات الأمن الخاص، يشهد القطاع حاليا احترافية متدهورة تتجلى في نقص التكوين الذي لا يهدد أمن العمال فقط بل حتى أمن البلاد ككل. فبالإضافة إلى أنهم يتقاضون أجورا هزيلة، يلاحظ أن أعوان الأمن يعانون من مستوى تعليمي هزيل وتكوين بدائي يرثى له.
يرى الكثير من مهنيي القطاع أن ارتفاع الطلب على الأمن أدى إلى تدهور نوعية الخدمات الأمنية وأن شركات الامن الخاص تميل إلى الاشتغال في قطاع يسيطر عليه الهواة والانتهازيون. ويرى أحد المهنيين أن أهم نواقص القانون 27/06 المنظم للقطاع تتمثل في كونه يتجاهل حتى تعريف المهنة ويهمل معايير تكوين وتوظيف العمال.

يلاحظ أن تدني نوعية التكوين لدى شركات الأمن الخاص بالمغرب له عواقب وخيمة على استمرارية ونمو هذه الشركات. فعند بداية الألفية الثالثة، عرف سوق الأمن الخاص نموا مضطردا بفضل الارتفاع السريع للطلب. كما أن مردودية شركات الأمن الخاص عرفت زيادة هامة بفضل ارتفاع الأسعار وانخفاض الأجور.

إلا أن تدني نوعية الخدمات الأمنية المعروضة الناجم عن سوء التكوين الأساسي والمستمر أثر على الطلب الذي أعيد توجيهه إلى شركات الأمن الخاص الأحسن هيكلة والأكثر احترافية مما دفع بعضها إلى مغادرة السوق في حين استمرت شركات أخرى في مزاولة أعمالها رغم انخفاض مردوديتها. ويمكن تحليل هذه الظاهرة بالاعتماد على مفهوم منحنى ليفر (courbe de Laffer) الذي طبقناه هنا لفهم التطور العام لمردودية شركات الأمن الخاص بالمغرب. وبعبارة أخرى، يمكن الجزم أن مردودية هذه الشركات عرفت تحسنا هاما خلال الفترات الأولى المصاحبة لنشأتها وتطورها وذلك بفضل ارتفاع الطلب وتقلص النفقات بما في ذلك الأجور، ثم بدأت المردودية بعد ذلك في الانخفاض بعد بلوغ مستواها الأقصى وذلك نتيجة لتدني الخدمات الأمنية وانخفاض الطلب, وبفضل هذه المقاربة المفاهيمية، استطعنا رسم منحنى المردودية المتعلق بشركات الأمن الخاص بالمغرب والذي يتخذ شكل U اللاتيني مقلوبا.

ويلاحظ أن بعض شركات الأمن الخاص بالمغرب استطاعت أن تستمر في مزاولة نشاطها بفضل احترافيتها وعوامل أخرى خاصة تركيزها على قطع سوق بعينها واستعانتها بعلاقاتها المتميزة مع دوائر المخزن. واستطاعت شركات أخرى خاصة الأكثر احترافية تحسين مردوديتها مما أدى إلى ازدياد نموها إلا أن معدل ارتفاع مردودية القطاع بصفة عامة يبقى ضعيفا بالمقارنة مع قطاعات أخرى.
3. هل هناك فعلا استغلال بشع للعمال من طرف شركات الأمن الخاص بالمغرب؟

تعتبر الشركة في علم الاقتصاد وحدة للإنتاج تهدف أساسا إلى تعظيم الربح. إلا أن الشركة هي بمتابة وحدة اجتماعية أيضا بحكم تواجد علاقات وروابط اجتماعية داخلها والمسؤولية الاجتماعية المنوطة بها كمقاولة مواطنة ومسؤولة (Alexandra, Baker et Caparini, 2008). وللبعد الاجتماعي للمقاولة روابط وثيقة بالاقتصاد. فالاقتصاديون الذين يعتمدون في تنظيراتهم على مفهوم الطلب الكلي أمثال الاقتصادي الإنجليزي جون مينارد كينز يرون أن الوضعية الاجتماعية والمالية للطبقة العاملة لها تأثير عميق على الاقتصاد ككل. ويعني هذا أن مستوى الأسعار والامتيازات الاجتماعية المخولة لعمال الأمن الخاص من شأنها أن تزيد من مستوى الطلب الكلي ومن ثمة الرفع من مستوى الدخل القومي.

وللأسف، يلاحظ أن لأرباب شركات الأمن الخاص في المغرب سلوك نيوكلاسيكي يسعون من خلاله إلى تعظيم الربح. فأرباب هذه الشركات يميلون إلى تقسيم العائدات إلى ثلاثة أقساط: الربح والأجور والنفقات الأخرى. ويعني هذا أن مجموع النسب المئوية لهذه الأقساط إلى قيمة العائدات يساوي %100. وتتمثل الإشكالية في كون أرباب شركات الأمن الخاص يطمحون إلى تعظيم نسبة الربح إلى العائدات ولن يتأتى لهم ذلك إلا بتقليص نسبتي الأجور أو النفقات الأخرى أو هما معا. وبما أنه من الصعب تقليص نسبة النفقات الأخرى في بيئة تتسم باحتدام المنافسة، تميل شركات الأمن الخاص في المغرب إلى الاعتماد المفرط على الأجور المتدنية بالنسبة إلى العائدات. وبهذا تصبح أجور البؤس وسيلة لتحسين المردودية وإغناء أصحاب شركات الأمن الخاص. وهذا يبين بما لا يدع مجالا للشك أن هناك استغلالا مفرطا لأعوان الامن الخاص. وكمثال على ذلك، تؤدي بعض شركات الأمن الخاص لعمالها المبتدئين أجورا شهرية تقل عن 110 دولار أمريكي مع ترقية بطيئة جدا ودون تغطية صحية ولا امتيازات اجتماعية. ورغم ذلك ينتظر من أعوان الأمن الخاص أن يتفانوا في عملهم. أليس ذلك ضربا من الخيال في ظل الوضعية الاجتماعية والاقتصادية المزرية التي يتخبط فيها هؤلاء الأعوان؟ ويبدو من خلال هذا التحليل أن الاستغلال المفرط لعمال الأمن الخاص يترجم على أرض الواقع التفسير الماركسي الذي يرى أن الرأسماليين ينحون إلى استخراج فائض القيمة من العمال وبعد ذلك إلى تحويل هذا الفائض إلى الربح.

ولاستيعاب أحسن للاستغلال البشع للعمال في قطاع الأمن الخاص، دعونا نقوم بصياغة نموذج رياضي اقتصادي قياسي نسعى من ورائه إلى معرفة محددات الأجور في هذا القطاع. يوضح هذا النموذج أن الأجور في القطاع المذكور تتحكم فيه العائدات ومعدل البطالة وأجور قطاع الأمن النظامي ومعدل التضخم. أما فرضياتنا فتتمثل في أن التأثير المنتظر لمعدل البطالة على أجور أعوان الأمن الخاص سيكون سلبيا بينما ينتظر أن يكون مفعول المتغيرات الأخرى إيجابيا. وبالفعل، تشير التقديرات الأولية إلى أن قيمة العائدات وأجور قطاع الأمن النظامي ومعدل التضخم تؤثر إيجابيا على أجور القطاع إلا أن هذا التأثير يبدو ضعيفا مما يعني أن المأجورين لا يستفيدون من ارتفاع العائدات إلا الفتات والنذر القليل وأن الأجور في القطاع لا تساير كثيرا مثيلتها في قطاع الأمن النظامي وأن العمال يعانون من مشكل الوهم النقدي بحيث أنهم لا يكادون يفرقون بين القيمة الإسمية والقيمة الحقيقية لأجورهم نظرا للجهل الاقتصادي والمالي الذي يعشش في عقول الأغلبية الساحقة منهم. إلا أن النتيجة القياسية الأهم تتمثل في أن ارتفاع العائدات بنسبة 1 في المائة لا يترتب عنه إلا ارتفاع طفيف للأجور بنسبة 0,10 في المائة كما تبينه تقديراتنا المتعلقة بمرونة الأجور في علاقتها بالعائدات. ويعني هذا أن هناك استغلالا نسبيا للعمال. ويتناقض هذا مع تصريحات أرباب العمل في القطاع والذين يزعمون أن تدني الأجور ناجم عن ضعف المردودية في حين تبين تقديراتنا الأولية أن تلك الأجور لا تكاد تساير تطور العائدات. وتوضح هذه النتيجة القياسية أن شركات الأمن الخاص بالمغرب تعتمد أساسا على مقاربة توسعية مما يعني أنها تعمد إلى توظيف أكبر عدد ممكن من العمال حتى يتسنى لهم الرفع من العائدات دون الزيادة في مستوى إنتاجية العمل. وهنا يتبين أن قطاع الأمن الخاص بالمغرب يعتبر من القطاعات التي تستفيد من اقتصاد الريع الذي طبع النظام السياسي ولاقتصادي المغربي طيلة حقب طويلة وما زال يطبعه في الوقت الراهن. فأين دور الدولة في سياق يتميز بالاستغلال البشع والجشع لعمال القطاع؟ ما هي مسؤولية الدولة وهل نتوفر آليات لمحاسبة النظام على ما يتخبط فيه القطاع من مشاكل لا تعد ولا تحصى؟ الكل يعرف أن الدولة المغربية تضمن المستوى الأدنى للأجور والدولة تعرف حق المعرفة أن شركات الأمن الخاص تؤدي أجورا تقل بكثير عن المستوى الأدنى المضمون ورغم ذلك فإنها تتمادى في غيها ولا تحرك ساكنا مع العلم أن بعض شركات القطاع تتحايل على القانون بزعمها أنها تشغل عمالا مؤقتين. فكيف يعقل أن يتم استتباب الأمن في ظل تدهور التكوين والاستغلال البشع للعمال؟ وما هي تداعيات هذه الوضعية على الحكامة الديمقراطية في البلاد؟

4. تداعيات تدهور التكوين والاستغلال البشع لعمال الأمن الخاص على الحكامة الديمقراطية في المغرب

ليس من الهين تقييم مفعول خوصصة الأمن على الحكامة الديمقراطية في المغرب بالاعتماد على نوعية الاحترافية والاستغلال المفرط للعمال. كما سلف الذكر، لم يول القانون 27ّ/06 أي اهتمام للتكوين في قطاع الأمن الخاص ولا للاستغلال البشع الذي يتعرض له العمال في هذا القطاع. وبالإضافة إلى هذا فإن السلطات العمومية قد همشت الدراسات الأكاديمية في هذا المجال. وتبين هذه النواقص كلها أن الدولة المغربية لا تتوفر على الحكامة الضرورية لتنظيم وتدبير قطاع الأمن الإستراتيجي والحساس.

وتبقى المشاكل عالقة وتشتد خطورة الوضع داخل القطاع دون رد فعل حقيقي وفعال من طرف أجهزة الدولة. فالأمن الخاص يكون في كثير من الأحيان منبعا لخوصصة العنف. أما أعوان الأمن الخاص فينحون في معظم الأوقات إلى طلب الرشاوى مقابل الحفاظ على أمن بعض الزبناء بينما يهملون أمن أولائك الذين لا يقبلون الانغماس في لعبة الرشوة. وهنا تطفو على السطح إشكالية خوصصة الرشوة التي تنضاف إلى الرشوة المستشرية في القطاع العام والتي تهدد مصداقية القوانين وتنخر جسد الأمة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ومؤسساتيا (Mansouri, 1999). ويجدر الذكر أن كثيرا من الجهات في المغرب، خاصة في المناطق الريفية وعدد من المدن الصغيرة والمتوسطة، لا تستفيد بتاتا من خدمات الأمن الخاص ولهذه الوضعية تداعياتها على العدالة الاجتماعية والفقر (Isima, 2008). ويعني هذا أن خوصصة الأمن تعمق الفوارق الأمنية في بيئة تتسم بالانسحاب التدريجي للدولة من الحقل الأمني.

إن كل هذه الاعتبارات تبين أن خوصصة الأمن زادت من حدة مشاكل الحكامة الديمقراطية في المغرب. ولذلك فمن أجل تحسين الحكامة في القطاع الأمني ومن ثمة تقوية الحكامة الديمقراطية في البلاد، لا مناص من تدخل الدولة ومراقبتها لشركات الأمن الخاص. كلما توفرت الحكامة الجيدة داخل المقاولة، تحسنت الحكامة الديمقراطية على مستوى أجهزة الدولة. وفي هذا الإطار، يمكن تقييم نوعية الحكامة لدى شركات الأمن الخاص انطلاقا من تقييم مستوى الاحترافية ودرجة استغلال العمال. وبما أن أداء شركات الأمن الخاص سيئ في هذين المضمارين، فإن أمن البلاد ككل سيصبح في كف عفريت. فسوء الحكامة لدى شركات الأمن الخاص يؤثر سلبا على الحكامة الديمقراطية على المستوى الكلي وتبقى الدولة مسؤولة على هذا الوضع نظرا لضعف عناصر المسؤولية والشفافية ومصداقية القوانين التي تحدد بشكل أساسي نوعية الحكامة الديمقراطية.

ينتظر من شركات الأمن الخاص أن تحسن حكامتها إلا أنه من غير المعقول أن تبقى الدولة مكتوفة الأيدي في انتظار تحسن تلك الحكامة. فلا بد من تدخل الدولة في هذا المجال ولا بد من مراقبة فعالة للقطاع في إطار المفهوم الجديد للسلطة. يبدو أن شركات الأمن الخاص أساسية لتحريك دواليب دولة عصرية. فالمشكل لا يتمثل الآن في قبول أو عدم قبول شركات الأمن الخاص بل في استخدامها لاستتباب الأمن. وفي هذا الصدد، تعتبر نوعية الاحترافية وضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعمال عناصر أساسية في إطار الحفاظ على الأمن وتحسين الحكامة الديمقراطية.

5. ملاحظات ختامية

يبدو أن خوصصة الأمن يمكن أن تؤثر سلبا على مشروعية النظام السياسي وسيادة الدولة. إلا أنه لا يجوز دائما اعتبار خوصصة الأمن مظهرا من مظاهر اندحار الدولة بل تعبيرا عن إعادة تحكم السلطات العمومية في احتكار العنف المشروع.
إن دراسة خصائص معينة لشركات الأمن الخاص تكتسي أهمية قصوى بالمقارنة مع دراسة مظاهر أمنية عامة كما جرت العادة على ذلك. وقد سلكنا هذا الطريق من خلال تحليل ظاهرتي الاحترافية واستغلال أعوان الأمن الخاص وعلاقاتهما بنوعية الحكامة الديمقراطية في المغرب. وحاولنا في هذا الإطار استنباط نتائج تحليلية وقياسية وربطها بالمفهوم العام للحكامة الديمقراطية. وبينت هذه الدراسة أن شركات الأمن الخاص بالمغرب تتقصها الاحترافية وأن الاستغلال المفرط يميز الأغلبية الساحقة منها مما يؤثر سلبا على الحكامة الديمقراطية. إلا أن الموضوع يحتاج إلى مزيد من التحليل على المستويين المفاهيمي والمنهجي وهذا ما سنحاول القيام به مستقبلا في إطار بحث مستفيض.

المراجع

Alexandra, Andrew; Baker, Deane-Peter and Caparini, Marina (eds.). (2008). Private Military and Security Companies: Ethics, Policies and Civil-Military Relations, Routledge,CASS Military Studies, Oxon
Amourag, A. (2006), “Profession: Transporteur de Fonds”, Maroc Hebdo International, 3-9 février 2006.
Avant, D. (2005). The Market for Force: The Consequences of Privatizing Security, Cambridge University Press, Cambridge
El Atouabi, M. (2005), “Sécurité Privée: Un Secteur en Vogue”, Maroc Hebdo International, 16-22 décembre.
Hibou, B. (ed.). (1999). La Privatisation des Etats, Karthala, Paris, France.
Holmqvist, C. (2005), “Private Security Companies: The Case for Regulation”, SIPRI Policy Paper N° 9, Stockholm International Peace Research Institute, Stockholm, Suède
Isima, Jeffrey. (2009). “The Global Marketplace and the Privatization of Security”, IDS Bulletin, Vol. 40, N°2, mars. Transforming Security in an Unequal World.).
Le Matin du Sahara et du Maghreb. (2009), “Sécurité Privée : Un Métier qui Baigne dans l’Anarchie”, 25 mars.
Mansouri, Brahim. (1999). "أسباب الرشوة وعواقبها الاقتصادية: أية آفاق للإصلاح؟"، جريدة بيان اليوم، 9 يناير 1999، ألدار البيضاء، المغرب
Mansouri, Brahim, Brahim Elmorchid, Mustapha Ziky et S. Mohamed Rigar. (2006). “Understanding Reforms: A Country Case Study of Morocco”, in Joseph Menash (ed.), Understanding Economic Reforms in Africa: A Tale of Seven Nations, Palgrave McMillan, Houndmills, Basingstoke, Hampshire, Angleterre
Ocqueteau, F. (1999). “ Le Secteur de la Sécurité Privée”, Revue Française d’Administration Publique, N°91.
Pérouse de Montclos, Marc-Antoine. (2008). Etats Faibles et Sécurité en Afrique Noire, L’Harmattan (Déviance et Société), Paris, France
Weber, Max. (1964), The Theory of Social and Economic Organization, Edition T. Parsons, Free Press, New York, USA


– أستاذ التعليم العالي بشعبة الاقتصاد ومدير مجموعة البحوث الاقتصادية والمالية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية التابعة لجامعة القاضي عياض بمراكش



#إبراهيم_منصوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- ” استعلم عن موعد الصرف واستفيد من الزيادة” الاستعلام عن روات ...
- “متاح الان” موقع التسجيل في منحة البطالة الكترونيا 2024 بالج ...
- بُشرى سارة للجميع زيادة رواتب الموظفين في العراق! 2.400.000 ...
- “عاجل بشرى سارة اتحدد أخيرا” موعد صرف رواتب المتقاعدين في ا ...
- مد سن المعاش لـ 65 لجميع موظفين الدولة بالقطاع الحكومي والخا ...
- زيادة الأجور تتصدر مطالب المغاربة قبيل عيد العمّال والنقابات ...
- حماس تدعو عمال العالم لأسبوع تضامن مع الشعب الفلسطيني
- “وزارة المالية 100 ألف دينار مصرف الرافدين“ موعد صرف رواتب ا ...
- جددها الان من هنا.. اليكم رابط تجديد منحة البطالة في الجزائر ...
- “880.000 دينار فوري مصرف الرافدين“ وزارة المالية العراقية تُ ...


المزيد.....

- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل
- نظرية الطبقة في عصرنا / دلير زنكنة
- ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟ / محمد الحنفي
- نضالات مناجم جبل عوام في أواخر القرن العشرين / عذري مازغ
- نهاية الطبقة العاملة؟ / دلير زنكنة
- الكلمة الافتتاحية للأمين العام للاتحاد الدولي للنقابات جورج ... / جورج مافريكوس


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - إبراهيم منصوري - شركات الأمن الخاص بالمغرب: احترافية متدنية واستغلال بشع للعمال