أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عامر عبد زيد - التأويل والريبة عند ماركس















المزيد.....



التأويل والريبة عند ماركس


عامر عبد زيد

الحوار المتمدن-العدد: 3125 - 2010 / 9 / 15 - 11:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



مدخل

ينطلق ماركس من رؤية تقوم على الارتياب بالمؤسسة والمنهج الفلسفي ، ويعمل على المزج بين الاثنين في تصوراته لنظرية المعرفة ،أي علاقة الذات العارفة بموضوع المعرفة فتحول من مثالية هيجل إلى المادية التاريخية ،وفي هذا الموقف النقدي للمعرفة يمنحها بعدا واقعيا، عبر التأكيد على الاغتراب القائم على الملكية الخاصة , وعلاقتها بالأسس الإيديولوجية للنظام الاقتصادي .
لهذا ينبغي، أن نعتبر فلسفته تلك هي بمثابة مشروع نقدي لكل عوامل التسلط والهيمنة التي تعتمد على القوة والتضليل الإيديولوجي الذي ينعكس بشكل جذري من خلال "المؤسسة" سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو دينية أو اجتماعية ؛إلا أنها تبقى قائمة على السلطة والتسليم كما هو حال الكنيسة -على سبيل المثال - فهي جامعة بين السلطة الرمزية والتسليم الذي يشيعه التأويل العقائدي هو "إيمان عدة قرون" ؛ بهذا القول فان ماركس يهدف إلى تأسيس خطاب يشيع قيم نقدية جديدة و" يريد المغايرة عبر تحويل العالم أي " خالق العالم" وان يمتلكه او يغيره من السلب إلى الإيجاب بقوته وحدها،وبهذا القول يكون قد تجاوز مطالب فلاسفة التنوير الذين اعتمدوا المعرفة بوصفها الوسيلة الوحيدة للتغير من الجهل الى المعرفة إلا أن ماركس وجد أن دور المثقف لا يكتفي بالتنوير بل العمل على تغير الواقع .
اما العلاقة بالطبيعة ومقولة إخضاعها إلى إرادة الإنسان، لم تكن هذه الرؤية في حيثياتها غريبة عن الحداثة وعلاقتها بالطبيعة . ولعل هذا يظهر جليا من خلال العلاقة بين التصور العلمي وما قدمته العلوم من قدرة على تغير الواقع والهيمنة على مقدرات الطبيعة وجعلها تصب في خدمة الإنسان؛ ومن هنا تظهر روح المغايرة الإنسانية في تغير العالم وبالتالي يظهر دور الإنسان في التغير والمقاومة .إننا نجد ماركس كان قد قيد هذا الفعل عبر الأتي:
التصورات القائمة على نقد الذات المثالية ، و التأكيد على البعد المادي. .إذ تغدو(كينونة الأفراد ترتبط بالظروف المادية للإنتاج) هذا التصور لم يأت بشكل مفاجئ بل انه وليد صيرورة فكرية لها مواضعاتها التي نستطيع العودة به إلى التأويلات التي حدثت من قبل في الفكر الغربي :"الفرنسي ، والألماني السابق "؛عند كل من الطوباويون الاشتراكين ومن قبلهم المؤرخين الفرنسيين والمادية الفرنسية،ألا أن تلك التأويلات كانت تدور في حلقه مفرغه (البيئة تخلق الإنسان ، أو الإنسان يخلق البيئة، أي بعبارة أخرى ظهر أن تطور الاحتياجات الاجتماعية أنما يفسره تطور الطبيعة الإنسانية)( ) .
لقد كان هذا المشروع ألارتيابي بالسلطات المؤسسة جزء من أرضيه واسعة للصراع بين الحسيين والعقليين في مجال المعرفة وبين الماديين المثاليين في مجال الوجود ، كونت مشكلة العلاقة بين الفكر والوجود أيهما اسبق : الفكر ام الوجود، الذين يقولون بأولوية الفكر هم "المثاليين" وإما الذين يقولون بأولوية الوجود على ألفكر هم "الماديين".هذا التحول من الذات العارفة المثالية إلى العمل فالوعي نتاج جماعي ( على عكس الوعي الدّيكارتي الذّاتي ) يعبّر عن حركيّة "البراكسيس التاريخي" رغم هذا الادعاء الذي يتعال على المعرفة ويلحقها بالوجود الخارجي متمثل هنا بالاقتصاد
لهذا نحاول معالجة الموضوع من خلال تناول الامر من خلال ثلاثة مباحث :

المبحث الأول:الاغتراب الإيديولوجي.
المبحث الثاني:نظرية الاغتراب.
المبحث الثالث:المشروعية العلمية والخطاب التاريخاني.



المبحث الأول
الاغتراب الإيديولوجي
"الأسس الاعتيادية للاغتراب"

وفيه تناول نقد الدين والفلسفة معا ؛فنقد تلك المؤسسة القائمة على الإيمان عدة قرون أي نقد الدين والفلسفة والدولة( ). لقد تعامل ماركس مع الواقع إي بنية الأشياء وما تشكله من اثر عبر العلاقات الداخلية فيها من ناحية ومن ناحية أخرى عمل على نقد الرموز بوصفها حقيقة, بل تعامل معها على أنها انعكاس لبنية السلطة وبالتالي كان مرتابا بها لا يرى وجوب الوثوق بها. بل يجب العمل على إزالتها وصولا إلى المعنى المراوغ وراءها فليس الأخلاق والدين والميتافيزيقا لها تاريخ مستقل بذاتها؛ لان كل تاريخ هو تاريخ الإنسان ،أن الرموز بهذه الحالة لا تشف عن المعنى بل تخفيه، لأنه ينظر إلى هذه التصورات بوصفها انعكاسا ظاهريا لبنية عميقة هي الاقتصاد ،وقوى الإنتاج إذ إن تغير الأخير يعني بالضرورة تغير الأولى.

أ-موقفه من الدين :

نجد هنا موقفا مرتابا من المؤسسة الدينية يعود إلى أرضيه تربى داخلها ماركس تمثلت : بالصراع بين الكنيسة، وعصر الأنوار من جهة وأيضا موقف الكنيسة من معاناة العمال فهذه المؤسسة لم تكن منتقده بل مجرد تعد بالعزاء للمؤمنين لذلك فإن نضال ماركس لم يكن ضد الدين إنما ضد أسباب وجوده. فحقيقة الغربة الدينية للإنسان تكمن في أصلها و مبدئها أي في أسباب حدوثها و تطورها. بالتالي فمع القضاء على أسباب هذه الغربة يختفي الشعور الديني تلقائيا. لذلك يجب النضال ضد أسباب هذه الغربة الدينية و ليس ضد الدين. كتب ماركس في موضوعاته عن فويرباخ: (إن الفلاسفة لم يفعلوا غير أن فسروا العالم بأشكال مختلفة و لكن المهمة تقوم بتغييره ). هذا هو جوهر المثقف التنويري او بتعبير غرامشي المثقف "الملتزم" أو "العضوي " لذلك يرى ماركس أن نقد الدين يجب أن يكون من أجل المعرفة أي من أجل معرفة حقيقة أصلية و بالتالي يكتشف الإنسان التناقض بين (الإله) و ماهية البشر الحقيقية. وفي هذا يقول جورج لارين: بواكير نقد ماركس للدين بداية نقده للآلية بل ويبدأ معها وهو يعتبر أن الدين تعويضي للعقل عن قصور الواقع الاجتماعي إذ يعيد بناء الواقع في الخيال ،فحلول الدين حلول وهمية ألانها تتجاوز الواقع الحقيقي( )
و هذه الجملة " أفيون الشعب": مشهورة ؛ و لكن هل يفهم هذه الجملة جميع من يستخدمها ؟ الوقت الذي عاش فيه ماركس كان عصر التطور الصناعي و بالتالي فقد العمال في هذا النوع من الصناعة العلاقة مع البضاعة التي ينتجوها لأنهم تحولوا من منتجين للبضاعة إلى خدم للآلات التي تنتج البضاعة. هذا أدى إلى تذمر العمال و إحساسهم بالاستغلال.في هذا الوقت نشأت هذه الجملة "الدين هو أفيون الشعب". لأن الإنسان يستطيع احتمال الألم الجسدي بمساعدة الأفيون و كذلك فإن الشعب يستطيع احتمال الألم الناتج عن بؤس الحياة بواسطة الدين. فالأفيون يوهم الإنسان بشعور السعادة و كذلك الدين.( )
هذا النظام الديني قد تعرض للنقد بوصفه المؤسسة التي ساهمت في تعميق الألم دون العمل على إزالته ،ولعل هذا النوع من الدين المتواطئ مع النظام القائم ويطالب الناس بالطاعة وعدم الخروج على ولي الأمر وهو الذي يظهر في عبارة ماركس(أن الشقاء والدين هو من جهة تعبير عن الشقاء الدافعي ،ومن جهة أخرى احتجاج على الشقاء الواقعي .الدين هو تنهيدة الكائن المقهور ،وقلب العالم القديم)( ).
بالمقابل ثمة تصور أخر للدين فهو لم يكن مجرد معز بل كان له اثر عظيم في التغير . يبدو إن المدخل الذي ينفذ منه ماركس إلى نقد الدين كونه تعويضيا تخديريا ألا انه في الوقت نفسه غاب عن ماركس البعد المغير للدين ضد الظلم والقهر كما في الثورات التي خاضتها جماهير الفلاحين في العصور الوسطى إذ كان الدين هو الحافز على الثورة والمطالبة بالتغير (حيث أن الإيديولوجية تشير على نحو مباشر إلى البعد العملي في الدين ،بيد أن الأكيد الأخير بالمقابل ،لا يعني ألبتة إعداما للقيمة النظرية حتى في الإيديولوجية الدينية)(14) وبالتالي إذن هناك جانب غاب عن ماركس هو الجانب الايجابي من الدين ولعل هذا كان يظهر في القراءات الثورية للدين والتي تأخذ المشروعية من الدين لكن في ضوء قراءة جديدة خارج أفاق المؤسسة التقليدية.

ب- موقفه من الفلسفة:

لقد صاغ ماركس هذه الرؤية نتيجة الظروف التي عاشتها الرأسمالية في القرن التاسع عشر ،إذ بنى ماركس تفكيره على فضل القيمة بوصفها العامل الأول في تراكم الرأسمال وقيام طبقة رأسمالية مستقلة تمتص دماء طبقة العمال المأجورين وعلى الفهم المادي للتاريخ الذي يرى أن التاريخ كله عبارة عن صراع بين الطبقات التي تتناقض مصالحها .( ) لهذا نراه يقف إزاء الفلسفة موقفين: الأول من نقد فلسفة الروح الهيجلية: بيد ان الاختلاف بين ماركس والفلسفة له بعدان:
الأول/ في نقد ه للتصور الذي قدمه هيجل حيث(كان هيجل يدعي انه كشف روح التاريخ الذي يجسده في فلسفته ،فكان يظن انه يعرف سر كل عصر من العصور الماضية .. رفض ماركس هذا النوع من التأليف الذي اعتمد عليه المؤرخون المتأثرون بهيجل – ورأى فيه ضرباً جديدا من التفسير الكنسي كان المؤرخ الهيجلي يبحث عن أسباب الإحداث في فلسفة هيجل لا في تطور الوقائع فانه يقلد المسيحي. يدرس ماركس هذه النقطة في بداية كتابه الايديولوجيه الألمانية ،فيقرر إن كل حقبة تاريخية تدور داخل معطيات مادية : الموقع الجغرافي وما يترتب عنه من اقتصاد ،التعداد ما يتولد عنه من قوة عسكرية ،الأدوات وما يترتب عليها من إنتاج.( )
إما الثاني فهو نقد النقد :فان القراءة التي قدمها ماركس في الإيديولوجية الألمانية كانت نقد النقد إذ النقد الأول هو ما قام به اليسار الهيجلي ( إذ كانوا يبشرون بعهد يرجع فيه الإنسان إلى ذاته ويعرف حقيقته بعد إن أنكرها مدة طويلة في ميادين الاعتقاد والفكر والحياة الاجتماعية)( ) وهذا التصور مستعار من فلسفة الأنوار الفرنسية التي ترى "الظروف" كلمة عامة تعني كل ما يجده المرء قائماً إمامه من أنظمة اجتماعية وأفكار موروثة تؤثر على الفكر وتجعله يرى الأشياء طبقاً لمنطقه هو لا طبقا لمنطق الأشياء فهي ، بالتالي حجاب أو قناع يحجب نور العقل( ) هنا يطرح اليسار الهيجلي تأويله الذي يعتمد فيه على الأنوار خصوصا في مجال الظروف, إلا انه لم يقدم معالجة لهذه الظروف التي يرى فيها ماركس أنها انعكاس لصراع طبقي (حين تحل طبقه مسيطرة جديدة ،محل الطبقة سابقة , تضطر الأولى لكي تصل إلى أهدافها إلى إظهار مصلحتها الخاصة في ثوب مصلحة عامة)( ) وهنا يظهر ماركس تخلف النقد "اليسار الهيجلي" الذي يعتمد مرجعيه خارجية هي عصر الأنوار في القرن الثامن عشر , وهي عقلانية ميتافيزيقية تعكس مصالح الطبقة الوسطى, فالمصلحة لدى ماركس( بنية العلاقات الإنتاجية التي تعمل غالباً في ذهن الفرد بدون وعي منه وتقوده أحيانا إلى إعمال تعاكس مصلحته الآنية.إن مادية القرن الثامن عشر هي التي كانت تضخم دور النفسانية والمصالح الفردية .إما المادية التاريخية فإنها ترى مصلحة الطبقة كقانون يتحكم من الخارج في النفس الفردية)( ) الملاحظ هنا إن ماركس متأثر بالتغيرات التي حدثت في التصورات الاشتراكية من جهة والتصور الذي طرحه هيجل الذي يتجاوز التصور الفردي نحو تصور جمعي شمولي هو روح العصر . فالاغتراب في مجال العمل هو أساس جميع إشكال الاغتراب بما في ذلك الاغتراب الإيديولوجي ( إن الإيديولوجية عملية ذهنية يقوم بها المفكر وهو واع ،إلا أن وعيه زائف لأنه يجهل القوى الحقيقية التي تحركه،ولو عرفها لما كان فكره إيديولوجيا ) لهذا ميز بين الوعي الصادق والوعي الزائف ،إي الايدولوجيا( )
فالمعنى الذي يشير إليه ماركس يقع بعد دلالة الإيحاء فالفلسفة هنا تضع استعارتها في الفجوة القائمة بين المعنى والإحالة . وبالتالي لا تعدو استعارته سوى سلطة مجرد تأويل إلا أنها تعتقد أنها حقيقة .وبذلك رفعت الماركسية ضد الطبقة البرجوازية الدعوة التي رفعتها البرجوازية ضد النبلاء والكنيسة ،عبر ادعاء ماركس أن الإيديولوجية تخفي مصلحة طبقة ويعلل قوله استنادا إلى تطور التاريخ.( ) أنها خطوه أخرى في مشروع الانسنة لكن هذه ألنقله من الفكر المثالي إلى عالم الأشياء مثل تأويل للعلاقة بين العقل والأشياء .تغدو الأسباب الحقيقية عنده للسلوك الإنساني غريبة عن الفكر بل متجذرة في التنظيم الاجتماعي وهو يبرهن تاريخ الأفكار على ان الإنتاج الفكري يتبدل ويتحور مع تبدل الإنتاج المادي وتحوره؟ فالأفكار والآراء السائدة في عهد من العهود لم تكن سوى أفكار الطبقة السائدة وآرائها. وحينما يتحدثون عن أفكار تؤثر تأثيرا ثوريا في مجتمع بأسره، إنما يعبرون في الحقيقة عن هذا الواقع وهو انه تشكلت في قلب المجتمع القديم عناصر مجتمع جديد، وان انحلال الأفكار القديمة يسير جنبا إلى جنب مع انحلال ظروف المعيشة القديمة. فحينما كان العالم القديم على أعتاب السقوط والزوال، انتصر الدين المسيحي على الأديان الأخرى القديمة. وحينما تركت الأفكار المسيحية محلها في القرن الثامن عشر لأفكار الرقي الجديدة، كان المجتمع الإقطاعي يقوم إذ ذاك بمعركته الأخيرة ضد البرجوازية التي كانت حينذاك ثورية. ولم يكن ظهور الأفكار القائلة بحرية المعتقد والحرية الدينية إلا إيذانا بسيطرة المزاحمة الحرة في ميدان العقائد.
ثم انه هنا يعمد إلى الارتياب في ما تقدم المادية والعقل من تأمل في أنها تواصل نقدها لتلك القيم التي سبقت النهضة وتعمل من ناحية أخرى على كشف تلك السلطات التي قدمتها الحداثة على أنها حقائق. وقد غدت عند "ماركس "الأسباب الحقيقية للسلوك الإنساني غريبة عن الفكر الوعي بل متجذرة في التنظيم الاجتماعي فليس الأخلاق و الدين والميتافيزيقا لها تاريخ مستقل بذاته لان كل تاريخ هو تاريخ الإنسان.لا يمكن إن تفهم إلا بوصفها جزءا من حياة المجتمع كلها ،تلك الحياة التي تتحدد أهدافها أولا وقبل كل شئ بالتقنيات التي تصطنعها لإشباع مطالبها. وبالتالي (فانها غير متعالية بل تتوقف صحتها أو صدقها – شانها في ذلك شأن الدعاية- على مصالح الجماعة التي ينتمي إليها من يريد الحكم عليها ؛ وكل ما يمكن الحكم عليه موضوعياً هو فعاليتها النسبية.والعناصر التي تسهم في المرحلة التالية من مراحل الصراع في سبيل التقدم المادي) فقد بدت الماركسية في تأويلات الآخرين ترى في الأفكار الدينية والأخلاقية والفلسفية والسياسية والحقوقية وما إليها قد طرأ عليها التعديل خلال التطور التاريخي، ولكن الدين والأخلاق والفلسفة والسياسة والحقوق كانت مع ذلك تحافظ دائما على بقائها خلال هذا التحول المستمر. وهنالك فوق ذلك حقائق أبدية، مثل الحرية والعدالة، الخ... وهي واحدة مشتركة في جميع مراحل التطور الاجتماعي.
إما الشيوعية فهي تلغي الحقائق الأبدية، تلغي الدين والأخلاق عوضا عن تجديدها؛ فهي تناقض إذن كل التطور التاريخي السابق ". لكن هذا الأمر له ما يعارضه لان إيديولوجية تدعي الشمولية وتمثيل مصالح الجميع هي ذاتها تحول إلى وعي زائف إيديولوجي أي قناع.
بالتالي يغدو ادعائها بتجاوز التعالي أو الشمول مجرد تأويل ؛ إنما الحياة هي التي تحدد الوعي وبالتالي الشعور مشروط بالوجود المادي والاجتماعي، وبذلك يستحيل تجريد الشعور من البعد الواقعي و إرجاعه إلى قوه مفارقة أو مجردة عبر مفاهيم تعبر عن منطق الثبات مثل الجوهر والذات والشعور والفكر التي يجب إن نتابع تكونها من خلال إعادتها إلى ظروف معينة في إطار حركة التاريخ الطويل ؛ يجعل من هذا الادعاء وبالتالي هذا التأويل الذي يقدمه ماركس إذا ما نظرنا إليه من زاوية لغوية (إذ هناك ابستمولوجية ميزت بين دلالة المطابقة ودلالة الإيحاء، وتشير دلالة المطابقة إلى النظام اللغوي الذي تعني به اللغة ما تقول ، إما دلالة الإيحاء فتكون عندما تعني اللغة غير ما تقول . بعبارة أخرى تقع دلالة المطابقة في منطقة المعنى . إما دلالة الإيحاء فتقع في منطقة ظلال المعنى )( )

المبحث الثاني
نظرية الاغتراب


نلمس هذا التصور الشعري الذي يقدمه ماركس لأثار تقسيم العمل لدى العامل الذي تعود إن يرى منتجه مكتملا بين يديه وعبر ملكية المنتجة( لقد فصلت المتعة عن العمل ،والوسيلة عن الغاية ،والجهد عن المكافئة . والإنسان ،وبعد أن قيد أبديا يجزأ واحدا من الكل ،أصبح لا يتكون هو ذاته إلا بصفته جزاءاً مقتطعاً)( )
يقول في أطروحة الدكتوراه " حيث تغيب الشمس الكونية الشاملة ،تأخذ فراشة الليل بالبحث عن نور السراج الخاص".
الاغتراب بوصفه مفهوما هو شعور الإنسان بالاغتراب عن عمله عندما يشعر أن عمله لا ينتمي( وإذا لم يكن نشاط العمل ينتمي إليه كان نشاطه غريباً عنه )( ).
إن الأمر هنا يقف إزاء البنية العميقة المتعلقة بقوى الإنتاج.(العمل) وعلى هذا الأساس أقام ماركس نظريته في الاغتراب إذ في مفهوم الاغتراب يقوم على التميز بين الوجود والماهية حيث في ظل الرأسمالية تسود القوى اللاانسانية وتفرض على الإنسان علاقاتها فالعمل ينقسم إلى الإنسان والطبيعة وبفعل تطور الملكية الفردية .حيث كان فعل الاغتراب ناتجا من غياب الحرية في قبول العمل أو رفضه أو اغتراب العامل عن نتاج عمله فهو لا يملك ما نتجه بل يذهب إلى رب العمل وبالتالي ( الإنسان يفقد حريته واستقلاله الذاتي بتأثير الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والدينية إذ يصبح ملكا لغيره او عبدا للأشياء المادية )( ).وقد تم التطرق الى المفهوم( فمفهوم الاغتراب بشكله العام عند هيجل وفيورياخ وماركس -عموما- يعني ، فصاماُ او فصلاً بين الفرد ومحيطه ينتج عن تطور النظام الرأسمالي وفي (مخطوطات ماركس 1844 ) نجد الاستعمال الاولي لمفهوم الاغتراب عند ماركس الذي يقترب كثيراً من هيجل في تحديده للدلاله المكتسبة لهذا المفهوم بعدا نفسيا حضارياً عميقاً يقترب من ذلك الفصام او الاختلال الوجودي بين الذات المضطربة وواقعها اليومي والحضاري عبر وعيها الذي لا يتسق مع الأيقاع العام للقناعة الجماعية)( )
يضع الاغتراب ضمن مخطوطاته الاقتصادية والفلسفية ،هو يقدم نقداً شاملاً للتصور المثالي والتأملي والانتربيولوجي ،ويثري المشكلة بمضمون تاريخي واقتصادي وسياسي محدد ،ويكشف مصادرها المادية ويبرهن على طابعها الزائل التاريخياً( )تدل مقولة ( الاغتراب ) في ابسط اشكالها على ان البشر ليسوا في واقع حياتهم ما يمكن ان يكونوا بحسب ماهيتهم وامكاناتهم ذلك انهم في الحقيقة مغتربون عن هذه الامكانيات وتلك الماهية، فالمجتمع الصناعي يكشف عن اغتراب الانسان في ظواهر عديدة ومتنوعة ،وانطلاقا من الوعي التنويري القائم على دور المثقف ليس فقط باكشف الظروف الكامنه وراء التخلف بل العمل على تغيرها "أي تغير العالم بحسب ماركس"اذ اكد انه ( في الوقت الحاضر، تذهب ثروة المجتمع كلها إلى يد الرأسمالي أولا... فيدفع إلى مالك الأرض ريعه، وإلى العامل أجره، وإلى جباة الضرائب والعشور ما يطلبون، ويحتفظ من الناتج السنوي الذي يخلقه العمل بقسم كبير، بل بالقسم الأكبر الذي يتنامى باستمرار. ويمكن القول الآن ان الرأسمالي هو أول من يملك كل الثروة الاجتماعية، رغم انه لا يوجد قانون يضمن له الحق في هذه الملكية... وهذا التحول في ميدان الملكية قد تحقق بفعل اخذ الفائدة المئوية عن رأس المال... وليس من الغريب في شيء ان جميع المشرعين في أوروبا سعوا لمنع ذلك بالقوانين المضادة للربا... ان سلطة الرأسماليين على مجمل ثروة البلاد تؤلف ثورة كاملة في حق الملكية، فبأي قانون، أو بأي سلسلة قوانين تحققت هذه الثورة؟)( ) لكن ماركس يقدم لهذا الواقع دراسة علموية جدلية قائمه على نقد الوعي الزائف الإيديولوجي بوصفه انعكاسا لأوضاع اجتماعية هي بدورها وليدة إبعاد اقتصادية نحاول هنا إن نقف عند التحليل الاقتصادي الذي قدمه ماركس بشكل مباشر أو عبر القراءات السابقة للنص الماركسي فالإبعاد الاقتصادية "أي قوى الإنتاج" إذ نلاحظ إن التأويل الماركسي يقوم على العامل الاقتصادي( بصفته المحرك الحقيقي لمركب البشرية في كل الميادين)( ) والذي عنا به (كل من وسائل وعلاقات الإنتاج ،أي حقوق التملك بالنسبة للأنماط الإنتاجية)( )
واعتقد إن العلاقات الاجتماعية لا تتجاوز العلاقات الجدلية بين منوال الإنتاج ووعي الشخص نفسه او نفسها بوصفها كائن أنساني،إن هذه الرؤية الجدلية للحياة الاجتماعية تحمل في طياتها تجنب النظرة الميكانيكية والوضعية للبنية الاجتماعية بقدر ما يمكن رؤية هذه البنية بوصفها ناتج للنشاط البشري( ) قد تبنى هذا التأويل المادي الجدلي وهو يشكل قطيعة مع التصور السابق(المادية الميكانيكية) بوصفها ترفض فكرة الذرة المفردة التي لا تخضع بحد ذاتها لأي نوع من أنواع التغير أو التطور أو النمو لتحل محلها مفهوم مركباً للمادة بحيث تكون للصيرورة صفة خارجية طارئة على ذرة ساكنة بذاتها كما هي الحال في التصور القديم ( )
وقد انعكست هذه التصورات في محاولة اكتشاف الذات المتحولة دائماً بانزياحاتها المتواصلة سعياً الى المغاير والتي انعكست في قانون الصيرورة بأوقاته الثلاثة: القضية ونقيضها والمركب منهما وهذه المادية الجدلية ومظهرها الاجتماعي الراهن " صراع الطبقات"فقد طرح ماركس في البيان الشيوعي 1848 لائحة المراحل الخمس لتطور المجتمعات البشرية من الشيوعية البدائية أو المشاعية ثم العبودية فالإقطاعية وبعدها الرأسمالية ثم الاشتراكية بمرحلتيها الأولى والثانية – الاشتراكية ثم الشيوعية –مبدأ كل حسب حاجته ،بعد أن كان في الطور الأول للاشتراكية :من كل حسب طاقته لكل حسب عمله( )ان ماركس في الوقت الذي كان يحلل (مشكلة العمل المغترب) كان يرمي من ذلك إلى النظر لتلك الأوضاع القائمة للعمل وفي ذهنه نفيها أو إلغاءها ففكرة ماركس عن المجتمع المرتكز على العقل تعني نظاماً لا يكون مبدأ التنظيم الاجتماعي فيه هو شمول العمل أو تكون عملية الانتاج المادية متحكمة في النمط الكامل للحياة الانسانية ، بل التحقيق الكامل لكل الإمكانات الفردية من خلال التطلع إلى مجتمع يعطي كل فرد حسب حاجته ، لا حسب عمله( )فانه كان يريد ان يبرهن على عكس الاقتصاديين التقليديين ، بان موضوعية القوانين الطبيعية مجرد وهم ، وانما هي في الواقع شكل تاريخي محدد أعطاه الانسان لنفسه ، (من أجل ان يصل الأفراد إلى ان يكونوا أحراراً من خلال إشرافهم على عملية الانتاج فالثورة الاشتراكية إذا لم تسلم للشغيل للرقابة على أدوات عمله لن تكون بأفظل مما عليه الحال في المجتمع الرأسمالي)( ) ويعرض ماركس الدليل على هذه النظرية بدراسة الحياة الاقتصادية على ما كانت في أيامه. والتي يمكن متابعتها كما عرضها في رأس المال في أربعة قضايا:

القضية الأولى : إن القيمة الحقة لكل سلطة تعادل كمية العمل المتحقق فيها بحيث يعتبر العامل المصدر الوحيد لهذه القيمة إذ يقول ماركس: ( أن كل قوة عمل فردية هي مساوية لكل قوة عمل فردية أخرى، مادامت تملك طابع قوة اجتماعية وسيطية وتعمل بوصفها كذلك ، يعني أنها لا تستخدم في إنتاج بضاعة ما، إلا وقت العمل اللازم وسطياً أو وقت العمل اللازم اجتماعياً)( ) .

إما القيمة الثانية: فأن النظام الرأسمالي بحرم العامل جزءا من قيمة عملية ،وهذا الجزء هو الزيادة في قيمة السلعة ،هو ربح صاحب المال ،وهذا الربح يتكدس فيكون رأس المال . فراس المال هو سرقة متصلة وهو أداة وسيطرة صاحب العمل على العامل.فان الأول لا يدفع إلى الثاني قيمة عملة ، وإنما يدفع إليه ما يسد جوعه بل اقل من ذلك إذا رضي العامل تبعاً لقانون العرض والطلب)( )
وهذا الموضوع قد تناوله ماركس من قبل في "المخطوطات "بقوله: إن الشئ الذي ينتجه العمل (منتوجه) يجابهه كالكائن الغريب بوصفه قوة مستقلة عن المنتج، فمنتوج العمل هو العمل الذي تثبت وتجسد في شئ فهو تموضع العمل( ).
وهذا الأمر جاء بفعل تجاوزه العمل من مرحلة القيمة الاستعمالية أو التبادلية إلى تدخل رأس المال وحددت تقسم للعمل وهي مرحلة أكثر تطورا من المرحلة السابقة يعيش منها العامل اغترابا مع سلعته.

أما القضية الثالثة: فأن من شأن الصناعة الآلية متى استخدمها الطمع المطلق من كل قيد أن تزيد التعارض عنيفاً بين رأس المال والعمل.فان كبار الرأسماليين يتغلبون على الضعف من منافسيهم ويؤلفون شركات قوية تستغل المال إلى أبعد حد، وينتهي الرأسماليون الصغار وأهل الطبقة الوسطى إلى الانضمام إلى صفوف المعوزين يحسون تضامنهم في جميع البلدان ، فيدركون شيئاً ( )
هذا التأمل ينطلق من تصور خارج معيار الايدولوجيا الذي كان يضفي الشرعية على كل هذا وأيضا خارج الإطار الابستمولوجي الاقتصادي من الباحثين الذي كانوا يجدون في هذا الأمر أمر النظر واقعيا وهذا ما نجده في ألردوده التي في رأس المال وبؤس الفلسفة ومنها ردود على وجهات النظر تلك كان ماركس يمهد إلى موقف يمثل قطيعة مع أخلاقيات الطبقة الوسطى إيديولوجيا وابستومولوجيا .فالطبقة(البرجوازية التي نالت بمقتضى الثورة الفرنسية الاعتراف "بحقها المقدس" في التملك ولا يتسنى لها البقاء والتطور إلا من خلال تلك الطبقة المجردة من أية ملكية الطبقة العاملة "أو البرولتياريا".
ثم تلقت البورجوازية البريطانية دفعة جديد دفعة جديد منذ 1776 بانتشار مبادئ الاقتصاد السياسي الكلاسيكي فيما يتعلق بحرية العمل والمرور والتجارة وجاءت الثورة لتقدم دعماً غير مباشر للتطور البورجوازي البريطاني وقد شهد الرأسمالية الصناعية المبكرة تطورا بعد تطور علاقاتها التصنيع وتوسع المستعمرات وظهور مذاهب حرية التجارة خلق توازن إقليما ودولياً.( ).لكن هذا يعني إن التحول ليس بفعل صراع بين الحرفي والرأسمالي (فالإنتاج الرأسمالي وان احتل مكان الإنتاج الفردي ، القائم على أساس ملكية الحرفي لوسائل انتاجة ،لكنه لم ينشأ عن ملكية الحرفي لأدوات إنتاجه وإنما نشأ من ظروف الطبقة التجارية ، وتراكم رأس المال عندها ،بدرجة جعلها تمارس الإنتاج الرأسمالي ،وبالتالي تسيطر على ممتلكات طبقة الحرفين )( ) إي إن الشروط الخارجية وليس الداخلية وما تحمله من تناقض يولد اختلافا لا كما يؤوله ماركس.

القضية الرابعة إن الطبقة العمالية وهي الحاصلة على الحق والعدد والقوة ، وستفور حتماً على الرأسماليين منتزع الملكيات مع تعويض لأصحابها ،وتجعل من الثروات والمرافق ملكية مشاعة بين الجميع.كان هذا هو الذي يرى انه (أي صراع الطبقات) منتهى حتما إلى المجتمع الخالي من الطبقات ،الكامل الاشتراكية وبالتالي يتحرر الناس من التشويه الذي فرضه عليهم الصراع الطبقي، فيستطيعون آخر الأمر أن يأخذوا على عاتقهم ؛ لكن ألا يمثل هذا الطرح إيديولوجية شمولية تريد فرضها على باقي الطبقات كما يعبر عن ذلك مشيل فوكو في توصيفه للسلطة والتي تجدها تقابل إيديولوجيا الطبقة المهينة عند ماركس.لكن إذا كان الأمر مرتبط بأدوات الإنتاج وعلاقات الملكية على الرغم إن لأصلة بين الاثنان لكن افتراض حل نهائي إلا يوقف التطور العلمي والحضاري،بوصفه أمرا قائما أساسا على الصراع المستمر وبالتالي يغدو الوسيلة الوحيدة من اجل تبرير التطور فكيف يمكن إزالته بهذا الحل اليوتوبي ،كان هذا التأويل يحاول إن يستقي مشروعية من العلمي عبر المادية الجدلية .

المبحث الثالث
المشروعية العلمية والخطاب التاريخاني

إن المنطق الجدلي الماركسي له ما يناقضه عبر ادعائه العلمية والصرامة المفهومية التي أقامها ماركس من اجل كسب المشروعية هذه المرة من خلال العلم بالمنطق الجدلي وهذا ما يظهر في المادية الجدلية وقوانينها الثلاثة: وحدة الأضداد وصراعها، والتطور الكمي والنوعي أو ما يسمى بقانون نقيض النقيض وقانون علاقات الإنتاج وأخيرا التوافق الضروري بين البناء التحتي والفوقية ( )
- قانون الجدل الهيجلي .إذ كانت الجدلية تقول بأنه ينبغي فهم كل شئ متعدد ليس بصورة منعزلة وفي تتابع مسلسل من الأسباب والنتائج ،بل فقط بمثابة تفاعل متبادل متعدد، في غناه المعين والمحدد وتناقضه، إذ أن كل شي ،بولادتة ،يولد نفيه وينزع للتقدم نحو نفي نفيه.( ).
- إننا هنا إمام تصور كان هيجل قد قدمه في ظل اشكاليته الفكرية في احتواء الحوار بين القديم والجديد الوافد , ان ماركس تعامل مع هذا المنطق الجدلي عبر توظيف هذا الجدل في مجال العملي بعيدا عن المثالية الهيجلية .
كان ماركس قد تأثر بهذه التيارات الفكرية فقام بأبحاث طويلة قادته إلى اكتشاف خصوبة المنهج الجدلي وعقمه في آن واحد ؛ إما خصوبته فكامنة في كونه منطقا للتطور ،وإما عقمه فراجع إلى انه قلب الوضع،فجعل تطور الفكر أساسا لكل تطور.. من هنا قام ماركس بتصحيح الوضع ،فجعل الواقع الاجتماعي ،التاريخي والاقتصادي ،هو الأساس الذي يقوم عليه البناء الفكري ، وبالتالي ربط الفكر بالواقع،بدل ربط الواقع بالفكر كما فعل هيجل ،ذلك هو المفهوم المادي للتاريخ( )

- قانون التطور والحركة . يعتقد ماركس أن الإنسان شئ في الطبيعة ،وكتلة ذات ثلاثة أبعاد من اللحم والدم والعظم..،تنطبق عليها –دون زيادة أو نقصان – قوانين الطبيعة التي اكتشفتها العلوم كما تنطبق على غيره من الأشياء المادية الأخرى...والناس هم ماهم عليه ،ويختلف الواحد منهم عن الأخر لا بسبب مبادئ داخلية ثابتة مغروسة في طبائعهم ،إذ لا وجود لمثل هذه المبادئ،بل عن طريق العمل الذي لايستطيعون الهروب منه إذا أرادوا إشباع مطالبهم ؛ ويتحدد التنظيم الاجتماعي بوساطة الطرائق التي يعملون ويخلقون بها للمحافظة على حيويتهم أو تحسينها .
فقد حلل ماركس ظاهرة معينة ،هي الاقتصاد الرأسمالي، فاكتشف قانون تطورها الذاتي وكانت التجارب التي تخوضها شعوب أوروبا كرد فعل اجتماعي ضد كل تلك الخروق للحقوق فجاءت النقود الاشتراكية القائمة على نقد اجتماعي اقتصادي فان الوسائل المنتجة تولد الحركة التاريخ، طبقا لتطوراتها وتناقضانها لما كان الناس في نضالهم مع الطبيعة وتناقضانها ، ولما كان الناس في نضالهم مع الطبيعة لاستثمارها في إنتاج الحاجات المادية ليسوا منعزلين بعضهم مجموعة مترابطة خلال عملية الإنتاج وهذه هي " علاقات الإنتاج " .هي بالحقيقة علاقات ملكية ( مشاعية – وعبودية أو اقتصادية أو رأسمالية أو اشتراكية ) وعلى أساسها يتم البناء العلوي سياسة حقوق ، فكر ، دين ، لكن القوى المنتجة هي التي تنشئ الوضع الاقتصادي وعلاقات الملكية عندئذ جميع الأوضاع الاجتماعية التي تطابق ذلك الوضع الاقتصادي وتتفق معه .لكن يظهر التناقض الطبقي الذي يعكس تناقض وسائل الإنتاج وعلاقات الملكية وهي أساس الصراع الذي يؤدي إلى تغير علاقات الملكية حتى تتفق مع وسائل الإنتاج ، وهذا يؤدي إلى تغيير القيم الفكرية تبعا . فأفكار الناس لا تولد بمعزل عن أوجه نشاطهم الأخرى ،وقد كانت هذه الأفكار ولا يمكن أن تكون إلا أسلحة يستخدمها الناس أو الطوائف الاجتماعية للوصول إلى أهدافهم ،تماما كغيرها من الأدوات أو المخترعات أو طرائق السلوك.. فالحاجات هي التي تحدد الأفكار ،وليس الأفكار هي التي تحدد الحاجات . ( )
لكن هذا التأويل له ما يناقضه :
1- انه تحول من خطاب علمي كما يصف تأويله إلى خطاب إيديولوجي طوباوي يعطي نهاية للصراع الطبقي بانتصار الطبقة العمالية مما يزيل الاغتراب لكن هذا لا يحمل ذات العوائق التي انتقدها ماركس أي الادعاء الذي تقدمه الطبقة على أنها تمثل الآخرين عبر الايديولوجيه الزائفة ،ثم أليس هذا التصور يعد نهاية ذات طابع لاهوتي حيث اكتمال ألازمنه أو كما جاءت صياغتها في نهاية الأمر "بنهاية التاريخ".
2- ان هذا التصور الذي قدمه ماركس يقوم على ركن مهم هو البعد التاريخي أي النظر القائم على تصور بعد حتمي للقوانين التاريخ في مسيرتها داخل قانون التطور هذا ما يعرف"التاريخية"التي يتميز منطقها ( التاريخاني بأنه المنطق الذي يقول بوجود قوانين تطور موضوعية يسير التاريخ وفقا لها بشكل مستقل عن إرادة الإفراد ونواياهم الذين يصنعون تاريخهم إلا في شروط محددة موضوعياً فالتاريخية لا تقول بموضوعية التاريخ فحسب ،بل وتقول أيضا بمعناه أو بغائيته.( ).
3- إن ماركس مازل يمثل المثقف التنويري الرسالي الذي يجد من واجبه إن يغير المحيط فان التاريخية بهذا الشكل قد تحولت في ظل سعيها (إلى اكتشافها لقوانين تطور العالم المادي (الطبيعي والاجتماعي ) إلى التخطيط لها لاسيما أن هذا التحول قد تم في سياق النزعة العلمية ،أي في سياق تجاوز عملية العالم إلى تغييره ،وهي النزعة التي كثفتها مقولة ماركس الشهيرة بتغيير العالم لا ألاكتفاء بتفسيره.( ).هذه النظرة لها ما يدحضها من بعد الأول تاريخي (لا يوجد في نظر تاريخ موحد،بل تواريخ جزئية،لا يوجد قانون تاريخي بل جزئية)( ) إن التأويل الماركسي مازال رهين تلك العلاقة التسلطية مع الطبيعة بفعل مفهوم الصراع وهو وليد أيضا مرحلة التنوير التي طرحت مفهوم السيطرة على الطبيعة وإخضاعها لا التعايش معها هذا ما يصفه هابرماز بقوله :ماركس على الرغم ربطه المجتمع بأمرين معا : نفاذ الموارد الطبيعية المتزايد على الدوام . وتكثيف المتزايد باستمرار لشبكة إجمالية من التبادل والاتصال ، وان مبدأ الحداثة الذي يعيد إليه انفلات القوى النتيجة يتأسس في براكسيس ذات منتجة أكثر مما يتأسس في تفكير ذات عارفة...إذ إن مبدأ الحداثة لن يوحد بعد اليوم في وعي الذات بل في العمل .. وبالتالي العقلانية الوحيدة التي يمكنها أن تؤكد ذاتها في العلاقات بين فاعل وعالم الأشياء المدركة بالحواس والقابلة للتداول هي عقلانية معرفية- اداتية.( ) قد يكون ماركس التقط ذاته بخروجها من العقم المحيط به والذي وصل إليه المنهج الهيجلي سعيا إلى فتح منافذ أخرى لتحطيم الأصنام وخلع القداسة ؛هو الذي صاغ ذلك الموقف من الديمقراطية في الكتلة الشيوعية .
حله بابل /2010



#عامر_عبد_زيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم الهوية وقبول الأخر
- مقاربة في رواية -الحنين إلى ينابيع الحب -
- تحولات -بروتيوس-(*)
- مجلة قراطيس
- رهان الهوية واليات التعايش في العراق الجديد
- جدلية المثقف والسلطة في الخطاب السياسي عند فلاسفة الإسلام
- مقاربه في المنهج
- إمام الصمت والاستقطاب الطائفي ماذا يحدث في اليمن ؟
- قراءة في مشروع بول ريكور التاويلي
- اطياف الديمقراطية في تمثلات الذات العربية
- اللغة واليات انتاج المعنى
- مقاربه في المجتمع المدني
- الحجة للقيام بإعمالهم العدوانية .مختارات من اعمال المفكر الع ...
- التعويضات بحق العراق ونظام الخلافة الدولية / مختارات من اعما ...
- رهانات التحديث والديمقراطية و الواقع العربي
- المرأة وثقافة اللاعنف.
- مقاربات في الخطاب السياسي المسيحي الوسيط
- من أجل هوية أكثر انفتاحاً
- قراءه في كتاب -من جدلية الاخر الى الذات-.للمفكر حسن مجيد الع ...
- من التسامح إلى الاعتراف


المزيد.....




- -جريمة ضد الإنسانية-.. شاهد ما قاله طبيب من غزة بعد اكتشاف م ...
- بالفيديو.. طائرة -بوينغ- تفقد إحدى عجلاتها خلال الإقلاع
- زوجة مرتزق في أوكرانيا: لا توجد أموال سهلة لدى القوات المسلح ...
- مائتا يوم على حرب غزة، ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية
- مظاهرات في عدة عواصم ومدن في العالم دعمًا لغزة ودعوات في تل ...
- بعد مناورة عسكرية.. كوريا الشمالية تنشر صورًا لزعيمها بالقرب ...
- -زيلينسكي يعيش في عالم الخيال-.. ضابط استخبارات أمريكي يؤكد ...
- ماتفيينكو تؤكد وجود رد جاهز لدى موسكو على مصادرة الأصول الرو ...
- اتفاق جزائري تونسي ليبي على مكافحة الهجرة غير النظامية
- ماسك يهاجم أستراليا ورئيس وزرائها يصفه بـ-الملياردير المتعجر ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عامر عبد زيد - التأويل والريبة عند ماركس