أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عامر عبد زيد - مقاربات في الخطاب السياسي المسيحي الوسيط















المزيد.....


مقاربات في الخطاب السياسي المسيحي الوسيط


عامر عبد زيد

الحوار المتمدن-العدد: 2667 - 2009 / 6 / 4 - 09:06
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إن ما نسعى إليه في هذا المبحث هو تناول الثقافة المسيحية بوصفها مجموعة من المعاني والقيم والمقاييس التي يتميز بها في حالة تفاعل متبادل ، ومجموعة المؤسسات التي لها موضع وتكيف اجتماعياً هذه المعاني وتنقلها(1). فالثقافة المسيحية بهذا المعنى هي معان وقيم تنبثق عن مثال أعلى يحددها النص ( الإنجيل والتوراة ) الذي يقع خارج الزمام والمكان ، وانه صيغة واحدة يتجلى في الأمر الإلهي ( ويحدد له منهجاً يقوم على الإيمان فلا يملك حرية التفكير إلا في داخل النطاق الذي حدده النقل ، وان الفلسفة تبعاً لذلك يجب إن تكون في خدمة الدين ، وان المعرفة ينبغي إن تستهدف هدفاً واحداً هو سبيل النجاة الذي هو الغاية العليا للسلوك الإنساني كله )(2).
وبذلك مثلت بعداً روحياً يكون الوعي في إطارها وعياً روحياً إلى أقصى درجات الروحية من خلال وعي الواقع المعايش على سبيل المثال, على أنه كائن أعلى غير حسي, وغير مادي وأزلي ( Eternet ) معتبرا جميع الحاجات وجمع الأهداف , حاجات وأهداف ذوات أفق روحاني قابل للتحقق على المستوى الحياتي إلى حد كبير بأقل قدر ممكن من اللجوء إلى الجسديات. فهذا مضمونها وسرها الداخلي ، وهي بذلك تنفصل عن الثقافة المركزية في وقتها ، وهي الثقافة الرومانية. المسيطرة ذات الطابع الحسي المادي ( فالواقع لديها مادي ، غير قابل للتجريد ، فالحاجات تبرز. وكأنها جسدية مادية فقط ومايبغيه الجميع هو تحقيق الحد الأقصى من هذه الحاجات والرغبات عبر استقلال العالم استقلالاً كاملاً وتفترض أيضا استقلال الغرائز عند الإنسان استقلالاً)(3). وهكذا يظهر بين الثقافتين رفض متبادل ، ( فالثقافة الروحية تشكل الثقافة الحسية بالنسبة لها ، وهماً وخرافة وشذوذاً على الصعيد النفسي في بعض الأحيان)(4).
وقد ظهرت الثقافة المسيحية على نمطين يمكن عرضهما بالشكل الأتي:ـ
النمط الأول:ـ بوصفها قوة اجتماعية تدخل في علاقة مع قوى أخرى ، هي علاقة رفض ـ إخضاع أو خضوع حتى تسيطر أو يسيطر عليها.
النمط الثاني:ـ بوصفها سلطة اجتماعية ، وهي القوة التي تدخل في علاقة تتحرك حتى تصبح سلطة ، فالعلاقة في حالة كمون ، ليست شيئاً يتحقق ، فقط عندما تبرز بوصفها سلطة .. ( والسلطة هي علاقة القوة التي تقبض عليها مؤسسة أو حالة اجتماعية أو طقس أو شعيرة)(5).
وتصبح أيديولوجيا سياسية عندما ( تسحب المستقبل إلى الحاضر من حيث المستقبل عقلاني وتسبغه على مؤسسات الواقع ... كونها مؤسسة من اجل تغيير الواقع)(6). وعلى هذا الأساس يمكن متابعة نمطين من تطور الكنسية وهما الإتيان:
النمط الأول :ـ كونها ( يوتوبيا ) تبنتها قوى اجتماعية.
النمط الثاني :ـ كونها سلطة ( إيديولوجية ) عقائدية تمتلك زمام الأمور ؛ وعلى هذا الأساس تبحث عن الأطر الاجتماعية التي بزغت منها وتأثرت بها ، ودخلت في حالة صراع مع السلطة المركزية ، وباقي القوى الاجتماعية ، والفضاء الثقافي الذي تشكلت داخله
إما القديس اوغسيطين (354م) شغل مكانا كبيرا في الفكر المسيحي الفلسفي واللاهوتي نظرا لما له من ثقل في زمانه وفي ما بعده إذا كان له إتباع يشغلون مكانة مهمة في المجتمع الكنسي وهم الاوغسطينيون .
لقد كان مفكرا داخل تلك الثقافة التي تشكلت داخل ظروف سياسية واجتماعية ومرجعيات كثيرة متباينة وخاضعة لموجهات التي جاءت خاضعة للسلطة الكنسية التي شكلت السلطة المرجعية الفاعلة في تشكيل وظهور فلسفة القديس اوغسيطين موقف فكري وعقائدي فالتنظير السياسي في مجال دولة الله .

التنظير السياسي في مجال دولة الله ( فلسفة التاريخ) :

فان اوغسيطين بعد إن أكمل بناء العقيدة على أسس عقلية مقدما لها تبرير فلسفي ، يحاول من ناحية أخرى إن يقدم لها تأملا سياسيا يقترب إلى حد بعيد فهي فلسفة التاريخ من خلال ( نظرية العناية الإلهية ) . إذ تشير نظرية العناية الإلهية إلى إن التاريخ مسرحية ألفها الله ويمثلها الإنسان ، أي إن وقائع التاريخ تخضع للمشيئة الإلهية ، ولولا هذا التدخل الإلهي لأصبح التاريخ كومة مضطربة من عصور متراكمة في عبث أو مأساة رهيبة بداية معقولة أو نهاية مقبولة .

وقد اتخذت نظرية الإلهية طابعا مسيحيا بعد قيام المسيحية ، وقد تبلورت لدى اكبر فلاسفة اللاهوت المسيحي اوغسيطين ، حيث كانت الظروف السياسية متهيئة لظهور نظرية تدافع عن المسيحية إذ كانت الإمبراطورية الرومانية على وشك السقوط ، وكانت الفكرة الشائعة وان انحلال الدولة راجع إلى انتشار المسيحية باعتبارها قد أضعفت من ديانة الدولة والهة الرومان فانبرى اوغسيطين يدافع عن المسيحية باعتبارها المثل الأعلى للدولة أو بالا حرى مدينة الله على الأرض ، حيث ذهب إن الشر قد دخل العالم بمعصية ادم ، وكما إن في الإنسان نزعتين : نزعة حب ألذات إلى حد الاستهانة بالله ، ونزعة حب الله إلى حد الاستهانة بالذات ، وكذلك في المجتمعات مدينتان المدينة الأرضية أو مدينة الشيطان ، والمدينة السماوية أو مدينة الله ، تعمل الأولى على شر الظالم ونصرته وتجاهد الثانية في سبيل العدالة ، ولقد كانت مدينة الله مختلطة بمدينة الشيطان حتى ظهور نبي الله إبراهيم ثم تميزت المدينة السماوية فأصبحت في بني إسرائيل ، والمدينة الأرضية في سائر الحضارات التي بلغت ذروتها عند الحضارة الرومانية ، ولكنها مع انفصالهما وتباينوهما كانا يتقدمان معا ويمهدان لظهور السيد المسيح الذي مـّهد بني إسرائيل له روحيا، ومهدت الحضارات القديمة له سياسيا وفقا لتدبير من العناية الإلهية ، ولقد انتهى التمايز بظهور المسيح ، ومن ثم يجب إن تتم الوحدة بين الجانب الروحي ممثلا في الكنيسة والجانب السياسي ممثلا في الدولة . ولما كانت الأخيرة تسعى إلى الخبرات المادية الدينوية بينما تجعلها الكنيسة وسيلة لغاية روحية أسمى فانه يجب إن تخضع الدولة للكنيسة. وقد أكد اوغسيطين إن تكون الدولة دينية بل تسيطر الكنيسة على الدولة من اجل تحقيق السعادتين : سعادة الدنيا وسعادة الآخرة تشرف الكنيسة على الدولة حتى توجهها إلى الحياة الآخرة وتمكن الدولة الكنيسة من تحقيق إغراضها .

وقد رفض التعاقب الدوري مؤكدا فردية الواقعة التاريخية ومن ثم استحالة تكرارها ، إن صلب المسيح من اجل البشر كي يفدي خطاياهم حادثة فردية لا تتكرر (7) .
وقد استوحى من مذهب القديس اغسيطين السياسي ، وهو المذهب الذي كان يطمح ببناء مدينة الله على الأرض ، كان يطمح لبناء نظام سياسي لا يأخذ بعين الاعتبار متطلبات هذه الحياة الدنيا ، بل تحقيق المجد الأعظم للعلي القدير على الأرض . وهكذا يبدو من جديد إن المقدس والسياسي كانا في وضعية اندماج ، ولن يكون للكنيسة سبب كي تقوم منعزلة في العالم .

ولقد كانت الكنيسة في ظل الحبر انوسوت الثالث Innocen III الذي يعبر في القرن الثالث عشر عن ذروة المطمح الثيوقراطي قد عززت الكنيسة إستراتيجيتها الثيوقراطية ( ليس علي نفي مدى السياسي ، بل علي تأكيد حقها في ملاحظة الأمير في ميدانه الخاص ، في الوقت الذي يرتكب فيه المعاصي . هذه الأهلية تعود إلى صفة " الحبر الأعظم" التي يدعيها البابا كما تعود الى تفوق الروحي على الزمني ) (8) .

إن الملاحظ إن هذا التنظير السياسي منح الكنيسة سلطة متعالية روحيا على كل ماهو دينوي زماني ، من خلال ثنائية مقدس ( روحي ) مدنس مادي ، أو الكنسي والسياسي وهي أيضا تعود إلى مرحلة من اكتمال التنظير السياسي لسلطة الكنيسة التي استبعدت تلك التصورات الألفية* ( لكن الكنيسة قبلت ( بالتاريخ ) ولم تعد نهاية العالم هي الحدث الأكبر الذي كان عليها انتظاره في عهود الاضطهاد العالم ، هذا العالم بكل خطاياه ومظالمه وهمجيته ، سوف يستمر والله وحده هو الذي يعلم متى ينتهي ، وكان هناك شيء أكيد واحد هو إن هذه النهاية لن تحصل غدا بانتظار الكنيسة تحقق ملكوت السماء على الأرض ، وبمعنى ما تحقق دمار العالم القديم .. ولعلنا نستطيع إن نتبين في رفض الكنيسة رسميا لعقيدة أو ظهور لعقيدة التقدم . كانت الكنيسة قد قبلت بالعالم على ما كان . عليه ، وهي تسعى إلى جعل الوجود البشري اقل شقاء مما كان عليه في إثناء ألازمات التاريخية الكبرى (9) .
إما القديس توما الاكويني )التنظير السياسي ):
يقدم توما الاكويني تعريف للدولة على أنها (هيئة موحدة بتنظيم أفرادها ، مثلها مثل الجيش يعاون عمل الجندي فيه المجموع دون إن يختلط به ) إلا انه يميز بين الحيوان والإنسان من حيث الرابط الذي يدفعه إلى الجماعة إذ توجد وحدة ونظام في الحيوان كالنمل إلا أنها غرائزية إما الجماعات الإنسانية فهي راجعة إلى العقل والإرادة وهذا ضرب من التعاقد .
في مجال تعريف الجماعة كان توما إمام تعريفين الأول يعود إلى شيشرون ونصه (كثرة منظمة خاضعة لقانون عادل يرتضيه الفرد ابتغاء منفعة مشتركة) فيما الثاني يعود إلى أوغسطين (اتحاد أفراد عاقلين للاستمتاع معاً بما يحبون ) هنا يأخذ توما تعريف شيشرون والتعليل لأنه يعتقد بالقانون الطبيعي ويجعل منه الأساس القريب للإجماع ويستند إلى الأساس البعيد الذي هو القانون الأزلي وقد اوجد الله الإنسان مدنيا بالطبع وحاصلا بداهة على المبادئ الأولى للحق والخير.
فان كل سلطان فهو آت من الله ، وظيفة الدولة استكمال الفرد لطبيعة الإنسانية ، وتحقيق غاية ، بما هو إنسان ، فوظيفة الدولة معاونته على ذلك فيما تستطيعه.
إما من الناحية الخلقية من شأن الكنيسة ، والدولة خاضعة للكنيسة بقدر خضوع الغاية الزمنية / الدولة إلى الغاية الأبدية / الكنيسة
انه في معالجة الفكر السياسي مازال متأثر بالفكر اليوناني لكل من نص أفلاطون ونص أرسطو السياسي فما يتعلق بالفكر والنظام الأفضل مع عمل توما على التوفيق بين هذا التصور العقلي والتصور النصي والتأويل الاوغسطيني وان كان اقرب إلى العقل منه إلى النص ولعل هذا جلب عليه الكثير من الانتقادات .
فقد كان أفلاطون قد صنف الدساتير إلى ثلاثة صالحة وهي : الملكية ، والديمقراطية المعتدلة ، والارستقراطية .
وثلاثة غير صالحة وهي : الطغيان و اوليغاشية ، والديمقراطية المتطرفة .
وقد جعل أرسطو المصلحة العامة هي الأساس في الحكم على الدستور فالدساتير العادلة هي التي تمارس السلطة فيها لغية تحقيق المصلحة العامة وعكسها غير الصالحة.
1. حكم الفرد الواحد : هو بالمعنى الأوسع للكلمة "الملكية" إذا مورس بطريقة صالحة من اجل المصلحة العامة . وسمي "ملكيه" إذا مورس بطريقة غير نزيه أو غير صالحة بهدف تحقيق المصلحة الخاصة ولهذا سمي طغيان .الملكية / الطغيان.
2. حكم البعض الأقلية إذا مورس بطريقة نزيه صالحة بواسطة الأفضل ووفق الفضيلة سمي ارستقراطية ، ولكنه إذ مورس بواسطة الأغنياء ولخدمة مصلحتهم سمي اوليغاشية واعتبر شكلا غير سليم ومنحرف وضال : الارستقراطية / اوليغاشية.
3. وحكم الأكثرية لخدمة المصلحة العامة سمي جمهورياً معتدلا او "بوليتكل" إما حكم الأكثرية الفقراء عمليا الذي يستهدف مصلحة الفقراء فقط فيسمى ديمقراطية غير سليم ومنحرف .الديمقراطية المعتدلة / الديمقراطية المتطرفة.
وكان أرسطو مع الملك العادل أي الإنسان الفيلسوف مالك الحقيقة صاحب العلم الملكي هو أفضل إشكال الحكم.(10) وقد عالج الأمر هذا توما الاكويني جامعا بين الفكر الفلسفي والفكر الديني أي موفق بين العقل والنقل وجاءت هذه المعالجة بالشكل الأتي الارستقراطية أو حكومة الأفاضل أكثر حكمة من الديمقراطية (بوليتيا) أي حكومة الشعب العادل ، وحكومة الموناركيه (الملكية) حكومة الفرد الفاضل خير من الارستقراطية وأكثر مطابقة للطبيعة حيث كل شئ يديره مبدأ واحد الجسم تدبره النفس ، والأسرة يدبرها الأب ن والعالم يدبره الله، يجب أن تكون الموناركية انتخابية إذ ليس يكفي (الحسب )بل يجب إن تكون الفضيلة . لكن ليس يوجد نظام كامل فقد تنقلب الملكية إلى طبقات والارستقراطية إلى اوليغراكية أو حكومة الأغنياء. والديمقراطية بوليتيا إلى ديمقراطية ، خير نظام هو موناكيه معدل بارستقراطية وديمقراطية مجلس ارستقراطي ينتخبه الشعب، ذلك النظام الذي سنه الله لموسى وخلفاؤه يحكمون بمعاونة أثنى وسبعين رجلا حكيما يختارهم الشعب ،بينما كان الله نفسه يختار الملك.(11)
الملاحظ هنا إن توما يقوم بتبني تصورات أرسطو مع التوفيق مع نماذج من الفكر اليهودي القديم .
لقد كان للقدس موقف من السياسة وهو بهذا يعود أيضا إلى أرسطو ويحاول إن يقارب بين أفكاره ومنهجه ألبرهاني .

أهم وظائف الدولة :
1. تامين الجماعة من الخطر الداخلي : وهذا من خلال :
1. تقوم الدولة بوظيفة التشريع. لا قيمة للقانون الوضعي إلا إذا صدر طبقا للعقل ولأجل الخير العام أي طبقا للقانون الطبيعي. ومن ثم القانون لأزلي إذ ليس من حق الإنسان إن يشرع إلا باسم اله ولكن يوجهه وفق العقل الطبيعة فإذا انعدم هذا الشرط لم يعد القانون الوضعي قانونا بل كان فساد القانون.
إقامة العدل بين الإفراد: القضاء هو يستتبع القانون إذ يظل القانون لغوا بغير جزاء على القاضي تطبيق العدالة ومراعاة الإنصاف وتبرئة المتهم حين لا تقوم على البينة على الذنب ولا يدين القاضي بحسب اعتقاده الشخصي بل بحسب مابين له لاعتباره شخصا عموميا وهذا لا يمانع من استخدام معارفه الخاصة لجلاء الحقيقة ؛ إما العقاب فهذا تعويض عن ذنب وفي هذه الحياة تأديب وهو رادع ومصلح ومن ثم عامل من عوامل السلام في المجتمع عقوبة الإعدام مشروعة لان الجاني ينزل مرتبة الحيوان وبالتالي يستحق إن يقتل كحيوان . ومن حق السلطة إن سلطة إن تمنع الحرية بالحبس .
2. الخطر الخارجي : ألاستعداد للحرب وظيفة جوهرية ويجب إن تكون حرب عادلة ولهذا ثلاث شروط ذكرها أوغسطين :
• إن تعلنها السلطة الشرعية وتباشرها بنفسها .
• إن تعلنها لسبب عادل أي لدفع ظلم .
• إن يمضي فيها بنية مستقيمة أي موجهة إلى إرغام العدو على قبول السلم .
لا على الإيذاء وجب التسلط والانتقام .( 12)
إما عن العلاقة بين الملك والشعب: لقد كانت هناك فكرة سابقة لفكرة القديس توما كانت تلك الفكرة تقوم على تحديد مسافة سلطة الملكية وحتى يتم تجاوز حظر الظلم فهناك إذن ( اتفاقية مشروطة ) بين الأمير والشعب ، ولا يجدر بالأمير إن يأمر ، إلا بالنظر هذه المرجعية التوافقية . وظهور هذه المرجعية التوافقية . إبان ذروة النزاع بين الكنيسة والإمبراطورية . كنتائج لإستراتيجية الكنيسة الساعية إلى تقليص مصادر السلطة الزمنية . ولقد توافق تدخل الشعب في الخصومة بين البابا والإمبراطور مع الجهود التي بذلها البابا لدفع الإمبراطور إلى الاتكاء ضمن ميدانه وحصره به : لا يستطيع ان يفعل الأمير الزمني ما يحلو له ، لا لأنه غير معفي في القانون – بل لأنه مرتبط بعقد مع شعبه وكان البابا يحتفظ بحق التدخل في حالة لم يحترم العقد . وهكذا ظهرت فكرة العقد وفكرة دفعة القانون وفكرة التمثيل وجاء توما الاكويني في القرن الثاني عشر كي يكرس هذه الاستقلالية للسياسي .

فالقراءة الأرسطية للمسيحية التي تدين بها للقديس توما الاكويني تتجاوز كثيرا الإطار المطلوب : أنها تحكم كامل الرؤية عن مدينة الله التي كانت القرون الوسطي تحتفظ بها .
لقد عاش في عصر حيث كان البناء الدولاتي شغل السياسة الشاغل وهو قد لعب دورا سياسيا أكثر منه دينيا . وكان تعاطف هذا اللاهوتي مع الحزب الجيليلني Gibelin ، حزب أنصار الإمبراطور، معروفا ، وكان دوره كمستشار في البلاط ملحوظا ، وخاصة في عهد ( سان لويس ) وكانت وظيفته كمنظر للكنيسة أساسية12 .

ان من الملاحظ هنا ان التأكيد الذي نلمسه عند اوغسيطين من فصل السلف بين القديس الروحي والدينوي السياسي ، لكن من خلال قيادة الروسي القديس الكنسي لدولة السياسة ، فان هذه النظرية بحسب ما عرضا قد تمت حتى ظهرت فكرة الثقافة وظهور البابا والكنيسة باعتبار الرقيب الديني على سير سلطة الدولة وخضوعها للقانون .
إما مع القديس توما الاكويني فهو يمضي في التنظير السياسي ويقر هذه الثنائية إلا انه يعطي فرصة اكبر للسياسي ولهذا دافعان :
الأول – تأثره بالاتجاه العقلي ألبرهاني الذي كان لارسطو اثر كبير فيه والموقف السياسي للقديس فهو بالإضافة إلى انتسابه إلى الكنيسة فهو ذو صلة أيضا بالسلطة التي يمثلها السياسي بحسب ما سبق عرضه .

ولان الانتماء إلى المدينة لا يكون ممكنا إلا إذا كان مختلفا عن الانتماء إلى الكنيسة ، فان اللاهوتي الاكويني لا يتصور ثنائية الزمني والروحاني شقاءا أو لحظة من لحظات مقامرة البشرية ، على غرار تصور المسيحية المعدلة ، لكنه يتصوره كنظام شاءه الله ، وعلى الإنسان إن يفكر ويتصرف وفق هذا النظام . وهكذا إذا تبقى استقلالية السياسي مطروحة دوما ، بدليل إن فيلاي Villey) لم يتردد في إن يرى بذور فكرة العلمانية في البناء الذي شيده القديس توما الاكويني(14)

إن السياسي لدى القديس توما محكوما بما يصنع هويته ، ولان السياسي متباين في المدى الديني ، فهو يرتبط بالعلل الثانوية وبتفويض الله ، ولأنه متطابق مع نظام وتخطيط اللاهين فهو لا ينظم من الله ، بل يخضع لقوانين الطبيعة التي تتحصل بواسطة العقل . إذن لا يرد ميدان الإنسانية إلى العمل الشرعي للسلطة السياسية إلا إذا ظلمت هذه الأخيرة ( مينية للقانون الطبيعي والعقلي فقد أكد القديس توما : ( كي يكون لإرادة ما ننظم قيمة القانون ، يبنغي إن تكون خاضعة لتنظيم العقل (... ) ، خلاف ذلك تصبح إرادة الأمير جورا أكثر منها قانونا )(15).

وان البعد العلماني هناك فكرة دولة الحق ، ومبدأ الشرعية وكل مقامرة الحق الطبيعي ، التي ترتسم في إعمال توما الاكويني ، وهذه الأفكار سوف يكون لها تأثير فيما بعد على سمات البناء الدولاني الذري ، الأولى المرجعية التوافقية التي هيأت فكرة الدولة التي تستمد مصدرها عن الشرعية الشعبية والمرجعية .

الثاني : المرجعية المستندة إلى الحق الطبيعي التي ترسم دولة لا يمكن إن تلجأ إلى الإكراه إلا إذا وضعت الحق الطبيعي أي احتماليا فوق سيادة الشعب .
وقد ظهر هذا عبر الصراع بين الثقافة الديمقراطية المتمثل في المرجعية الأولى والثقافة التشريعية المتمثل بالمرجعية الثانية . وقد كانت أفكار توما السياسية لها ما يعارضها من الاتجاه الفرنسيكاني ، لدى دانس سكوت Dunsscot وغليوم دوكام يعود بالدرجة الأولى التخلي عن فكرة النظام الطبيعي لصالح لطرحة القدر الكلية قدرة الله : بان كل شيء يتأتى من الله لكنه وباسم هذا المبدأ يسقط فكرة النظام البشري القائم مسبقا ويستذلها بفكرة القراءة التجريبية التي لا تحتفظ من هذا النظام إلا بالوجود العيني لإفراد مخصوصين ، فالسلطة هي قضية علاقة بين فاعلين خصوصية(16.



#عامر_عبد_زيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أجل هوية أكثر انفتاحاً
- قراءه في كتاب -من جدلية الاخر الى الذات-.للمفكر حسن مجيد الع ...
- من التسامح إلى الاعتراف
- نقد أطياف التمركز في القراءات الغربية
- بابل عاصمة الثقافة العراقية مقاربات وشهادات
- إشكاليات الحداثة والتراث
- قراءة في كتاب الحروب العدوانية وما أفرزته من قروض وتعويضات ب ...
- مختارات
- من اجل ترسيخ ذهنية التسامح
- قراءات في مفهوم الدستور
- المؤتمر الفلسفي السنوي السابع : فلسفة الحوار … … رؤية معاصرة
- اركولوجيا الوعي عند مدني صالح
- نقد التمركز الغربي
- إشراقات النص وتجليات التلقي
- التعلم وثقافة اللاعنف
- مقاربة في اليات التسامح والامل
- تاثيث الذاكرة عند زيد الشهيد
- الخطاب السياسي في العراقِ القديمِ
- الحداثة العربية الناقصة
- حفريا المعرفة في الحدث الحضاري العراقي


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف موقع اسرائيلي حيوي ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عامر عبد زيد - مقاربات في الخطاب السياسي المسيحي الوسيط