أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم منصوري - بوكماخ في بلاد السنغال














المزيد.....

بوكماخ في بلاد السنغال


إبراهيم منصوري

الحوار المتمدن-العدد: 3010 - 2010 / 5 / 20 - 09:58
المحور: الادب والفن
    


إبراهيم منصوري، أستاذ الاقتصاد بجامعة مراكش/المغرب

بوكماخ في بلاد السنغال

كاتب هذه القصة الواقعية هو الدكتور إبراهيم منصوري، أستاذ العلوم الاقتصادية بكلية الحقوق (جامعة القاضي عياض/ مراكش/ المغرب). بريده الإلكتروني هو : [email protected]، ورقم هاتفه المحمول هو : +212614254664.

هذه القصة ليست من نسج الخيال. لقد عايشها الدكتور إبراهيم منصوري في داكار عاصمة السنغال. تحتوي هذه القصة على إيحاءات متعددة. والله المعين مع تحياتي للقارئ العربي من المحيط إلى الخليج. مع تمنياتي بالتوصل بملاحظاتكم واقتراحاتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بوكماخ في بلاد السنغال

في ذلك اليوم من شهر أغسطس، كان الجو حارا في داكار، عاصمة السنغال، بعد يوم ممطر كما العادة في فصل الصيف بالمناطق الاستوائية. كانت الساعة تشير إلى ما يقارب السادسة مساء بتوقيت غرينتش. كنت في ذلك الوقت جاثما في غرفتي بالحي الراقي التابع للمدرسة العليا الأفريقية لدراسات تدبير المقاولات والإدارات. أخذت حماما مريحا ثم خرجت مباشرة إلى شارع ديغول الذي يأوي مبنى الإذاعة والتلفزيون لدولة السنغال والجامع الكبير الذي بني في الستينات من القرن الماضي بمساهمة من ملك المغرب الراحل الحسن الثاني. تمشيت لبضعة أمتار في الشارع حتى ناداني شيخ طاعن في السن كان متربعا على حصيرته الأفريقية. كانت حوله بضعة كتب موضوعة بعناية فوق حصيرة أفريقية ثانية كانت أنقى وأبهى من تلك التي كان يفترشها. لفت انتباهي للوهلة الأولى تواجد كتاب من بين أمهات الكتب الموضوعة فوق الحصيرة. قلت حالا في قرارة نفسي: "هذا كتاب علمني في صغري وتعلمت منه وجالسته وخير جليس في الزمان كتاب". لبيت نداء الشيخ ذي اللكنة الأفريقية فدعاني إلى الجلوس على كرسي صغير مصنوع يدويا من القصب الهش. كان رأسه يشتعل شيبا وكان محياه مضيئا حتى خيل لي أنه من أحفاد إحدى الزوايا الشريفة الضاربة جذورها بغرب أفريقيا كما في بلدان المغرب العربي. كان أمامه مصحف كريم موضوع بعناية فائقة فوق رف مجنوح من خشب أنيق. التفت إلي الشيخ الكريم فسألني بفرنسية ذات لكنة أفريقية من أي بلد أوروبي أتيت. أجبته حالا أنني لست أوروبيا بل أفريقيا مثله. ارتسمت على وجهه علامة تعجب وريب معتقدا أنني أمزح. ورغم تأكيداتي المتكررة على أصلي الأفريقي، تمادى الشيخ الكريم في تعجبه وريبه مؤكدا أنني أوروبي بامتياز. تناسيت تماديه فسألته عن دوافع دعوته لي للجلوس فوق كرسيه القصبي الصغير. أجابني حالا أنني مسحور وان تلاوته للقرآن على رأسي ستشفيني. بدأ الشيخ يتلو على مسامعي آيات بينات من الذكر الحكيم وبدون أي خطأ نحوي أو إملائي ولكن مع صعوبات في نطق بعض حروف لغة الضاد كالحاء والعين والغين والقاف. كنت أنصت لتلاوته بخشوع حتى انتهى. كان حينها يتلو على مسامعي آيات بينات من سورة الرحمان. شكرت الشيخ الكريم عن تلاوته ثم بادرته بالسؤال عن الكتاب النفيس وفي قرارة نفسي أن ذلك الكتاب علمني وتعلمت منه أيام الصبا وجالسته وخير جليس في الزمان كتاب : "من أين لك هذا الكتاب النفيس الذي تحتفظ به على حصيرتك؟". أجاب الشيخ الكريم بلكنته الفرنسية الأفريقية: "إن في هذا الكتاب المغربي لسحر، لقد تعلم منه الأفارقة غير الناطقين بالعربية أصول لغة الضاد وهناك الكثير من نسخ هذا الكتاب في جميع الأرجاء بغرب أفريقيا". ثم أضاف: "هذا الكتاب المغربي نفيس وساحر؛ أنظر صورة الطفل والطفلة وأيديهما متشابكة على غلاف الكتاب المغربي الساحر؛ إنهما في صحة جيدة، و هذا من فضل الله !!". سألته عن أصله الأفريقي فقال إنه غيني واسمه ابن صالح. عرفت من خلال نقاشاتي معه أنه من غينيا-كوناكري، بلاد أحمدو سيكوتوري ولانسانا كونتي وداديس كامارا (وشتان بينهم)، وليس من غينيا-بيساو أو غينيا الاستوائية؛ أما غينيا الجديدة فلا حول ولا قوة لنا بها لأنها في قارة أخرى. كانت عيناي حينها على كتابي الذي علمني في صباي وتعلمت منه وجالسته وخير جليس في الزمان كتاب. لا زال الكتاب السحري جاثما على الحصيرة الأفريقية الأنيقة. أضاف الشيخ ابن صالح أن الكتاب ديني من أصل مغربي ضانا أنني أوروبي. حينها انقضضت على كتابي الذي علمني وتعلمت منه وخير جليس في الزمان كتاب. وضعت الكتاب النفيس تحت إبطي فتذكرت الأستاذ محمد شكري في خبزه الحافي حين قال متهكما "إن الإنسان يولد متأبطا خبزه". كان الشيخ الغيني ابن صالح في تلك الهنيهة يعيش في السحاب. لم يدرك شيئا ولعل أن على عينيه غشاوة. وهبته ما مقداره مئة درهم مغربي بالفرنك الأفريقي بعد إجراء عملية حسابية مستعملا في ذلك الصيغ المعروفة عند الاقتصاديين فيما يتعلق بسعر الصرف. أخذت الكتاب الذي علمني وتعلمت منه وخير جليس في الزمان كتاب. عدت إلى غرفتي المريحة في المدرسة العليا الأفريقية لدراسات تدبير المقاولات والإدارات. فتحت الكتاب النفيس فوجدت بين صفحاته مما وجدت أوراقا تحوي مما تحوي أرقام هواتف محمولة لآنسات وسيدات مثيلات "سينبو" و "أمينتو ديالو" و"أميرتو ديارا" و"عايشتو واد" وغيرهن. رحمك الله يا أستاذ بوكماخ. أنت الذي علمتني وتعلمت منك ولديك كتاب يعرفه الناس حتى في غرب أفريقيا، وخير جليس في الزمان كتاب. في هذا الزمن الرديء، تناسلت المقررات فكثرت. فسدت المنظومة فاندحرت. أية منظومة هذه ؟ إنها المنظومة التربوية المغربية. إنها من إيحاء الأستاذ بوكماخ في بلاد السنغال.



#إبراهيم_منصوري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكرى الوالدة
- في مدح النمو: أشعار في مفهوم غير مفهوم
- قصيدة شوق جديدة: من اللسان الأمازيغي إلى لغة الضاد
- في مدح صاحب الجلالة أصل النمو: حفنة أشعار في مفهوم الادخار
- شركات الأمن الخاص بالمغرب: احترافية متدنية واستغلال بشع للعم ...


المزيد.....




- البروفيسور عبد الغفور الهدوي: الاستشراق ينساب في صمت عبر الخ ...
- الموت يغيب الفنان المصري عماد محرم
- -محاذاة الغريم-... كتاب جديد في أدب الرحلات لعبد الرحمن الما ...
- -أصيلة 46- في دورة صيفية مخصصة للجداريات والورشات التكوينية ...
- -نَفَسُ الله-.. هشاشة الذات بين غواية النسيان واحتراق الذاكر ...
- جبل كورك في كردستان العراق.. من خطر الألغام إلى رفاهية المنت ...
- لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟ ...
- الذكاء الاصطناعي يختار أفضل 10 نجوم في تاريخ الفنون القتالية ...
- شباب سوق الشيوخ يناقشون الكتب في حديقة اتحاد الأدباء
- الجزيرة 360 تشارك في مهرجان شفيلد للفيلم الوثائقي بـ-غزة.. ص ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم منصوري - بوكماخ في بلاد السنغال