أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عامر عبد زيد - مقاربه في المجتمع المدني















المزيد.....



مقاربه في المجتمع المدني


عامر عبد زيد

الحوار المتمدن-العدد: 2679 - 2009 / 6 / 16 - 09:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مدخل:
أهمية المفهوم :هذه الظروف تكشف الأهمية والحاجة إلى الديمقراطية في ظل هذا التحول الذي نعيشه من الحكم الفردي الاستبدادي إلى الديمقراطية، يتطلب الأمر مزيجا من التنمية الاقتصادية والاجتماعية والضمانات الأمنية ، وهكذا ظهرت مؤسسات المجتمع المدني في مجال حقوق الإنسان، وتطبيق التعددية والديمقراطية ومناقشة الدستور … الخ.وبالتالي نحن بإزاء إشكالية سياسية تمثل عقدا اجتماعيا وسياسيا جديدا توزع إلى الثنائيات آلاتية:الديمقراطية /مقابل الاستبداد، والهوية الوطنية/ مقابل الهويات المحلية، وهذا يتطلب منا إن نحاول الأتي:
ان تخوض في تحديد المفهوم مع إدراكنا إننا في زمن حديث له ثوابته التي هي بالتأكيد مفارقة للزمن القديم الذي يشهد مغايرة على صعيد : الوسائل ، والغايات ، والمفاهيم ،والقبليات ، عبر انتقالها من تفسير العالم الى تغييره معتمده على النقد التاسيسي بعيدا عن القبليات المشتركة عبر نقد المباني التي يقوم عليها العالم الثقافي بأنساقها الهاجعة ،غير المفكر بها ،او المسكوت عنها ، عبر الانتقال من محور التكليف الى محور الحقوق ؛أي: من ثقافة الطاعة إلى ثقافة الانتخاب التي تقوم على الحرية والتعدد بعيدا عن الوصاية اين كانت بعد هذا التغير العميق الذي تعرضه الحداثة السياسية والفكرية؟ بعيدا عن إطار يقيد إرادة الفرد وهو ينتقل من ثقافة التبعية والطاعة الى ثقافة الانتخاب والاختلاف.
لاشك ان ثمة تصورات عربية في توطين المفهوم وإعادة استنباته في عالمنا العربي تجعنا ممكن ان نتلمس إشكالية المجتمع المدني /*/في العالم العربي و في البدا لابد من الإشارة الى بعض الملاحظات العامة التي نجدها تمثل الواقع الذي يهيمن على المعالجات التي تناولت المجتمع المدني وهي:

1. هناك من يعمل عليه بصوره سكونية عن المجتمع المدني, هي ألصوره التي ظهر داخلها المجتمع المدني الغربي هملا عن قصد الطابع المتغير الديناميكي للمفهوم لهذا يؤكد على البعد العلماني والطابع لاقتصادي , مما يجعل من المفهوم غريب عن الفضاء العربي الإسلامي ,والمرامي التي يسعى إليها إما كونه ادعم التصورات الحداثوية.أو من اجل تسويغ منهج اقتصادي ينشده.
2. من يعمل على أسلمت المفهوم وإسقاط تصورات عقائدية عليه و هناك من يعمل على العودة به إلى مقولات وسيطة لا علاقة لها به يجعله مما يسقطه في تناقضات داخلية كان يجعله لا يتقبل التعددية أو لا يؤمن بالمواطنة ..الخ مما يلحق المجتمع المدني بالمجتمع الأهلي ويسقطه في إشكالات غير مفكر بها من قبل. لان المجتمع المدني ليس جزء ًمن المجتمع الإلهي وليس مناقضا أو بديلا له.
3. وهناك من يعمل على إخضاع المجتمع المدني إلى السلطة السياسية التي تقوّي مؤسساته وتعيّن أعضاءه مما يفقده الاستقلالية في اتخاذ القرار .
4. وهناك من يعمل على محاربة المجتمع المدني معتمدا على التصورات ألحديثه، لكن من اجل إخراج الدال من دلالته المباشرة إلى دلالة مستعارة بعيدة عن التحقق معتمدا على مسوغات منها :
أ‌- اتهام المفهوم والمؤسسة امتدادا لتدخل الخارجي في الشأن الداخلي.
ب‌- أو إن المجتمع مازال رهين البداوة وقيم المجتمع الأهلي لهذا من الصعب تطبيق مفهوم بدون تأطير فكري يستجيب للبيئة الثقافية العربية التي لا تعرف الديمقراطية والمجتمع المدني.
1- المجتمع المدني بين الجذور وعادة التوظيف:
علينا أن ندرك أمرا أخرا أن المفهوم الذي نعالجه ليس ثابتا بل هو مرتبط بإطار الممارسة وما تعرضه من مغايرة .في ظل كل هذا كان لأبد من دراسة تقوم على حفريات معرفية :
1- تاريخية المفهوم في الفكر الغربي الحديث:
أن لكل معرفة خصوصيتها المرتبطة والمحددة من حيث شكلها وجوهرها ، بحركة صعود أو بطء آليات التطور الداخلي في هذا المجتمع أو ذاك من ناحية ، وبالعوامل الخارجية المؤثرة في ذلك التطور من ناحية ثانية ،فالمعرفة عملية إظهار للواقع وعرضه في الفكر الإنساني المرتبط بهذا الواقع مكانياً وزمانياً من ناحية ، ومرتبط بالممارسة العملية التغييرية في الأنشطة الإنتاجية والمجتمعية بكل أبعادها من ناحية أخرى ، إذ ان المعرفة والتغيير العملي هما جانبان مشروطان ، يتوقف كل منهما على الآخر بصورة تبادلية لعملية تاريخية واحدة "( )
تحديد تعريف للمفهوم :يمكن ان نلمس فيه بعدين: الأول: نظري من خلال الأطروحات الفكرية كما في أطروحات هوبز ولوك وهيجل وأطروحات عملية كما جاءت في القرن منتصف القرن التاسع عشر ويشار الى الكسيس توكفيل (1859-1805) انه رأى إن الحكومة القائمة من قبل الناس تعني أكثر من مجرد المشاركة في الانتخابات . إذ إن هذه المشاركة تأخذ صيغتين :
أولاهما "المجتمع السياسي "عندما ينتظم الناس في الأحزاب السياسية بغية الفوز بالانتخابات وتكوين الحكومة .
وثانيتهما "المجتمع المدني" بدخول المواطنين في عضوية المنظمات المهنية "غير السياسية" ، أي: التي لا تتعامل مع السياسة مباشرة ، بل تعمل على مساعدة الحكومة من دون مقابل في مجالات خدمة الناس وبناء خلفية مؤثرة في السياسة لصياغة ودعم وتطوير الحريات والديمقراطية .( ) .من هذا التعريف يظهر المجتمع المدني مستقلا عن الدولة من ناحية, والشركة من ناحية أخرى على الرغم أن الفرد له وجه يربطه بصله بأسرته من ناحية وصلة بعمله ومهنته من ناحية أخرى، كما لهوجه يربطه بدولته وحكومته مما يجعل من هذا المفهوم يلعب نشاط المؤسسات الوسطى ( )
إلا ان التعريف النظري عند أرسطو في كتابه : السياسة :يشير التعريف الى مجموعة سياسية خاضعة للقوانين "وجود الدولة"تكون مجتمعا سياسيا يعترف مواطنوه بقوانين الدولة ويتصرفون وفقا لها .( ) إلا ان المفهوم تعرض الى متغيرات كثيرة يمكن رصدها بما يأتي:

أ‌- التحولات التاريخية التي مر بها المفهوم"من حيث النمو التاريخي هناك من يرى فكرة المجتمع المدني، في أوسط القرن السابع عشر، على أساس أن المجتمعات البشرية هي من نتاج البشر أنفسهم، وأن السلطات السياسية من أصل مجتمعي دنيوي؛ ومن ثم، فإن المجتمعات البشرية والسلطات السياسية هي بنت التاريخ، لا بنت الطبيعة، كـ "مجتمعات الحيوان"، هذا يدخل ضمن الفرق بين الطبيعة والثقافة وما إلى ذلك تضاف رؤية حقوقية جديدة قائمة على مفهوم الحق الطبيعي، مع هوغو غروتيوس (1583-1645) "واضع مبدأ الحق الطبيعي" كما يصفه برهييه، ولا سيما في كتابه "قانون الحرب والسلم" (1625)؛ فقد رأى أن بوسعه وضع قواعد كلية وعامة ,ملزمة للناس قاطبة في علاقات العنف القائمة فيما بينهم؛ فالبت في ما إذا كانت الحرب عادلة أو ظالمة، وفي ما إذا كان يحق للعاهل أن يفرض على رعاياه ديانة بعينها، وأين تبدأ مشروعية سلطته وأين تنتهي لا يكون من وجهة نظر أفراد معينين بل من وجهة نظر العقل اللاشخصي، وباسمه. والعقل اللاشخصي يتوافق مع القانون الطبيعي بصفته نظام العقل، يأمر بعمل وينهى عن تأخر تبعاً لاتفاق هذا العمل أو ذاك أو عدم اتفاقه مع طبيعة الموجود العاقل. وهذه قاعدة لاتعسف فيها، وليس بالمستطاع تغييرها والنهضة الفكرية التي مهدت لذلك الانتقال كانت حركة فكرية تحريرية بدأت في أواخر القرن الخامس عشر، وتفتحت في الربع الأول من القرن السادس عشر، وراحت تقوِّض تدريجياً الأسس المادية والفكرية والروحية للعصر الوسيط والنظام الإقطاعي، متخذة من العالم الكلاسيكي اليوناني والروماني الباكر أنموذجاً ومثالاً، في صيغة اكتشاف الأسس والمبادئ والأفكار والمناهج والقيم، وإعادة إنتاجها، لا في صيغة محاكاة أوتقليد أعمى، بل في صيغة نقد وإعادة بناء. فلم تكن النهضة انبعاثاً أو بعثاً لماض كان، أو لعصر ذهبي من عصور الماضي، بل كانت ولادة لشيء جديد لم يعرف من قبل، وأهم انقلاب متدرج عرفه العالم حتى ذلك الحين. بل إن النهضة أكثر من ذلك بكثير، إنها رفض السلطة المزدوجة لكل من البابا، في ما هو روحي، والإمبراطور في ما هو زمني، أي: رفض وجود سلطتين متعارضتين: روحية وزمنية، وحصر السياسة بما هي من تدبير شؤون المجتمع والدولة في الثانية.
إننا هنا بإزاء عالم حديث يعرض تصوراته السياسية على أساس مرجعيات مختلفة عن العالم القديم قائمة على الانسنة وإشكالية الحديثة, إي: تلك المشاكل التي واجهتها الحداثة بوصفها فكراً وغاية ترمي إلى إحداث تطور, وحلا للمشاكل التي خلقها النمو المدني والاقتصادي والسياسي من هنا كانت " إشكالية الحداثة " هي جملة المشاكل التي واجهها الفكر الغربي من اجل إيجاد حلول لها وسعيا إلى بناء رؤية ومنهج يشكلان استجابة، ويخلقان قطيعة مع تلك القيم التي عبرت عن فكرة " العصر الذهبي" فقد كانت الكنيسة ترى إن تاريخ البشرية هو تاريخ تدهورها وان الفكر هو تاريخ أخطائه مثلما كان التاريخ بصفة عامة تاريخ إحداث يتخذ صورة حوليات تقف عند إثبات الوقائع في تفردها وتشتتها، فكذلك كان تاريخ الفكر تاريخ أراء وفرق أشخاص( )
أولا - النزعة النقدية القائمة على استبعاد مكونات الفكر الفلسفي والعلمي الوسيط الذي لم تمر مكوناته من منافذ المعرفة ( الحواس والعقل ) بل مرت إلى العقل عبر التبني.
ثانيا - اعتمدت البنائية تكوين منهج جديد ينجز المهمة الأولى " النزعة النقدية " ويرسم إبعاد نظرية معرفية جديدة للعالم وطبيعة ومجتمعاً وإنسانا، وينجز عن طريق الاعتماد على هذا المنهج، إعادة قراءة التراث السابق وتقويمه من زاوية نقدية( ).
وكان إلى جانب هذه ( النهضة العلمية ) الاكتشافات الجغرافية الكبرى في القرن الخامس عشر: اكتشاف الطرق البحرية إلى الهند، واكتشاف أمريكا قد دفعت التجارة بقوة إلى الإمام وتجاوزت من حيث الأهمية المبادلات القائمة بين مختلف بلدان أوربية جميعا سريعا لقد جاء ذهب أمريكا وفضتها فاغرقا أوربا وتسربا إلى كل ما في النظام الإقطاعي من ثغرات وصد وع ، بصفتها عناصر تهديم ولما كان الإنتاج الحرفي لا يكفي لسد الحاجات المتزايدة استبدل في البلدان المتقدمة عن غيرها بنظام المعمل اليدوي .( )
بهذا تكون فضاء الحداثة :راصدة تجريبية ،تقول بالعقل الجزئي الاستدلالي الذرائعي ،مادي إلى حد ما. ذات نزعة إنسانية ‘ ذات نزعة فردية ،تطالب بالمساواة متحررة فكريا ومناهضا للتعبد ‘ذات نزعة عاطفية ، تدعو إلى تطوير الإنسانية وتقديما ،تتهرب من التراث والسلف.( )لديكارت الذي وضع مبدأ "أنا أفكر إذن أنا موجود" بصفته الحجر الأول لفلسفة جديدة، أسلاف، من عصر النهضة، في إنكلترة عصر فرنسيس بيكون الذي أنجب العلوم الطبيعية الرياضية المشتقة من الفلسفة، من تصور جديد لفيثاغور؛وقد كتب ((فرنسيس بيكون)) قبل ما يقرب أربعة قرون أن ((المعرفة قوة)) وها هم غاليليه Galilee ، كيبلر Kepler ، نيوتن Newton ؛ وها هو الحق الطبيعي البورجوازي، أيديولوجية التحرير البورجوازي العظيمة، في حين أن مذهب العقد الاجتماعي لـ ألتوسيوس Althusius وغروتيوس Grotius سيكون أداة فعالة في يد رجال الثورة الفرنسية؛ التيار المضاد – المفيد والدال يبرز مع ماكيافل machiavel وبودان Bodin وهوبز Hobbes أخيراً يجمع مذهب العقد الاجتماعي لمستوحى من الحق الطبيعي مع نزعة واقعية عفيفة وزاهدة"( )كانت تلك الأفكار بإطارها العام تشير الى تداخل على المستوى العمودي حيث تشير إلى العصر الجديد القائم على وسائل وغايات ومفاهيم جديدة اما على المستوى الأفقي فيه تظهر جملة من العلاقات المتقاطعة يمكن رصدها في النقطة التالية .
ب-ابرز الأطروحات في مجال المدني:
1. ومن هنا جاء تصور (هوبز Hobbes)(1588-1679) في ظل الملكية يحدد المفهوم بالعلاقة بين المجتمع من ناحية والدولة من ناحية أخرى، تلك العلاقة المفسرة بالعقد الاجتماعي، الذي يتنازل فيه الأفراد جميعا عن حقوقهم كافة. ومن هنا يظهر أن المجتمع الوحيد الممكن كمجتمع مدني هو : الدولة، وهذا التأمل كان يهدف إلى إسباغ الشرعية على السلطة المطلقة للملك. لكن عندما ظهرت البرجوازية، ظهرت أفكار مختلفة عن المجتمع المدني إذ تم استبعاد التصور السابق بظهور تصور مجتمع قادر على تسيير ذاته في حالة طبيعية متخيلة من دون الحاجة إلى دولة .
2. (جون لوك-Locke(John))(1632-1704). وهو معارض لتصور ( هوبز ) إذ نجد بين الاثنين تفاوتا كبيرا وهذا يعود إلى تغيرات اجتماعية وسياسية رافقت ظهور البرجوازية التي سوف يكون لها تأثير كبير في الثورة الأمريكية والفرنسية . بعد ذلك بحوالي قرن ، في دستور الولايات المتحدة الصادر في سنة 1787 نجد أيضا القضايا نفسها بالترتيب نفسه تقريبا . والولايات المتحدة نشأت جمهورية فلم تكن هناك مشكلة ملك إنما كانت السيادة بيد الأمة كلها . ويمثلها " الكونغرس " وأساسا مجلس الشيوخ أي مجلس ممثلي الولايات الأعضاء في الاتحاد الفيدرالي . ولذلك كانت القضايا هي تنظيم الضريبة ، أي: لا ضريبة إلا بقانون الأمن الشخصي ونظام ألـ (Hebeus Corpus) ، سيادة القانون ، إن لا سلطة لأحد إلا بمقتضى للقوانين أضافت الثورة الأمريكية شيئا واحدا جديدا هو إلغاء الألقاب ، فكان أول مجتمع غربي يلغي الألقاب .( ).
اذ كان "جون لوك من ابرز مفكري هذه الحقبة جديدة التي تمثلت بظهور الطبقة البرجوازية التي كان لوك خير ممثل لها بل يمثل هذا الخطاب الذي يرى إن الحالة الاجتماعية الطبيعية هي حالة يسودها القانون الطبيعي ، ؛أي: حالة سلم وحرية بتابع فيها الإنسان مصالحه بحرية طالما لا تنتقص من حرية الآخرين ولكن لا تنقص هذه الحالة الضمانات اللازمة لسن القانون وتفسيره وتطبيقه عينيا ن, والمجتمع المدني هو الرد على هذه الحاجات ، أي: إيجاد سلطة تسن القوانين وتفسرها وتنفذها بشكل محايد ومعترف به اجتماعيا وبانسجام مع قانون الطبيعة والقاعدة . إن المجتمع ينظم نفسه تلقائيامن دون دولة ، والسلطة ليس نفيا مطلقا للحالة الطبيعية ( المجتمع ) فالحالة الطبيعية تتدبر ذاتها من دون دولة وقد كان لها تأثير في فكره الذي انطلق من نقد السلطات السابقة ذات الجذور الدينية التي تقوم على أمر الله هو الذي قرر تلك القواعد وجعل لها عقوبات حيث وضع اسمي ونفعي محضا لا يرى في المجتمع سوى سلطة أكثر فاعلية وأكثر استقرارا لقمع انتهاكات القانون، وهذا الموضوع يحدد لهذه السلطة حدا واضحا دقيقا فالمواطن غير ملزم بطاعتها إلا إذا تصرفت بموجب قوانين ثابتة دائمة لا بموجب قرارات ترتجل من وقت لأخر وثمة سلطة اشتراعية لكنها لا تستطيع إن تفعل ما تشاء ولاسيما انها تستطيع على الأخص إن تتصرف بأموال الرعايا بإخضاعهم لضريبة غير مقبولة منهم فالميثاق بين الرعية والعاهل ثنائي الجانب ومن حق الرعية إن تثور على انتهاك القانون ذلك هو أصل السلطة الملكية وتلك هي طبيعتها. ( )
في تصور لوك تحول فكري من مهيمنة الملكية التي تقوم على نظرية الحق الإلهي التي بمقتضاها يصبح الملك يستمد سلطته من سلطه مفارقة متعالية التي تقود الى تعالي الملك مما يجعل من الملوك أشخاصا فوق النقد ، لايمكن إلا تقديسهم وطاعتهم مهما كانت تصرفاتهم ،فالملك بهذه الحالة يغدو منافيا للحق الطبيعي للإنسان ،اذ يجعل منه رعية لاشأن له في شؤون مجتمعه نافيا حقه في المواطنة أي في الإسهام في تسيير بلاده، وبالتالي في ضمان حقوقه ، أي: نحن أمام مهيمنة جديدة قادت إليها التحولات الاقتصادية والاجتماعي مع التحولات التي جاءت بالبرجوازية أصبح الوضع الجديد يقوم على مفهوم "المواطنة "بدل المفهوم الوسيط "الرعية " فقد أشار الى هذا الحق في كتابه "دراسات حول الحكم المدني"(انطلاقا من ان الناس جميعا أحرار ومتساوون ، ومستقلون بعضهم عن بعض الأخر ، فلا يجوز أن يخضع
احدهم لآخر من دون رضاه..... وإذا ما انتزع هذا الحق من الشعوب والأفراد، وأصبحت تحكمهم سلطة غير شرعية،فبإمكانهم أن يثوروا ضدها.)( ) .
انه في الوقت الذي دافع عن الحريات الجديدة :احترام حقوق الإنسان في الحياة والملكية والحرية لم تفُته الحرية الدينية إذ جاء هذا في كتابه في 1689 تحت عنوان "رسالة في التسامح " أكد فيه على عدم جدوى الحكم في العقل البشري ،واعتبر ان الدين يقوم على الإيمان لا على الإكراه . ولضمان حرية المعتقد ودعا الى وجوب فصل الكنيسة عن الدولة ، إذ تنحصر وظيفة الدولة في ضمان الحقوق الطبيعة للمواطنين والتمتع بثرواتهم ، بينما تكمن وظيفة الكنيسة في ضمان سعادتهم الأبدية.( ) فالفكرة الأساس هنا هي "استقلال المجتمع المدني عن تدخل الدولة".
3. - مفكري عصر الأنوار: لقد مهد لثورة 1688 في إنكلترا أو الثورة في أمريكا وفرنسا حيث ظهر رجال عصر الأنوار لدى مونتسكيو( 1689-1755 ) في ( روح القانون) وجان جاك روسو في ( العقد الاجتماعي ) وقد نظر هؤلاء لتلك الثورة البرجوازية التي نفذت القيم القديمة واحلت محلها قيما جديدة عبر نزعة مؤسساتية غرضها التحكم بالواقع والسيطرة عليه كليا وجعله في خدمة المشروع الاقتصادي الرأسمالي, وقد اطلعت تلك النزعة أيضا بعمليات تشريع قانوني تهدف إلى منح المؤسسات التي تعتبر تبريرا عقلانينا لممارستها, وقد كانت فرنسا قد ظهرت بها تلك المظاهر التي تركت تأثيرا على ألمانيا وهيجل على وجه الخصوص( ).وقد قال روسو» لن نصبح بشرا إلا إذا أصبحنا مواطنين، لان الدولة الديمقراطية هي الدولة التي تحترم مواطنيها وتدافع عن أمنهم وتوفر لهم الفرص،وتساوي بينهم في الحقوق والواجبات من دون التمييز دينيا أو عرقيا.فعلى هذا الأساس تصبح مقولة المواطنة المقولة المركزية والحاسمة للمجتمع المدني، إذ تحل محل الهويات المستمدة من قطاعات المجتمع الأهلي دينية كانت أم طائفية أم جهوية.أن وجود المجتمع المدني وفعاليته تشعر المجتمع أن هناك بديلا وظيفيا معقولا للتكوينات الارثية التقليدية،ولابد أن يؤدي ذلك تدريجيا إلى تقوية الولاء للتكوينات الحديثة وضعف الولاء للتكوينات التقليدية التي ستتقلص وتصبح اقل جاذبية للمواطن.هكذا تبلور مفهوم المجتمع المدني (إلى مجتمع قادر على تسيير ذاته خارج اطار الدولة).( ) الفكرة الأساس هنا أن المجتمع المدني يمثل استقلالية عن الدولة والمجتمع الأهلي من خلال مقولة "المواطنة "التي تحل محل رعيه.
4. هيجل(1770-1831 ) لقد كانت ألمانيا متأخرة عن إنكلترا وفرنسا ,وراح هيجل يحلق في أجواء الماضي مفلسفا التاريخ باحثا فيه ، ومن خلاله عن حل امثل لقد كان هناك قديم لم تتوافر إمكانية تجاوزه وكان هناك جديد لم يستطع عرض نفسه بوصفه واقعا سائدا ومعينا ، كانت تلك إشكالية وجوهر التحليل الجدلي القائم على إيجاد حل مع الرغبة في الاحتفاظ بالقديم عبر فهم جديد يقوم على اعتبار الصيرورة الحقيقة الوحيدة( ) ففهم المعرفة على أنها صيرورة ، فاعتبر الجدل في الأفكار هو الأساس ,ونظر إلى الوعي بوصفه واقعا موضوعيا من تطور ذاتي بحكم قوانين الجدل ( ) . فهو المؤسس للتاريخية عندما اخذ الماضي الثقافي مآخذا جدليا فما يشكل فلسفتنا ليس له وجود حقيقي إلا في ارتباطاته .فالتاريخ لا يعرض علينا حركة أمور غريبة عنا بل انه يقدم لنا صيرورتنا فانه قد أسس فلسفة تتجاوز الصراع بين الحسي والعقلي في مجال المعرفة في مسعاه إلى هدم الأسس العقلية التي يقوم عليها الفكر المثالي الذي يكون الإطار النظري للنظام الإقطاعي لقد كونت البرجوازية بنية الدولة التي اعتمدت الرأسمالية نظاما اقتصاديا وقد ظهرت خلال تلك الحقبة التي تمثلت بسيطرة البرجوازية على السلطة, ونمو الرأسمالية وما صاحبها من إشكالات( ) وبصورة عامة تميزت ألازمنه ألحديثه،بحسب رأي هيجل،بالارتداد إلى ألذات على صورة سمات ذاتية أو آنية،وبحسب هذا المبدأ،وتنمو كل المظاهر الأساس المعنية في الشمولية الفكرية وتطورت لتحصل على حقوقها الخاصة،وعندما ميّز هيجل هيئة ألازمنه الجديدة"أو العالم الجديد" فسر الذاتية وشرحها "الحرية"وبالتفكير أن ما يكون عظمة زمننا هو الاعتراف بالحرية بوصفها خاصية الروح وحقيقة كونها بذاتها في هذا الإطار تتضمن كلمة "ذاتية" قبل كل شئ أربعة مدلولات :
1- الفردية في العالم المعاصر يحق للفردية المسرفة في خصوصيتها ان تبرز قيمة طموحاتها .
2- الحق في الانتقاد يتطلب مبدأ العالم الحديث ان يبدد ما يتوجب على كل فرد تقبله في نظرة كشئ له ما يسوغه .
3- استقلالية العمل يعود للأزمنة الحديثة الفضل في إرادتنا ان نكون مسؤولين عمّا نفعل .وأخيرا الفلسفة المثالية بالذات :يرى هيجل أنها من منجزات الا زمنة الحديثة أنها الفلسفة التي تدرك علمها بذاتها.( )
لكن سرعان ما عادت الدولة مع (هيجل) بعد أن استوعب المجتمع المدني في داخلها كنفي ديالكتيكي، وكمرحلة من مراحلها، وكتجديد من التجديدات التي تركب في عينيتها الدولة الحديثة. (اخذ مفهوم المجتمع المدني في المانيا صيغة جديدة من خلال مساهمة "هيجل" في كتابه : مبادئ فلسفة الحق، بان المجتمع المدني يضم كافة الافراد والطبقات والمؤسسات الاقتصادية التي تنتظم في ظل القانون المدني . وهو مجال تقسيم العمل والتنافس بين المصالح الخاصة المتضاربة .بمعنى ان المجتمع المدني هو حقل تنافس وصراع لتحقيق المصالح الذاتية غير المستقرة التي تشكل تهديدا مستمرا باحتمال الانفجار .عليه فهو هيئة عاجزة تتطلب ، حسب مفهومه ، المراقبة الدائمة من الدولة ، أي ان المجتمع المدني لا يقوم الا عبر الدولة )( ) لاشك ان هذا يمثل تحول عما لمسناه من استقلال المجتمع المدني في الخطابات السابقة اذ إلا إننا نلمس من الناحية الفكرية ان هناك بناءً ثلاثياً (المواطنة،الدولة،المجتمع المدني) في النظرية الليبرالية، الفكره الاساسية هنا المطالبه بان يكون للدولة اشراف على المجتمع المدني الذي كان يمثل حرية اقتصادية واجتماعية وسياسية وهذا ما دفع هيجل الى تدخل الدولة .

الخلاصة:إذ إمعان النظر في النصوص المؤسسة للمرجعية الفكرية لهذه المفاهيم يكشف لنا عن السياقات التاريخية والشروط الاجتماعية الموضوعية التي أنتجت المنظومة السياسية بوصفها المنظومة الأكثر ارتباطا بمفهوم المجتمع المدني،وعلاقته بمفهوم المواطنة الأكثر ارتباطا بمفهوم المجتمع المدني. وعلى هذا الأساس نجد الترابط والعلاقة المتبادلة بين هذه المفاهيم ونلاحظ أن هناك فرقاً كبيراً بين المواطنة والرعية، إذ ترفض وجهة النظر الليبرالية أن يعامل الفرد- المواطن في الدولة كأحد أفراد الرعية التي واجبها الطاعة فقط. وعندئذ أصبح مفهوم المواطن هو المؤسس لفكرة المجتمع المدني ولدخول الحداثة السياسية وفي هذا الإطار جاء كتاب توماس باين«حقوق الإنسان سنة 1791.( )
وقد غاب المجتمع المدني من الحياة الغربية عقود طويلة ولم تستقر هذه الفكرة لغاية نهاية الحرب العالمية وزوال الفاشية المعادية لفكرة الديمقراطية . وعاد مفهوم المجتمع المدني الى دائرة الجدل السياسي مع انطونيو غرامشي (1891- 1937) الذي ساهم في بتطوير فكرة المجتمع المدني بنقله لفضاء المفهوم وحيز استخدامه الى البنية الفوقية للمجتمع وليشير الى البيئة الثقافية- الإيديولوجية ومؤسساتها(الحزب ، النقابة، المدرسة،و سائل الإعلام) من خلال إعطائه اهمية للاحزاب ومثقفيها في تحريك آمال الجماهير( )
2- الواقع الأوربي الغربي المعاصر :هنا نلمس أمرين :
الأول :على المستوى العالمي:
وبعد انهيار المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفيتي منح المفهوم بعدا "تنمويا" من خلال منظمات الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. فقد باتت هذه تنظر إلى "المجتمع المدني" باعتباره المجال الذي يتيح إشراك المواطنين في "التنمية البشرية المستدامة" بعد أن فشلت التنمية في التحقق في معظم دول العالم الثالث. وكان الدافع وراء إعطاء موقع خاص للمجتمع المدني في عملية "التنمية البشرية" تبني سياسة الخصخصة و"التكييف الهيكلي" – في إطار سيادة اقتصاد السوق – باعتبارها الأنجع للتنمية الاقتصادية. ومنح هذا بعدا جديدا لمفهوم "المجتمع المدني". فهذه السياسية التي روجت لها المؤسسات المالية الدولية، وخطاب "الليبرالية الجديدة" ركزت على حصر دور الدولة في تهيئة بيئة قانونية وبنية تحتية ملائمة لنمو القطاع الخاص باعتباره أداة التنمية الأساسية، مع توفير حد أدنى، بالمشاركة والتنسيق مع منظمات المجتمع المدني، من الرعاية الاجتماعية لأفقر الفقراء (ما يعرف بشبكات الحماية الاجتماعية). ودخلت لاحقا مفردات جديدة على خطاب التنمية خصت بالأساس منظمات المجتمع المدني المشاركة والتمكين. لقد منح المجتمع المدني وظيفة حماية الفرد من عسف الدولة وسطوتها. أي منح بعدا واقيا وحاميا للفرد من تدخلات الدولة وتجاوزاتها.( ) قد أضاف الواقع الأوربي الغربي الحديث والمعاصر إضافات دخلت على المفهوم،إن هذا التصور للمجتمع المدني ظهر بسبب تدني المسؤولية تجاه الحيز العام في سلوك الأفراد، والمجـتمع المدنيّ في الفكر الأوربي(2) الرأسـمالي يقوم على أبعاد أساسيّة هي :
1 في المجال الاقتصادي يعتمد على حرِّيّة السوق .
2 وفي المجال السـياسي يقوم على أساس استمداد السّلطة من إرادة الشّعب .
من الواضح هنا أن التصورات الجديدة تمثل انزياح في معنى المجتمع المدني حيث يظهر بوضوح مهيمنة العولمة التي تعمل على تشكل الفكر السياسي والقانوني الدولي يتمحور حول العولمة من خلال المنظمات الدولية وإلحاق المجتمع المدني بها .
الثاني :أما في أوربا الشرقية: وبعد انهيار المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفيتي منح المفهوم بعدا "تنمويا" من خلال منظمات الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. فقد باتت هذه تنظر إلى "المجتمع المدني" باعتباره المجال الذي يتيح إشراك المواطنين في "التنمية البشرية المستدامة" بعد أن فشلت التنمية في التحقق في معظم دول العالم الثالث.( )
فالأمر يختلف بسبب اختلاف المشكلة المتمثلة بهيمنة الدولة على كل مقدرات المجتمع في ظل الفكر الشيوعي، حيث عاد (اراتوArato) الذي أحيا مفهوم (هيجل) عن المجتمع المدني، من اجل تطوير مفهوم (هابر ماز) حول (الحيز العام)، وهو يتعلق بالروابط والمؤسسات التي ينظمها المواطنون في وقتهم الحر، وهي ليست اقتصادية بالضرورة، كما أنها ليست تابعة للدولة، وهي ما أراد (اراتو) أن يشدد عليها في بحثه عن المجتمع المدني ضد الدولة في (بولندا)، إذ كانت هذه مجرد محاولة لتطوير موقف أخلاقي خارج نظام الدولة الشيوعية في أوربا الشرقية.
ثالثا : المجتمع المدني في العالم العربي :
إلا أن المجتمع المدني في عالمنا العربي كان دائما إما خاضع إلى الدولة المركزية الشمولية أو إلى المجتمع الأهلي أو الى الخارج وساعتها يتعرض إلى والإقصاء والتخوين.
العوائق التي يعاني منها هذا القطاع . الذي يظهر الان في الساحة الثقافية والسياسية العربية عملية اختراق عالمية تحاول إلحاق المنطقة بالسياسات الغربية على المستوى الاقتصادي والسياسي وهذا واضح في ذالك التحول العالمي لمفهوم المجتمع المدني وارتباطة بالمؤسسات الاقتصادية العالمية لهذا نرى ان المجتمع المدني مشدود نحو جهتين متعارضتين ويحاول ان يلاقي الدعم من جهة من اجل مواجهة الاخري لهذا ترى الدعم الغربي من اجل نشر الديمقراطي له مرامي بعيدة عن المرامي الداخلي بمعنى المجتمع المدني بين ناريين نار التسلط والاستبداد المحلية التي تحاصره فهو اما تابع للدولة ضد المجتمع الإلهي او هو مع المجتمع الإلهي ضد الدولة اما على الصعيد العالمي فهو اما مع الدعم الغربي في سياستها من اجل اختراق السياسة الداخلي من خلال نشر الديمقراطية وحث المجتمع المدني على إضعافها وهذا يدخلنا ضمن منطق الهيمنة والإلحاق وهذا يتحقق من خلال التركيز على ماهو محلي وغض الطرف عن المشاكل العالمية او منطق المؤامرة التي تنتهجه الدول المحلية من اجل الوصاية على الشعب والتلاعب به.ضمن هذه الظروف لابد أن يظهر المجتمع المدني يعاني من نواقص ذاتية وأخرى موضوعية بمعنى لا يمكن أن نركز على الداخل ونأهمل الخارج أو التركيز على الخارج ونأهمل الداخل من خلال تصدير الأزمة عبر منطق المؤامرة
المجتمع المدني فكرة رهينة فضاء ثقافي واقتصادي وسياسي غربي بحسب ما تم التطرق اليه ،الا انه يمثل حاجة اجتماعية عربية بعد اخفاق الدولة التي تضيق الخناق على كل ناشط في مجال الحريات بعد ما حولة مؤسسات المجتمع المدني الى هياكل فارغة تبرر الاستبداد وتبده ( ) كان لابد من مؤسسات مجتمع مدني حر بعيد عن رقابة وهيمنة الدولة ألا أن هذا الفضاء تم اختراقه من قبل المجتمع الأهلي والمجتمع السياسي تعبيرا عن فشل سياسي او هيمنة الدولة بالمقابل بحث الإطراف الدولية عن شراكة مع المجتمع المدني بعد ما فشلة الدول أن تستثمر المساعدات الدولية في الستينات والسبعينات .ضمن هذه الظروف( )
1. ورثت دولة الاستقلال عن مراحل الحكم السابقة والضاربة في القدم هرمية السلطة وخصائص عديدة من بينها الانفراد بالقرار، والاستبداد في الحكم، والحيلولة دون إقامة مؤسسات مستقلة وفاعلة، ومنع المجتمع من أن يتحول إلى قوة رقابية موازية. وممّا زاد من تعقيد الأوضاع تداخل الاستبداد السياسي مع الاستبداد الاجتماعي، بل إنّ الاستبداد الاجتماعي قد تحوّل تاريخيا إلى قاعدة للاستبداد السياسي. وقد ترتب عن ذلك حصول اختلال في علاقة الدولة بالمجتمع حيث تضخّم الرأس ممثلا في الحكم الفردي مقابل ضمور جسم المجتمع الأهلي الذي أصبح بلا سلطة، غير قادر في معظم الأوضاع عن التعبير عن ذاته ومصالحه وتطلعاته بشكل مستقل وفاعل. ولم يكن أمام المجتمع المدني سوى الاعتماد شبه الكامل على السلطة السياسية، يستمد منها شرعية وجوده باعتبارها الطرف المتحكم في حق التنظيم وتكوين الأحزاب والجمعيات. كما يعتمد عليها أيضا في تمويله وصيغ تحركاته وضبط اختياراته وتحالفاته ورسم استراتيجياته، وهو ما حرمَ المجتمع المدني من القيام بأدواره الحيوية والمتعدّدة وفي مقدمتها دور المراقبة وتقديم المقترحات البديلة، وبالتالي التحول إلى سلطة نقد وتوازن.
2. مساهمة المجتمعات المدنية العربية في التحولات الديمقراطية : العوائق الذاتية :
i. الضعف الهيكليا : ضعف المجتمعات المدنية العربية لا يعود فقط إلى مركزية السلطة السياسية ونزوعها المتواصل من أجل الهيمنة على المجتمع الأهلي، وإنما لهذا الضعف أسباب أخرى لا تقل أهمية. بعض هده الأسباب هيكلي، ويتعلق ببنية المجتمعات المدنية المحلية وبظروف نشأتها التاريخية، وبعضها الآخر يخص منظمات المجتمع المدني من حيث فقدانها للعمل المؤسساتي، وافتقار قياداتها للمهارات الضرورية والخبرات اللازمة للتنظيم واستثمار الطاقات وبناء القدرات وإقناع الجماهير ووضع الاستراتيجيات القادرة على التوفيق بين الإمكانيات والأهداف العاجلة أو بعيدة المدى.لقد جرت العادة أن تفسر حالة العجز التي يعاني منها المجتمع المدني العربي فقط بعامل استبداد الدولة، مع غض الطرف عن المسؤولية الذاتية والمباشرة لقوى المجتمع المدني على استمرار هذا العجز وتفاقمه. فاستبدادا السلط لا يفسر ديناميكيات الانقسام، وغلبة المصالح الضيقة داخل أغلب مكونات المجتمعات المدنية العربية، كما أنه لا يفسر غياب الشفافية المالية والإدارية لدى عديد الهيئات والجمعيات وضعف الممارسة الديمقراطية داخل بعض منظمات المجتمع المدني التي لا تختلف في بنيتها وأساليب تسييرها عن أجهزة الأحزاب الحاكمة أو الشمولية، او الدعم الخارجي والذي هو بمثابة عملية اختراق غالبا ما يسقط اصحابها في فخ التخوين
المشكلة أيضا تقنية :بناء على ما تقدم، يمكن القول بأن المجتمع المدني العربي لا يعاني فقط من الضعف السياسي للدولة ومؤسساتها، ولكنه يعاني أيضا من ضعف " تقني ". وهي مسألة لا تزال لا تحظى بالاهتمام والعناية الكافية. فخبرة النشطاء التقنية والمهارية ضعيفة، وهو ما جعل عديد مؤسسات المجتمع المدني العربي لا تتمتع بالحد الأدنى من الخبرة في مجال بناء الكفاءات الجديدة القادرة على تفعيل دورها في مرحلة التحول الديمقراطي. كما أنه لا توجد رؤية استراتيجية تحدد أهداف المجتمع المدني وأولوياته وأهدافه المرحلية والبعيدة وخططه العملية لإنجاز تلك الأهداف. كما أن تجارب المجتمعات المدنية العربية في مجال إدارة الحوار الداخلي لا تزال محدودة، ولم تخضع بالقدر الكافي للتقييم والنقد لتحديد أسباب فشل أغلب تلك المحاولات في تعميق التنسيق بين مختلف الأطراف المعنية بالإصلاح الشامل، وإخفاقها في إقامة التحالفات الدائمة وبناء الكتلة التاريخية القادرة على إحداث المنعرجات في تاريخ الشعوب وإنجاز البديل الديمقراطي، لكن هذا القول يجعنا امام الواقع الذي من الضرورة العمل على تخطي العوائق الذي يعانية المجتمع المدني عربيا وعراقيا خصوصا ونحن امام تجربة جديدة على الواقع السياسي العراقي الذي يجمع بين الضعف الهيكلي وقلت الخبرة وهيمنة الاحزاب والمجتمع الاهلي على موجهات المجتمع المدني العراقي لك هناك رغم هذا ضرورة معالجة الخيارات الاتية:
الخيار الأول : علاقة المجتمع المدني بالسلطة: الحوار النشط وخيار العمل السلمي :يعتبر الإصلاح التدريجي والسلمي الاختيار الاستراتيجي المطروح أمام المجتمعات المدنية العربية. وبالتالي فإن على المجتمع المدني أن يعمل رغم كل الصعوبات على تجسير العلاقة مع السلطة السياسية. وهو ما يفرض عليه ابتكار الوسائل الناجعة والفعالة لجعل الأنظمة تنخرط في التغيير.
توجد ثلاث استراتيجيات للتعامل مع الأنظمة. فهناك سيناريو المواجهة المباشرة الصدامية التي تضع الطرفين في حالة قطيعة ومواجهة مفتوحة، لا يحسمها سوى عنف السلطة ومنطق موازين القوى، لأن المجتمع المدني لا يستطيع أن يلجأ إلى العنف وإلا فقد طبيعته. أما السيناريو الثاني، فيتمثل في تبعية منظمات المجتمع المدني للدولة، ومحاولة التحرك ضمن المساحات التي تحددها السلطة. وهذا يعني نفي المجتمع المدني وتصفيته. أما السيناريو الثالث فيمكن وصفه بكونه " سيناريو الحوار التشط والمفاوضة "، ويهدف إلى أن يحاول المجتمع المدني إقناع الأنظمة بأن من مصلحتها الدخول في علاقة شراكة مع الجمعيات والمنظمات المستقلة من أجل تبادل الأدوار في مسار الإصلاح السياسي، فإن التوصل إلى إقناع الأنظمة بأن تكون شريكا في التحول الديمقراطي يفرض التوقف عند المسائل العملية التالية .
1. تطوير قدرات الحوار مع السلطة وبين مكونات المجتمع المدني ومع الشركاء الدوليين في إطار التمسك باستقلالية القرار ومضاعفة إمكانيات الضغط من أجل التغيير الديمقراطي. وبقدر ما ينجح المجتمع المدني في تقديم نفسه كقوة حوار وقوة اقتراح، بقدر ما تكون حظوظه في التأثير على مراكز القرار أقوى وأنجع.
2. التأثير على أصحاب القرار : ويكون ذلك من خلال المساهمة النشيطة لمنظمات المجتمع المدني في توجيه الرأي العام وصناعته والتفاعل مع مشكلات المواطنين وتطلعاتهم. كما أن تفعيل دور وسائل الإعلام.
3. التفاوض : يتطلب الاستعداد لمراحل الانتقال نحو الديمقراطية تطوير قدرات التفاوض والتحلي بروح العمل المرحلي وتحديد الأولويات وقد أثبتت تجارب عديدة أن منظمات المجتمع المدني، قد تنجح في ممارسة الضغط على الأنظمة، ولكنها غالبا ما تتعثر أو تفشل عندما تتهيأ لها الظروف لإدارة تفاوض مباشر مع هذه الحكومة وتلك. فأداء المنظمات المدنية العربية ضعيف في هذا المجال، حيث لا يزال التفاوض خاضعا للظروف المحلية والاجتهادات الشخصية ، ولم يتحول إلى اختيار استراتيجي مدروس، ولم يطرح على النشطاء بجدية حتى يصبح آلية هامة من آليات التحول الديمقراطي.
الخيار الثاني: دعم القدرات، تطوير الثقافة الديمقراطية والتركيز على التربية الشعبية ،تشكل الثقافة الديمقراطية الأرضية النظرية لتوفير بعض شروط التحول الديمقراطي. إنها أداة مهمة في تكوين نشطاء المجتمع المدني والقوى السياسية الراغبة في التغيير السلمي. هذا التغيير، الذي يفترض أن يشكل فرصة تاريخية يتولد عنها صعود قوى اجتماعية جديدة مؤمنة بحقوق الإنسان، وبوجوب حماية التعددية بمختلف مظاهرها وتشكلاتها، عن طريق القانون والمؤسسات الدستورية.
الحديث عن الثقافة الديمقراطية يقتضي إبراز أهمية التفاعل مع الثقافة الشعبية والقدرات والوعي التاريخي للمجتمعات العربية.كما أن مسألة الثقافة الديمقراطية تفرض إقامة حوار صريح ومفتوح بين مختلف الفاعلين الاجتماعيي ، وتوفير الإطار المعرفي والقانوني والاجتماعي لتحصين حرية الإبداع والاجتهاد من أية مصادرة أو تهديد.
الخيار الثالث: المساواة في قلب عملية التغيير الديمقراطي
التحول الديمقراطي مهمّة يفترض أن تنجزها كل القوى المؤمنة بالإصلاح، وبالتالي فإنّ كل المجتمع مدعو إلى توفير الشروط لإنجاز هذا التحوّل. لكن إذا كان المجتمع منقسم على نفسه ويعاني من التمييز في داخله بين الرجال والنساء أو بين مكوّناته العرقية والدينية فهل سيكون قادرا على القيام بتغيير جذري يقطع مع آليات وثقافة مرحلة الاستبداد؟. وهل أنّ المجتمعات المدنية العربية قد تخلّصت في خطابها وفي سلوك أعضائها ومناضليها من آثار مرحلة التمييز؟.
إن المساواة بين الجنسين بقدر ما هو خيار مستقلّ بذاته، فهو عنصر رئيسي في تحقيق التحول الديمقراطي العميق، وبالتالي فهو يتقاطع مع بقية الاختيارات وجميع المجالات الاجتماعية والسياسية والتاريخية والثقافية. فتغيير المعادلات داخل المنظومة الأبوية يصبح متجذرا ودائما مع التقدم في تغيير العقليات والأدوار الاجتماعية والتشريعات ومراجعة العديد من مفردات الثقافة السائدة.
كما أن الاعتراف بالحقوق الثقافية والسياسية للأقليات القومية أو الدينية أو اللغوية أو غيرها مبدأ اساسي في عملية التحول الديمقراطي المنشود, إذ لا يمكن النهوض بالمجتمعات المتعددة التكوينات دون الاعتراف بحقوقها كاملة وعلى أساس المواطنة والمساواة التامة وعلى قاعدة حقوق الإنسان.
الخيار الرابع: تطوير آليات التحول الديمقراطي، العدالة الانتقالية نموذجا :من سمات التحول الديمقراطي الانتقال من حالة مجتمعية تسوسها سلطة مطلقة إلى حالة مغايرة يكون الحكم فيها للشعب من خلال اختيار ممثليه عن طريق الانتخاب الحر، وتتأسس العلاقة بين المواطن والدولة على علوية القانون. ومن بين التحديات الرئيسية التي تواجه المجتمعات المدنية، سواء عند الشروع في توفير شروط التحول الديمقراطي أو بعد حدوثه هو معالجة آثار الماضي السلبية ومن بينها مطالبة ضحايا التعذيب والاعتقال التعسفي باسترداد حقوقهم والتعويض المادي والمعنوي والقانوني عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تعرضوا لها سواء حصلت هذه الانتهاكات من طرف مؤسسات حكومية أو من أطراف سياسية معارضة. ( )



#عامر_عبد_زيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحجة للقيام بإعمالهم العدوانية .مختارات من اعمال المفكر الع ...
- التعويضات بحق العراق ونظام الخلافة الدولية / مختارات من اعما ...
- رهانات التحديث والديمقراطية و الواقع العربي
- المرأة وثقافة اللاعنف.
- مقاربات في الخطاب السياسي المسيحي الوسيط
- من أجل هوية أكثر انفتاحاً
- قراءه في كتاب -من جدلية الاخر الى الذات-.للمفكر حسن مجيد الع ...
- من التسامح إلى الاعتراف
- نقد أطياف التمركز في القراءات الغربية
- بابل عاصمة الثقافة العراقية مقاربات وشهادات
- إشكاليات الحداثة والتراث
- قراءة في كتاب الحروب العدوانية وما أفرزته من قروض وتعويضات ب ...
- مختارات
- من اجل ترسيخ ذهنية التسامح
- قراءات في مفهوم الدستور
- المؤتمر الفلسفي السنوي السابع : فلسفة الحوار … … رؤية معاصرة
- اركولوجيا الوعي عند مدني صالح
- نقد التمركز الغربي
- إشراقات النص وتجليات التلقي
- التعلم وثقافة اللاعنف


المزيد.....




- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عامر عبد زيد - مقاربه في المجتمع المدني