أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - امال الحسين - النهج الديمقراطي و نظرية الحزب الثوري 2















المزيد.....



النهج الديمقراطي و نظرية الحزب الثوري 2


امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)


الحوار المتمدن-العدد: 3103 - 2010 / 8 / 23 - 16:50
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


نظمت جريدة النهج الديمقراطي ندوة حول الماركسية في 14 يناير 2007 تم نشر مضمونها بالعدد 114 بتاريخ مارس 2007 ، و نظرا لأهمية الموضوع سأعمل على قراءة مضامينها قراءة نقدية بتسليط مزيد من الضوء على أيديولوجية حزب النهج الديمقراطي ، فحسب مقدم الندوة فإن الغاية من عقد هذه الندوة هي المساهمة في توضيح و تبيان مواقف النهج الديمقراطي ، لمزيد من إلقاء الضوء حول الماركسية في إطار الصراع السياسي و الفكري و الأيديولوجي من أجل بناء خط النهج الديمقراطي ، و تأتي هذه الندوة إلى جانب دور أجهزة الحزب في هذا الإطار الذي أكد عليه الكاتب الوطني للنهج الديمقراطي ، حيث اعتبر هذه الندوة ردا موضوعيا على من يتحاملون على النهج الديمقراطي و "تطوير فكرنا الماركسي" كما قال ، و مهما قيل حول هذه الندوة فهي في الحقيقة جواب واضح للإنتقادات التي وجهت و توجه لحزب النهج الديمقراطي من طرف الماركسيين اللينينيين ، حيث يعرف الجميع أن هذا الحزب تخلى عن خط الماركسية اللينينية في الوقت الذي يعتبر فيه نفسه استمرارا للحركة الماركسية اللينينية المغربية و خاصة منظمة إلى الأمام ، و حسب أوراقه و خاصة الشق الأيديولوجي منها فإنه يعتبر "الماركسية المنفتحة على الفكر الإنساني" هي أيديولوجيته ، و يعتبر الحزب كل من ماركس و إنجلس و لينين عبارة عن مفكرين ماركسيين و لا يعتبر الماركسية كمنظومة فكرية و أيديولوجية بقدر ما يعتبر المساهمين في بناء هذه المنظومة ، و هو يتنكر للماركسية اللينينية باعتبارها جوهر الدياليكتيك الماركسي و ينفتح على "الفكر الإنساني" و المقصود هنا الفكر البورجوازي نقيض الماركسية ، لهذا تناول هذا الكتاب تسليط الضوء على أيديولوجية حزب النهج الديمقراطي باعتباره أحد التنظيمات الماركسية التحريفية ، و الذي يسعى إلى محاربة الفكر الماركسي اللينيني في محاولة لاحتوائه لتراث منظمة إلى الأمام محاولا بناء بديل للحركة الماركسية اللينينية ، و ذلك عن طريق العمل على بلورة أيديولوجية بورجوازية تسعى إلى تمييع النظرية الماركسية اللينينية و تسخير جميع الوسائل الممكنة لذلك ، بما في ذلك الهجوم على المناضلين الماركسيين اللينينيين و محاربتهم في الإطارات الجماهيرية التي يسعى إلى قيادتها .

و انطلاقا من مقولة "الجوهر الحي للماركسية" التي ابتدعها عبد الله الحريف الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي في محاولة يائسة لتمييع مفهوم الماركسية كمنظومة فكرية للمعرفة المادية و أيديولوجية البروليتاريا و نظرية و تكتيك الحزب الثوري الذي يهدف إلى بناء المجتمع الاشتراكي في أفق سيادة المجتمع الشيوعي ، حاول عبد الله الحريف اختزال الماركسية في منهج للتحليل و نقد للرأسمالية في قوله : " فالماركسية التي تعطينا القوانين الأساسية لتطور الرأسمالية أصبحت الآن أكثر راهنية من السابق" .

فهو يرى أن الماركسية لا شأن لها فيما قبل و هو اليوم في حاجة ماسة إليها كأن الماركسية ليست منظومة فكرية ضرورية في مواجهة المنظومة الفكرية البورجوازية ، فنحن نستعملها كلما دعت الحاجة إلى ذلك و نستغني عنها إذا لم نكن بحاجة إليها كأنها ليست نقيض البورجوازية التي لم يتم القضاء عليها يوما إلا في مرحلة المجتمع الاشتراكي السوفييتي ، كل هذه مقدمات مبطنة من أجل الهجوم على الماركسية اللينينية و الابتعاد عن الخط الماركسي اللينيني ذلك ما سنراه فيما بعد ، و ما جاء في مقدماته من تنميقات للماركسية هو فقط لإحداث التشويش في ذهن القراء من أجل بناء هجومه على لينين و على الماركسية اللينينية.

و هو يستطرد قائلا :" لكنها لا تعطينا منظومة مقولات ، فالماركسية موجهة من أجل تطبيق الثورة و التغيير و تعطينا منهجا للعمل و التغيير ".

هنا بدأ في محاولة تقزيم الماركسية كمنظومة فكرية و ذلك باتهامها بالجمود "منظومة مقولات" في محاولة لتحريف مفاهيم الماركسية التي يمكن تغييرها متى شاء و كيفما يشاء ، و بمعنى آخر أن الماركسية ليست منظومة فكرية للمعرفة الدياليكتيكية المادية و أن الدياليكتيك المادي هو فقط عبارة عن منهج لتحليل قوانين الرأسمالية ليس إلا ، فهذه المنظومة يمكن تغييرها وفق الشروط المتاحة كما يقول :" فلا تعطينا مجموعة من الحقائق التي ينبغي تطبيقها لتغيير الواقع ".

حسب نظره إن الحقائق التي توصلت إليها الماركسية ليست بحقائق تاريخية فتناقضات الرأسمالية و أزماتها و حتمية زوالها و أهمية الصراع الطبقي و الحزب الثوري و القيادة الطليعية للطبقة العاملة و التحالف بينها و بين الفلاحين الفقراء و بناء المجتمع الاشتراكي و المجتمع الشيوعي و غيرها ، كل هذه المفاهيم ليست حقائق في رأي الكاتب الوطني و يجب استعمالها وفق شروط معينة و تغييرها وفق شروط أخرى و هكذا ، إذن الماركسية ليست منظومة فكرية مناقضة للمنظومة الفكرية البورجوازية و يمكن الدمج بينهما وفق الشروط المعينة التي يطرحها الكاتب الوطني ، بالفعل هذه مقدمات خطير في حق الماركسية التي أسسها ماركس و إنجلس في أزيد من نصف قرن من النضال ضد البورجوازية و الفلسفة المثالية و اللاعرفانية ، إنها مقدمات من أجل التقليل من شأن الماركسية أولا و محاربة أعلى مراحل تطورها و هي الماركسية اللينينية من طرف هذا المنظر و الفيلسوف اللاعرفاني الجديد الذي لا يؤمن بالحقائق التي توصلت إليها الماركسية .

لقد ناضل ماركس و إنجلس من أجل دحض الفكر البورجوازي و ذلك باكتشاف قوانين التطور الاجتماعي التي تعتبر حقائق موجودة في الحركة الطبيعية و الاجتماعية ، و العمل الذي قام به هذان العالمان الكبيران هو اكتشاف هذه الحقائق التي لا يمكن التنكر لها و هي حقائق ثابتة ، فمن خلال دراستهما لتطور المعرفة البشرية عبر التاريخ و تطوير هذه المعرفة ، منذ سقراط و أفلاطون اللذان يمثلان الاتجاه المعرفي المثالي و ديمقريطس و أبيقور اللذان يمثلان الاتجاه المعرفي المادي ، و ما واكب ذلك من صراع مرير من أجل سيادة هذا الاتجاه أو ذاك إلى أن برزت الكانطية التي حاولت التوفيق بينهما و التي سماها ماركس و إنجلس باللاعرفانية ، و صولا إلى هيكل الذي أسس الدياليكتيك الذي عمل ماركس و إنجلس على تطويره بواسطة إزالة صفة المثالية فيه و وضع الدياليكتيك المادي الذي قطع مع المثالية قطعا تاريخيا لا رجعة فيه ، هذا الدياليكتيك الماركسي الذي طوره لينين في مرحلة تاريخية عصيبة و طبقه على مستوى المعرفة في صراعه مع الماخيين الذين حاولوا تحريف الماركسية ، و عمل على وضع أسس الماركسية اللينينية التي تعتبر جوهر الدياليكتيك الماركسي و الذي ساهم بشكل كبير في تطوير الفكر العلمي ، و ذلك بمحاربة بقايا المثالية المهيمنة على العلوم الطبيعية و أحدثت الماركسية اللينينية ثورة هائلة في مستوى البحث العلمي ، ذلك ما سنشاهده في الاتجاهين المتناقضين في مستوى البحث العلمي و هو الاتجاه الماركسي المادي و الاتجاه البورجوازي المثالي ، و ما التطور الهائل الذي حققه الإتحاد السوفييتي على مستوى جميع الميادين العلمية و المعرفية إلا نتاج للماركسية اللينينية التي وضعت أسس المنهج العلمي المادي الخالي من كل شوائب المثالية و اللاعرفانية ، كل هذا في نظر الكاتب الوطني لا يستحق أن يكون منظومة فكرية مادية تقدمية في مواجهة المنظومة الفكرية البورجوازية الرجعية ، أليست هذه بماخية حديثة في الألفية الثالثة ؟

و كل ما سيأتي بعد هذه المقدمات التي تحمل في طياتها جوهر قصد الكاتب الوطني و هو إطفاء صفة التغيير على كل شيء من أجل إعطاء الشرعية لتغيير مفاهيم الماركسية و تغيير اتجاهها المادي ، كل ذلك من أجل محاربة الماركسية اللينينية فهو يقول :" يجب فهم أن الرأسمالية ليست جامدة و لا تتغير" ، إذن فالرأسمالية تتغير حسب نظره "لكن جوهرها ثابت" إذن الماركسية تتغير و جوهرها ثابت كما يقول الكاتب الوطني ، لهذا يجب تغيير الماركسية و يقول عبد الله الحريف :" فماركس ناقش و حلل المرحلة التنافسية للرأسمالية" ، و ما وضعه ماركس ليس بحقائق رغم أن الكاتب الوطني يؤكد على ذلك في قوله :" فقيامها على انتزاع فائض القيمة من المأجورين ، و العمال الذين ليس لهم إلا قوة عملهم التي يضطرون إلى بيعها في السوق" هذه الاكتشافات كلها ليست بحقائق في نظره و التي اكتشفتها الماركسية ، لكنه يدلي بها هنا من أجل التنميق فقط لأنه لم يصل بعد إلى جوهر قصده و ما يريد أن يقوله هنا هو حتى هذه الحقائق تتغير بتغير الرأسمالية إذن يجب تغيير الماركسية كذلك ، و من أجل تأكيد هذا التغير في النظام الرأسمالي يستند إلى ماركس و يقول عبد الله الحريف :
" فالخدمة التي قدمها ماركس أنه بين أن تحول الرأسمالية إلى الإمبريالية ستخلق هذا التطور اللامتكافيء و ستخلق من داخل الطبقة العاملة في دول المركز أرسطوقراطية عمالية تصبح هي السند للبورجوازية الذي سترتكز عليه الرأسمالية في أزماتها" .

و هو يورد هذا القول عن ماركس ليبين أن الرأسمالية تتغير و تؤثر في الطبقات الاجتماعية و خاصة الطبقة العاملة و تحدث فيها تغييرا ، فهذا الاكتشاف الذي يخدم الرأسمالية و الذي اكتشفه ماركس هو الذي أعجب به ، أما وحدة الطبقة العاملة و إمكانية حدوثها و العمل على ذلك عن طريق تنظيمها في حزبها الثوري و إعلان بيان الحزب الشيوعي فهذا ليس بعمل عظيم قام به ماركس و إنجلس ، من أجل وضع الأسس التنظيمية لمواجهة تغيرات الرأسمالية و الانحرافات التي قد تحدث في أوساط الماركسيين ، كما سنشاهد ذلك في "نقد برنامج غوتا" الذي دقق فيه ماركس أسس المذهب الماركسي انطلاقا من نقد التحريفيين بحزب العمال الألماني ، و دراسة الثورة العمالية من خلال دراسة "كومونة باريس" و استخلاص العبر منها بضرورة بناء الحزب الثوري .

كل ما يعجب الكاتب الوطني هو إمكانية تحول الرأسمالية إلى الإمبريالية و ما يترتب عن ذلك من تغييرات في المجتمع البورجوازي ، و ذلك من أجل إطفاء الشرعية على إحداث التغيير في الماركسية حتى تساير هذا التغيير و هو ينسى أو يتناسى أن استنتاج ماركس هذا تم انطلاقا من التوسع الاستعماري للدول الإمبريالية الأوربية ، و أن هذا الاستنتاج ما هو إلا بداية للتساؤلات المطروحة على الدياليكيتيك الماركسي و التي يجب أن توضع لها أجوبة ، و أن مرحلة ماركس و إنجلس لا تتسع تاريخيا لوضع هذه الأجوبة لأن الرأسمالية الإمبريالية ما زالت في بدايتها ، و أن هذا الاستنتاج بسيط بالمقارنة مع ما اكتشفه لينين بعد تعميق التناقضات في المراحل المتقدمة من الرأسمالية الإمبريالية ، و ما قام به الكاتب الوطني هنا لا يعدو أن يكون تلميحا واضحا إلى أن الرأسمالية في عصرنا قد تغيرت و أن مقولة الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية التي اكتشفها لينين لا جدوى منها في هذا العصر ، و ذلك ما يمكن استنتاجه في تجاهله لما قاله لينين في هذا الباب و سيكتفي فقط بالقول عن لينين من أجل التنميق دائما :
" لينين فهم في مرحلة معينة الطابع الثوري لحركات التحرر الوطني " و هنا تتجلى عظمته " في المستعمرات و من شعاره المعروف " يا عمال العالم و يا شعوبه المضطهدة اتحدوا" و هذا هو المنهج الماركسي ".

لننظر كيف تم تقزيم اكتشافات لينين حول الرأسمالية لإمبريالية باكتشافه للرأسمال المالي المسيطر على التجارة العالمية و على الرأسمال الصناعي ، و يريد اختزال الماركسية اللينينية في اكتشاف دور حركات التحرر الوطني في محاربة الراسمالية فقط ، و لم يكتف بذلك حيث ردد ما ينسب للينين زورا و هو تحريف شعار ماركس "يا عمال العالم اتحدوا !" هذا الشعار الذي لا يمكن للينين أن يقوم بتغييره دون أن يستند إلى خلفية أيديولوجية مضبوطة تخدم الماركسية ، و نحن نعرف جميعا مكانة لينين في الصراع الفكري و الأيديولوجي و المعرفي قبل الصراع السياسي و التنظيمي ، و لا يمكن أن يقول لينين قولا دون أن يضع له أسسه النظرية و الأيديولوجية و السياسية و التنظيمية ، فالشعار من هذا الحجم بحاجة إلى دراسة و تنظير فاستبدال دور الطبقة العاملة بدور الشعوب يتطلب اجتهادا نظريا و فكريا ، لآن الطبقة العاملة من المنظور الماركسي هي طبقة أساسية في الصراع الطبقي و هي من بين حقائق الماركسية التي لا يمكن أن تتغير و هي حقيقة من بين حقائقها الثابتة ، الصراع الطبقي إذن مرتبط بالطبقة العاملة في صراعها ضد البورجوازية التي تعتبر جزءا من الشعب و هي الطبقة المسيطرة على الخيرات و التي تستغل الطبقة العاملة ، إذن كيف يمكن للينين أن يوحد بين الطبقة العاملة و البورجوازية وهو الذي قاوم المناشفة عند طرحهم للتحالف مع البورجوازية ، لينين ليس بمنظر هاوي حتى يقول بمثل هذا القول الذي لا موقع له في الصراع الطبقي ، لأن لينين تحدث كثيرا عن مهام الطبقة العاملة و مهمتها المركزية في تحقيق الثورة الاشتراكية و بناء المجتمع الاشتراكي في أفق بناء المجتمع الشيوعي ، و تحدث كثيرا عن التحالف بين الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و لكنه لم يتحدث يوما عن أي اتحاد بين هاتين الطبقتين المتحالفين تاريخيا ، فكيف لمنظر في حجم لينين أن يقبل باتحاد الشعوب و ليس فقط إتحاد طبقات شعب معين و ذلك ما لا يمكن تحقيقه ، لقد تحدث لينين عن وحدة الطبقة العاملة في وطن واحد فحقق ذلك و تحدث عن دور الحزب الثوري في تحقيق الثورة الاشتراكية و استطاع بناء الحزب الثوري و تحقيق الثورة الاشتراكية في وطن واحد ، و لكنه يؤمن بإمكانية تحقيق وحدة الطبقة العاملة ليس في وطن واحد و لكن في جميع أقطار العالم و لكنه لم يحلم يوما بتوحيد شعوب العالم خاصة في ظل عدم تحقيق المهمة الأساسية للطبقة العاملة و هي تحقيق الثورة الاشتراكية .

كل ما يريده عبد الله الحريف في هذا القول المنسوب زورا للينين هو إطفاء الشرعية على تحريف الماركسية و ليس تغييرها حسب تغيير الرأسمالية حيث يقول :"و هذا هو المنهج الماركسي الذي يأخذ بعين الاعتبار تغيير الرأسمالية في أشكالها مما يطرح علينا ضرورة فهم هل هناك تغييرات في شكل الرأسمالية من أجل اكتساب تصور و تكتيك للثورة مبني على الواقع المتغير".

فبتلفيقه للينين هذا القول الزائف يكون قد طبق "المنهج الماركسي" حسب قوله ، إنه تلفيق في تلفيق من أجل تقزيم دور لينين في تطوير الماركسية و مكانة الماركسية اللينينية في الصراع القائم اليوم في ظل عصر الرأسمالية الإمبريالية ، فهو يريد بذلك تمرير مشروعه في تحريف الماركسية بمحاولته إيجاد بديل للماركسية اللينينية التي عمل على إبعادها من المرجعية الأيديولوجية لحزب النهج الديمقراطي ، و هنا يحاول التشهير بتلفيق أقوال مزيفة للينين و الركوب عليها من أجل نشر أطروحته "الجوهر الحي للماركسية" التي تتناقض تماما مع الماركسية اللينينية باعتبارها جوهر الدياليكتيك الماركسي ، فهل يستطيع أن ينجح في ظل تقديم "حسائه الاختياري الهزيل" كما يقول إنجلس عن أقوال الانتهازيين التحريفيين الذين يحاربون الماركسية ؟ فهل يريد تغيير وحدة الطبقة العاملة بوحدة الشعوب الهلامية التي لا تملك أدنى شرط لتحقيق الوحدة ؟ ذلك ما يحاول تحقيقه من خلال تغيير المفاهيم الماركسية حيث يعتقد أنه بتغيير مفاهيم الماركسية بكلمات يقول أنها جديد يمكن قلب المنظومة الماركسية ، معتقدا أن المفاهيم الماركسية تم اختراعها من داخل المكتب من طرف ماركس و إنجلس و ليس من خلال الممارسة العملية و التي حافظ عليها لينين و طورها على أنها انعكاس للواقع الموضوعي و ليست مفاهيم مجردة ، يعتقد عبد الله الحريف أنه يمكن تغيير مفاهيم الماركسية باختراعاته الكلامية الجامدة عن طريق التأمل في ظل تجاهل الماركسية اللينينية كنتاج للواقع الموضوعي لمرحلة الرأسمالية الإمبريالية التي نعيش اليوم استمراريتها ، ذلك ما يسعى للوصول إليه معتقدا أنه يطور الماركسية و يغيرها بمنطلقاته اللاعرفانية التي ستعصف به لا محال نحو المثالية الحديثة التناقض التاريخي للدياليكتيك الماركسي.

و من أجل الوصول إلى إبعاد الماركسية اللينينية من مشروعه الذي يعتقد أنه تطور للماركسية يواصل قوله:
" فإن الرأسمالية و في إطار العولمة ، بدأت تدمج بعض فئات من البورجوازية في المحيط ، فتوجد بورجوازية عالمية كما توجد داخل دول المركز بورجوازية غير مدولة و البورجوازية المدولة هي الشريحة السائدة في الرأسمالية".

إنها بالفعل كلمات لا مدلول لها في الواقع ، و إلا فما معنى "بورجوازية مدولة" ؟ يعتقد صاحبنا أنه بإضافة صفة لا تمت بصلة بالواقع الموضوعي بإمكانه ابتداع مفهوم معين ، فالتقسيم الذي أعطته الماركسية للطبقات في المجتمع البورجوازي واضح و لا يمكن تغييره لأنه منبثق من قوانين التطور الاجتماعي العامة التي تصلح في كل زمان و مكان ، فهناك البورجوازية التي تسيطر على السلطة السياسية و الاقتصادية و العسكرية و الطبقة العاملة التي يتم استغلالها من طرف البورجوازية و الطبقة الوسطى و هي البورجوازية الصغرى بجميع فئاتها ، و هذه الطبقات تكون دائما في حركة مستمرة حسب قوانين تطور الحركة الاجتماعية التي حددتها الماركسية هذه الحركة الاجتماعية التي تحكمها حركة نمط الإنتاج الذي هو بالطبع رأسمالي في المجتمعات البورجوازية ، و هذه الطبقات كذلك في حركة مستمرة حسب قوانين تطور الحركة الاجتماعية ، و الرأسمالية باعتبارها نظاما تناحريا تلازمها أزمات مزمنة و للحفاظ على استمراريتها فهي بالإضافة إلى استغلال الطبقة العاملة فإنها تجدد الطبقة الوسطى باستمرار بتجديد الطبقة البورجوازية الصغيرة باستمرار ، ففي كل مرحلة من مراحل أزماتها و تطورها تخلق بورجوازية صغيرة ملائمة لحركتها و مرحلة أزماتها و تطورها و هي بحاجة إلى هذا التجديد المستمرة ، هذا ما أقرته الماركسية اللينينية التي ترى في البورجوازية الصغيرة حليفا للطبقة العاملة لكون البورجوازية الصغيرة مهددة بالعصف بها إلى صفوف الطبقة العاملة من طرف البورجوازية ، و هذه من بين القوانين العامة التي تحكم الرأسمالية الإمبريالية من أجل التخلص من أزماتها المزمنة باعتبارها نظاما تناحريا ، أما أقوال عبد الله الحريف فما هي إلا كلمات يتم نسجها من أجل الشويش على ذهن القراء لإيهامهم بأنه بالفعل يبدع في مجال المعرفة الماركسية ، و هو بأقواله هذه لا يفهم قوانين التطور الاجتماعي و التي حسمت الماركسية اللينينية في وضع صياغتها الأخيرة بشكل لا جدال فيه و كل محاولة لتجاوزها ستعصف بصاحبها إلى الكانطية و الهيومية و الماخية و لما لا البركلية.

لقد وضع لينين أسس الماركسية اللينينية على المستوى الاقتصادي باكتشاف الرأسمالية الإمبريالية كأعلى مراحل تطور الرأسمالية و التي يشكل فيها الرأسمال المالي الميزة الأساسية التي تميزها عن باقي المراحل ، ففي مرحلة ازدهار التجارة و سيادتها على السوق في ظل العمل الحرفي البسيط قبل المنيفاكتورا برز الرأسمال التجاري و برزت معه البورجوازية الكومبرادورية ، و في ظل تطور المانيفاكتورا و ظهور العمل المأجور و بروز الصناعة في مراحل تطورها برز الرأسمال الصناعي الذي هيمن على السوق و ظهرت البورجوازية التي تستغل الطبقة العاملة ، و مع تطور الصناعة بالدول الأوربية و ضيق الأسواق الداخلية لفائض الإنتاج ظهرت الرأسمالية الإمبريالية بظهور استعمار الدول الصناعية الرأسمالية للدول الفقيرة ، و برز الرأسمال المالي مع تطور الإمبريالية و ذلك بهيمنة الأبناك على الصناعة و تنقل الرساميل من الدول الإمبريالية إلى الدول المستعمرة ، ففي عصر الأمبريالية التي عايشها لينين برزت إذن هيمنة الرأسمال المالي على الرأسمال التجاري و الصناعي هذا ما دفع لينين بتسمية الأمبريالية بأعلى مراحل الرأسمالية ، فكل من يريد تجاوز النظرية الماركسية اللينينية على مستوى علم الاقتصاد فما عليه إلا تجاوز المستويات السياسية الثالث للاقتصاد و هي الرأسمال التجاري في المرحلة الأولى للرأسمالية ببروز النقد فالرأسمال الصناعي في المرحلة الثانية/الرأسمالية التنافسية ثم الرأسمال المالي في مرحلة الرأسمالية الاحتكارية/الرأسمالية الإمبريالية ، أما تداول الكلمات من طرف عبد الله الحريف ك"العولمة" و "البورجوازية المعولة" و "الرأسمالية المعولمة" فما هي إلا محاولات العبث و اللعب بالكلام الذي لا تقبله الفلسفة الماركسية و لا الدياليكتيك الماركسي الذي تعتبر الماركسية اللينينية جوهره .

و حتى تكونوا على علم بأن منظور عبد الله الحريف غير منسجم أورد هنا قوله :
" و هذه المسألة تخلق تناقضات لأن الرأسمالية تشكلت تاريخيا على أساس " الدولة ـ الأمة " ، فالاستعمار كان من " الدولة ـ الأمة " أما الآن فهناك تدويل و اشتراك الإمبرياليات الأخرى تحت هيمنة الإمبريالية الأمريكية و العولمة الليبرالية الجديدة هي أيديولوجية الرأسمالية المعولمة ، إذن توجد تناقضات ما بين الرأسمالية و كيف تشكلت تاريخيا في إطار الدولة ؟ الأمة و كون أنه تبرز أكثر فأكثر رأسمالية معولمة تتجاوز الدولة ؟ الأمة إما من خلال أجهزة جهوية كالإتحاد الأوربي أو في إطار أجهزة دولية كصندوق النقد الدولي مثلا ، كل هذا يجب استيعابه و استيعاب كيفية تطوير نضالنا في جانبه الأممي".

إن ما قام به عبد الله الحريف عبارة عن كلام فاض كما يقال ، كلام غير منسجم مليء بالتناقضات خال من أية معرفة و إبداع معرفي لا يدل إلا على شيء واحد و هو جهل صاحبنا للماركسية التي يتحدث باسمها و جهله للتاريخ ، يتحدث عن "الدولة ـ الأمة" و نشأة الرأسمالية و يتحدث عن "الإمبريالية" مع استبعاد مبدع "الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" و بالتالي استبعاد الماركسية اللينينية التي يريد تجاوزها ، فهو يتحدث عن الاستعمار دون أن يحدد مراحله ، و التي بدأت منذ نشأة الرأسمال التجاري باستعمار أمريكا الشمالية و اللاتينية بعد تغيير اتجاه الطرق التجارية ، من الطرق البرية من الشمال إلى الجنوب إلى الطرق البحرية من الشرق إلى الغرب و من الغرب إلى الشرق و في جميع الاتجاهات فيما بعد ، هكذا ظهر استعمار الدول الرأسمالية الأوربية في نهاية القرن 15 ببروز هيمنة الرأسمال التجاري على السوق العالمية ، و بتطور الرأسمالية التنافسية مع تطور الصناعة و بروز الرأسمال الصناعي و ظهور الإمبرياليات باستعمار الدول الأسيوية و الأفريقية من طرف الرأسماليات الأوربية و بروز الرأسمال المالي ببروز الرأسمالية الاحتكارية ، إذن تطور الرأسمالية ملازم لظهور الاستعمار و تنقل الرساميل أما أقوال عبد الله الحريف :"أما الآن فهناك تدويل و اشتراك الإمبرياليات الأخرى تحت هيمنة الإمبريالية الأمريكية".

فهي عبارة عن كلام لا يمكن أن يغير مفاهيم المادية التاريخية التي وضعت أسس تطور الحركة الاجتماعية بتحديد قوانين التطور الاجتماعي ، فإذا كانت الإمبريالية الأمريكية هي المسيطرة اليوم فإن الإمبريالية البريطانية هي المسيطرة بالأمس في مرحلة تقسيم العمل دوليا في مراحله الأولى في القرن 19 ، أما القول بظهور اشتراك مجموعة من الإمبرياليات في استعمار الدول أو ما يسميه " تدويل و اشتراك الإمبرياليات" فهذا يدل على جهله للتاريخ ، فكيف يعقل أن ننسى أن استعمار المغرب من طرف إمبرياليتين فرنسا و إسبانيا و تحالفهما ضد المقاومة الريفية و تدويل استعمار طنجة في بداية القرن 20 ؟ إن كل محاولات عبد الله الحريف بتجاوز الماركسية اللينينية تسقطه في الهفوات و الأخطاء القاتلة ، ذلك لأن منطلقاته المعرفية تتناقض تماما مع ما وصلت إليه الماركسية من تطور منذ قرن من الزمان بفضل اكتشافات لينين على المستوى المعرفي و الاقتصادي و السياسي و التنظيمي ، فإذا كان لا بد من إحداث تطور في الماركسية إذا افترضنا أن هناك ما يستوجب ذلك فلابد من أن تكون منطلقاتنا هي جوهر الدياليكتيك الماركسي الذي ما هو إلا الماركسية اللينينية ، أما ما دون ذلك فلا يمكن إلا أن يسقط صاحبه في منطقات لا عرفانية تتجاهل التطور الطبيعي للماركسية بمحاولة القفز على أهم مرحلة في تطورها و هي المرحلة اللينينية ، أما قوله : " العولمة الليبرالية الجديد هي أيديولوجية الرأسمالية المعولمة " فهذا قول لا معنى له فأيديولوجية الرأسمالية لا يمكن أن تكون إلا الأيديولوجية البورجوازية نقيض الماركسية .

إن عبد الله الحريف لا يريد تطوير الماركسية بقدر ما يريد تلويثها بالمفاهيم البورجوازية التي ناضل ماركس و إنجلس و بعدهما لينين من أجل دحضها ، ذلك ما يبدو في قوله :
"اللينينية : هل ماركسية أم ماركسية لينينية ؟ هي ماركسية مع إسهامات لينين ، ماو تسي تونغ و الثورات السابقة مع الاستفادة من الفكر التقدمي الإنساني على كل المستويات . أعتقد أن كل ما يجب تأصيله في الماركسية ، فالماركسية بإغفالها تأصيل هذه الأشياء تركت البورجوازية تعبث به من أجل تجزيء نضال الشعوب . و إذا استطعنا أن نؤصل هذا النضال " الحفاظ على البيئة ، حقوق الإنسان ..." في فكرنا الماركسي فسنتمكن على الأقل من إيقاف استنزاف الرأسمالية للإنسان و الطبيعة ".

إنها بالفعل خلاصة ما يريد عبد الله الحريف الوصول إليه و هو تحريف الماركسية و ليس تجديدها ، هذه المقولة التي لا انسجام فيها و المليئة بالتناقضات و التي من خلالها يرغب صاحبنا التوافق بين الماركسية و البورجوازية ، بين المادية و المثالية ، بين الدياليكتيك الماركسي و الدياليكتيك الهيكلي ، بين الطبقة العاملة و البورجوازية ، و ذلك بالحفاظ على "البيئة و حقوق الإنسان" و كيف سيتم ذلك ؟ على حساب التنازل عن الصراع الطبقي و ديكتاتورية البروليتاريا و بناء الحزب الثوري و بناء المجتمع الاشتراكي للوصول إلى المجتمع الشيوعي ، إنه بالفعل هرولة بدون اتجاه لا أدري كيف يفهم عبد الله الحريف البيئة من المنطلقات الماركسية التي تنكر لها ، إن البيئة من المنظور الماركسي هي كل ما يوجد من خيرات في الهواء و على سطح الأرض و بباطن الأرض و في البحار، فمن يخرب هذه البيئة من غبر الرأسمالية الإمبريالية ؟ ومن يتم استغلاله من طرف البورجوازية في تدمير هذه البيئة غير الطبقة العاملة ؟ و حول ماذا تحدث ماركس و إنجلس و لينين في أطروحاتهم التي انتهت بالماركسية اللينينية ؟ و هل ماركس و إنجلس و لينين يسعون لغير إسعاد البشرية و الحفاظ على البيئة ؟ فكيف يريد عبد الله الحريف الحفاظ على البيئة خارج المجتمعات الاشتراكية و الشيوعية ؟ فكيف يريد عبد الله الحريف الوصول إلى تحقيق حقوق الإنسان بدون الصراع الطبقي الذي يجب أن يقضي على التناقض الأساسي في المجتمعات الرأسمالية ؟ إنها جملة من الأسئلة حتما سيعجز صاحبنا عن الجواب عنها لأن مجتمعه الهلامي الذي يريد أن يبنيه خارج الصراع الطبقي لا يعدو أن يكون من شاكلة "جمهورية أفلاطون" ، و المرجعية الأيديولوجية التي يحاول بناءها ما هي إلا خليط في " حسائه الاختياري الهزيل " حيث يقول :" مع الاستفادة من الفكر التقدمي الإنساني على كل المستويات " و هذا في حد ذاته جهل بالماركسية اللينينية حيث لا يمكن تصور فكر إنساني تقدمي أكثر من اللينينية باعتبارها جوهر الدياليكتيك الماركسي ألهم إذا كان يعتبر صاحبنا البورجوازية فكر تقدمي هذا المفهوم الذي حاول تغييره بقوله " العولمة الليبرالية الجديدة" .

بعد بناء تصوره حول المجتمع الذي يريد أن يبنيه و هو لم يسميه بعد و الذي لا يمكن أن يكون أقل من المجتمعات البورجوازية التي يستلهم منها أيديولوجيته ، ينتقل إلى الوسيلة و يقول:
"و فيما يخص بناء الحزب ، فإسهامات لينين جد مهمة إلا أنها تستوجب دراسة نقدية موضوعية لا نتوفر عليها بعد ، لقد دافع لينين في كتاباته على أن تكون السلطة للسوفييتات الشيء الذي لم يتم ، و بين أن الدولة الاشتراكية هي دولة و لا دولة ، ذلك أنه يلزمها أن تكون دولة للتصدي للأعداء الخارجيين كما للداخليين في الوقت نفسه ، يلزمها أن تفوض عددا من وظائفها للمجتمع ، لماذا لم يتم هذا ؟".

و هنا يعجز صاحبنا عن إيجاد الجواب أمام أطروحات لينين حول الحزب و التي يريد تجزيئها عن أطروحته المتكاملة ، معبرا عن عجزه الذي يلازمه في كل مراحل محاولته لتجاوز الماركسية اللينينة بحثا عن مداخل يعطيه فرصة لبيان عدم جدوى اللينينية التي يتنكر لها ، مما يدل عن جهله باللينينية و تطبيقها في أرض الواقع و هو يقر بأنه لا يتوفر على نقد للماركسية اللينينية و في نفس الوقت يسعى لتجاوزها ظنا أنه لا يعمل على بطر النظرية الماركسية المتكاملة ، فهو لا يعرف لماذا دعا لينين بعد انتصار الثورة الاشتراكية في روسيا بضرورة الدولة و الدفاع عن الوطن الاشتراكي كما يسميه لينين ، فالدفاع عن الوطن تستوجبه مرحلة تأسيس المجتمع الاشتراكي ببلد واحد كما قال بها لينين الذي استطاع تحقيق الثورة ببلد واحد ، فقيام المجتمع الاشتراكي في ظل الحرب الإمبريالية الأولى يتطلب الدفاع عن الوطن الاشتراكي ضد الأعداء الخارجيين و هم الإمبرياليات و داخليا ضد حلفائها من بورجوازية و انتهازية تحريفية ، و يلح لينين على أن الحزب الثوري عندما يمسك بزمام الحكم يجب عليه الدفاع عن الوطن الاشتراكي ضد محاولات الدول الإمبريالية التي تسعى لبعث الرأسمالية ، و قد أكدت الأحداث التاريخية ذلك عندما حاولت الدول الإمبريالية الإطاحة بالسلطة السوفييتية و بعث الرأسمالية بروسيا بالقوة العسكرية ، و في تلك المرحلة كانت روسيا تفتقد لجيش قوي للدفاع عن الوطن الاشتراكي لذا وجب بناء الجيش الأحمر و يقول لينين :"إن أية ثورة لا تساوي شيئا إلا إذا كانت تجيد الدفاع عن النفس" ، و عمل لينين على بناء الجيش الأحمر العمالي الفلاحي و الأسطول الأحمر العمالي الفلاحي و أعاد بناء الاقتصاد الوطني و شكل مجلس الدفاع العمالي الفلاحي ، فمهام الحزب الثوري لا تتوقف فقط عند إنجاز الثورة بل تتعداه إلى الدفاع عنها ضد الأعداء الخارجيين و الداخليين ذلك ما حققه لينين بعد الثورة الاشتراكية ، و ما سينجزه ستالين من بعد خلال الحرب الإمبريالية الثانية عندما هاجمت النازية الألمانية الإتحاد السوفييتي .

إن القول بتطوير الماركسية في ظل الجهل بتطورها التاريخي كما يفعل عبد الله الحريف و هو الذي يقر بذلك بشكل لاعرفاني في كل مناسبة بتعمده القفز على الماركسية اللينينية كأعلى مراحل تطور الماركسية ، لا يمكن تصنيفه إلا في خانة التحريفية الماخية الحديثة التي ترضى بالقبول بالمفاهيم البورجوازية الرجعية و محاولة إقحامها فيما يسمى بأيديولوجية حزب النهج الديمقراطي و يسمى ذلك بتطوير الماركسية ، إن مراحل تطور الماركسية كما بدأ لينين بتقسيمها لا بد من احترامها مع إضافة المراحل التالية لها كما تمت الإشارة في فصل سابق من أجل فهم واقع الحركة الماركسية اللينينية المغربية.

إن الهدف من دراسة هذه المراحل التاريخية هو الوقوف على مكامن الأخطاء و الهفوات و الضعف في الحركة الماركسية اللينينية و لن يتم ذلك إلا بواسطة جوهر الدياليكتيك الماركسي ، الذي يجب أن يتناول القضايا المعرفية و الاقتصادية و السياسية و التنظيمية بالدرس و التحليل في إطار الماركسية اللينينية كأعلى مراحل تطور الماركسية ، أما ما قام به حزب النهج الديمقراطي في ما سماه بالندوة حول الماركسية لا يعدو أن يكون ديماغوجية يراد بها إثارة انتباه جماهير القراء ، هذا الفعل الذي لا يمكن تصنيفه إلا في خانة الانتهازية التحريفية التي تسعى إلى الركوب على الفكر الماركسي بتشويهه و تحريفه ، و هو عمل لا يمكن أن يخدم إلا الطبقة البورجوازية التي تملك ما يكفيها من آليات لتمرير فكرها الرجعي في أوساط الجماهير ، الشيء الذي يتطلب من الماركسيين اللينينيين على الأقل احترام هذا الفكر و قادته الذين استطاعوا إنجاز تجارب اشتراكية عظيمة في الإتحاد السوفياتي و الصين الشعبية و كوبا و امتداداتها الجماهيرية عبر العالم إذا لم يستطيعوا دراستها و فهمها و تطويرها و بالتالي تطبيقها .

و يضيف الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي قائلا : " لقد دافع لينين في كتاباته على أن تكون السلطة للسوفييتات الشيء الذي لم يتم ، و بين أن الدولة الاشتراكية هي دولة و لا دولة . ذلك أنها يلزمها أن تكون دولة للتصدي للأعداء الخارجيين كما للداخليين في الوقت نفسه يلزمها أن تفوض عددا من وظائفها للمجتمع ، لماذا لم يتم هذا ؟ حسب الأحزاب الشيوعية بسبب الإكراهات الخارجية ) الهجوم الإمبريالي ، العدو الخارجي ... ( لكنها مبررات غير كافية في اعتقادي إذ إن هناك الكيفية التي تم بها بناء الحزب و هل كان له تصور حول تثوير علاقات الإنتاج دون الاقتصار على التأميم . لقد ناقش أحد المناضلين العراقيين هذه المسألة و أوضح أن الحزب الشيوعي الروسي و خلافا لما يقال قام بثورة بروليتارية و ليس انقلابا لكن الثورة لم تكن تتوفر على تصور لتثوير علاقات الإنتاج و يضيف أن الوضع كان مفتوحا على إمكانيتين : إما نجاح الثورة البورجوازية أو نجاح الثورة البروليتارية . و في بعض كتابات لينين كان هناك نوع من الانبهار بالتايلورية ، كل هذا ساعد الفئة المتحكمة داخل الحزب شيئا فشيئا على أن تنسلخ عن الشعب لتشكل بيروقراطية متحكمة في كل شيء و أن تعتقد أنها وحدها تملك الحقيقة و لا يسمح بتغييرات الشعب التي لا ترغب فيها " .

لقد أشرت فيما سبق لضرورة دراسة مراحل تطور الماركسية و خاصة الماركسية اللينينية و تعتبر كتابات لينين في هذا الصدد جد مهمة ، و ذلك من خلال دوره الكبير في تطوير الماركسية معرفة و ممارسة و هو الذي بدأ وضع المراحل المهمة في تاريخ تطور الماركسية ، و يمكن أن نعتمد دراساته و استنتاجاته خاصة في المرحلة مابين 1903 و 1924 و هي المرحلة الحاسمة في وضع أسس الماركسية اللينينة ، حيث أن كتابات لينين جد مهمة في هذا الباب و هي تعتمد الدياليكتيك الماركسي لصياغة الاستنتاجات من خلال العلاقة الجدلية بين النظرية و الممارسة ، و بالتالي صياغة قوانين التطور الاجتماعي بعد التخلص من الأخطاء التي تفرضها الممارسة العملية ، و تعتبر تجربته في بناء الحزب الثوري و إنجاز الثورة الاشتراكية و الدفاع عن الوطن الاشتراكي من بين الأسس الضرورية في البناء الاشتراكي و التي اعتمدتها الماركسية اللينينية ، و من هذا الجانب سأتناول بالتحليل و النقد مقولة عبد الله الحريف معتمدا على أقوال لينين في هذا الباب التي قد تكون مسهبة في بعض الأحيان خاصة في دحض اتهام لينين بالتايلورية من طرف الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي .

نقطة أساسية جاءت في مداخلة الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي في حديثه عن اللينينية و ما بعد الثورة وهي أن لينين لم يملك جوابا لتثوير علاقات الإنتاج في مرحلة المجتمع الاشتراكي ، و يرد عدم تحقيق السلطة للسوفييتية إلى "كيفية بناء الحزب" عكس ما تقوله الأحزاب الشيوعية التي ترد ذلك إلى "الهجوم الإمبريالي و العدو الخارجي .."، و يتساءل عبد الله الحريف :"هل كان له تصور حول تثوير علاقات الإنتاج دون الاقتصار على التأميم ؟". و بمعنى آخر أن لينين لم يملك تصورا للدولة الاشتراكية التي يعتبرها فقط مرحلة من أجل المرور إلى المجتمع الشيوعي ، و هو ينسى أن مهمة الثورة هي أولا و قبل كل شيء إسقاط ديكتاتورية البورجوازية و بالتالي إسقاط الدولة الرأسمالية ، و بناء ديكتاتورية البروليتاريا التي ستلقى من طبيعة الحال أمامها عدوا عنيدا و ليس بالسهولة بما كان القضاء عليه و هو البورجوازية ، و لكن لينين استطاع تحقيق الثورة الاشتراكية و هي القفزة النوعية التي ستفرز بالطبع تناقضات جديدة قام لينين بدراسة جزء كبير منها ، و هي تناقضات داخلية و خارجية و الخارجية من طبيعة الحال هي تلك التي ستنتج عن هجوم الإمبريالية و محاولتها لإسقاط الدولة الاشتراكية و إعادة الدولة الرأسمالية ، و هذا جانب أساسي لا يمكن إغفاله كما يظن عبد الله الحريف و نحن نعرف جميعا كيف أصبح عليه الجيش الروسي من ضعف خلال الحرب الإمبريالية .

و قد أوضح لينين المهام الملحة من أجل حماية الثورة حيث يقول :"فنحن ، منذ 25 تشرين الأول /أكتوبر 1917 ، من أنصار الدفاع ، نحن ، منذ هذا اليوم ، نؤيد الدفاع عن الوطن ،. لأننا أثبتنا في الوقائع أننا قطعنا كل صلة مع الإمبريالية . فقد فسخنا و أذعنا اتفاقات مؤامرات المستعمرين القذرة و الدموية ، و أسقطنا بورجوازيتنا ، و منحنا الشعوب التي اضطهدناها نحن ، الحرية . و أعطينا الشعب الأرض و أقمنا الرقابة العمالية . إننا نؤيد الدفاع عن جمهورية روسيا الاشتراكية السوفييتية " .(1)

هكذا بدأ الحزب البولشيفي تدخله بعد إنجاز مهمة الثورة الاشتراكية التي ليست فقط إلا لحظة تاريخية حققها التحول الكمي في القوى المنتجة بروسيا التي أعطت التحول الكيفي الذي أعطى فجر المجتمع الاشتراكي ، و لكن هذا الإنجاز العظيم ليس بالمهمة السهلة في ظل الحرب الإمبريالية التي يمكن أن تكون عائقا أساسيا أمام البناء الاشتراكي ، و ليس كما يقول عبد الله الحريف عن أن الحرب كانت عاملا من عوامل نجاح الثورة إذ يقول :" الإمبريالية لعبت دورا أساسيا في التطورات التي عرفها القرن العشرين ، الحرب العالمية الأولى أدت إلى الثورة الروسية ".

و الحرب عكس ما يقوله هي بالفعل كانت من بين عوائق نجاح الثورة الاشتراكية ، حيث اضطر لينين من باب الدفاع عن الوطن الاشتراكي إلى أن يضع جميع القوى و الموارد بالبلاد في خدمة هذا الغرض ، كما عمل على استنفار جميع المنظمات الثورية في جميع بقاع البلاد من منظمات السكك الحديدية و السوفييتات و المواصلات لحماية جميع احتياطات الحبوب و المأكولات و جميع الأموال التي تتهدد بالسقوط في يد العدو ، و تجنيد جمع العمال و الفلاحين في كتائب و كذا الطبقة البورجوازية الصغيرة القادرة على العمل رجالا و نساء ، كل هذا الاستنفار من أجل الدفاع عن الثورة الاشتراكية فكيف يمكن للحرب الإمبريالية أن تكون عونا لإنجاح الثورة الاشتراكية ؟

بالإضافة إلى ذلك هناك مهمة القضاء على الأعداء الداخليين من البورجوازية المحلية بتحالف مع الانتهازية التحريفية التي سخرت أقلامها ضد سياسية الدفاع عن الوطن الاشتراكي و الواقفة إلى جانب البورجوازية الألمانية و التي تسعى إلى استغلال هجوم الإمبريالية من أجل الاستيلاء على السلطة ، إنها حرب داخلية و خارجية و قد تنبأ لها لينين منذ فشل الثورة الأولى في 1905 و التي تم التأسيس لها منذ قرار تأسيس الحزب البولشفي في 1900 .

و تعد السنوات ما بين 1903 و 1905 سنوات إعداد الثورة و ذلك عبر الحركة التي تعرفها التيارات السياسية الثلاث الأساسية في روسيا ، و هي التيار البورجوازي الليبرالي و التيار الديمقراطي البورجوازي الصغير و التيار البروليتاري الثوري من خلال تصادم آرائهم و برامجهم في الواقع الاجتماعي ، هذه الحركة التي أعطت خلال سنوات 1905 و 1907 النضال الإضرابي و الاقتصادي الذي تحول إلى إضراب سياسي و بالتالي إلى انتفاضة شعبية ، و قد تحول النضال العفوي إلى الشكل السوفييتي للتنظيم الذي تقوده البروليتاريا هذه الحركة التي أعطت نتاج نضال سنوات 1917 و 1920 .

و يتحدث لينين عن سنوات الرجعية ما بين 1907 و 1910 بعد فشل الثورة الأولى التي انتصرت فيها القيصرية و قضت على جميع الأحزاب الثورية و المعارضة ، و اعتبرها مرحلة الرجعية لأنه تمت الرجعية في كل المجالات الفكرية و السياسية و النضالية .

و يقول عنها لينين : "و محل السياسة حل الانحطاط و التفسخ و الانشقاق و التشويش و الارتداد و الخلاعة ، و اشتد الجنوح نحو المثالية الفلسفية ، و غدا التصوف ستارا للنزعات المعادية للثورة ، بيد أن الهزيمة الكبيرة بالذات تعطي في الوقت نفسه الأحزاب الثورية و الطبقة الثورية درسا واقعيا من أنفع الدروس ، درس الدياليكتيك التاريخي ، درس فهم النضال السياسي و الحذق في فن خوضه . إن الصديق وقت الضيق . و الجيوش المهزومة تتعلم دائما بهمة و اجتهاد ". (2)

لقد تعلم لينين دروسا عظيمة في فشل هذه الثورة و استخلص منها عبرا عظيمة من أجل البناء الحقيقي للحزب الثوري و وضع أسسه النظرية ، و ذلك من خلال العلاقة الجدلية بين السرية و العلنية ، بين العمل الثوري للمحترفين الثوريين و العمل الجماهيري للمنظمات العمالية ، و كانت نتائج هذه الثورة من جهة أخرى عظيمة حيث أرغمت القيصرية على الاستعجال بالقضاء على مظاهر ما قبل البورجوازية ، مما أدى إلى فرض البناء البورجوازي للدولة القيصرية الشيء الذي ساهم في إبراز الصراع الطبقي بشكل واضح ، و أول درس في الحرب مع البورجوازية استخلصه لينين هو كيف أن البروليتاريا تعلمت قبل الثورة كيفية الهجوم و عليها بعد فشل الثورة أن تتعلم كيفية التراجع الصحيح .

و يقول لينين :" إنه يستحيل الانتصار بدون تعلم علم الهجوم الصحيح و التراجع الصحيح " .(3)

و كان الحزب البولشفي هو الوحيد الذي استطاع الخروج من هزيمة الثورة قويا عكس التيارات السياسية الأخرى .
و اعتبر لينين سنوات 1910 و 1914 مرحلة النهوض خاصة بعد حوادث "لينا" التي تم فيها إطلاق النار على العمال المضربين في مناجم الذهب ، مما أدى إلى التضامن العمالي الذي أسفر عن المظاهرات في الشوارع و الإضرابات و الاجتماعات المنظمة في جميع أنحاء روسيا ، و انتصر البلاشفة على المناشفة الذين استغلتهم القيصرية ضد الثورة منذ 1905 كعملاء البورجوازية داخل الحركة العمالية ، و كان انتصار البولشفية نتيجة تاكتيك استعمال فن العلاقة الجدلية بين السرية و العلنية حيث استطاع البلاشفة احتلال جميع المقاعد العمالية بالدوما الرجعية .
مرحلة الحرب الإمبريالية بين 1914 و 1918 التي أشعلت الحرب بين البلاشفة و القيصرية من خلال مناهضة النواب البلاشفة دخول روسيا الحرب الإمبريالية ، و الذين رفضوا التصويت لصالح الاعتمادات الحربية و قاموا بالدعاية ضد الحرب في صفوف الجماهير مما دفع القيصرية باعتقالهم و محاكمتهم و نفيهم إلى سيبيريا .

و يقول لينين في هذا الصدد :" و لئن استطاعت البلشفية أن تنتصر في سنوات 1917 و 1920 ، فإن أحد الأسباب الأساسية لهذا الانتصار هو أن البلشفية كانت حتى منذ خاتمة 1914 تفضح دون رحمة خبث و دناءة و خسة الاشتراكيةـالشوفينية و"الكاوتسكية" التي تتفق و اللونغيتية في فرنسا ، و آراء حزب العمال المستقل و الفابيين بإنجلترا ، و توراتي في إيطاليا والخ ... ، و أن الجماهير قد اقتنعت فيما بعد بتجربتها الخاصة أكثر فأكثر بصحة آراء البلاشفة ".(4)

هكذا كان تقييم اللينينية لمراحل التهييء للثورة البولشيفية منذ تأسيس الحزب البولشيفي إلى حين انتصار البلاشفة و وصولهم إلى السلطة بعد إسقاط القيصرية ، و دور الحزب البلشفي في إنجاح الثورة الاشتراكية الذي يوليه لينين أهمية قصوى و ذلك بتعزيز ما يسميه "المؤخرة" بنشر العمل السياسي بين الجماهير ، و لم يقم فقط بإعطاء الأهمية الدعائية و السياسية للحزب و لكن ساهم بشكل شخصي في الأنشطة السياسية عبر الخطب في اجتماعات العمال و الجنود الحمر و بنشر المقالات في الصحف ، و كان يؤكد على أهمية المؤخرة المتماسكة و التنظيم الانضباطي الواعي الذي يعتبره من أهم الشروط الأساسية لانتصار الثورة الاشتراكية ، و يلح على الأهمية القصوى الدقيقة للقوانين و توجهات السلطة السوفييتية و العمل على مكافحة المضاربين و المخربين و الجواسيس الذين يعملون لصالح الجيش الأبيض في المؤخرة السوفييتية ، كل ذلك من أجل مواجهة رأسمالية قوية .

و يقول لينين في هذا الصدد :" إن أقل تصرف كيفي ، إن أقل مخالفة للنظام السوفييتي ، إنما هي ثغرة يستغلها أعداء الشغيلة فورا .إنما هي ذريعة لانتصارات يحرزها كولتشاك و دينيكين " . (5)

و كان على الحزب البولشيفي أن يقود الحرب ضد اللصوص الملاكين العقاريين و الرأسماليين و ذلك عبر بناء الجيش الأحمر من العمال و الفلاحين ، و المهمة الصعبة التي تلقاها لينين في ذلك هي مشكل قيادة الضباط القدماء الذين يتعاطفون مع الملاكين العقاريين و الرأسماليين و قد تم تسجيل الخيانات في صفوف هؤلاء الضباط القدماء ، و يعتبر لينين أن نظام الطاعة داخل الجيش الأحمر و الذي اعتنقه العمال و الفلاحون عن وعي هو السلاح الأساسي ضد أي مؤامرة تحاك ضد الثورة .

و كانت الحرب الأهلية ما بين 1918 و 1920 مناسبة لتعزيز مكانة الحزب البولشيفي و قررت اللجنة المركزية للحزب الوحدة العسكرية بين الجمهوريات السوفييتية و بين الجمهورية الروسية الإتحادية ، و ذلك من أجل بناء الوحدة في الحرب من أجل الانتصار في الحرب الدفاعية عن الثورة الاشتراكية و الوطن الاشتراكي ، و عمل لينين على المتابعة اليومية لأطوار الحرب الأهلية في جميع الجبهات و المؤخرة كذلك أي في أوساط الجماهير ، و كانت مهمة التربية على الخصال و الأخلاق الشيوعية لدى الجيش الأحمر أمرا أساسيا في انتصاره على الأعداء الطبقيين ، و لم يتم ذلك إلا بفضل البناء الحزبي الذي قاد حرب الدفاع عن المجتمع الاشتراكي .

و يقول لينين في هذا الصدد :" و فقط لأن الحزب كان على حذر و يقظة ، لأن الحزب كان شديد التقيد بالطاعة و الانضباط ، و نفوذه يوحد جميع المؤسسات و جميع الإدارات ، لأن العشرات ، و المئات ، و الآلاف ، و في آخر الأمر الملايين من الناس هبوا كرجل واحد استجابة لشعار اللجنة المركزية ، فقط لأن تضحيات لم يسمع بمثلها من قبل بالذات ، لكل هذا فقط أمكن للأعجوبة أن تحدث".(6)

و خاض لينين صراعا ضد الإصلاحيين حول كيفية الرد على الحرب حيث يقول هؤلاء للطبقة العاملة أن الرد يجب أن يكون بالإضراب و الثورة ، و يعتبر لينين هذا الرد أمرا مستحيلا ، ذلك ما أثبتته نتائج الحرب الأهلية التي انتصرت فيها البلشفية ، و ذلك لكون التنظيم العادي للطبقة العاملة سيعجز حتما في الرد الحاسم على الحرب ، لأن الدفاع عن الوطن الاشتراكي أمر لا مفر منه من خلال تكوين تنظيم سري طويل الأمد ضد الحرب و الذي يقوده الثوريون ، و قد سبق أن قام النواب البولشيفيين داخل البرلمان و خارجه بالدعاية ضد الحرب و كان جزاؤهم الاعتقال و المحاكمة و النفي ، و لا يمكن مجابهة أعداء العمال و الفلاحين بالإضراب و الثورة خاصة بعد الحرب الأهلية التي أوضحت أهمية الدفاع عن الوطن الاشتراكي ، و من أجل بناء القدرة الدفاعية نهج لينين سياسة السلام الدولية بالنضال ضد الحروب الإمبريالية التي وضعها من بين المهام الأساسية للدولة السوفييتية ، و تم إرسال وفد إلى مؤتمر لاهاي للدفاع عن النضال ضد الحرب من خلال فضح الحاضرين الذين يدعون أنهم ضد الحرب .
لقد اتهم الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي لينين بعدم العمل على تثوير علاقات الإنتاج في ظل الدولة السوفييتية و أن كل ما قام به لينين هو التأميم ، في الوقت الذي يعتبر فيه عبد الله الحريف إمكانية استغلال وسائل الإنتاج الحالية من أجل نشر الديمقراطية و التعدية و المنافسة بين الأحزاب الاشتراكية كحل لبناء المجتمع الاشتراكي ، هذا القول الذي لا يعدو أن يكون نتاج الديمقراطية البورجوازية الصغيرة التي لا تخدم إلا الديمقراطية البورجوازية في سيطرتها على وسائل الإنتاج و استغلال البروليتاريا ، الشيء الذي يتناقض و المفهوم الماركسي للثورة الذي لا يرى بناء المجتمع الاشتراكي إلا في سيطرة ديكتاتورية البروليتاريا على الدولة بعد إسقاط ديكتاتورية البورجوازية ، و لا يمكن الحديث عن استغلال وسائل الإنتاج لصالح البروليتاريا إلا في ظل الثورة الاشتراكية.

لقد شكل الاستعمار و الحرب في الأطروحة اللينينية أمران ملازمان للرأسمالية الإمبريالية و يتجلى ذلك في اعتماد دراسة لينين لعصر الإمبريالية على هذين العنصرين ، و ذلك بغية تحديد ملامح تطور الرأسمالية خلال العقدين الأولين من القرن 20 و التي تشكل فيها سيطرة الرأسمال المالي على التجارة العالمية عنصرا أساسيا في الاقتصاد ، و ذلك انطلاقا من الدياليكتيك الماركسي الذي يحدد تطور المجتمعات انطلاق من العلاقة الجدلية بين القوى المنتجة و علاقات الإنتاج و التي يشكل فيها الاقتصاد الأساس المادي للتطور ، و يعبر لينين أن أساس الصراع بين الإمبرياليات ليس دبلوماسيا و لكنه يرتكز إلى التنافس الاقتصادي الذي أفضى إلى الاحتكارات الكبرى و استعمار الدول الفقيرة ، و بالتالي بروز الاحتكار الاقتصادي الذي يرتكز إلى تصدير الرساميل و تقسيم العمل عالميا و أن الحرب الإمبريالية ما هي إلا نتيجة هذا الصراع ، و هكذا اكتشف أن الإمبريالية ما هي إلا أعلى مراحل تطور الرأسمالية التي لا يمكن لها أن تحقق هذا الكم الهائل من وسائل الإنتاج إلا باضطهاد الشعوب الفقيرة من طرف الرأسمالية الإمبريالية ، و اعتبر أن تطور وسائل الإنتاج في الدول الإمبريالية أدى إلى اضطهاد الشعوب الأخرى و تعتبر السكك الحديدية من بين هذه الوسائل التي سخرتها الإمبرياليات لاضطهاد الشعوب خاصة في ذلك العصر.

و يقول لينين:" يبدو مد السكك الحديدية أمرا بسيطا وطبيعيا وديموقراطيا وثقافيا وتمدنيا، وهو يبدو كذلك في عيون الأساتذة البرجوازيين الذين تدفع لهم الأجور لكيما يجملوا وجه العبودية الرأسمالية، وفي عيون البرجوازيين الصغار التافهين الضيقي الأفق. أما في الواقع فإن الخيوط الرأسمالية التي تربط بألوف الشباك هذه المشاريع بالملكية الخاصة لوسائل الإنتاج بوجه عام قد جعلت من مد السكك الحديدية أداة لاضطهاد مليار من الناس (أشباه المستعمرات إضافة إلى المستعمرات)، أي لاضطهاد أكثر من نصف سكان الأرض في البلدان التابعة، وعبيد الرأسمال الأجراء في البلدان «المتمدنة».(7)

من هنا نستنتج أن التطور الهائل لوسائل الإنتاج تسخرها الرأسمالية الإمبريالية لمزيد من الاحتكارات عن طريق تصدير الرساميل و جلب المواد الخام من البلدان الفقيرة ، و الذي نتج عنه سيطرت المال على التجارة العالمية التي تعتبر فيها السكك الحديدية " حاصل جميع الفروع الرئيسية في الصناعة الرأسمالية" كما يقول لينين ، نظرا للدور الذي تقدمه للرأسمالية الإمبريالية عبر تسهيل الاتصال بين جميع فروع الصناعة الرأسمالية و تطور التجارة العالمية و الحضارة البورجوازية ، هذه الوسيلة من وسائل الإنتاج التي تعتبر حاصل الرأسمالية الاحتكارية على المستوى العالمي و التي تعتمد علية الرأسمالية العالمية في بسط سيطرتها.

يقول عبد الله الحريف :"بالنسبة للإمبريالية يجب تعميق التفكير فيها ، فلا زال هناك قطب واحد ، و لكن يجب البحث في تناقضات الإمبريالية ، فهل يمكن لنا التعويل على التناقضات بين الإمبرياليات ؟ "

يريد الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي القول هنا بأن إمبريالية عصر لينين قد تم تجاوزها و أن الإمبريالية اليوم قد تطورت و لهذا يجب تطوير نظرتنا إليها من أجل وضع أسس جديدة لها ، هذا من الناحية النظرية صحيح و لكن هل عمق الرأسمالية الإمبريالية قد تغير ؟ و ما الذي تغيير بالضبط ؟ هل الشروط الموضوعية التي أفرزت الإمبريالية هي التي تغيرت ؟ و ما هي بالضبط هذه الشروط و أين و كيف يمكن البحث عنها ؟ و يجيب :" الإسهام اللينيني مهم و يجب تعميقه" و هذا الجواب في حد ذاته صحيح ، و لكن كيف يمكن تعميق نظرية لينين في الوقت الذي يحاول فيه عبد الله الحريف تجاوزها بإقحام النظرية البورجوازية في الماركسية ؟ هذا ما سنراه في ما بعد حول فهمه "للديمقراطية و التعددية الحزبية ".

إن تطوير النظرية اللينينية لا يمكن أن يكون خارج المنطلقات الأساسية للماركسية اللينينية التي لا يمكن تجاوزها بالرجوع إلى الخلف و استنباط الفكر من المذهب البورجوازي ، هذا أول ما يمكن أن نعتبره قبل أية محاولة لتطوير اللينينية و هو أولا الاعتراف بها و أخذها كمنطلقات أيديولوجية نقيض المنطلقات الرأسمالية الإمبريالية ، فما هي إذن الخصائص التي تميز الإمبريالية اليوم عن خصائص الإمبريالية في عصر لينين ؟ سؤال جوهري لابد للجواب عنه الرجوع إلى المنطلقات التي انطلق منها لينين لتحديد الرأسمالية الاحتكارية و الرأسمال المالي ، و ذلك بتطبيق اليليكتيك الماركس باعتبار وسائل الإنتاج أساسية في تطوير النظام الرأسمالي و التي لعبت فيها السكك الحديدية دورا هاما في بداية القرن 20 ، فما هي الوسيلة التي استعملتها الإمبريالية في مراحل متقدمة ؟ و قبل أن نصل إلى دراسة الإمبريالية في عصرنا هذا لآبد من الوقوف عند ما قبل الحرب الإمبريالية الثانية التي تعتبر نتاج الأزمة الخانقة للإمبريالية العالمية و هي نتيجة الصراع بين الإمبرياليات حول إعادة تقسيم العمل ، فما هي وسيلة الإنتاج الجديدة التي ميزت مرحلة الحرب الإمبريالية الثانية ؟ لا يمكن أن تكون غير نتاج التطور الهائل الذي عرفه الطيران ، و الذي لعب دورا أساسيا في قلب موازين القوى خلال الحرب الإمبريالية الثانية بسبب هذه الوسائل الجديدة المتطور في مجال الملاحة الجوية و الأسطول البحري و الطاقة النووية التي لعبت دورا هاما في سحق الإمبريالية اليابانية بعد هيروشيما و ناجازاكي ، و بالتالي برز الإمبريالية الأمريكية كقوة استعمارية جديدة تجاوزت الإمبرياليات التقليدية الأوربية التي خرجت من الحرب منهوكة و التي نراها اليوم مازالت على قمة هذه الإمبريالية العالمية.

إن الدياليكتيك الماركسي الذي تعتبر الماركسية اللينينية جوهره الخاص يعتبر النظرية الحاسمة في فهم العناصر الأساسية للتناقضات التي تميز عصر الرأسمالية الإمبريالية ، و لا يمكن الوقوف عند حد هذه التناقضات إلا بفهم جوهر الدياليكتيك الماركسي الذي يبرز الأسس النظرية للمعرفة المادية لتطور الحركة الاجتماعية و قد وضعت الماركسية قوانين التطور الاجتماعي العامة ، هذه القوانين التي لا يمكن حذفها و تغييرا و هي تستمد وجودها من تطور الحركة الاجتماعية و التي استخلصها ماركس و انجلس في دراستهما لتطور المجتمعات البشرية و التكوينات الاجتماعية و بلورها لينين وفق شروط الحياة المادية في عصر الإمبريالية عبر تطوير الدياليكتيك الماركسي ، و التي ترتكز إلى مفهوم تاريخ البشرية الذي يرتكز في تطوره إلى الصراع بين القوى المنتجة الجديدة و علاقات الإنتاج البائدة باعتبار الأساس المادي للتطور هو الاقتصاد ، و دراستنا لتطور المجتمعات يؤكد ذلك من خلال تطور شروط الحياة المادية للبشرية بعد تطور الطرق التجارية نتيجة تطور وسائل النقل ، فانتقال الطرق التجارية من الطرق البرية إلى الطرق البحرية ساهم في تطوير الرأسمال التجاري و لم يحدث ذلك إلا بعد تطور وسائل الإنتاج و لازم الاستعمار و الحرب هذا التطور ، فما إبادة الهنود الحمر و استعباد الأفارقة إلا نتيجة تطور الرأسمال التجاري الذي ساهم بشكل كبير على نهب خيرات الشعوب الفقيرة بفضل تطور وسائل الإنتاج ، إذن ملازمة الحرب و الاستعمار للرأسمالية الإمبريالية أمران ضروريان لاضطهاد الشعوب من طرف الدول التي تسيطر على الاقتصاد العالمي و تتحكم في وسائل الإنتاج ، و ما تطور الرأسمالية من التنافسية إلى الاحتكارية إلا نتيجة اضطهاد الدول الرأسمالية للشعوب هذا الاضطهاد الذي لازمته جدلية الحرب و الاستعمار ، و التي ترتكز إلى تطور وسائل الإنتاج التي تساهم في بسط السيطرة الاقتصادية و العسكرية و لا يمكن معرفة مميزات الرأسمالية الإمبريالية اليوم إلا من خلال هذا التناقضات الملازمة لها.

و يقول لينين :" إن الملكية الخاصة القائمة على عمل صغار أصحاب الأعمال، والمزاحمة الحرة، والديموقراطية – إن جميع هذه الشعارات التي يخدع بها الرأسماليون وصحافتهم العمال والفلاحين قد اندرجت بعيدا في طيات الماضي. لقد آلت الرأسمالية إلى نظام عالمي لاضطهاد الأكثرية الكبرى من سكان الأرض استعماريا وخنقها ماليا من قبل حفنة من البلدان «المتقدمة». ويجري اقتسام هذه «الغنيمة» بين ضاريين أو ثلاث ضوار أقوياء في النطاق العالمي، مسلحين من الرأس حتى أخمص القدمين (أمريكا وانجلترا واليابان) يجرون الأرض كلها إلى حربـهم من أجل اقتسام غنيمتـهم." (8)

إن الاستعمار و الحرب ملازمان للرأسمالية الإمبريالية و لا يمكن لأي تطور هائل لوسائل الإنتاج أن يحقق الديمقراطية في ظل الرأسمالية الإمبريالية ، ذلك لأن الإمبريالية تسخر هذه الوسائل من أجل اضطهاد الشعوب هذا ما نراه اليوم في الحرب الإمبريالية الثالثة التي بدأت منذ الحرب على العراق/حرب الخليج الأولى و التي تقودها الإمبريالية الأمريكية ضد جميع الشعوب بما فيها الشعب الأمريكي ، و ما يميز الإمبريالية اليوم عن الإمبريالية في عصر لينين هو الشكل أما المضمون فهو قائم لم يتغير و هو صفتا الحرب و الاستعمار الملازمتان لها ، فإذا كانت بريطانيا قائدة الإمبرياليات في عصر لينين فإن الإمبرياليات اليوم تقودها أمريكا منذ نهاية الحرب الإمبريالية الثانية ، أما من ناحية الشكل فإذا كانت السكك الحديدية هي وسيلة الإنتاج التي استعملتها الإمبريالية منذ سنوات 1890 و 1913 عبر العالم للسيطرة على الشعوب ، فإن وسائل الإنتاج التي تعتمدها الإمبريالية اليوم في بسط سيطرتها الاقتصادية و العسكرية هي الأسطولين الجوي و البحري و الطاقة النووية ، أما علوم الإعلاميات فما هي إلا آلية حديثة لخدمة وسائل الإنتاج المعتمة في السيطرة الإمبريالية على الشعوب و هي الطيران و البحرية اللتان تعتمدان على الطاقة النووية كما اعتمدت السكك الحديدية على الكهرباء في عصر لينين ، أما إمكانيات الاستفادة من الإعلاميات من طرف الشعوب من أجل تطوير الديمقراطية فما هو إلا ضرب من الخيال الذي لا يغدو أن يكون إلا تعبيرا عن أزمة الفكر لدى التحريفيين الجدد ، حيث أن المنطلق من الفكرة للوصول إلى الواقع ما هو إلى مسار الاتجاه المثالي للمعرفة البشرية التي لعبت دورا هاما في ركود المعرفة البشرية لعدة قرون خلت ، ذلك ما يتجلى في القول بأن الفتات التيكنولوجي في مجال الإعلاميات الذي تجود به الإمبريالية على الشعوب باستطاعته إسقاط الإمبريالية و بناء المجتمعات الديمقراطية كما يقول الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي .

و قول عبد الله الحريف : "و التفكير في مسألة الديمقراطية لنواجه الأخطاء يجب نقل بالتعددية و التنافس في الاشتراكية . لماذا لا تتنافس أحزاب على خدمة مصالح الطبقة العاملة و عموم الكادحين ؟". هذا القول ما هو إلا ضرب من الخيال يتناقض و الدياليكتيك الماركسي الذي يدعي الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي أنه ينطلق منه للوصول إلى البناء الحزبي ، إن الديمقراطية الاشتراكية هي الحل أمام اضطهاد الشعوب من طرف الرأسمالية الإمبريالية هي الديمقراطية الوحيدة التي أرسى أسسها الدياليكتيك الماركسي انطلاقا من التناقض بين الطبقة العاملة و البورجوازية ، بين ديكتاتورية البروليتاريا و ديكتاتورية البورجوازية ، بين الدولة الرأسمالية و الدولة الاشتراكية ، أما القول ب"التنافس في الاشتراكية" فما هو إلا ضرب من الكلام لا أساس له في المعرفة الماركسية و التجربة الماركسية اللينينية بعد فشل ثورة 1905 في روسيا تقر ذلك ، حيث لا يمكن أن يتنافس الماركسيون حول المشروع الماركسي إلا إذا كان هناك مفهوم انتهازي للممارسة الماركسية من طرف دون طرف آخر خدمة للبورجوازية ، أما عن مفهوم "التعددية" و " المنافسة" فما هما إلا مفهومان بورجوازيان تم نقلهما من طرف الرأسمالية الإمبريالية من مستوى الاقتصاد إلى مستوى السياسة و الثقافة ، فتطور الرأسمال التجاري أدى إلى الرأسمالية التنافسية التي كانت عماد تطور الرأسمالية إلى رأسمالية احتكارية ، و التنافس الحر ما هو إلا وسيلة لتنامي مفهوم الربح الذي تسعى إليه الرأسمالية بكل الوسائل و الذي نقلته البورجوازية إلى مستوى السياسة و الثقافة ، حيث تعدد البرامج البورجوازية من أجل التنافس لتنمية الرأسمالية فكيف يمكن أن يتم التنافس حول الاشتراكية/ حول البرامج الاشتراكية ؟ إن الاشتراكية هدف وسيلته الأولى كما حددتها الماركسية هي ديكتاتورية البروريتاريا عبر الحزب البروليتاري الذي لا يمكن أن يكون إلا نقيض الأحزاب البورجوازية المتعددة و التي تصب في مصالح البورجوازية ، هذا الحزب الثوري الذي وضع لينين أسسه من خلال العلاقة بين النظرية الثورية و الممارسة العملية عبر تجربة طويلة مرت بثورتين هامتين في 1905 و 1917 ، عبر تجربة حربين إمبرياليتين الأولى في ظل قيادة لينين و الثانية في ظل قيادة ستالين ، و قد استطاع لينين بناء الحزب البروليتاري الذي بواسطته حقق الثورة الاشتراكية التي فتحت الباب لوضع أسس بناء المجتمع الاشتراكي عكس ما يقوله عبد الحريف :"هل قدم لينين تصورا لتثوير علاقات الإنتاج بعد انتصار الاشتراكية ؟ أعتقد أن لينين لم يقم بالتثوير . ما حصل هو التأميم و تم الحفاظ على العمل المأجور."

ما هي علاقات الإنتاج ؟ حسب المفهوم الماركسي ما هي إلا العلاقات التي تربط بين الناس أثناء الإنتاج أي مجموعة من القوانين التي يفرضها نمط الإنتاج و التي تنظم عملية الإنتاج لصالح الطبقة المسيطرة ، ففي الإنتاج هناك علاقة الإنسان بالطبيعة و علاقة الناس فيما بينهم و في عملية الإنتاج هناك القوى المنتجة التي تتكون من مجموع وسائل الإنتاج من آلات و أدوات و غيرها بالإضافة إلى الناس الذين يساهمون في الإنتاج ، إذن في عملية الإنتاج هناك العلاقة الجدلية بين القوى المنتجة و علاقات الإنتاج و الدياليكتيك الماركسي يقول إن القوى المنتجة تتصف بالحركة و الثورة و تحدد نوعية علاقات الإنتاج ، بمعنى أن القوى المنتجة دائما تسبق علاقات الإنتاج في التطور و هي حينما تصل إلى مستوى معين يحدث فيه تغيير علاقات الإنتاج التي يجب أن تتلاءم و مستوى تطور القوى المنتجة ، فماذا حدث عند تحقيق الثورة الاشتراكية في روسيا ؟ لقد أسفرت الثورة الروسية في 1905 على تثوير علاقات الإنتاج من العلاقات الإقطاعية الاستبدادية القيصرية إلى بروز بناء الدولة البورجوازية ، إذن نظرا لتطور القوى المنتجة و التي ساهمت فيها الحركة البروليتارية بشكل كبير تغيرت علاقات الإنتاج من العلاقات الإقطاعية إلى علاقات رأسمالية ، و لكن غالبية الإنتاج ما زال يطغى عليه الإنتاج الفلاحي رغم وجود المصانع و المناجم و في ظل هذه الظروف تحققت الثورة الاشتراكية ، و المطروح على لينين هو إدارة الدولة الاشتراكية في ظل السلطة السوفييتية و هذه الإدارة ليست فقط إدارة سياسية كما يفهمها الديمقراطيون البورجوازيون بل بالأخص الإدارة الاقتصادية كأولوية ، ذلك ما فرضته الأسس التنظيمية للدولة السوفييتية التي عليها قيادة الانتقال من المجتمع الرأسمالي إلى المجتمع الاشتراكي ، ذلك ما تطلبه النشاط السياسي المقرون بالنشاط الاقتصادي و كلنا نعرف أن أسس الاقتصاد بعد الثورة هي أسس رأسمالية لهذا فالمهام السياسية لابد لها أن تكون خاضعة للمهام الاقتصادية الجسيمة في ظل هذه الظروف ، و بعد نجاح الثورة البروليتارية و بناء السلطة السوفييتية أصبح مطروحا على ديكتاتورية البروليتارية الإدارة الاقتصادية للدولة و التي تتجلى في بناء علاقات إنتاج اشتراكية و تدمير علاقات الإنتاج الرأسمالية الحالية ، دون أن ننسى ما خلفته الحرب الإمبريالية و الحرب الأهلية من مصاعب أمام السلطة السوفييتية و ما واكب ذلك من بعث القوى المنتجة الجديدة و تركيز القيادة البروليتارية ، في ظل هذه الظروف نهج لينين مسارين أساسين في الإدارة الاقتصادية و هما :

ـ الحساب و الرقابة على إنتاج و توزيع المنتجات ، بأوسع و أهم و أشمل أشكال هذا الحساب و هذه الرقابة.
ـ زيادة إنتاجية العمل .

و يقول لينين في هذا الشأن : "و هاتان المهمتان لا يمكن أن تقوم بهما أي جماعة كانت أو أي دولة كانت تنتقل إلى الاشتراكية ، إلا إذا كانت الرأسمالية قد خلفت بدرجة كافية المقدمات الأساسية لهذا ، الاقتصادية منها و الاجتماعية و الثقافية و السياسية . فبدون الإنتاج الآلي الكبير ، بدون شبكة متطورة إلى هذا الحد أو ذاك من السكك الحديدية و المواصلات البريدية و البرقية ، بدون شبكة متطور إلى هذا الحد أو ذاك من مؤسسات التعليم العام ، ـ لا يمكن بكل تأكيد ، لا تنفيذ المهمة الأولى و لا تنفيذ المهمة الأخرى ، بصورة دائبة منتظمة و على صعيد الشعب كله ".(9)

ماذا يعني ذلك ؟ لا يعني إلا أن البناء الاشتراكي لابد له من مقدمات رأسمالية الشيء الذي لا يتناقض مع الدياليكتيك الماركسي ، و هذه المقدمات ما هي إلا "عناصر ثقافة الرأسمالية الكبيرة" التي يعتبر فيها المثقفون عنصر هام من هذه العناصر كما يقول لينين ، و هكذا يطرح على الدولة السوفييتية ضرورة الاستفادة من المثقفين غير الاشتراكيين الدين خلفتهم الرأسمالية و بصمتهم ببصماتها لصالح الاشتراكية ، و لكن الدولة السوفييتية ستستند في إدارتها إلى طليعة البروليتارية التي ستجر وراءها جميع البروليتاريين و الفلاحين الفقراء ، إذن لا يمكن بناء المجتمع الاشتراكي من العدم دون أخذ ما خلفته الرأسمالية من عناصر يجب الاستفادة منها و من عناصر أفسدتها الرأسمالية و هي البورجوازية الصغيرة بوجه عام و هكذا وضع لينين مجموعة من المهام بالإضافة إلى المهام السابقة لإدارة الاقتصاد و هي :

ـ إعطاء الفلاح المتوسط مهمة مساعدة الدولة السوفييتية في التبادل التجاري و محاصرة الملاكين العقاريين الكبار.
ـ بالنسبة للتعاونيين الذين يملكون جهازا لأجل توزيع المنتجات على الصعيد الجماهيري يجب أخذ هذا الجهاز من طرف ديكتاتورية البروليتاريا.
ـ إعطاء مهام معينة و محددة للمثقفين و مراقبتهم لتنفيذها .

هكذا تم بناء الدولة السوفياتية من عناصر تركتها الرأسمالية و يقول لينين في هذا الصدد :" فنحن لا يسعنا أن نبني السلطة إذا لم نستخدم إرثا من الثقافة الرأسمالية كما هم عليه المثقفون . و في وسعنا الآن أن نعامل البورجوازية الصغيرة معاملة جار طيب لنا يخضع لرقابة صارمة من جانب سلطة الدولة . و هنا يتعين على البروليتاريا الواعية أن تفهم أن السيادة لا تعني أنه يترتب عليها أن تنفذ بنفسها جميع هذه المهام . و أن من يفكرون هكذا لا يفهمون شيئا عن بناء الاشتراكية و لم يتعلموا شيئا خلال سنة من الثورة و الديكتاتورية ... و ينبغي لنا أن ندرك أن ذلك البناء الذي سيقود إلى الاشتراكية لن تنتظم أحواله إلا في سياق هذا النضال ، و في جملة من الاتفاقات و تجارب الاتفاقات بين البروليتاريا و الديمقراطية البورجوازية الصغيرة ".(10)

أما قول عبد الله الحريف :" الآن أصبحت الشروط متوفرة لتحقيق الديمقراطية المباشرة نتيجة التطور التكنولوجي سواء على مستوى المحلي و على مستوى الأممي "، فهذا القول يتناقض تماما مع مجريات تطور الرأسمالية الإمبريالية التي تستعمل هذه الوسائل لقمع الشعوب و استعمارها ، فما لم تتحقق الثورة الاشتراكية لا يمكن أن نتحدث عن استغلال ما خلفته الرأسمالية من وسائل الإنتاج ، و التصور اللينيني للبناء الاشتراكي بعد الثورة و الذي صاغه انطلاقا من الممارسة العملية بعد إنجاز مهام الثورة ما زال صالحا إلى يوما هذا ، و أن الرأسمالية الإمبريالية اليوم و في ظل سقوط المنتظم الاشتراكي لا تختلف ظروفها عن ظروف عصر لينين إلا في التطور الكمي لوسائل الإنتاج الذي بالطبع يعطينا تطورا نوعيا في شروط الحياة المادية للمجتمع ، فما نشاهده اليوم من سيطرة الإمبريالية الأمريكية ما هو إلا نتيجة غياب القطب الاشتراكي الذي سيلعب دورا هاما في الصراع بين نمطي الإنتاج الاشتراكي و الرأسمالي ، و ذلك بإيقاف زحف الإمبريالية و لن يتم ذلك في ظل الممارسة الديمقراطية الليبرالية التي ينادي بها الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي ، لذا فإن مهمة إنجاز الثورة الاشتراكية مهمة ملحة و أن بناء المجتمع الاشتراكي مرهون ببناء الحزب البروليتاري ، و الحركات الاجتماعية التي يشهدها العالم اليوم و التي بلغت أوجها في أمريكا اللاتينية ما هي إلا مقدمات للثورة الاشتراكية انطلاقا من الإضرابات الجماهيرية التي يجب أن تنتقل إلى مستوى الإضرابات السياسية و بالتالي الانتفاضات الشعبية ، و لا يمكن أن تصل إلى مستوى تحقيق الثورات الاشتراكية إلا إذا توفرت البروليتاريا على حزبها و الذي تقوده طليعة البروليتاريا و ذلك من خلال ممارسة تاكتيك فن العلاقة الجدلية بين السرية و العلنية .

المراجع المعتمدة :

(1) لينين ، في الدفاع عن الوطن الإشتراكي ـ دار التقدم موسكو.
(2) المادية و المذهب النقدي التجريبي ـ فلاديمير لينين دار التقدم موسكو 1981 .
(3) لينين ، ضد الجمود العقائدي و الإنعزالية في الحركة العمالية ، دار التقدم موسكو.
(4) نفس المرجع السابق.
(5) نفس المرجع السابق.
(6) نفس المرجع السابق.
(7) الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية - فلاديمير لينين .
(8) نفس المرجع السابق.
(9) نفس المرجع السابق.
(10) لينين ، في الثقافة و الثورة الثقافية ، دار التقدم موسكو.




#امال_الحسين (هاشتاغ)       Lahoucine_Amal#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النهج الديمقراطي و نظرية الحزب الثوري
- الشهيد القائد عبد اللطيف زروال و مفهوم الحزب الثوري
- منظمة إلى الأمام و إمكانية إنجاز الثورة
- طبيعة الصراع حول استغلال المياه المخصصة للأغراض الزراعية بأو ...
- ما معنى أن يكن الماركسيون اللينينيون -الماويون- المغاربة الع ...
- في المعرفة و الدياليكتيك الماركسي عند لينين ج 2
- في المعرفة و الدياليكتيك الماركسي عند لينين
- طبيعة الصراع بفرع تارودانت للجمعية المغربية لحقوق الإنسان
- ما معنى أن تتدحرج كرة الثلج من القمة إلى السهل ؟ ج 9
- ما معنى أن تتدحرج كرة الثلج من القمة إلى السهل ؟ 8
- ما معنى أن تتدحرج كرة الثلج من القمة إلى السهل ؟ 7
- ما معنى أن تتدحرج كرة الثلج من القمة إلى السهل ؟ 6
- ما معنى أن تتدحرج كرة الثلج من القمة إلى السهل ؟ 5
- ما معنى أن تتدحرج كرة الثلج من القمة إلى السهل ؟ ج4
- ما معنى أن تتدحرج كرة الثلج من القمة إلى السهل ؟ ج3
- ما معنى أن تتدحرج كرة الثلج من القمة إلى السهل ؟ ج 2
- ما معنى أن تتدحرج كرة الثلج من القمة إلى السهل ؟
- الأمازيغية و الدولة ج 6
- الأمازيغية و الدولة ج 5
- الأمازيغية و الدولة ج 4


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - امال الحسين - النهج الديمقراطي و نظرية الحزب الثوري 2