أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كاظم حبيب - مناقشة مع السيد مصطفى القره داغي حول ثورة تموز 1958 والعائلة المالكة في العراق















المزيد.....


مناقشة مع السيد مصطفى القره داغي حول ثورة تموز 1958 والعائلة المالكة في العراق


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 3099 - 2010 / 8 / 19 - 04:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نشر السيد مصطفى القره داغي مقالاً تحت عنوان " أما آن الأوان لمحاكمة قتلة العائلة المالكة العراقية وإعادة الاعتبار لها ولو اعتبارياً؟". وفيه يدين الأحزاب السياسية اليسارية والقومية بسبب نشرها للأفكار الثورية ومسؤوليتها عن "انقلاب 14 تموز 1958 وقتل العائلة المالكة ونوري السعيد وضرورة إعادة الاعتبار للمقتولين ومحاكمة القتلة. ويطالب من يتبنى حقوق الإنسان أن يبرهن على صدقيته في الموقف من ذلك. ويفهم من نص المقال أن الكاتب يدين كل من لا يؤيده في هذا الموقف. هذا ملخص المقال الذي نشر على صفحات صوت العراق بتاريخ 14/7/2010.
ابتداءً أشير إلى أن ما حصل في صبيحة الرابع عشر من تموز 1958 بشأن مصير العائلة المالكة وعائلة نوري السعيد لم يكن خطأ فادحاً حسب, بل جريمة ارتكبت على أيدي ضابط عراقي أو أكثر كتب عنهم الشيء الكثير ولا يجوز تعميم الاتهام, إذ لم يكن الفعل قراراً من قيادة الضباط الأحرار أو من الزعيم الركن عبد الكريم قاسم أو من اللجنة العليا لجبهة الاتحاد الوطني ولا من الأحزاب السياسية الأعضاء في الجبهة حينذاك. وكل المعلومات التي نشرت فيما بعد تؤكد ذلك. ولكن كراهية الجماهير لعبد الإله ونوري السعيد والضيم الذي عاشوا تحت وطأته دفعهم لمثل هذا الفعل السيئ والذي لا يجوز ولا يمكن تبريره. ومن المسف والمخزي أيضاً أن نقول بأن تاريخ العراق القديم والوسيط والحديث فيه الكثير من هذه الأفعال والجرائم التي يندى لها جبين الناس المتحضرين, ولا بد أن يأتي اليوم الذي يتخلص منها الشعب ويلتحق بالحضارة الإنسانية التي انقطع عنها قروناً كثيرة. ومن حق الكاتب أن يطالب باعتبار تلك الحادثة جريمة وأن يطالب بإعادة الاعتبار. إلى هذا الحد يمكن الاتفاق معه باعتباره حقاً من حقوقه في التعبير عن رأيه.
ولكني أختلف معه بالكثير من المسائل التي لم يتسن للسيد مصطفى القره داغي أن يعيشها في العهد الملكي ولا سمع عنها وكان الأجدر به أن يميز بين الصالح والطالح في العهد الملكي وبين الأساليب الشريرة والأفعال الخيرة التي تمت في ذلك العهد, وكذلك بين العقلاء من الحكام وبين الذين أساءوا للشعب, وكان لا بد من محاكمتهم محاكمة عادلة وشرعية وعلى وفق أصول القوانين المرعية. وهكذا كان يفترض فيه أن ينظر إلى ثورة 14 تموز 1958, إذ أن الأمور ليست إما اسود وإما أبيض, إذ أن بين اللونين أطياف من الألوان الأخرى. لقد عشت ردحاً غير قليل من عمري في ظل الملكية وتعرفت على سياسات الحكومات العراقية المتعاقبة وعلى القوى الاجتماعية والسياسية الحاكمة وعرفت سجونها ومنافيها, وتعرضت مع عشرات الآلاف من العراقيين وجمهرة كبيرة من العراقيات للتعذيب الرهيب والمهين لكرامة الإنسان وحقوقه المشروعة لا لسبب سوى مواقف المعارضة لسياسات ذلك النظام الملكي الذي يبدي الأخ القره داغي حزناً على سقوطه. ومن حقه أن يحزن على نظام سياسي يجده مناسباً له وللمئات الذين يلتقون معه في تقديس الملكية في العراق ومنهم الشريف على بن الحسين. ولكن عليه أن يحترم رأي الملايين من العراقيات والعراقيين الذين يحترمون ذكرى الثورة ويكرمون ما أنجزته للفقراء والكادحين, ولكنهم ينتقدون في الوقت نفسه الأخطاء التي وقعت فيها أو ارتكبت باسمها.
ليس صحيحاً تبرئة النظام الملكي من أخطائه الكبيرة التي قادت إلى الانتفاضة العسكرية ضده ثم تحولت عبر حركة الشعب إلى ثورة تريد تغيير الاقتصاد والمجتمع والسياسة والثقافة, وليس من الصحيح إدانة ثورة 14 تموز 1958 دون رؤية مدققة لنتائجها الإيجابية ومن ثم أخطاء قيادة الثورة والأحزاب السياسية أو قادة الثورة. التدقيق والتمييز ضروريا وأساسيان في متابعة حركة التاريخ العراقي لا من اجل التخطئة أو التصويب فحسب, بل ومن اجل التعلم من هذا التاريخ لصالح المستقبل.
العراق رفض الملكية بغالبيته, وبالتالي من غير الممكن العودة إلى الملكية في العراق. وإذا كان هناك من يرغب به فهذا من حقه وليس هناك من يقف ضد نضاله من اجل الملكية في العراق ويمكن أن يكون معه بضعة مئات أو عدة آلاف أشير إليها في مقال السيد مصطفى القرداغي باعتبارها تؤيد محاكمة القتلة وإعادة الاعتبار للعائلة المالكة.
وفي المقابل هناك الملايين الذين يرفضون الملكية. وهذا من حقهم أيضاً, وأنا منهم.
ولكن لنكن صريحين مع القارئات والقراء: العبرة ليست في الملكية أو الجمهورية, بل في الدستور والقوانين والمؤسسات والحياة الدستورية والديمقراطية التي تقام في ظل الدولة الملكية أو الدولة الجمهورية. فالسويد ملكية ديمقراطية متقدمة ليس هناك من يريد إزالتها. ولكن الكثير من النظم الملكية في المنطقة وفي دول نامية أخرى تتمنى شعوبها الخلاص منها بسبب ظلمها وعدم عدالة النظم الملكية السياسية القائمة فيها والعقوبات التي هي جريمة بحد ذاتها كقطع الروس والجلد العام وقطع الأيدي أو الرجم بالحجارة ... أو مصادرة حقوق المرأة. وهناك الكثير من الجمهوريات غير العادلة والظالمة في المنطقة والعالم, حيث تمارس الكثير من الموبقات ضد شعوبها وضد حرياتها وحقوقها القومية والفردية.
ليست الانتفاضات والثورات عمل فرد أو جماعة صغيرة, ليست إرادة فردية, بل هي عملية سيرورة وصيرورة تستند إلى أرضية سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ولها شروطها ومستلزمات نجاحها, ولا تحصل بإرادة هذا الفرد أو ذاك, بل بفعل عوامل كثيرة ينتجها الواقع الذي يسود في هذا البلد أو ذاك. وحين تنجح الثورة, يتيقن الإنسان من تضافر العوامل التي كانت وراء نجاحها. وهذا ما حصل في ثورة تموز 1958 إزاء النظام الملكي. لم يكن كل ما حصل في أعقاب ثورة تموز سليماً, بل كانت فيه الكثير من الأخطاء التي ارتكبتها القوى السياسية العراقية القومية منها واليسارية وكذلك الإسلامية كحزب الدعوة وحزب التحرير الإسلامي حينذاك أو الأخوان المسلمين, وكذلك أخطاء فادحة للحكومة العراقية التي ترأسها عبد الكريم قاسم وأخطاء قاسم الفردية بالذات, وهي التي سمحت عملياً بوقوع الانقلاب العسكري في الثامن من شباط/فبراير 1963 ضد الجمهورية الأولى وبدعم مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وشركات النفط الاحتكارية وبعض حكومات الدول المجاورة, وفي المقدمة منها الجمهورية العربية المتحدة ودول حلف بغداد (السنتو) حينذاك.
لا شك في أن النظم الشمولية مدانة والأحزاب التي تحمل شعارات تدفع باتجاه الشمولية يفترض نقدها بقوة, بل حرمان الأحزاب التي تدعو إلى إقامة نظم دكتاتورية شمولية تحت أية واجهة كانت حرمانها من حق العمل السياسي, سواء أكانت أحزاباً إسلامية أم علمانية, وسواء أكانت يسارية أم يمينية أم قومية متطرفة, وسواء أكانت شوفينية أم طائفية سياسية. كما يفترض إدانة كل النظم التي ترفض منح الفرد والشعب حريته وحقوقه الديمقراطية وحقوق المرأة وتلك التي تربط الدين بالدولة أو تمارس سياسات كالتي تمارس اليوم في العراق أو تلك التي مورست في عهود الجمهوريات البعثية والقومية والبعثية الأخيرة, أو تلك التي مورست في العهد الملكي غير الديمقراطي.
البدايات الأولى
كانت رغبة بريطانيا بعد إعلان احتلال العراق في نهاية الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية أن يبقى العراق تحت الهيمنة والسيادة البريطانية وأن يقاد من قبل حاكم بريطاني, كما كان عليه الحال في الهند. ولكن ثورة العشرين (حزيران/يونيو 1920) قد أقنعت الحكومة البريطانية باستحالة ذلك وأن عليهم احترام إرادة الشعب وإقامة الدولة العراقية. وحين تقرر إقامة الدولة العراقية, طرحت أسماء الكثير من المرشحين من بغداد والبصرة على نحو خاص ليكون أحدهم ملكاً على العراق. إلا أن إرادة بريطانيا كانت غير ذلك, إذ أن مؤتمر القاهرة الذي عقد في العام 1921 قد قرر أن يكون الأمير فيصل بن الحسين, الذي كان قد أطيح به في سوريا وأبعد عنها, أن يكون ملكاً على العراق بدلاً من سوريا. وكانت هذه إرادة مس گيرترود بيل ورضخ السير برسي لإرادتها.
كان الأمير فيصل بن الحسين أحد المساهمين مع مس بيل في مؤتمر القاهرة الذي حضره تشرشل ليقرروا مصير العراق واختيار ملكاً له. فخيار الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على العراق كان بالأساس خياراً وقراراً بريطانياً.
كتب الكاتب والروائي عبد الرحمن منيف مقدمة لكتاب يرترود بيل تحت عنوان "المرأة التي أنشأت دولة ونصَّبت ملكاً", كما جاء على الصفحة 362 من كتاب گيروترود بيل, "أوراقها الشخصية 1914-1926" من تأليف إليزابيث بيرغوين ما يلي:
"من بين القرارات التي اتخذت في مؤتمر القاهرة فيما يتعلق بالسياسة البريطانية في الشرق الأوسط ذلك الخاص على دعم ترشيح الأمير فيصل بن الحسين لتبوئ عرش العراق". وقد لعبت مس گيرترود بيل, ومعها السير برسي, دوراً كبيراً في إبعاد ترشيح عبد الرحمن النقيب من بغداد وطالب النقيب من البصرة, وكان الأخير وزيراً للداخلية في وزارة عبد الرحمن النقيب حينذاك, والذي اعتقل في بغداد بقرار من السير برسي وبتأييد من گيرترود بيل وأبعد إلى الفاو لكي لا يتسنى له ترشيح نفسه لمنصب ملك العراق. (ص 366/377 نفس المصدر).
لقد أصبح هذا الأمر من الماضي ولا ينفع الحوار فيه, خاصة وأن الرجل كان ناضجاً وواعياً وحاول تأمين تطور إيجابي في العراق. (وجدت في كتاب ثورة العشرين لآل فرعون وثيقة موقعة من شخصيات عراقية في كربلاء بتاريخ 1920 حول تأييد ترشيح الأمير فيصل ملكاً على العراق وكان بين الموقعين اسم والدي الحاج حبيب الملا عبد). كما حاول الموازنة بين مصالح الشعب ومصالح الدولة البريطانية في العراق. في عهده وفي ظل الانتداب وضع الدستور العراقي بمضامينه الديمقراطية العامة. كما وقعت امتياز النفط لصالح شركة النفط العراقية المتعددة الجنسية والتي كانت في صالح شركات النفط تماماً.
سعى الملك فيصل الأول عبثاً إلى تطبيق ذلك الدستور في مجتمع عشائري ريفي وشبه إقطاعي وخاضع للسيطرة الاستعمارية البريطانية والتي تجلت في المادة التي كتبها في بغداد قبل سفره للمعالجة في سويسرا حيث قدم وصفاً صادقاً وواقعياً لأوضاع المجتمع العراقي حينذاك. وعلينا أن نتذكر باستمرار إلى الحكومة البريطانية وأجهزتها ومن سفارتها في بغداد قد لعبوا جميعهم دوراً سلبياً في تطبيق بنود الدستور العراقي وتعانوا مع الحكومات العراقية المتعاقبة على تشويهه والتجاوز عليه بشتى السبل.
لم يستطع فيصل إلى حين مماته أن يوفق بين رغبة البريطانيين في الهيمنة وبين رغبة الشعب في الحرية والديمقراطية, كما عجز عن ذلك الملك غازي بن فيصل , ولكن عهد فيصل الأول كان الأفضل وعهد غازي كان بداية للانقلابات بالمقارنة مع عهد الوصي على العرش عبد الإله بن علي بن الحسين. لقد مات الأول في سويسرا في أوضاع غامضة ومات الثاني في حادث سيارة مشبوه, وقتل الوصي والملك فيصل الثاني في الأول الأول من وقوع ثورة تموز 1958.
كانت سياسات الحكومات العراقية المتعاقبة في العهد الملكي قد شوهت بنود الدستور ووضعت قوانين مخلة بمواده الديمقراطية ومتجاوزة على الحياة العامة والحريات الضرورية للفرد والمجتمع. وكان الدور لسياسات هذه الحكومات قد تبلور في أعقاب الحرب العالمية الثانية وبشكل خاص في العام 1947 و1948 وما بعدهما.
لقد أصبح المجلس النيابي يوزع بين مجموع بريطانيا ومجموعة البلاط ومجموعة الحزب الذي يحكم, الدستوري أو الأمة. هذه المساومة منعت أحزاب المعارضة من الحصول على مقاعد في دورات مجلس النواب العراقي, وحين كانت تحصل على بعض المقاعد في البرلمان كانت الحكومة تبادر إلى حله المجلس كما حصل في العام 1954 على سبيل المثال لا الحصر. لقد سعت مراكز القوى الثلاثة إلى تشكيل مجالس نيابية نوافق على قرارات الحكومة التي كانت تنضج مع السفارة البريطانية في البلاط الملكي وبمشاركة رئيس الحكومة, ولهذا أطلق على مجلس النواب بمجلس "الموافج" أي الموافق!
لقد تقدم العراق خطوات ملموسة على طريق المجتمع المدني في ظل النظام الملكي, رغم بطء تلك العملية والعقبات التي كانت توضع في الطريق, منها مثلاً في مجال التعليم العام وتعليم البنات وفصل الدين عن الدولة في الواقع العملي وإرسال البعثات الدراسية إلى الخارج ووجود منظمات المجتمع المدني رغم منعها من العمل بين فترة وأخرى. إذ كانت هناك نضالات جادة من النخب المثقفة والمتعلمة في العراق من أجل تحسين الأوضاع وممارسة نصوص الدستور والضغط المتواصل على الحكومة لانتزاع مكاسب شعبية منها, مثل موضوع المناصفة في إيرادات النفط الخام المصدر في العام 1951/1952ا وتشكيل مجلس الإعمار ووزارة الإعمار وقبل ذاك البنك الصناعي والبنك الزراعي, وإقامة المشاريع الصناعية في قطاع الدولة والقطاع المختلط والقطاع الخاص, أو في إقامة السدود والجسور ومشاريع الري والبزل. ولكن نخبة من الحكام, ومنهم بشكل خاص نوري السعيد وصالح جبر وسعيد قزاز والمدفعي والسويدي..., قد زوروا الانتخابات العامة عبر أجهزة الدولة وباعتراف صريح وقاطع من جانب نوري السعيد في جلسة من جلسات مجلس النواب, كما وجهوا ضربات قاسية للمعارضة البرجوازية الوطنية المتمثلة بالحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال والجبهة الشعبية, وليس للمعارضة اليسارية فقط مثل حزب الشعب وحزب التحرر الوطني أو الحزب الشيوعي والحزب الديمقراطي الكردي حينذاك. وكان نوري السعيد هو رئيس الوزراء حين أصدر المراسيم الاستبدادية المعروفة في العام 1954 و1955 ضد الحركة الوطنية العراقية وأسقط الجنسية العراقية عن عدد من المناضلين المعروفين وزج بالمئات في السجون والمعتقلات العراقية ووافق على ممارسة التعذيب أثناء التحقيق وفي السجون العراقية ومارس القتل ضد المضربين في السجون العراقية, كما حصل في سجني الكوت وبغداد. وهؤلاء هم الذين وجهوا النيران إلى صدور من رفض معاهدة بورتسموث في العام 1948 التي رفضها الشعب, وكذلك انتفاضة 1952 وانتفاضة 1956 التي انطلقت لرفض العدوان الثلاثي على مصر بصورة سلمية ولكنها قوبلت بالحديد والنار وقتل البعض وجرح آخرون كما نفذوا حكم الإعدام بثلاثة أشخاص في قضاء الحي في لواء الكوت لمشاركتهم في التظاهرات حينذاك.
لم يكن النظام الملكي ديمقراطياً, بل شوه الدستور الديمقراطي الذي وضع في العام 1925.
ولم يكن النظام الملكي عادلاً بل ساند الإقطاعيين وكبار الملاكين وأصبحت العائلة المالكة التي جاءت إلى العراق ولا تملك شبراً من الأرض العراقية, أصبحت مالكة كبيرة للأرض بدون شراء لتلك الأراضي. وأصبح الفلاحون يعانون الأمرين بفعل موقف نوري السعيد ضد أي إصلاح زراعي حين هوس من دار الإذاعة العراقية "دار السيد مأمونة" والتي لم تكن مأمونة حقا, إذ أسقطت بعد فترة وجيزة من تلك الأهزوجة السعيدية.
لم يكن الحزب الشيوعي العراق من رفع شعار إسقاط الملكية في فترة وجود فهد على رأس الحزب ولا بعدها كسياسة رسمية, بل كان يقدم المذكرات لصالح إصلاح الوضع في العراق وفي ظل الملكية, ولكن سلوك حكومات النظام الملكي والبلاط, وخاصة عبد الإله ونوري السعيد, هي التي قادت إلى انتفاضة الجيش في تموز 1958, والشعب هو الذي حولها إلى ثورة بمطالبته بتحقيق الإصلاحات المعروفة.
لا يمكن نفي وجود شعارات وسياسات متطرفة في الفترة الواقعة بين 1949-1954 من جانب القيادات الحديثة للحزب الشيوعي العراقي بعد أن زج بفهد ورفاقه في السجن وبعد إعدامهم في العام 1949, وهي ردود فعل حادة لسياسات حكومية قمعية. كما يمكن أن نجدها لدى أحزاب أخرى, ومنها الأحزاب القومية بشكل خاص. وهذه المسالة مرتبطة عضوياً بمرحلة تاريخية كان الاستعمار العالمي قد زج بكل قواه من أجل الهيمنة على الموارد, وكان النضال من أجل الاستقلال والسيادة وضد نظم كان تمارس سياسات غير سليمة. التطرف في سياسات تلك الحكومات قاد غلى تطرف في سياسات الأحزاب, في ظل انشطار العالم غلى معسكرين شرقي وغربي, اشتراكي ورأسمالي! إن العودة إلى الماضي ودراسته مفيدة للجميع والتخلي عن التطرف يفترض أن يشكل سمة العصر الذي نحن فيه, ويأمل الإنسان أن يجري التخلي عن العنف والقوة والقسوة والحرب ومعالجة جميع الأمور بالطرق السلمية والتفاوض الديمقراطي, سواء أكانت داخلية في كل بلد أم خارجية وبين الدول.
ما كان في مقدور أي حركة مسلحة الانتصار على الملكية لو لم تكن الملكية ناضجة للسقوط ولو لم تكن الظروف الموضوعية والذاتية ناضجة لنجاح الانتفاضة العسكرية والمرتبطة بنشاط قوى مناهضة لسياسات تلك الحكومات في الجيش وفي صفوف المجتمع. فإلى جانب الجيش كانت هناك جبهة الاتحاد الوطني ولجنتها العليا, وهي جبهة سياسية تمثل الأحزاب العراقية حينذاك. يحق لك أن تسمي الثورة انقلاباً عسكرياً, ولكن كان هذا الانقلاب ضد نظام شوه الدستور وداس على حرية وديمقراطية ونزاهة الانتخابات ولم يحترم حقوق الإنسان وحقوق المواطنة المتساوية. من حقك أن تطالب بجر من قتل العائلة المالكة إلى المحاكمة. ولكن أليس من حق الشعب أن يطالب بجر من قتل المئات من أبناء وبنات الشعب العراقي حينذاك في العهد الملكي إلى المحاكمة أيضاً. أليس من واجبك كمدافع عن النظام الملكي أن تطالب محاكمة جميع حكام العهد الملكي وأن يعاد الاعتبار إلى كل من استشهد في العهد الملكي باعتبارك مواطن عراقي.
لقد قتل النظام الملكي الكثير من الناس, لا في بغداد والألوية العربية, بل وفي الألوية الكردية, إذ رفض بإصرار منح الكُرد حقوقهم القومية المشروعة رغم الالتزام الذي أعطاه الملك فيصل والحكومة العراقية خطياً إلى مجلس عصبة الأمم في مقابل منح العراق عضوية المجلس ورفع الانتداب البريطاني عنه. ومارست الحكومات العراقية المتعاقبة سياسة ضرب المناضلين الكُرد في سبيل حقوقهم في كُردستان العراق وفي الوسط والجنوب أيضاً ابتداءً من منتصف العقد الرابع من القرن العشرين, وعلى القارئات والقراء العودة إلى تاريخ العراق الذي سجله عبد الرزاق الحسني في تاريخ الوزارات العراقية أو في كتب كثيرة أخرى ليرى حقيقة ذلك, بما في ذلك إعدام الكُرد الأربعة في العام 1946 رغم وعود الحكومة بالعفو عنهم. لقد ساهم موقف النظام الملكي في تعقيد العلاقة بين الحكومة المركزية والشعب الكردي بسبب محاولة تهميش هذا الشعب بشكل كبير, إضافة إلى تهميش المجتمع عموماً في ما عدا مصالح النخب الحاكمة ومالكي وسائل الإنتاج, وخاصة الملاك الكبار للأرض الزراعية. ويمكن أن نجد مصداق ذلك في كتاب حنا بطاطو الموسوم "العراق".
إن من لا يرى أخطاء النظام الذي يدافع عنه, ويرى أخطاء النظم التي يعارضها فقط, يصعب عليه التعلم من دروس التاريخ ولا يفيد شعبه حين يكتب المقالات ويفقد مصداقيته في الكتابة, إذ أن للناس عقول وتدرك وتعرف ما كان يجري في العهد الملكي. ولا يبرر نسيان ذلك ما تعرض له الشعب من مصائب وكوارث فيما بعد على أيدي الكثير من المستبدين والقتلة والحكام الأوباش.
لو كان الحكم الملكي ديمقراطياً وعادلاً وحصيفاً لما ناضل الناس ضده وصمموا على محاربته وإسقاطه, ولبقي النظام الملكي إلى الآن قائماً, ولكنه سقط بسبب سياساته الخاطئة والمناهضة للديمقراطية والعدالة الاجتماعية وعدم اعترافه بحقوق القوميات, وبشكل خاص حقوق الشعب الكردي وحقوق الكلدان والآشوريين والتركمان في العراق حينذاك.

18/آب/ أغسطس 2010 كاظم حبيب



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- د.كاظم حبيب في حوار مفتوح مع القراء والقارئات حول اليسار: آف ...
- مرة أخرى حول الواقع العراقي والسياسة الاقتصادية الراهنة في ا ...
- هل ينبغي للسيد السيستاني أن يخشى لومة لائم على قول الحق؟
- مناقشة مع الرأي الآخر حول اللبرالية الجديدة والاقتصاد العراق ...
- السياسة والاقتصاد في أزمة متفاعلة في العراق
- اتجاهات تطور الوضع السياسي والاقتصادي في العراق
- هل يواصل حارث الضاري نشر الكراهية والحقد الطائفي في العراق؟
- رسالة مفتوحة إلى آية الله العظمى السيد علي السيستاني حول طقو ...
- من أجل أن تبقى رؤوسنا مرفوعة نحلم بغدٍ أفضل وحياة أسعد!
- الزيارات المليونية والموت في العراق!
- تقرير عن احتفالية اليوبيل الماسي لصديق الكورد البروفيسور كاظ ...
- خلوة مع النفس .. الصداقة كنز.. وخيانة الأمانة والصداقة رجس ش ...
- لنعمل من أجل بناء الديمقراطية الغائبة في العراق؟
- كاظم حبيب: الاعلام الكردي لا يزال ضعيفا وبحاجة إلى موضوعية
- هل من علاقة جدلية بين النضال المطلبي للشعب والنضال في سبيل ا ...
- ثورة العشرين (1920) في العراق
- إسرائيل ... إلى أين؟
- هل ينفع حكام إيران ترحيل مشكلاتهم الداخلية صوب الخارج؟
- كلمة كاظم حبيب في احتفالية تكريمه في أربيل
- إيران تواصل سياستها العدوانية إزاء العراق!


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كاظم حبيب - مناقشة مع السيد مصطفى القره داغي حول ثورة تموز 1958 والعائلة المالكة في العراق